صبحي مجاهد وشيرين نصر ** - الدعاة بأمريكا.. "روشتة" هموم الأمة لا يخفى على أحد ما تعانيه الأمة الإسلامية من آلام، وما تشكو منه من جراحات؛ فكثيرة هي البقع الملوثة بدماء المسلمين، بدءًا بفلسطين التي تئن منذ عقود تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، وانتهاء بلبنان الذي أوشكت آلة الدمار الإسرائيلية أن تأتي على بنيته التحتية، فضلا عن مئات القتلى والجرحى من الأطفال والنساء، وتأتي وسط هذه الأزمات أزمة العراق الذي لم يفق من ويلات الحروب منذ بضعة عقود من الزمن.
كل هذه الأزمات وغيرها تشترك الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر فيها تارة، وتارة أخرى بشكل غير مباشر عن طريق دعمها المطلق للحكومة الإسرائيلية وما تقوم به.. هذا في الوقت الذي تمتلئ فيه الولايات المتحدة بدعاة وعلماء يرون ما يحدث لأمتهم، ولم يحرك كثير منهم حتى الآن ساكنا لإفاقة السياسة الأمريكية من كهف الظلم الذي يسيطر عليها ويتحكم فيها.
ومن هنا تبرز أهمية تحديد الأدوار لدعاتنا في أمريكا؛ حتى يحملوا بدعوتهم مشاعل نور تضيء هذه الظلمات التي تعيش فيها السياسة الأمريكية؛ فإما أن توقظها وتخرجها من ظلمها للقضايا العربية والإسلامية، أو تحيدها بعيدا عن المساس بالظلم لهذه القضايا.. فهل في مقدور هؤلاء الدعاة القيام بهذا الدور.
في السطور التالية حاولنا استطلاع آراء بعض العلماء والدعاة الذين لهم صلة بالدعوة في أمريكا؛ لنتعرف على واقع الدعاة الحالي هناك، وليضعوا لنا ما يرونه مناسبا من مقترحات ووسائل لتفعيل دور الدعاة في محاولة تحييد السياسة الأمريكية تجاه قضايا الأمة، أو على الأقل التأثير في الرأي العام الأمريكي في هذا الأمر.
بين الواقع والمأمول
وليد خليل إمام مركز الإسلام بتكساس
حول الوضع الحالي للدعاة في أمريكا ودورهم تجاه قضايا الأمة الإسلامية يوضح الشيخ وليد خليل بسيوني -محاضر في الجامعة الأمريكية المفتوحة، إمام مركز الإسلام بمدينة كلير ليك هيوستن تاكسس، عضو مجمع فقهاء الشريعة الإسلامية- أن "دور الدعاة والعلماء المسلمين القائم الآن في أمريكا ضعيف جدا، في حين أنهم يستطيعون تكوين رأي إسلامي داخل الولايات المتحدة لدعم القضية اللبنانية والفلسطينية، وذلك من خلال توجيه المجتمع الأمريكي الذي يستطيع بدوره أن يكون له أثر على السياسات الأمريكية وتوجيهها".
ويؤكد هذا الكلام الدكتور محمد موفق الغلاييني -إمام مركز السنة بفلوريدا- حين يذكر أن "السياسة الأمريكية لا تأبه للدعاة هناك، ولا حتى المراكز الإسلامية؛ لأن اللوبي الإسلامي لا يقارَن باللوبي اليهودي، كما أن طريقتهم ضعيفة في عرض القضايا الإسلامية، والاهتمام بمشاكل المسلمين بأمريكا".
الانفتاح هو الحل
د.صلاح الصاوي
ويطرح وليد بسيوني رؤية هامة يمكن أن تكون خطوة لتأثير الدعاة في السياسة الأمريكية، وهي أن ينفتح الدعاة على المؤسسات الدينية غير الإسلامية في أمريكا، وأن ينظموا لقاءات مع طلاب الجامعات، وقطاعات مختلفة من المجتمع الأمريكي في الإعلام إن أمكن لبيان موقف الإسلام من كثير من القضايا التي يحتاجها الفرد الأمريكي.
وأرجع أهمية ذلك إلى أن تداخل الدعاة مع الشعب الأمريكي سيعطي فرصة كبيرة للتأثير فيه بشكل إيجابي، وعليه يمكن طرح حلول عملية منطقية يتبناها الساسة الأمريكان؛ لأن معظم أطروحاتنا هي شكوى لا تتصدر هذا الحد.
ويحدد بسيوني عدة طرق يمكن أن يستغلها الدعاة كي يطلعوا المجتمع الأمريكي على حقيقة الوضع بلبنان وفلسطين، ومن ثم التأثير في مسار السياسة الأمريكية، منها:
1- أن يقوم اتحاد الطلاب المسلمين في أمريكا بعمل معارض مصورة تعرض الوضع في لبنان.
2- تنظيم مؤتمرات لبيان حقيقة المأساة اللبنانية والفلسطينية، والاستعانة بشخصيات أمريكية معروفة بالحياد.
3- كتابة مقالات عن الوضع بلبنان وفلسطين، ونشر صور ولو بأجر في الصحف الأمريكية لتعريف الشعب بالوضع هناك.
4- الاستعانة بالإنترنت لتوضيح ما يحدث في المنطقة العربية والحديث عنها أكثر؛ فالشعب يتأثر بالإنترنت كثيرا.
5- مشاركة المسلمين في برامج البث المباشر في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بالاتصال عبر الهاتف حتى يوضحوا هذه المأساة.
6- دعوة سفراء وقناصل لبنان للتحدث بشكل رسمي في التجمعات سواء في جامعات أو نقابات باعتبارهم ممثلي الدولة اللبنانية.
7- جمع توقيعات من الجالية الإسلامية ترفع لرئيس الدولة تبين وجهة نظر المسلمين في هذه القضية.
بينما يطالب الدكتور محمد الغلاييني الدعاة بأمريكا بالتوازن؛ حتى يتمكنوا من تحييد السياسة الأمريكية تجاه قضايا العرب والمسلمين، بأن يبتعدوا قليلا عن الانشغال فقط بالقضايا الداخلية هناك، وأيضا اقتحام مسلمي أمريكا مجالات الإعلام والتربية، باعتبارها الطريق لتوضيح آراء المسلمين وتجلية صورة السياسة الأمريكية أمام أعين المواطنين.
التوعية أولا
د. أحمد علي السالوسي
ومما لاشك فيه أن التوعية هي أساس تحقيق كل الأهداف؛ وهو ما يؤكد عليه كل من الدكتور أحمد علي السالوسي -النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا-، والدكتور صلاح الصاوي -الأمين العام للمجمع- بالنسبة لما يقوم به الدعاة حاليا لدعم القضايا الإسلامية خاصة اللبنانية والفلسطينية، ويشيران إلى أنه على دعاة أمريكا بذل ما يستطيعون من أجل توعية الناس توعية مقنعة بما يحدث من ازدواجية في السياسة الأمريكية تجاه القضايا الإسلامية، خاصة أنه لا يزال رصيد الفطرة البشرية نافعا إذا ما خاطبت الناس وعرضت عليهم الحقائق بهذه الصورة، هذا بالإضافة إلى أن المجتمع الأمريكي مفتوح".
ويلمح الدكتور السالوسي في هذا الصدد بأن "مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا يقوم بدور كبير في دفع الدعاة لتحقيق هذا الأمر؛ حيث يقيم دورات توعية للدعاة ورؤساء المراكز؛ ليمتلكوا من خلالها مقومات توعية الناس على المستوى الأمريكي أولا، وتوضيح وجهة النظر حتى لا تُستقى من وسائل الإعلام الأمريكية التي هي تابعة لإسرائيل.
كما عليهم ثانيا توجيه المسلمين في أمريكا إلى القيام بكل ما يستطيعون للتعريف بقضايا أمتهم العربية، خاصة في القضيتين اللبنانية والفلسطينية والدور الأمريكي فيهما، من خلال كافة الوسائل التعبيرية في أمريكا، بخاصة وسائل الإعلام".
في حين يحدد الدكتور الصاوي مهمتين أساسيتين، يمكن أن يقوم بهما الدعاة في هذا الصدد؛ هما: تكثيف الدعاة للمحاضرات والندوات العامة، والكتابة في الصحف والإنترنت ومختلف وسائل التأثير في الرأي العام، هذا بالإضافة إلى التواصل من خلال المراكز الإسلامية والمؤسسات الموجودة على الساحة الأمريكية التي لها قنوات اتصال مفتوحة مع الساسة الأمريكان؛ فلعل من خلال هذه المؤسسات يحقق الدعاة أثرا.
وباعتبار أن وسيلة الاتصال هي الأهم في قضية تفعيل دور الدعوة في أي مجال، خاصة في قضية هامة كتحييد السياسة الأمريكية.. يوضح الدكتور وهبة الزحيلي -النائب الثاني لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا- أن "الدعاة في أمريكا يُصدمون بعقبات من أجل القيام بهذا الدور الكبير، تتمثل في أن أمريكا تسيطر عليها أجهزة الإعلام الصهيونية التي لا تمكِّن أحدا من أن يعبر عن الحقيقة العربية تعبيرا صحيحا".
ومع ذلك فإن الدكتور الزحيلي يشدد على أن ذلك لا يعني أن الدعاة معفيون من أداء دور كبير تجاه قضايا أمتهم، ويرى أن عليهم "أن يعملوا بقدر الاستطاعة وألا ييأسوا، وأن يؤدوا دورهم في البلاغ، وذكر الحقائق المختلفة السياسية والحربية، وتعريف العالم أجمع أن المسلمين هم المعتدى عليهم. مع التركيز على توضيح الحق والباطل، والموقف الصحيح، والموقف العدواني، وإيضاح الخلط الدائر حول القضيتين اللبنانية والفلسطينية، وإظهار مدى العدوان الواقع على الأمة من قبل إسرائيل، ومن ورائها الدعم الأمريكي".
المواطن قبل الساسة
د.السيد عبد الحليم
وهناك وجهة نظر هامة أخرى لتحييد السياسة الأمريكية من خلال الدعوة الإسلامية في الولايات المتحدة، يعبر عنها الدكتور السيد عبد الحليم -الأمين العام المساعد لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا- من أجل تحقيق مكاسب هامة للقضايا العربية والإسلامية من خلال الدعاة في الولايات المتحدة، وهي البدء أولا في تحييد المواطن الأمريكي؛ باعتباره النواة الأولى للضغط على حكومته لتحييد سياستها تجاه القضايا العربية، وعدم التحيز الدائم لإسرائيل.
ويحدد في ذلك عدة أمور يمكن من خلالها أن يؤثر الدعاة في المواطن الأمريكي، أهمها:
1- أن يتخلق الداعية بخلق الإسلام الذي هو خلق حضاري؛ بمعنى حضارة المتقدمين، ويعمل على نشر ذلك بين أوساط المسلمين هناك، خاصة أن المواطن الأمريكي يقتنع بالسلوك أكثر من الأقوال.
2– أن يتوجه الداعية بدعوته للمواطن الأمريكي؛ بحيث يكون ليِّنًا في دعوته، وأن يمس القلب الأمريكي بأسلوب الدعوة الحسنة، وأن يكون رحيما في الكلمة التي يقدمها؛ لأنهم يحبون من الإنسان أن يكون لين القول، سديدا في لفظه، جميلا في منطقه.
3- نشر التعامل الإسلامي الصحيح بين المسلمين من خلال فهم الإسلام، والتعمق فيه؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه؛ فالإسلام دعوة في ذاته؛ لأنه حينما يتمثل الإسلام في مسلمي أمريكا تأتي قلوب الأمريكان منصاعة؛ لأنهم طلاب حقيقة لكنهم تائهون، والإسلام قضية حق ولكن محاميها فاشلون.
4– نشر فكرة وجوب القرب من المواطن الأمريكي، وعدم التباعد عنهم، والتعالي عليهم.
5- توضيح أن الإسلام ليس دين إرهاب ولا تعال ولا تكبر على الغير، وأنه دين محبة وأخوة وسلام، ويدعو الناس إلى أن يكونوا أسرة واحدة تعمل الخير وتدعو الناس إليه.
ومع السير في الطريق الأول لتحييد المواطن الأمريكي يرى الدكتور عبد الحليم لتحييد هذه السياسة على المدى الطويل: السير في خطوات التعليم، وتكوين العقلية الإسلامية داخل أمريكا من خلال الدعوة؛ لتوسيع نسبة التواجد الإسلامي، ويوضح أهمية هذا الأمر بقوله: "حينما تكثر الأرضية الإسلامية، ويعترف بها هناك؛ فسيكون من المسلمين من ينتخبون في المستقبل، وذلك كما خطط اليهود قبل ذلك، وصار لهم الآن الحظوة والسلطة الكبرى.
وعلينا ألا نستعجل الأمور، خاصة أن مشكلة المسلمين أنهم ينظرون إلى الأمور بعجلة، ويطلبون أن تتحقق سريعا، ولكن يجب أن يكون لديهم شيء من الصبر على نتائج الأمور".
د.أحمد طه ريان
ولا يرى الدكتور أحمد طه ريان -عضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا- سبيلا للدعاة في المساهمة لتحييد السياسة الأمريكية إلا من خلال التوسع في اللقاءات الجماهيرية لشرح الموقف الأمريكي الظالم للقضايا العربية، والمتحيز لإسرائيل، ويؤكد أن ما يساعد على ذلك هو أن المواطنين على مختلف المستويات في الولايات المتحدة لديهم سعة صدر لسماع الرأي والرأي الآخر؛ بحيث إنه لا مانع لديهم أن يعقدوا جلسات للتعريف بالإسلام حتى داخل الكنائس.
إلا أن الدكتور ريان يؤكد على أن الأمر يحتاج إلى داعية بصير، لديه عدة مقومات؛ منها أن يكون ملما باللغة وبالسياسة الأمريكية بكافة جوانبها الداخلية والخارجية حتى يمكنه الخوض فيها، وإظهار تحيزها ضد قضايا الأمة العربية والإسلامية، ثم يفعِّل تواجده في وسائل الإعلام المختلفة، وأن يجعل من نفسه مادة يحبها المواطن الأمريكي يحرص على متابعتها حتى وإن لم يكن حديثة من أجل تحييد وجهات النظر الأمريكية، حتى يتمكن بذلك من تكوين رأي ضاغط على السياسة الأمريكية.
د. محمد فؤاد البرازي
وقد يشكك البعض في فاعلية دور الدعاة في العمل السياسي بأمريكا، ويرد على هذه الشبهة الدكتور محمد فؤاد البرازي رئيس الرابطة الإسلامية بالدانمارك؛ حيث يؤكد على أن الدعاة يمكنهم ذلك من خلال التركيز على أمرين:
أولهما: توحيد كلمة المسلمين في الولايات المتحدة، ودعوتهم إلى التنسيق فيما بينهم للقيام بعمل معبر يصل للرأي العام الأمريكي، يوضح ما عليه السياسة الأمريكية من إهدار للحقوق العربية والإسلامية.
والثاني: توجيه الأنظار الإسلامية إلى الحاجة الماسة للوبي إسلامي قوي يتم دعمه على كافة الأصعدة في أمريكا؛ بحيث يكون دوره إجلاء الحقائق السياسية في مواقف الولايات المتحدة من القضايا العربية والإسلامية من أجل مناصرة إسرائيل.
فهل ننتظر في هذا الفترة الحرجة من حياة الأمة أن يقوم الدعاة بدورهم المنشود تجاه أمتهم، ويخرجوا من شرنقة الماضي ليتحملوا مسئوليتهم تجاه قضايا الحاضر، وواقع أمتهم التي تحتاج إلى كل جهد من أبنائها في مشارق الأرض ومغاربها.
إسلام أون لاين
|