إيلي الحاج - من مقاهي بيروت مع توالي أخبار دخول القوات الإسرائيلية أطراف معقل "حزب الله" بنت جبيل، يسمع الجالس في مقاهي بيروت أحاديث تختلف تماماً اقرأ أيضا عما تتناقله محطات التلفزة ووكالات الأنباء حول الحرب المفتوحة بين الجيش الإسرائيلي وميليشيا "حزب الله" .
هناك يستنتجون أنه سواء ربحت الحرب إسرائيل أو الحزب التابع لإيران، فإن الخاسر في النتيجة هو لبنان الذي حقق الطرفان الدمويان نجاحاً منقطع النظير في تدميره.
وبحزن يوضح أحد رواد مقهى يرتاده مثقفون في شارع الحمرا فكرته أن لبنان لم يرقَ بعد إلى مستوى دولة، بل هو مجموعة قبائل وجدت نفسها تعيش على أرض واحدة، وما حصل منذ نحو عامين أن ثلاثاً من هذه القبائل- يقصد السنّة والمسيحيين والدروز- اتفقت في ما بينها على صيغة لاقتسام الأرض والسلطة على الناس، في حين بقيت قبيلة أو أبقت نفسها بالأحرى، خارج هذا الإتفاق ، وهي الآن تخوض الحرب وحدها وبقرارها الحر وتطلب إلى بقية القبائل التضامن معها . وهي تتضامن فعلاً ولكن إنسانياً، بمعنى الإهتمام بالنازحين ورعايتهم وإغاثتهم . وعندما تنتهي الحرب سينهش قادة القبائل الأخرى السيد حسن نصرالله الذي يؤدي في آن واحد دوري قائد قبيلته وساحرها.
ويتدخل في الحوار مثقف آخر يحرص على التوضيح أنه لا ينتمي إلى قبيلة السيد نصرالله إلا على الهوية. رأيه أن الرجل صعد بشيعة لبنان إلى قمة مجدهم بعد تهميش تاريخي مديد على ضفاف الحياة السياسية . وبعد تحرير الجنوب عام 2000 كان السيد يصيح في وجه كل منتقد لربط البلاد بمحور إيران وسورية والتنظيمات الإسلامية في فلسطين: "إنت مين؟" فيردد الصيحة خلفه مئات الآلاف من أفراد القبيلة. و"إنت مين؟" تعني أنك إما عميل وإما متخاذل.
صحافي يساري ، يعتبر نفسه موضوعياً، يقول في سياق الحديث إن على جدول رواتب "حزب الله" ما بين 30 ألفاً و35 ألفاً لمقاتليه وأسر شهدائه وعاملين في مؤسساته ، أي أن أكثر من مئة ألف في أقل تقدير في مجتمع العائلات الشيعية الكبيرة العدد يفيدون مالياً من الحزب ويلتزمون عقيدته وأوامر قيادته . هل تدركون أن الحزب الشيوعي تسلم السلطة في الإتحاد السوفياتي بنسبة واحد في المئة فقط من الشعب ملتزمة عقيدته؟ بمئة ألف يسهل على "حزب الله" أن يسيطر على مليون ويمحو الرأي الآخر في الشيعة ويستتبع المختلفين.
ويستطرد المثقف الآخر ، الشيعي على الهوية: "صنع حزب الله العصر الذهبي لطائفته بدأب مدى عشرين عاماً ثم حطمها شر تحطيم . فقد اتزانه بعد استعراض "لجيشه" في بيروت شارك فيه أحد عشر ألف مقاتل في أيلول(سبتمبر) الماضي. واليوم إنظروا إلى شيعة لبنان، لقد باتوا بسببه مثل قبائل البدو الرحّل. ويا لسخرية القدر المفجعة ، منهم من لجأ إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ليحتموا بهم بعدما كان نصرالله وأشباهه يتطلعون لتحرير بلادهم من إسرائيل، ومنهم من هرع إلى أرض القبائل الأخرى . وها صيدا وغرب بيروت وعكار وطرابلس محميات سنية، شرق بيروت والجبل الشمالي حتى بعض عكار والبقاع محمية مسيحية، والجبل الجنوبي محمية درزية. وفي المقابل جبل عامل والضاحية الجنوبية وبعلبك ، مثلث الحضور الشيعي الوازن، أصبح أرض دمار وخراب وأشباح.
ويلفت أحد المشاركين في الحديث إلى أزمة تأقلم لدى عدد من أنصار الحزب النازحين، تترجم نفسها أحياناً إساءات إلى معتقدات ورموز للمؤسسات والمتطوعين الذين يساعدونهم، سواء في صيدا أو في بعض المؤسسات الدينية في مناطق أخرى، حيث يحدث أن يعلق بعضهم صورا لنصرالله وأعلام حزبه. ويضيف أن هذه الظواهر تعالج فوراً بروح التفهم والإستيعاب. حوادث يتجنب ذكرها الإعلام والصحافيون، وكذلك "إيلاف"، لكن المتحدث يقول أن أزمة تأقلم حقيقية ستبرز بحدة إذا طالت مدة النزوح. فيجيب أحد المشاركين في الحديث بأنه يعرف أهل الجنوب جيداً وهو منهم، وسيعودون إلى قراهم ما أن تهدأ الحرب ويسكنون حتى في خيم قرب الأنقاض.
ويقول أحد الحضور إنه لم يتمكن بعد من إدراك سبب إقدام إسرائيل على تدمير منشآت مدنية لا تقدم ولا تؤخر في هذه الحرب ، خصوصاً أن الولايات المتحدة تدعوها إلى ترك الحد الأدنى من مقومات قيام الدولة اللبنانية . ويعطي مثلاً جسر المديرج – ضهر البيدر الأعلى في الشرق الأوسط ( 90 مترا) ، لماذا أنزلوه وكان يمكنهم قطع الطريق بصاروخ قبل الجسر أو بعده؟ فيجيبه آخر: " كي يظل اللبنانيون يتذكرون بأسى ما أدت إليه تصرفات حزب الله ويحقدوا عليه".
"هذه قبيلة تحتاج إلى رفيق حريري ما ينشلها من ثقافة الموت والتدمير إلى ثقافة الحياة والإعمار"، يستنتج أحدهم، ويضيف أنه " لا يظهر مشروع رفيق حريري ما حتى الآن لدى الشيعة، وصدقوني الوضع في هذه الطائفة يبعث على الأسى. تابعت على إحدى محطات التلفزة برنامجاً تحدثت فيه مجموعة من الشبان النازحين، أعمارهم بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة ، لا أحد منهم تحدث عن مدرسة أو تعليم فهم عمال أو عاطلون من العمل وبعضهم متزوج له أولاد وكلهم مع حزب الله ويحلفون باسم السيد. بيئة كهذه تدفع إلى الإلتحاق بميليشيا رغبة في الموت الذي تسميه استشهاداً على أنه أجمل من الحياة . يجب أن يفكر الجميع في لبنان وخارجه بعد الحرب بطريقة، على غرار ما فعل الحريري، لتنفذ إلى هذه البيئة الثقافة والعلم ليحب شبابها الحياة والعمران وقيم المعاصرة".
وبين حين وآخر كان المتحادثون يتطلعون إلى شاشة تلفزيون تنقل تطورات وصول الإسرائيليين إلى بنت جبيل، وسأل أحدهم: "إذاً، هذه هي استراتيجية حزب الله الدفاعية؟".
وقاطعه آخر : "ماذا ينفع هذا الكلام؟ المهم الآن ، كيف ستنتهي هذه الحرب؟".
كيف ستنتهي؟ هذا حديث آخر.
نقلاً عن إيلاف
|