الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الثلاثاء, 03-ديسمبر-2024 الساعة: 10:15 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الخميس, 17-أغسطس-2006
المؤتمر نت - محمد حسين العيدروس بقلم / محمد حسين العيدروس -
جدلية العلاقة بين التنمية والديمقراطية
واحدة من صفات الخطاب السياسي المعاصر هي أن موضوع التنمية فيه يقترن بالمسألة الديمقراطية إلى الدرجة التي اصبحت التحولات الديمقراطية في بلد ما معياراً لقياس مستوى حراكه على المسار التنموي.. وعلى الرغم من وجود أنظمة سياسية لا تعتد بهذا الرأي، إلا أنها تصمد طويلاً بوجهات نظرها عندما يمر الذكر بأسرار النهضة الصناعية والتجارية والثقافية والاجتماعية التي حققتها أوروبا وغيرها من الدول الديمقراطية - خاصة خلال النصف الثاني من القرن العشرين.

ولو نظرنا إلى تجاربنا السياسية في اليمن لوجدنا أن أوج الازدهار الحضاري الذي حققته اليمن قديماً كان في ظل دول انتعشت فيها مفاهيم الشورى واللا مركزية - كما هو الحال مع دولة سبأ، والحقب الأولى من دولة حمير، ثم في عصر صدر الإسلام.. لكن عندما انحسرت تلك المفاهيم في الحقب اللاحقة تدهورت الحالة اليمنية، وبدأت المعاناة التي كانت تزداد مرارة كلما ساءت خيارات نظام الحكم، حتى وصلت الحضيض في العهد الإمامي الثيوقراطي، ولم تنبعث أنفاس النهوض مجدداً إلا في عهد الرئيس علي عبدالله صالح.

بعد تسلم الأخ الرئيس السلطة في 1978م ظهر مرة أخرى الربط بين الديمقراطية والتنمية، حيث أنه راهن على صيغة ديمقراطية تحتشد تحت مظلتها طاقات كل القوى الوطنية باختلاف توجهاتها السياسية والفكرية من أجل تشكيل فريق عمل واحد يسخر السياسة في خدمة التنمية وهو الأمر الذي أسفر عن تأسيس المؤتمر الشعبي العام، والذي من خلاله توسعت التجارب الديمقراطية بصيغة مجالس محلية منتخبة، ومجلس شورى، وتوسيع مجلس الشعب التأسيسي، والنقابات والإتحادات المختلفة، وهيئات عديدة ساهمت جميع القوى السياسية والوطنية في انعاشها، لذلك شهدت اليمن خلال الثمانينات حراكاً تنموياً سريعاً، وبدأ الوضع الاقتصادي يتنفس الصعداء نسبياً ويتحرر من الجمود والتخلف الذي خيم عليه لعقود طويلة من التاريخ اليمني.

أما بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة فإن الانعكاس الايجابي القوي للتجارب الديمقراطية السابقة - رغم محدوديتها - شجع القيادة السياسية اليمنية على تبني خيار الانفتاح الديمقراطي الأوسع من خلال الانتقال إلى التعددية الحزبية التي أتاحت لكل القوى السياسية فرصة الاستقلال بتنظيماتها، والعمل السياسي العلني، ثم السعي إلى منافسة بعضها البعض، وممارسة كل الحقوق الدستورية المرتبطة بالنظام التعددي - كتأسيس الصحف الحرة والمنظمات والجمعيات وغير ذلك.

ومن خلال الوضع الديمقراطي الجديد تحولت قضية التنمية إلى هموم وطنية مشتركة يتداول الجميع الرأي والقرار بشأنها، وصار مستقبل الحكم مرهوناً بالبرامج التنموية التي تعلن عنها الأحزاب في برامجها الانتخابية.. كما لم تعد خطط التنمية التي تعتزم الحكومة تنفيذها محصورة داخل دائرة محددة من صناع القرار، بل ارتبطت بالسلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب، وبلجانها البرلمانية المتخصصة، وبتصويت أعضاء البرلمان عليها.. وهذا الأمر لم يعرقل خطط الحكومة بالروتين المتبع بقدر ما ساعد الحكومة على تقويم خططها وضمان أفضل التوجهات لها.

وفي الحقيقة أن النهضة التنموية التي تحققت في اليمن خلال السنوات الخمس عشرة من عصر الوحدة كانت شيئاً مذهلاً للغاية، ويفوق كل التصورات المأمولة - رغم ما اعترض السيرة الوطنية من تحديات داخلية وخارجية.. فمناخ التنافس الديمقراطي دفع الحكومة إلى مضاعفة جهدها، وتضحياتها، وتطوير آليات عملها بالقدر الذي تحافظ من خلاله على الثقة الجماهيرية الممنوحة لها، وتثبت مصداقيتها بشأن البرامج الانتخابية التي تعلنها.. وهي بذلك سعت إلى إحداث تنمية حقيقية ملموسة للمواطن اليمني سواء في المجال الاقتصادي أو الخدمي أو الثقافي أو الاجتماعي أو الأمني أو الخارجي أو حتى المجال الديمقراطي نفسه ما دامت تراهن على تنمية وطنية شاملة.

لا شك أن الحياة اليمنية تطورات كثيراً جداً في زمن الديمقراطية - رغم قصر عمرها - وهذا يأتي من مناخ شراكة جديدة في صنع القرار السياسي، لا يقتصر على أحزاب المعارضة وحدها، بل صار هناك آلاف منظمات المجتمع المدني التي تلعب أدواراً مهمة في تنمية المجتمع، ودراسة الواقع واستكشاف احتياجاته، وبحثها مع جهات الاختصاص.
يمكن القول أن الديمقراطية في اليمن حولت المجتمع إلى ورشة عمل عظيمة يتحرك داخلها الجميع سعياً لإنجاز شيء، وتقديم خدمة معينة لأبناء الشعب وللوطن.. وكل في مجال اختصاصه واهتمامه، وبما يلبي طموحه وأهدافه التي ينشدها.. ومن هنا كسبت اليمن مسيرة التنمية برهان الديمقراطية.






أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر