نجيب قحطان الشعبي -
استبيان للرأي العام أم استغفال له؟!
من أخر ما اتحفتنا به صحيفة "الوسط" هو ما تنشره وموقعها على الانترنت من نتائج لما تسميه استبيان للرأي العام يشارك فيه الجمهور بالتصويت عبر الموقع الالكتروني لمن يفضلونه رئيساً قادما لليمن: أهو مرشح المؤتمر الشعبي العام الأخ الرئيس علي عبدالله صالح أم مرشح أحزاب اللقاء المشترك الوالد فيصل بن شملان (الذي من حسن حظه أننا في مجتمع لا يقدس الدستور والقوانين وإلا لبينت كيف أن ترشحه للرئاسة يخالف القانون!) أم مرشح ثالث غيرهما(لم يسمه الاستبيان).
وقد نشرت"الوسط" يوم الأربعاء الماضي موضوعاً لرئيس تحريرها بعنوان(استياء رسمي من استبيان"الوسط" يتقدم فيه شملان على صالح بأغلبية ساحقة) حيث اخذ رئيس التحرير جمال عامر يندد ويستنكر ويستغرب ويشجب... الخ ما تعرض له هو وصحيفته من هجوم نتيجة لما نشرته الصحيفة في موقعها من نتائج الاستبيان الذي تدعي أنها تجريه.
وأشارت الوسط إلى انه حتى عصر الثلاثاء الفائت ومن بين 702صوت حصد بن شملان 580صوتا أي بنسبة مئوية 82.62% في حين حصل الرئيس على 108صوت فقط! بنسبة 15.38% وحصل بقية المرشحين على اقل من 2% وان هذه النتائج الأولية نشرها موقع الصحوة نت (وكأن نشره لها يعد تعميداً رسمياً! وشيء مؤسف ان تنساق صحيفة رصينة كالصحوة لمثل هذه الخزعبلات التي تبثها الوسط)
واستغرب صاحب الوسط الرد المتشنج للإعلام الرسمي واعلام المؤتمر تجاه نتائج الاستبيان ونصحهما "بمناقشة أسباب تدني شعبية الرئيس لدى النخبة" ويقصد بالنخبة الذين قاموا بالتصويت! مع ان معظم من قام بالتصويت هو جمال عامر وتابعه عبدالله الفقيه (وسأوضح لاحقا عملية التلاعب).
وأعلن صاحب الوسط بأنه سيمدد فترة التصويت حتى نهاية يوليو الجاري وحسناً فعل فقد أتاح لي الوقت الكافي لأكشف لعموم القراء (ومتصفحي موقع الوسط الالكتروني) مدى تلاعب صاحب الوسط بحقائق الحياة السياسية وعبثه بأساليب البحث العلمي للترويج لأفكار هدامة تعشش في ذهنه.
شر البلية:
لقد استنكر صاحب الوسط أن يوصف استبيانه بالتهريج(مع أن التهريج يعد أحدى الصفات وليس كلها التي يمكن أن تطلق على هكذا استبيان وبالأصح على هكذا استهبال) واستنكر أن يوصف استبيانه بالكذب والفبركة(مع إنهما وصفان صحيحان فما تقوم به "الوسط" في ذلك الاستبيان إنما هو محاولة لاستغفال القراء).
ومن الظريف انه"يخترع" وسيله لاستبيان الرأي العام تحقق غرضه(فالحاجة ام الاختراع) فهو يضع سؤالا أمام المتصفح لموقع صحيفته عمن يفضله ليكون رئيساً لليمن ليعتبر بعد ذلك أن الإجابات تمثل استبيان "للرأي العام"! فأين هي يااخينا أهم أسس إجراء الاستبيان للرأي العام وفي مقدمتها"العينة العشوائية" التي تصلح لتمثيل المجتمع ككل فهذه العينة غائبة من حيث العدد ومن حيث النوعية!وهل 700 أو ألف أو الفي صوت عبر الانترنت تصلح للادعاء بتمثيل الرأي العام اليمني؟ أو حتى تمثيل مشتركي الانترنت باليمن ومتصفحيه عبر مقاهي الانترنت؟فما هذا الاستهبال؟ وما هذه السذاجة؟
ويضاف لما تقدم أن عدد 700صوت تقريباً( التي يتحدث عنها صاحب الوسط) لايمثل كل منها شخصاً مختلفا حسبما يدعي فقد كتب"ولا يمكن التصويت من مكان واحد أكثر من مرة واحدة" وهو ادعاء سأثبت بعد قليل عدم صحته.
ومن شر البلية الذي يضحك هو أن صاحب الوسط يعتبر الاستبيان هو نفسه الاستفتاء فيستخدمهما باعتبارهما مسميان لشيء واحد(ولن أوضح له الفارق فلست فاضياً له لأحيطه علما بكل المعلومات الصحيحة التي ينبغي له معرفتها وانصحه بان لا يسأل تابعه عبدالله الفقيه الذي تحول مؤخراً الى مجال التنجيم ليفتي من رأسه بان شعبية الرئيس 35%وشعبيه بن شملان 40% دون ان يقدم لذلك تبريراً واحداً علميا لكن هذا ليس بغريب على شخصا يدعي انه أستاذ في العلوم السياسية ومع ذلك يخطئ كثيراً فصححت له مراراَ الكثير من معلوماته الخاطئة في السياسة والقانون بل وحتى في الأدب العربي وبالمناسبة فانه كتب منذ ايام يصف الدستور بأنه ابو القوانين ووالله أنني لوكنت رئيساً لجامعة صنعاء لمنعت هذا الفقيه من التدريس وسأطلب منه العودة للجلوس على مقاعد الطلبة.
وعموماً سأخصص للفقيه مقالا لأصحح له مقولته الخاطئة بان الدستور هو "أبو القوانين" وسأنشره بإذن الله في الأيام القادمة في "الميثاق" إكراماً للأخ العزيز اسكندر الاصبحي رئيس تحريرها الذي وعدته مؤخراً ان اكتب مقالا للميثاق وما أجمل أن يكون المقال تعليمياً بالنسبة للفقيه عبدالله وتثقيفياً لعموم القراء الكرام.
الفبركة عندما تصبح سلوكاً:-
لم يعد مافبركة صاحب الوسط في استبيانه المزعوم شيئا غريبا فكم ذا بصحيفته من فبركات وقد إستمرأ الفبركة والادعاءات التي لاتقوم على دليل سليم حتى انه في روايته البوليسية عن اختطافه ادعى بان المختطفين عذبوه جسدياً ومع ذلك لم نطالع في صحيفته او خارجها صورة فوتوغرافيه واحدة تبين ذلك التعذيب وحاول إقناع القراء بصحة ما يدعيه فأورد رقماً لإحدى السيارات العسكرية مدعياً بأنها هي التي اختطفته مع أن ذلك لا يعد دليلاً فبإمكان أي شخص منا أن يقف على قارعة أي شارع وفي خلال دقائق سيكون قد دون عشرات الأرقام لسيارات الجيش والشرطة والخصوصية والأجرة التي مرت من أمامه ولو أراد التلفيق لأدعى بأن ركاب أحداها اختطفوه (وأخذوه للجبل وأطلقوا النار بجانبه وأغمضوا عينيه وقالوا له " مو بك"!) ياشيخ بلا تهريج ودجل.
هكذا يتلاعب بنتائج الاستبيان:
إن أهم قاعدة ترتكز عليها استبيانات الرأي العام هي أن لا يصوت الشخص الواحد أكثر من مرة على الموضوع الواحد، ولذلك أدعى صاحب الوسط مايلي "لا يمكن التصويت من مكان واحد أكثر من مرة واحدة" ليؤكد على صحة نتائج استبيانه.
وبناء على ماتقدم، ينهار استبيان "الوسط" ويفقد صاحبها مصداقيته كلية، فاستغفاله للقراء ولمن يشاركون في الاستبيان على الموقع بالإنترنت يقوم على قاعدة إنه بعد اختيار القارئ (او المبحوث) للشخصية التي يفضلها (الرئيس، أو بن شملان، أو مرشح آخر) فإنه يضع أمامها علامة وبعد ذلك ينقر على كلمة "تصويت" فيضاف صوته لصالح تلك الشخصية، فإذا حاول القارئ العودة مباشرة لتكرار العملية ليضاعف رصيد الشخصية التي يفضلها سيجد بأن الكمبيوتر لا يحتسب له أي تصويت جديد.. وبناء على ذلك ادعى جمال عامر بأنه لا يمكن التصويت من مكان واحد لأكثر من مرة واحدة.
لكن ما ادعاه المذكور لم يكن صحيحاً، لقد أخفى الحقيقة عن القراء فبإمكان القارئ –عبر الإنترنت- التصويت أكثر من مرة على استبيانه، والطريق إلى ذلك هو أنه بعد كل تصويت يقوم بقطع الاتصال الهاتفي عن شبكة الإنترنت وبعدها يصبح بإمكانه ان يعاود الاتصال بالإنترنت (وفوراً)
ويذهب إلى حيث استبيان "الوسط" ليصوت من جديد للشخصية التي يفضلها وهنا يحتسب له صوتاً آخر، وبعدها يكرر نفس العمل فيقطع الاتصال ثم يعاوده ليصوت مجدداً!!
إن عملية التصويت وقطع الاتصال ومعاودته لا تستغرق إلا نحو دقيقة واحدة، ومعنى هذا أنه بإمكان الشخص الواحد أن يصوت ستون مرة خلال ساعة واحدة، وهذه هي الطريقة التي استخدمها صاحب "الوسط" للتلاعب بالنتائج فوصل بمرشح المشترك إلى نحو 82% من الأصوات وكان من كرمه أن منح الرئيس نحو 15% فقط! وتلك هي حقيقة الأمر.. وتلك هي حقيقة التزوير. وذلك هو ما ارتكبه صاحب "الوسط" وتابعه الدكتور التايواني.. اللذان يدّعيان الحرص على الديمقراطية ويتباكيان على حرية الرأي ويهاجمان الفساد (وبضراوة!) ويطالبان بانتخابات حرة نزيهة بل وبإشراف دولي.. ثم يتضح بأنها هما اللذان يزوران؟
وأدعو القراء- كل من استطاع منهم- أن يتبع الطريقة التي أوضحتها آنفاً، وحينئذ سيتضح لهم بأن المسألة ليست استبياناً حقيقياً للرأي العام وإنما تلاعب وخداع فالشخص الواحد يمكنه التصويت مئات المرات يومياً!
ويبقى لي ملاحظة هامة وهي أن هذا الجزء من المعارضة اليمنية ممثلاً بصاحب الوسط وتابعه الدكتور التايواني يهاجم الحكام العرب لحصولهم في الانتخابات والاستفتاءات على أكثر من 90% من الأصوات بينما هما الآن يفبركان استبياناً ليمنحا فيه مرشح المعارضة (اللقاء المشترك) نحو 82% من الأصوات! فماهي إذاً النسبة المئوية التي سيمنحاها له لو افترضنا جدلاً انه صار في السلطة؟ بالطبع سيمنحاه 100%! والوالد فيصل بن شملان مطالب بإعلان أدانته لذلك الاستبيان فهذا سيثبت رفضه للفساد أياً كان مصدره، فما موقفه؟
أليس من المفارقات المذهلة أن تطالب المعارضة اليمنية بانتخابات رئاسية ومحلية حرة ونزيهة.. في الوقت الذي بدأ فيه جزء من هذه المعارضة في نشر استبيانات رأي عام اتضح بأنها مزورة؟!
سبتمبرنت