بقلم/ نصر طه مصطفى -
الرئيس وإصلاح ما أفسده خصومه!
هل يمكن للخلافات السياسية أن تفقد المرء القدرة على التعاطي مع الأمور بموضوعية وحيادية؟! سؤال يفرض نفسه عندما تجد نفسك وسط كم من القراءات السوداوية أو غير المنهجية عندما تقيم الأطراف السياسية بعضها البعض تحديدا سواء من خلال بياناتها الرسمية أو من خلال آراء كتابها المؤيدين لها والمدافعين عن مواقفها..
بالنسبة لي أتصور أن الخلاف السياسي لا يعني بالضرورة فقدان القدرة على تقييم مواقف الطرف الآخر بحيادية وموضوعية، كما أن الخلاف السياسي لا يعني كذلك استخدام أساليب غير مشروعة في مواجهة الخصم.. وبوضوح أكثر أقول إني كنت منتميا لفترة ليست بالقصيرة لحزب الإصلاح وكان لي وجهات نظر نقدية لبعض الأمور داخل الحزب أو التجمع نشرت بعضها ولم أنشر البعض الآخر، وعندما خرجت من التجمع لم تتغير نظرتي لتلك السلبيات وكذلك لم أنظر إليه كحزب بلا أي إيجابيات بل لازلت أعتقد أنه حزب وطني أسهم بأدوار إيجابية كبيرة في خدمة البلاد.. فهل يعقل ما أقرؤه كثيرا هذه الأيام من تجريد للرئيس علي عبدالله صالح وللمؤتمر الشعبي العام من أي إيجابيات أو إنجازات؟ حقيقة إنه شيء مؤسف ويكون مؤسفا أكثر عندما يأتي من أناس اعتقد أنهم يفهمون معنى قوله تعالى "ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى".
حتى في أكثر أنظمة الدنيا سوءا لا يخلو الأمر من شيء من الإيجابيات.. فكيف بنظام لديه الكثير من الشفافية ومساحات واسعة من حرية الرأي تعطي الناس حق انتقاد رئيس الجمهورية علنا في الصحف وقول كل شيء ما يصح منه وما لا يصح؟! كتبت قبل أسبوعين مقالة أبدي فيها استغرابي من الذين يتهمون الرئيس علي عبدالله صالح أنه لم يفعل شيئا لهذا البلد طوال ثمانية وعشرين عاما فقامت قائمة البعض ولم تقعد وكأني قلت ما لا يجوز لي أن أقوله..
والحقيقة أني سعدت بالجدل الذي دار حول هذا المقال واستمتعت كثيرا بالتعقيبات التي قرأتها في العدد الماضي من "الناس" وإن كنت توقعت مسبقا ماذا يمكن أن يقال ردا على ما كتبت وأنه سيدور حول الحمى ولن يستطيع الوقوع فيه أو مناقشته موضوعيا وبأعصاب هادئة رغم أني لم أسيء لأحد وفوجئت بإساءات وخلط أوراق ما كنت أتمنى لزملاء أعزاء أن يقعوا فيها.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فأنا لم أقل كل ما عندي وقد لا أقوله صراحة حفاظا على قيم أؤمن بها ومبادئ اعتقدها.
كما أنه لم يناقشني أحد في جوهر الفكرة التي طرحتها، ولا ألومهم على ذلك فكثير منهم ربما كان في سن لا يسمح له بمعرفة مجريات الأحداث في سنوات ما قبل الوحدة التي كان الإخوان المسلمون والبعثيون شركاء في صياغة ملامحها وصنع أحداثها بل وشركاء في كثير من قراراتها في حينه.. وإلى جانب هؤلاء انضم الحزب الاشتراكي وحلفاؤه منذ 1990م في صياغة ملامح سنوات الانتقالية الثلاث وعام الأزمة والحرب (أغسطس 1993- يوليو 1994) التي لا تزال البلاد تدفع آثارها حتى الآن.. فعندما تم الإعلان عن قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م كانت الخزينة العامة للدولة تزخر باحتياطي يبلغ أربعة مليارات دولار كلها من احتياطيات النظام الذي كان يحكم الشطر الشمالي من الوطن، وعند انتهاء حرب صيف 1994م كان رصيد الخزينة العامة تسعين مليون دولار فقط بمعنى أن الدولة كانت على شفا انهيار اقتصادي شامل..
فمن المسئول أيها الأعزاء وأنتم تعرفون جيدا من خطط للمؤامرات على اليمن الموحد طوال الفترة الانتقالية ورعى عقد المؤتمرات المناطقية والقبلية وأثار النعرات ورفض نتائج انتخابات 1993م ثم أخذ يعد العدة للانفصال والحرب؟! أم أنكم ستصرون وتقولون أن علي عبدالله صالح وراء كل ذلك؟! وبأي منطق اقتصادي تريدون من هذا الرجل "لملمة" كل ذلك الانهيار الفظيع في بضع سنوات في بلد موارده ضعيفة جدا وكل موازنته لا تبلغ نصف العجز الخاص بموازنة أي دولة من الدول النفطية المجاورة لنا؟!
أقولها لكم بملء الفم.. نعم هناك فساد مالي وإداري.. وهو فساد مؤلم وموجع، لكن الرئيس والدولة والحكومة لا ينكرون وجوده بل وتم اتخاذ خطوات عملية لتحجيمه وبالتعاون مع المؤسسات الدولية المانحة.. وهناك فقر وهو فقر مؤذ وجارح لكراماتنا وإنسانيتنا لكن الرئيس والدولة والحكومة يعترفون به ويقرون بوجوده، وهناك إجراءات عملية للتخفيف من حدته.. لكن المشكلة أنكم تريدون إقناعنا على مذهب "عنزة ولو طارت" أن الرئيس علي عبدالله صالح هو وراء الفساد والفقر وكأن البلاد كانت أوضاعها أكثر من رائعة إلى عام 1997م وفجأة هبط عليها الفقر والفساد بعد خروج شريك الوحدة وشريك الدفاع عنها من الحكم!.
يا أعزائي إن مناقشة مثل هذه القضايا بصدق وجدية تحتاج ليس إلى حياد وموضوعية فقط لكنها إلى ذلك تحتاج إلى قراءة عميقة لكل مكونات الصورة وخلفياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفهم حقيقي للواقع كما هو لا كما تريده أهواؤنا.. فعلى سبيل المثال يعلم أي مبتدئ في الاقتصاد أن أهم وسائل محاربة الفقر هي جلب الاستثمارات الخارجية وتشجيع المحلية وتوفير الأجواء المناسبة لها باعتبار أنها ستوفر عشرات الآلاف من فرص العمل وتحجم البطالة وبالتالي تخفف من الفقر، وحتى لا يزايد أحد عليّ سأقول له أني شخصيا سبق لي أن كتبت في صحيفة 26 سبتمبر عن معوقات الاستثمار وركزت على ضرورة تحجيم من أسميتهم "قطاع الطرق" الذين يخيفون المستثمرين ويضغطون عليهم للشراكة معهم بحجة حمايتهم (!)..
إذن فنحن ننتقد السلبيات مثلكم لكن لا بد أن نتحدث أيضا عن معوقات أخرى مثل انتشار السلاح ونتساءل عن الذين يحولون حتى الآن دون صدور قانون تنظيم حمل وحيازة السلاح وجزء كبير منهم من المعارضة.. ونتساءل أيضا عن دور فتنة مثل فتنة الحوثي في تخويف المستثمرين وأتوقع أن هناك من سيقول أن الحوثي كان عضوا في المؤتمر الحاكم ومن حقي هنا أن أرد عليه مقدما بالقول إذا سلمنا بذلك فلماذا تولت الدفاع عنه معظم صحف المشترك وكادت أن تثير من أجله ألف فتنة؟! وفي جانب آخر يتساءل المرء عن دور بعض أطراف المعارضة في التغذية الفكرية والعقائدية لأولئك الذين قتلوا السياح الأجانب في أبين عام 1998م والذين فجروا المدمرة كول في عام 2000م.
والذين فجروا الناقلة الفرنسية ليمبرج في 2002م؟! حقيقة أنا لا اقصد هنا حزب الإصلاح لكن أقصد بعض التيارات المتشددة التي يعرفها وأسهمت بقصد أو دون قصد في مثل هذه التعبئة الخاطئة فهل يعقل بعد ذلك أن نرمي بالمسئولية على علي عبدالله صالح عن هذه الأحداث التي تخوف المستثمرين ومن ثم تحول دون مساعدة الدولة على المضي في خطوات عملية لمحاربة البطالة والفقر؟! يجب أن نقر بأن موروثات العهد الاشتراكي في الجنوب ونصف الاشتراكي في الشمال وما تبع ذلك من صراعات ووقف للمساعدات وإثقال كاهل الدولة بأعباء مئات الآلاف من الموظفين الذين تحولوا إلى فقراء بسبب تناقص قيمة الريال وقلة موارد الدولة إلى آخر ذلك من الأسباب التي يعرفها الاقتصاديون كالزيادة الكبيرة في عدد السكان، وهي نفس الأسباب التي جعلت ألمانيا الموحدة – وهي أعظم وأغنى دول أوروبا- تدفع ثمن أعباء الوحدة حتى هذه اللحظة، وذلك طبيعي فكل الدول التي كانت اشتراكية ثم تحولت لا تزال حتى الآن تدفع ثمن التحول بما في ذلك دول عربية كبرى مثل الجزائر ومصر والسودان.. وليس مطلوبا من اليمن بالتأكيد أن يكون خارج هذه القاعدة.. والحديث يتواصل بإذن الله تعالى..
(صحيفة الناس)