الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 01:03 ص
ابحث ابحث عن:
ثقافة
الثلاثاء, 25-يوليو-2006
المؤتمر نت - عام 1975 اضطرتنا يد العنف إلى النزوح من أحضان بيروت؛ كنا مجموعة من الطلبة القطريين ندرس في جامعة بيروت العربية. بقلم الدكتور أحمد عبدالملك -
بيروت.. المرأة التي احترقت أكثر من مرة
عام 1975 اضطرتنا يد العنف إلى النزوح من أحضان بيروت؛ كنا مجموعة من الطلبة القطريين ندرس في جامعة بيروت العربية. كانت رصاصات الغدر تنتشر كالأنياب الشرسة في كل مكان. أذكر حتى الطريق إلى مستشفى البربير كان غير سالك؛ والرصاص الملعون يلاحق كل شىء متحرك.
عام 1982 اجتاحت القوات الإسرائيلية الحدود وعاثت فساداً في لبنان. كانت هذه القوات تلعب بالجثث؛ وكان شارون يقود حملة الموت على لبنان. لم يكن وجه بيروت بتلك البشاعة في يوم من الأيام. كانت أشجار الصنوبر تبكي؛ وشحارير الجبل تقيم موائد العزاء .
التاريخ يعيد نفسه. بل نهم الموت والتدمير يتوارث الأيام. فهاهي بيروت تستيقظ كل يوم على وليمة موت.. وتنام على كبسولات الطيران الإسرائيلي.. لم يكن الطريق إلى شتورة ومن ثم إلى الحدود السورية آمناً. لكن لذة الحياة تجعلك تغامر بالموت.. ثلاث عشرة ساعة هي تاريخ المعاناة في النزوح الكبير الذي وصلت طوابير السيارات فيه إلى أكثر من سبعة كيلومترات!! الحزن في الوجوه.. والخوف في الصدر.. والحذر يلف الجوانح.
لماذا يتآمرون على مدينة تعشق الحرية وتمارس حب الحضارة بطريقة جنونية؟ لماذا كلما أرادت بيروت التحرر من عبودية الزوجية السياسية؛ يعيدونها إلى بيت الطاعة ويفرضون عليها منع إنجاب التحضر؟ لماذا يختلفون ويختلفون ويتشوقون لكأس الموت؟ كانت الطائرات تمرح وتسرح فوق مطار بيروت ليلة النزوح! كانت النيران تحيل ليل بيروت إلى نهار. كنا نرى على البعد اشتعال المطار.. ونسمع دوي القذائف. من يدري قد تخترق قذيفة مجنونة منزلنا؛ ونحن لاناقة لنا ولا جمل فيما يجري. كل ما في الأمر أن بيروت تستحق أن يمارس معها الإنسان فعل الحياة .

عام 1982؛ وبعد مشاهدتي للأشلاء والدمار؛ أصدرت ديواناً نثريا بعنوان ((رسائل إلى إمرأة تحترق)).. وأجدني اليوم ابحث عن ذلك الديوان؛ لم تختلف الكلمات.. ولا الصور الحزينة.. ولا أنياب الغدر!!
وحيث أن لبنان يشتعل اليوم بفعل الجاني الأكبر ... والمتغطرس الأول في هذا العالم.. إسرائيل.. وددت أن أعيد تلك الصور الحزينة التي كتبتها قبل 24 عاماً .
كانت القصيدة الأولى كالتالي :
يا بيروت ..
كل شيء فيك يموت
كل حيّ فيك يموت
النبض والبيوت .

بيروت يا بيروت ..
يا عشقنا المخنوق.. ويا فرحنا المسروق
يا رقصة الأوراق في مواقد النار..
تموتين بفعلنا جميعاً
ونحييك في بلاغاتنا الرسمية .

بيروت يا بيروت ..
يا كحل الليل العربي.. ويا موطن الحريات .
تسأل عنك دموع الشعراء..
ويسأل عنك عزف الشواطىء الحزينة.

بيروت.. يا بيروت ..
يا بركة الحب التي قتلتها أسماكها..
يانجمة الفجر التي انتحرت في مسائها المحاصر.

بيروت يا بيروت ..
أنت عاشقة جبلية ..
تسلق الذباب على جمالك ..
أنت إمرأة مستحيلة ..
ليس لديك مرافئ ولا عناوين ..
رحلت مع العشق بلا نهاية ..
ركبت آلاف القطارات الخطرة ..
ودخلت في مدارات الهموم الشرقية .
لكن القبائل التي أعطتك الضوء الأخضر
هي التي حاربتك بالقنابل و المنجنيق .
.................
القصيدة الثانية كانت كالتالي :
مازالت فيروز تبحث عن شادي !!
رحل الثلج عن أكتاف الجبل ..
ورحلت قوافل الشمس الصيفية ..
وهاجر العطر من ورده .
لكن فيروز لازالت تبحث عن شادي !
سجلته في كل المخافر,,
ووزعت صوره على كل الأشجار.
بحثت عنه في الفلكلور وفي براعم الفجر .
وفي أنين المتاريس و.. وفي ارتداد الصوت..
ولا زالت تبحث عن شادي !!

غاصت في أعماق البحر..
وفتحت كل المحار..
وفتشت شعر كل الجميلات ..
ودعت جميع الأحزاب اللبنانية لألف حفلة كوكتيل ..
لكنها فشلت ..
وعادت من جديد تبحث عن شادي !

التجأت أخيراً إلى الجنوب ..
وقررت البحث عنه بين الجثث..
وبين أغاني الموت ...
وبين أفراد المقاومة .
لا تعلم فيروز أن شادي أصبح سنديانة ثورة منذ عشرين عاماً!!
لذا فهي مازالت تبحث عن شادي .
................
التاريخ يعيد نفسه.. وفعلا فإن فيروز لو قررت الغناء في عزاء لبنان؛ لفضلت أن تغني عن شادي هذه الأيام.
................
القصيدة الأخرى :
تسألني حبيبتي عن أول مكان فيه تلاقينا ..
عن أول طير بيننا غنى..
وعن حبات الكرز.. والفستق الحلبي..
تسألني حبيبتي عنا .

نحن في معارض الحمراء.. وفي مطاعم الروشة .
وفي نسائم الجبل.. وفي رقص الغجريات.. وفي صوت فيروز..
وفي عرق زحلة و مزاتها .
ماتت كل تلك الأشياء..ونحن فيها ..
فكيف يا حبيبتي تسألينني عنا ؟
..................................
كانت هنالك حرب أهلية.. وجوع إسرائيلي لتشويه وجه لبنان الجميل.. اجتمعت المبررات والشواهد.. وكان لابد من تسجيل تلك الواقعة :
بيروت ..
لقد أجمع القوم على قتلك الجماعي ..
وتشطيب وجهك بسيوف القبيلة .

أجمع القوم على قتلك الجماعي ..
وبقر بطنك كعادة القبيلة .
فكما يحبون الشعر.. والمواوويل.. والثأر..
يحبون طريقة قتل القبيلة .
.......................
يريدونك أن تكوني ضحية التقاليد؛ فتتزوجي ابن عمك ..
و تنصري أخاك ظالما أو مظلوماً ..
وتحفظي المعلقات ..
وتدقي القهوة المرة ..
وتخاطبي الرجال من خلف حجاب .

ولأنك لا تجيدين حفظ الماضي..
ولا يأسرك الفارس المفتول الشاربين..
بالدم ملطخ اليدين ..
وترفضين أن تكوني معروضة في متحف ..
أجمع القوم على قتلك الجماعي .
.........................
بيروت..
من هو ولي أمرك ؟؟
لقد تزوجت العرب والعجم.. فضاع نسبك.. وانتماؤك .
وغدوت لا تعرفين من ولي أمرك !

لقد استنفدت كل شيء..
فلم يكن في سهراتك اعتدال..
ولم يكن في علاقاتك اعتدال..
ولم يكن في رغباتك اعتدال.

لقد استنفدت كل شيء!!
وأقمت علاقات دبلوماسية مع كل الشعوب ..
حتى مع الشيطان .
وظننت أن تلك مظاهر المدنية والتحضر ..
فارتفعت على صدرك آلاف الأعلام.. والبيارق والنياشين .

وصار لكل كلب في حاراتك أختامه.. وتوقيعه..وحراسة !
وصار لكل صعلوك قبيلة من الذئاب..
وقبيلة من السيارات.. وقبيلة من المدافع ..
وقبيلة من الانتماءات .

فاستنفدوا كل شيء.. حتى أسماء شوارعك !!
فكيف لا يضيع نسبك .؟؟
وكيف ستعرفين من ولي أمرك ؟؟


في لحظة تدوين هذا المقال يأتيني خبر مفاده : مقتل 17 شخصاً بقصف إسرائيلي على النبطية؛ وطائرات تستهدف شاحنتين وسط بيروت .
نحن لا نعلم متى ستنتهي لعبة الموت التي تمارسها إسرائيل على لبنان. ولا نعلم ما يجري تحت الطاولة في جامعة الدول العربية؛ والتصريحات التي تتناثر هنا وهناك !! هنالك سقطات لسان.. وهنالك مواقف واضحة سجلها سعادة وزير الخارجية القطري.. واحتلت صدر صفحات الصحف السورية. الضباب يعمي بصرنا في هذه الأيام. والولايات المتحدة لا زالت تستخدم الفيتو.. والمستفيدون يطلقون القذائف الفضائية.. وشعب لبنان محكوم عليه بالحزن المؤبد.
فيا أصدقائي في لبنان ..أبو أحمد وبناته وأمهم.. وعلي خرس وأهله.. وراشد الذي خاطر بحياته وجاء إلى الحدود السورية وأخذ سيارتي داخل لبنان ..وبسام عفيفي رئيس تحرير مجلة الهديل.. وحارس المنزل.. عليكم السلام ..والله يشد من أزركم.. ويكف يد السوء عنكم.. وعن بلدكم الجميل .
عن الراية




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر