نصر طه مصطفى -
ما بعد التزكية
هذه المرة سنكون أمام مشهد انتخابي رئاسي ساخن على عكس انتخابات 1999م التي كانت بروفة جيدة وتحضيراً مقبولاً لرئاسيات هذا العام ... فبعد كل الشد والجذب الذي حصل خلال الشهور الماضية والتهديدات التي لم تكف حتى اللحظة بمقاطعة الانتخابات جرت يوم الإثنين الماضي عملية تزكية المرشحين للانتخابات الرئاسية وبرزت معالم الموسم الانتخابي القادم بمجرد الإعلان عن أسماء المرشحين الخمسة الفائزين بالتزكية والمؤهلين لخوض الانتخابات وفي مقدمتهم الرئيس علي عبدالله صالح ومرشح المشترك الأستاذ فيصل بن شملان والثلاثة الباقون الإشتراكي المستقل أحمد المجيدي والناصري القريب من الحكم ياسين عبده سعيد والإصلاحي المستقل فتحي العزب !
نحن أمام خمسة مرشحين للرئاسة للمرة الأولى في تاريخ بلادنا ومعهم خمسة برامج ومهرجانات لن تتوقف طوال ثلاثة أسابيع من بدء الحملة الانتخابية وحتى اختتامها عشية الاقتراع ... وهي تجربة – مهما شابها من قصور – ستكون غنية ومفيدة بل وستشكل نقلة تاريخية في الممارسة السياسية والديمقراطية وستكسر حاجز الخوف من المنافسة على المنصب الأول والأهم في البلاد ... صحيح أن نتيجة الانتخابات الرئاسية محسومة مقدما لمصلحة الرئيس علي عبدالله صالح ليس فقط لأنه الرئيس الذي عرفه اليمنيون واطمأنوا له وأنسوا إليه طوال أكثر من ربع قرن عاشوا معه خلالها الحلوة والمرة والنجاح والإخفاق والسلم والحرب ، ولكن لأنه الأكثر إقناعاً والأكثر كاريزميةً والأكثر خبرة وتجربة، وقبل ذلك وبعده لأنه يخوض تجربة الانتخابات جاداً صادقاً فهو ليس معتمداً على موقعه أو شعبيته راكناً عليهما فقط بل هو كأي مرشح سيكون له برنامج انتخابي ووعود جادة للناخبين وتكتيكات ومناورات ومهرجانات ولقاءات وكلها ستعزز مكانته عند شعبه ، لأن الشعوب لا تضيق إلا ممن يستكبرون عليها ويستنكفون من طلب مساندتها ودعمها، ويركنون إلى قوتهم وتاريخهم فقط ... ولأن علي عبدالله صالح قريب من شعبه دائماً في الأساس ، ولأنه سيسعى في هذه الانتخابات للحصول على مساندة شعبه ودعمه وإقناعه ببرنامجه وإقناعه بالتصويت له كأي مرشح آخر فإن الناس لن يخذلوه بالتأكيد ... هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فلا أظن أن بقية المرشحين – مع احترامي الكبير لأشخاصهم – يملكون نفس تأثير وكاريزما وخبرة ومكانة علي عبدالله صالح الوطنية والإقليمية والدولية بما في ذلك المرشح المنافس الأهم الأستاذ فيصل بن شملان الذي يكبر الرئيس صالح بأكثر من عشر سنوات ولا يمكن أن يكون مقنعاً للناخبين الذين تزيد نسبة الشباب بينهم عن 50% ولن يكونوا بالتأكيد على استعداد للمخاطرة بمستقبل بلادهم وطموحاتهم بين يدي رجل، وإن كان لايمكن الشك في نزاهته ووطنيته إلا أنه – في الوقت ذاته – كبير في السن بما يعني عدم قدرته على تحمل أعباء الحكم في بلد مثل اليمن ناهيك عن أن خبرته التنفيذية تكاد تكون محصورة في مجال محدد وفوق هذا وذاك سيعني وصوله إلى الحكم صراعاً وخلافاً مع البرلمان الذي يملك الأغلبية فيه حزب آخر غير الأحزاب التي رشحته!
الحقيقة أني لست أدري كيف قبل هذا الرجل المعروف باحترامه لنفسه وباحترامنا جميعاً له مثل هذا الترشيح وأداء مثل هذا الدور الذي لا آفاق له، ووضع نفسه في اختبار كان في غنى عنه تماماً وهو الذي رفض قبل عدة سنوات فقط ترشيح نفسه للانتخابات النيابية ... لا أقصد بهذا الكلام تثبيطه أو التقليل من شأنه فاحترامي له – رغم عدم معرفتي الشخصية به – نابع من كونه صديق أستاذي الذي لا أنساه مطلقاً والذي كان له الفضل في فتح آفاقي وإبعادي عن شبح التطرف الفقيد الراحل الأستاذ عمر سالم طرموم ، ولذلك لم أكن أرغب مطلقاً من أعماق قلبي لمثله أن يدخل معركة انتخابية نتائجها محسومة ومعروفة مسبقاً لأسباب تحدثت عنها قبل قليل ، خاصة أن الأستاذ فيصل يعرف مثلما نعرف جميعاً أن في أحزاب المشترك شخصيات كثيرة قادرة على خوض المنافسة الانتخابية لكنها حرصت على تجنب ذلك ، الأمر الذي يجعلني أتمنى عليه ألا يسمح لأحد أن يأكل الثوم بفمه ... ولاشك أن الرجل بحكم سنه المتقدم وتربيته المحافظة لن يقبل أن يخرج عن اللياقة في أدائه الانتخابي رغم حنقه من الأداء الحكومي الحالي!
هذه المرة ستكون المنافسة الرئاسية جادة وحقيقية ، وهذا ما سيجعلنا نعتبر دورة 2006م دورة تاريخية بكل معنى الكلمة ، رغم حدة التنافس التي ستحدث بالنسبة للمحليات، وإن كانت ليست جديدة فقد كانت محليات 2001م ساخنة كذلك ، لكننا نأمل ألا يتكرر هذه السنة مثلما حدث في تلك السنة ... وفي كل الأحوال فالواضح أن الانتخابات الرئاسية ستأخذ جميع الأضواء وكل الاهتمام رغم أن نتيجتها معروفة كما أسلفنا ، وذلك بسبب أن المواطنين سيكونون على موعد مع آراء مختلفة إلى حد يمكن أن يصل إلى التناقض أحياناً وسيكون الإعلام الرسمي ملزماً بنقلها على الملأ لمن لم يشاهدها بشكل مباشر!
سيكون المؤتمر الشعبي العام هذه المرة أمام تحدٍ حقيقي غير مسبوق بالنسبة للرئاسيات وعليه أن يقدم نماذج مميزة في المحليات حتى يدعم بذلك حملة الرئيس الانتخابية ، وفي الوقت ذاته عليه –أي المؤتمر – أن يجيد تسويق برنامج الرئيس الانتخابي في جميع الدوائر بدلاً عن الركون إلى شخص الرئيس وشعبيته وثقة الناس به ... أما المشترك فخياراته الصعبة منذ البداية تبلورت في تقديم شخصية مستقلة ولعله أراد بذلك أن يكرس مبدأ التنافس على منصب رئيس الجمهورية وهذا شيء جميل في حد ذاته لكنه في ذات الوقت قدم خدمة جليلة للرئيس علي عبدالله صالح من حيث يقصد أو لا يقصد من خلال آلية اختيار مرشحه وطبيعة شخصيته ، وهو بذلك حسم المعركة الانتخابية قبل أن تبدأ ويبقى المعول على همة المؤتمر وقواعده لتحقيق فوز كبير لائق للرئيس الذي فعل الكثير من أجل تطور بلاده ورفعة شأنها وآن لنا أن نكرمه بنتائج مشرفة وهو يخوض دورته الانتخابية الثانية والأخيرة
صحيفة 26 سبتمير