الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 10:23 ص
ابحث ابحث عن:
دين
الأربعاء, 09-أغسطس-2006
المؤتمر نت - الحاخام شموئيل إلياهو صالح محمد النعامي** -
الفتاوى.. وثقافة الكراهية في إسرائيل
كان اللقاء حميميًّا بشكل خاص بين الحاخام إيلي عمار، الحاخام الأكبر الشرقي لمدينة صفد الواقعة شمال فلسطين المحتلة، والجنرال دان حلوتس، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، عندما كان الأخير يتجول في منطقة الحدود مع لبنان، بعد 3 أيام على بدء الحرب الإسرائيلية المجنونة على لبنان.

وفي هذا اللقاء قام الحاخام عمار بتسليم حالوتس فتوى دينية وقّع عليها هو وعدد من كبار الحاخامات في الدولة العبرية، وتنص الفتوى على أنه: "يجوز لجيش الاحتلال قصف التجمعات المدنية اللبنانية والتسبب في قتل غير المقاتلين إن كان الأمر تتطلبه العمليات الحربية التي يبادر إليها جيش الاحتلال".

والواقع أن إضفاء شرعية دينية على التصريح بالقتل، كما تدعو إليه هذه الفتوى خطير ليس لمجرد صدوره عن مرجعية دينية يهودية؛ بل لأنه صدر عن مرجعية دينية يهودية كبيرة جدًّا، فالحاخام عمار مرشح ليتولى منصب الحاخام الأكبر لدولة إسرائيل.

الفتوى في إسرائيل

من الناحية النظرية البحتة، فإنه لا يوجد مكانة قانونية للفتاوى التي يصدرها كبار الحاخامات في الشئون السياسية والعسكرية، لكون إسرائيل دولة علمانية، باستثناء الشئون الدينية التي تنظم شئون الفتوى بخصوصها مؤسسة الحاخامين الكبرى والتي تمثل أكبر هيئة دينية في الدولة.

لكن من الناحية العملية، فإن الثقافة السائدة في الدولة العبرية تجعل لهذه الفتاوى، لا سيما الصادرة عن مرجعيات الإفتاء الكبيرة في الدولة أهمية قصوى، وتأثير بالغ؛ ليس فقط على قطاعات واسعة من اليهود، بل على دوائر صنع القرار في الدولة نفسها.

صحيح أن المتدينين -سواء الذين يتبعون التيار الديني الصهيوني أو التيار الديني الأرثوذكسي- يشكلون حوالي 28% من مجمل المستوطنين في الدولة، إلا أن أكثر من 50% من سكان هذه الدولة يعرفون أنفسهم كمحافظين، وهؤلاء يولون أهمية كبيرة لما يصدر عن المرجعيات الدينية في أرجاء الدولة.

وهناك تأثير بالغ الخطورة لهذه الفتاوى العنصرية التحريضية، يكمن في تأثيرها لدى المتدينين وقياداتهم السياسية. فحسب دراسة أعدها قسم العلوم الاجتماعية في جامعة "بار إيلان" التي يسيطر عليها المتدينون، تبين أن أكثر من 90% من المتدينين يعتقدون أنه في حال إذا تعارضت قوانين الدولة وتعليمات الحكومة مع فحوى الفتاوى الصادرة عن الحاخامات، فإن عليهم أن يتجاهلوا قوانين الدولة وتعليمات الحكومة والعمل وفق ما تنص عليه فتاوى الحاخامات.

لماذا العنصرية؟

والذي يجعل الفتاوى العنصرية ذات تأثير عميق جدًّا وبعيد المدى، هو أن أتباع التيار الديني الصهيوني في إسرائيل يشكلون بالكاد حوالي 10% من مجمل السكان ويتجهون للسيطرة على الجيش والمؤسسة الأمنية، من خلال التطوع للخدمة في الوحدات المقاتلة والمختارة، لدرجة أن مكتب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي يؤكد أنه على الرغم من النسبة المتدنية لأتباع هذا التيار في التركيبة الديموغرافية للدولة فإنهم يشكلون أكثر من 50% من الضباط في الجيش الإسرائيلي، وأكثر من 60% من قادة الوحدات المختارة في هذا الجيش.

ولا خلاف بين علماء الاجتماع السياسي في الدولة العبرية وكذلك الجنرالات المتقاعدين على أنه لن يكون ذلك اليوم بعيدًا الذي تنتقل فيه قيادة الجيش بأكملها إلى أتباع التيار الديني الصهيوني.

وحسب استطلاع لآراء الضباط والجنود المتدينين أشرف عليه مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات ونشر العام الماضي، تبين أن أكثر من 95% من الجنود والضباط المتدينين يرون أنهم سينفذون تعليمات الحكومة المنتخبة وقيادتهم في الجيش إذا توافقت مع الفتاوى التي يصدرها كبار الحاخامات والمرجعيات الدينية.

هذا كله جعل الجنرال شلومو غازيت، الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية يعتبر تغلغل المتدينين الصهاينة في الجيش بأنه أكبر خطر يتهدد الديمقراطية الإسرائيلية؛ في حين أوصى الجنرال داني ياتوم الذي شغل في السابق منصب رئيس جهاز "الموساد" بمنع تقدم هؤلاء في الخدمة العسكرية، لكن دعوته رفضت من قبل جميع مستويات الحكم في الدولة.

الفتاوى.. ذات المجازر

فتوى الحاخام إيلي عمار وجماعته آنفة الذكر هي في الحقيقة غيض من فيض، فهناك عدد كبير من الفتاوى التي تعمل على تكريس ثقافة الكراهية، وتدفع الشباب اليهودي إلى تبني مواقف عنصرية ظلامية من العرب والمسلمين، وتمهد الطريق أمام ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين.

ففي العام الماضي أصدر الحاخام مردخاي ألياهو، الحاخام الأكبر السابق لإسرائيل، وأهم مرجعية دينية للصهاينة، فتوى تدعو لإبادة الفلسطينيين بشكل كامل، وقال: "إنه يتوجب قتل جميع الفلسطينيين حتى أولئك الذين لا يشاركون في القتال ضد الاحتلال"، ولم يكتف الحاخام البارز بذلك، بل اعتبر أن هذه ليست مجرد فتوى، بل "فريضة من الرب يتوجب على اليهود تنفيذها".

وبعد تلك الفتوى بأسبوع قام أحد كبار الحاخامات اليهود بإصدار فتوى تبيح لتلاميذه في إحدى المستوطنات اليهودية شمال الضفة الغربية بسرقة محاصيل المزارعين الفلسطينيين، على اعتبار أنهم جزء من "الأغيار الذين يجوز لليهود استباحة ممتلكاتهم"، وبالفعل فقد تم تطبيق فتوى الحاخام وقام هؤلاء بنهب المحاصيل الزراعية للفلسطينيين في شمال الضفة.

دوف ليئور الحاخام الأكبر لمستوطنة "كريات أربع"، شمال شرق مدينة الخليل رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، أصدر فتوى تبيح للمستوطنين تسميم مواشي ودواب وآبار المياه التي يملكها المزارعون الفلسطينيون في البلدات والقرى المجاورة للمستوطنة، ولم يتردد المستوطنون في تنفيذ الفتوى.

وفي السابع من أيلول من العام الماضي وجّه كبار الحاخامات اليهود رسالة تتضمن فتوى دينية إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إريل شارون، حثّوه فيها على عدم التردد في المس بالمدنيين الفلسطينيين خلال المواجهات المندلعة في الأراضي المحتلة، وجاء في الفتوى التي وقعها الحاخامات المسئولون عن المدارس الدينية، وفي المقدمة منهم الحاخام دوف لينور، ما نصه: "نحن الموقعين أدناه، ندعو الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي إلى العمل حسب مبدأ، من يقم لقتلك، سارع إلى قتله"، وأضافت الرسالة: "لا وجود في العالم لحرب يمكن فيها التمييز بشكل مطلق، بين المدنيين والجيش، لم يحدث ذلك في الحربين العالميتين، ولا في حرب الولايات المتحدة في العراق، وحرب روسيا في الشيشان، ولا في حروب إسرائيل ضد أعدائها، قومية تحارب قومية، قومية تنتصر على قومية".

وأردف الحاخامات" "والسؤال المطروح أمامنا هو: هل نحارب العدو من خلال هجوم يقتل خلاله مدنيون من صفوفه، أو نمتنع عن الحرب بسبب المدنيين فنخاطر بذلك بالمدنيين لدينا؟ الجواب على السؤال نجده ببساطة لدى الحاخام عكيفا أحد مرجعيات الإفتاء لليهود في العصور الغابرة الذي قال: "حياتنا أولى". واعتبر الحاخامات أن هذا ما درج عليه ملوك إسرائيل على مر التاريخ، فلا حاجة ولا فائدة من انتظار المهاجم حتى يبدأ هجومه، بل يجب استباقه ومنعه من تنفيذ مآربه".

هذه الخلفية تفسر العديد من فتاوى الحاخامات التي تستهين بحياة العرب، وتتعامل معهم بازدراء شديد، فصحيفة "معاريف" مثلاً نشرت في 16-6-2003 فتوى للحاخام "دوف لينور" قرّر فيها حظر تبرع اليهود بأعضائهم للأغيار، لكنه أباح لهم عند الضرورة تلقي تبرعات مماثلة من أولئك الأغيار.

وأمام احتجاج "رابطة تبرع الأعضاء" في إسرائيل غير الحاخام فتواه قليلاً، بحيث أباح لليهودي أن يتبرع بعضو لشخص يحتاج في حالة الضرورة وقال إن اليهود إذا ما امتنعوا عن التبرع للأغيار، فإن هؤلاء الأخيرين لن يعطوهم شيئًا بالتالي، وهذا قد يسهم في الإضرار باليهودي الذي قد يحتاج إلى الحصول على عضو بديل ينقذ به حياته، ومن ثَم فإنه اعتبر أن السماح بتبرع اليهودي لأي واحد من الأغيار، هو في حقيقة الأمر احتياط هدفه تحقيق مصلحة اليهودي.

انطلاقًا من الخلفية ذاتها نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 5-7-2002 عن الزعيم الروحي لحزب "شاس" "عودفاديا يوسف" قوله إنه حتى يأتي المسيح المنقذ، فإنه سيرسل كل العرب إلى جهنم.

وليس مستغربًا أن يصدر أحد الحاخامات -إسحاق غينزبرج- كتابًا بعنوان "باروخ البطل" جاء تخليدًا لاسم الدكتور باروخ جولدشتاين الذي قتل أكثر من 29 مسلمًا في أثناء أدائهم صلاة الفجر في الحرم الإبراهيمي قبل سنوات قليلة.

اللافت للنظر أن مؤسسات حفظ القانون والنظام في الدولة العبرية لم تحاول ولو مرة واحدة التعرض لهؤلاء الحاخامات أو مساءلتهم على هذا التحريض العنصري؛ ليس هذا فحسب، بل إن الحاخامات المتورطين في هذا التحريض يحظون بثقل متزايد في السياسة الإسرائيلية، ويتنافس صناع القرار السياسي في الدولة العبرية على استرضائهم والتقرب منهم، والتزلف إليهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا هذا الصمت إزاء هذه الفتاوى القاتلة، ولماذا الكيل بمكيالين؟ الذي يثير المرارة أن أحدًا في العالم العربي لم يحاول الاهتمام بما يصدر عن المرجعيات الدينية الكبرى في الدولة العبرية من فتاوى ويحاول اطلاع الرأي العام والعربي والعالمي على هذا النبع الآسن من الكراهية.


** كاتب فلسطيني




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر