الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:38 ص
ابحث ابحث عن:
ثقافة
الأحد, 23-يوليو-2006
المؤتمر نت -   بقلم : لؤي يحيى عبد الرحمن الارياني -
يوميات مختلفة
تبدأ صوفي يومها بأن توقظها الخادمة في وقت متأخر من النهار لتغسل لها وجهها وتتأكد من نظافتها الشخصية وتعطرها بعطر بنكهة الليمون ينعشها وينعش حواسها ويجعلها مقبلة على يومها بفرح وابتهاج, تذهب بعدها لتتناول الإفطار مع والدتها التي ما ان تشاهدها حتى تحضنها وتقبلها بحب وحنان فتشعر صوفي بالدفء الأسري وتجلس لتتناول إفطارا فاخرا يمنحها النشاط والحيوية وما ان تمتلئ معدتها الصغيرة الفاخرة حتى تنهض لتكمل بقية نشاطات يومها.

تضطر زودي ان تصحو مبكرا جدا تقريبا قبل الفجر فمدرستها بعيدة جدا وتحتاج إلى ساعة ونصف مشيا على الأقدام كي تصل إليها, وللأسف فأن طريقة استيقاظها تجعلها عصبية ومرهقة بقية يومها فهي تصحو على صراخ أمها المترافق أحيانا مع بعض اللطمات فمزاج أمها حاد جدا ولا يحتمل أي تأخر, تذهب بعدها زودي لتحضر الماء وهي مسألة ليست بالسهولة التي تبدو عليها فللحصول على الماء عليها المشي لمسافة طويلة والوقوف في طابور طويل وحمل جرة كبيرة تكون ثقيلة جدا حين تمتلئ بالماء, تعود زودي للبيت كي تتناول إفطارها تجد ان الأم خصت الأب بالجبن واللبن في حين ازدردت هي وأخواتها السبع بعض الخبز الجاف مع الماء, ومن ثم نهضت لتكمل بقية نشاطات يومها.
تذهب صوفي للتنزه في فترة ما بعد العصر يرافقها حارس شخصي, يجري معها ان فكرت تجري ويجلس بالقرب منها ان فكرت تجلس ولكن بعيد بمسافة كي لا يزعجها, كانت تحب ان تتنزه في الحديقة المجاورة للبيت وتستمتع كثيرا بمنظر البحيرة الصغيرة والحشيش الأخضر الطري, كانت تحب ان تتدحرج عليه أو ان تلعب مع بعض الحمامات, وعندما تشعر بشيء من العطش تتناول بعض الأيسكريم, ثم ترجع إلى البيت وفي طريقها إليه تأخذ الكثير من الحلويات

زودي تقضي طوال فترة العصر وهي تساعد أسرتها في الحقل, تفعل ما يأمروها به من جمع المحصول إلى سقاية الزرع أو الذهاب لإحضار بعض الطعام لبقية الأسرة, عندما كانت تشرد وتنظر إلى بقية الأطفال الذين يلعبون في الطرف الاخر من الحقل كانت لطمه من أبيها تردها إلى ارض الواقع, وعندما كانت تعطش كانت تشرب ماء دافئ ذو طعم فيه القليل من الملوحة و الذي تسبح أشياء لا تعرف ما هي ولا تريد ان تعرف ما هي, وفي طريقها إلى البيت تحمل أغراض أبيها على رأسها ولا تشتري أي حلوى.. زودي لم تأكل الحلوى في حياتها قط.

في المساء يأتي أصدقاء صوفي للعب معها وسط الكثير من الحلويات والأطعمة الفاخرة المخصصة لهم والمفحوصة بعناية, كل أصدقاءها يعيشون في نفس الرفاهية والدلال التي تعيش فيه صوفي كلهم في قمة النظافة والتأنق, تقوم أم صوفي بملاطفة الجميع وتدليلهم واللعب معهم, تغار صوفي من ملاطفة أمها لصديقاتها فتذهب إلى غرفتها الفاخرة في غضب وتلحقها الأم لتعتذر وتحتضنها في حنان وتلبسها حلية ماسية رائعة تنظر إليها صوفي في غير فهم وتجري لتتابع اللعب مع صديقاتها.

يأتي دور مساعدة الأم في المساء, فتقوم زودي بأعمال الغسيل لقليل من الملابس الرثة التي لا يمثل غسلها إلا مسألة خداع للنفس فهي لم تعد صالحة للبس على أي حال, كما تقوم بمساعدة أمها في التنظيف, تمر على البيت صديقة زودي الوحيدة وتستأذن الأم في ان تلعب معها ولكن الأم تصرفها بقسوة وتنظر إلى زودي تصيح بها في غضب شديد ان تكمل عملها, تغضب زودي وتذهب إلى الخارج (فليس لديها غرفة في البيت) فتلحق بها أمها وتشدها من شعرها وهي تلعن اليوم الذي أنجبت فيه هذه الفتاة المدللة الفاسدة, تجرها جرا من شعرها إلى مخزن صغير ملحق في البيت وترميها بداخله وتغلق عليها الباب عقابا لها, ومن وراء الباب المطل على الشارع تسمع أصوات مجموعة من الفتيات يجرين وهن يرددن إحدى الأغاني الطفولية الجميلة

لم تمرض صوفي من قبل, زيارتها الدورية للطبيب كل أسبوعين والفحوصات الشاملة التي تجريها تجنبها الدخول في أي اعتلال شديد, كما ان نوعية الطعام والشراب الخاصة بها تنتقى بعناية, ولكنها في احد الأيام مرضت.. وتم إسعافها في وقت متأخر من الليل إلى المشفى وتم إعطاءها الأدوية اللازمة مع مراقبتها لمدة 48 ساعة وجاء كل أصدقاءها لزيارتها في المشفى كما أتى الكثير من أقارب الأم والأب وعائلات أصدقاء صوفي محملين بالكثير من الهدايا, وبعد ال48 ساعة رجعت إلى البيت في أتم الصحة والعافية لتملأ البيت بالمزيد من المرح والسرور.

تمرض زودي دائما.. كل ما حولها يشكل سببا وجيها للمرض, بل انه ليس هناك شيء واحد حولها قد يكون مصدرا للحياة الصحية, تتفاوت حدة أمراضها وخطورتها, بالطبع هناك الإسهال وسوء التغذية و هما رفيقا زودي الدائمين في الحياة حتى أنها تقلق إذا مر أكثر من ثلاث أيام دون نوبة مغص شديدة, ولكنها في ذلك اليوم مرضت مرضا شديدا, جميع من في البيت أدرك ان المرض الذي دخل إلى بيتهم هذه المرة لن يغادره ببساطة, شعرت الأم بأن عليها ان تفعل شيئا ولكن الأب أقنعها بأنها حمقاء.. لا مجال لعمل شيء في حياة كحياتهم.. أفضل الخيارات هي البكاء في صمت مع أمل بسيط جدا في التحسن, فلا توجد مستشفيات إلا على مسافات بعيدة وحتى ان وصلوا إليها فلن يستطيع علاج ابنته إلا بواسطة أو بدفع رشاوى ونقود وعائلة زودي ليس لها أي علاقة بالنقود ثم أنها فتاة.. لو كانت فتى لكان من الممكن ان يكون هناك فائدة في المحاولة..مر في احد الأيام خال زودي ورأى الأم تجلس بجانب جسد الفتاة الصغيرة التي تنتفض من الحمى.. ابتسم للام في بلادة وذهب إلى الأب وقال له معبرا عن تعاطفه الأسري بأنه سيذهب ليتفق مع حفار القبور.. وفي حين ربت الأب على كتفه في شكر وامتنان هز الخال كتفه بما معناه ان لا داعي فلا جديد في هذا.

كانت هذه لمحة من يوميات لمخلوقتين على نفس الكوكب تختلف حياتهما كثيرا وفي حين يمنح العالم كل الفرص السعيدة لصوفي لا يسمح لطفلة كزودي سوى بحياة تعيسة .. نسيت ان أقول لكم ان زودي هي فتاة افريقية صغيرة عمرها تسع سنوات تعيش في احدى القرى الإفريقية .. وبأن صوفي هي كلبه.. ذات سبع سنوات من نوع التشيواوا تعيش في نيويورك!!.





أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر