المؤتمر نت- أحمد الحسني: - للفقية..نريدك سياسياً لا منجماً حين يجلس الدكتور عبدالله الفقيه وراء مكتبه كأستاذ للعلوم السياسية فإنه يجمع في كتاباته بين السياسي والكاتب ويجبر القارئ على الإعجاب واحترام وجهة نظره مهما اختلف معها، لكنه بين الفينة والأخرى يطالعنا بكتابات ليس فيها من أستاذ العلوم السياسية غير ثلاث كلمات فقط، تذييل اسمه في آخر المقال. من هذه الكتابات مقاله في "الوسط" الأسبوع الفائت ( قراءة أولى للصراع القادم على عرش اليمن) العنوان -لولا الصور أدناه -يوحي أن المقال كتب مطلع الأربعينات من القرن الماضي ويتناول الصراع الخفي بين عبدالله الوزير وأحمد حميد الدين على خلافة الإمام يحيى وما سيسفر عنه نشاط مندوب الإخوان الورتلاني في اليمن.
الدكتور الفقيه افتتح مقاله قائلاً " لا بد لأي كاتب يحترم نفسه من أن يتعامل بحذر مع المعركة الانتخابية"، تمنيت في قرارة نفسي لو أن الكاتب عمم في عبارته وقال " لا بد لأي كاتب أن يحترم نفسه" خصوصاً وأن الدكتور قد عانى ممن لا يحترمون أنفسهم ولا الآخرين لكن أمنية الدكتور أن تظل المعركة انتخابية اعترضت أمنيتي كما اعترضت سياق الكلام للتخويف دون مبرر أو تمهيد، وكأن الدكتور آراد فقط أن يسرب. معلومة يعرفها عن استعدادات تجري في السر لتحويل المعركة الانتخابية إلى قتال؛ إذ لا أعتقد أن الأستاذ الدكتور عبدالله الفقيه يقصد بها استنتاجاً دون أي معطيات أو استدلالاً على حدسه الذكي للاعتماد على نبوءاته في استشراف المستقبل في اليمن باعتبار أن أي قراءة استباقية في سياق مثل السياق اليمني لن تكون سوى ضرب من ضروب التنجيم -كما يقول في فاتحة قراءته.
لا أدري ما الذي يدفع بأستاذ العلوم السياسية إلى التنجيم بدلاً من استقراء الواقع أياً كانت خصوصيته؟!
اعتقد أنه احترام الدكتور للعلم الذي يدرسه في الجامعة ومعرفته أن نتائج التحليل العلمي لن تخدم عواطفه الشخصية وأن القراءة الموضوعية لن تتيح له انتقاص من يخالفه الرأي والجزم بسذاجة الآخرين وعجزهم عن استيعاب التحولات في الخارطة السياسية؛ خصوصاً إذا كانوا صحفيين يعملون في حزب يأكل الناس لحماً ويرميهم عظماً كما يقول أي أغلب الصحفيين الحزبيين في المعارضة والسلطة على السواء فالصفة مشتركة في الجميع بحمدالله.
رغم أني عظماً في أحد الأحزاب إلا أني لا استطيع أن أوافق على اتهام الدكتور لي بالسذاجة وإن كنت اعترف بعجزي عن استيعاب التحولات على طريقة الدكتور التي يقول فيها إن أهم التحولات في متغير المعارضة هي:
1. اصطفاف معارضي صالح ضد نظامه وهو اصطفاف وطني يشبه ما حدث عام 1990م عندما قررت القوى السياسية في الشطرين تحقيق الوحدة اليمنية" مدللا على ذلك بملاحظة العديد من الدارسين إلى اصطفاف اليمنيين ونسيان خلافاتهم في الأوقات العصيبة، لأن قياس الدكتور هنا غير سليم والاستدلال غير منطقي، والدكتور أعلم مني بأن قيادات ما عرف فيما بعد بتجمع الإصلاح كانوا أكبر المعارضين للوحدة وأن تحقيق الوحدة كان استجابة لمتغيرات دولية " وحصيلة نضال طويل في الداخل في سبيلها، كمطلب جماهيري عام، إلى غير ذلك من الأسباب والعوامل، هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك فرق بين قضية وطنية كالوحدة وفوز تيار سياسي أو مرشح حزب في الانتخابات، واعتبار اصطفاف معارضي الرئيس صالح علي افتراضه اصطفافاً وطنياً إلغاء للآخر وحصر للوطن في معارضي الرئيس صالح، وتلك أبجدية للاستبداد لا أظن أستاذ العلوم السياسية يجهلها ويتعمد أن يسلبني حق المواطنة وصفة الوطنية بسبب اختياري للرئيس علي عبدالله صالح ، أما الاستدلال عليه باصطفاف اليمنيين في الشدائد، فإن الدكتور يعلم أن اليمنيين ليسوا مميزين بجين للاصطفاف خلافاً للشعوب الأخرى، ولا يعنينا هنا إثبات صحة ملاحظة الدراسيين أن وجدت من عدمها، بقدر ما يعنينا سؤال الدكتور أليس المصطفون مع الرئيس صالح يمنيين أيضاً ؟ وما عقوبة انتخاب الرئيس صالح في شرع الدكتور الفقيه وديمقراطيته الثورية؟
ثم ما هي دلائل اصطفاف معارضي الرئيس صالح هل هو خروج البعث من صفوف المشترك؟ أم عدم اتفاقهم على اختيار مرشح من بين قيادات اللقاء؟ أم التوافق الأيديولوجي بين أحزاب المشترك؟ أم ترشيح رئيس دائرة في تجمع الإصلاح وعضو لجنة مركزية في الحزب الاشتراكي لنفسيهما أمام مرشح المشترك؟ أم تنافس أحزاب المشترك فيما بينها في الانتخابات النيابية 2003م رغم وثيقة التنسيق التي وقعت عليها أحزاب المشترك قبل الانتخابات، أنا أُحيل الدكتور الفقيه إلى مقال له قبل شهور وصف فيه دور تجمع الإصلاح في التحالف بأنه باحث في تحالفه مع أحزاب المشترك عن صورة الحزب المدني الذي يقبل الشراكة مع أطراف العمل السياسي دون أن يمنح اللقاء شيئاً من قوته.
2. التحول الثاني بحسب الدكتور هو توصل معارضي صالح إلى مشروع وطني أطلقوا عليه " مبادرة اللقاء المشترك" يصفه بأنه الاقتراب الأكثر وضوحاً من فكرة الدولة الحديثة في اليمن، وقد فاق في الأفكار -التي طرحها وفي تجرده من المصالح الفردية والحزبية المناطقية -أي وثيقة يمنية سابقة عليه بما في ذلك دستور الجمهورية اليمنية ووثيقة العهد والاتفاق.
أنا هنا لا استطيع أن استوعب أولاً أن هذا كلام الدكتور عبدالله الفقيه أستاذ العلوم السياسية الذي أدمنت قراءة مقالاته التحليلية وكتاباته السياسية المتزنة فتسميته لمبادرة المشترك بالمشروع الوطني يجعل منه ملكياً أكثر من الملك، كما يقال، ووصفها بـ" ثورة على النظام" يجعل منها انقلاباً على الديمقراطية فالنظام السياسي في اليمن -بمقتضى الدستور -نظام ديمقراطي وعدم وجود الإصلاح أو أحزاب اللقاء المشترك في السلطة لا ينفي عنه صفة الديمقراطية فالنظام كما يعرف الأستاذ دستور ونظم تسير وتيرة الحياة وفقاً لها والتطبيق إشكالية وعي جماهيري يبعث على الالتزام بها ويحول دون اختراقها، فهل في النظام القائم تشريع يؤصل للفردية وينص على المناطقية؟ ولماذا لم تقم أحزاب المشترك بتبني تعديله من خلال ممثليها في المؤسسة التشريعية، كما صنع تجمع الإصلاح في تعديل الدستور بعد فشله السابق؟ وما الذي تضمنته المبادرة غير استبدال النظام الرئاسي بالوزاري والقائمة النسبية، وهل هذا التغيير سيجعل منا بريطانيا أخرى أو فرنسا، وما دامت إشكالية التنفيذ قائمة فما الفرق بين النظامين هل النظام الرئاسي في أمريكا غير ديمقراطي والانتخابات في بريطانيا غير شرعية.
ليست مبادرة المشترك في حقيقتها غير ترسيخ للفردية بنقل صلاحيات الحكم من رئيس الدولة المحدودة ولايته بفترتين رئاسيتين إلى رئيس حكومة غير محدود الولاية، وليس تغيير النظام السياسي غير ورقة ضغط على رئيس الدولة الذي ليس لدى المشترك استعداد لمنافسته في سبيل الحصول على نصيب من الشراكة في الحكم من خلال مفاوضات فوقية بدلاً من صندوق الاقتراع -والنقاش حولها يطول -صحيح ما قاله الدكتور المتوكل الذي استشهد به الفقيه أن " حل مشاكل اليمن لا يتأتي بتغيير الأشخاص بل بتغيير المؤسسات والسياسات".
ولكن أين يصب قول الدكتور الفقيه في قراءته " إن اختيار بن شملان قد مثل خياراً استراتيجياً هدفه تعظيم وتسريع التحولات على الساحة اليمنية فشخص بحجم بن شملان لا يمثل فقط مرشحاً للإجماع الوطني المعارض ولكن يمكن أن يمثل الإجماع الوطني الذي يمتد إلى كافة القوى الراغبة في التغيير..".
أليس الدكتور الفقيه بالحديث عن حجم بن شملان بدلاً من سياسته هو ذروة الشخصنة وقصر وسائل التغيير بشخصه الكريم وتناقض مُريع مع حديث الدكتور عن المؤسسية وتغير السياسات".
ألا يرى الدكتور الفقيه أن حديثه عن حجم بن شملان لا يصح أن يصدر عنه، ولو في معرض التنجيم تأييد الدكتور الفقيه لمبادرة المشترك -حق له وخيار أن لم نتفق معه عليه - فإننا نحترم وجهة نظره فيه لكن تقديمه للمبادرة على الدستور وكل الوثائق الوطنية ليس غير استبداد بالرأي ، غير مبرر ، وتكريس لذات العقلية التي تدفع المشترك إلى البحث عن السلطة عن طريق المفاوضات مع السلطة وإخضاع الدستور للوثائق البينية ومنها اتفاق ا لمبادئ الأخير الذي عده الدكتور الفقيه أول انتصارات المعارضة في الوقت الذي يعرف فيه أن المدنية والدولة الحديثة تقوم على سيادة الدستور والقانون وليس على إخضاعهما للاتفاقات الخاصة، ولا أدري أي تجرد عن المصالح الفردية والحزبية، والمناطقية رآه الدكتور الفقيه في مبادرة المشترك.. هل الحديث باسم أبناء الجنوب أم المطالبة بتجاوز آثار انقلاب الناصريين عام 1978م التي لم نعد نتذكرها؟ أم أن الدكتور يتحدث عن مبادرة أخرى غير التي قرأناها؟
هذه الهالة من القدسية التي صبغ بها الدكتور الفقيه مبادرة المشترك لن يضيف إليها غير عيب ادعاء الكمال الذي كان يمكن أن يعفيها منه لو قدمها كرؤية سياسية تقبل حق رفضها ممن لم يقتنع بها، ويعفينا نحن من الشعور بنزعته الاستبدادية واحتكار الحقائق المطلقة.
لقد مارس الدكتور عبدالله الفقيه -وهو أستاذ العلوم السياسية -بقراءته إقصاءً لمن لا يعجبه ووظَّف ألفاظ الثورة والعرش والنظام في التعبير عن نزعة تسلطية صبغ من خلالها كل ما يميل إليه بثوب قدسية أفقده موضوعية الباحث الأكاديمي والأستاذ الجامعي الذي يفترض به أن يكون، وبني حديثه عن الدولة المدنية على الشخصنة والهوى المحض؛ فالرئيس صالح عدو وليس منافساً في عملية ديمقراطية، والمؤتمر باع نفسه للشيطان لأنه لم يوافق على مقال أحمد الشرعبي وخلص أخيراً إلى أن الرئيس يقوم بتحييد الشيح الأحمر وأسرته وهذا يعني تحيد مشائخ اليمن ويمهد للانقلاب على النظام الجمهوري برمته لأن المشائخ هم الوريث الشرعي له.
يا دكتور عبدالله مبادرة المشترك رأي تأييدك له لا يجعل منه قرآنا وبن شملان مرشح للمشترك، يهمنا برنامجه الانتخابي وليس حجمه الكبير أو الصغير والشيخ الأحمر جزء من اليمن وليس هو كل اليمن ومشائخها والنظام الجمهوري إرث للشعب بكل طبقاته وفئاته " جمهوري" مشتق من الجمهور لا من نخبة اجتماعية والمؤتمر أو غيره من الأحزاب منافس وليس عدواً.. أحبب من شئت واختر من شئت ولكن بالمقابل دع لنا حرية الاختيار أيضاً وليس بالضرورة أن نكون سذجاً لأننا لا نوافقك الرأي ، وصدقني إن ثورتك ليست إلا من قبيل تحفظك على اسم الشخص الذي أثنى عليك برسالة بريد إلكتروني وتخوفك عليه من لا شيء.
صدقني.
أنا من أكبر محبيك، ولهذا أرجوك قبل أن تكتب مقالاً في كرامات الشيخ حميد الأحمر أو ترشيح الأستاذ فيصل بن شملان أن تتذكر إنك أستاذ للعلوم السياسية، ينتظر منك هذا الوطن تنويراً
لا تنجيماً
أرجوك.
|