بقلم / د. عبدالرحمن محمد الشامي -
ديمقراطيتنا جادة وممارستنا شفافة
من حقنا أن نفاخر، من دون غرور، وأن نعتز دون كبرياء، بما نحققه كل يوم على صعيد حياتنا السياسية، وما نحرزه من تقدم في هذا المجال، فليس صحيحاً أن حياتنا كلها إخفاقات كما يحاول البعض تصويرها لنا، كما أن ليس من العدل ولا الانصاف ألاّ نستمع إلاّ إلى صراخ الإحباط، وعويل البائسين المحبطين ليلاً ونهاراً، ولانرى من الصورة الكبيرة سوى بقع الظلام ومواطن اليأس، صحيح أن مسيرتنا يعتريها بعض القصور، لكن الأصح منه كذلك أن فيها من النجاحات أضعافاً مضاعفة مقارنة بمواطن الإخفاق، وتلك طبيعة الحياة التي لم تولد بعد في هيئتها المكتملة الأوصاف، التي لايشوبها خلل، ولاتعرف مواطن الزلل، ومن ثم، أليس من المنطق أن نتفق جميعاً، ونبرم عهداً على تفعيل مواطن النجاح في مسيرتنا، ومعالجة مواطن الخلل في حياتنا، بدلاً من الحكم السلبي على كل شيء حتى تلك البادية للعيان صحة ووضوحاً!.
حالنا اليوم من المؤكد أنه أفضل من الأمس، وعامنا الجاري أحسن من ذي قبله، ونحن في العقد الحالي أفضل بكثير مما كنا عليه قبل عقد مضى، فوعي الناس في زيادة مستمرة، وحراكنا الثقافي في تقدم واضح، وفي الساحة اليوم تيارات عديدة، وأصوات متعددة وهي في زيادة مستمرة، بدلاً من الصوت الواحد والتيار الأوحد فيما مضى من عدة سنوات، إذا فنحن في تحسن بمنطق المتوالية الهندسية، ومصطلح "كرة الثلج" وبالتأمل المنصف البعيد عن كل الأهواء ومحاولات الإغواء، والتسامي عن القراءة المبتورة، ومن ثم فإن توجهاً كهذا أليس حريّاً بنا تشجيعه، فكما أننا في حاجة إلى من يهدي إلينا عيوبنا، فكذلك نحن في حاجة إلى من يشجعنا ويدعم مسيرتنا ما بين وقت وآخر، حتى تستمر عطاءاتنا، ونستمد منها الوقود الذي يدفع بنا إلى السير دوماً صوب الأمام.
الشفافية هي أبرز ما يميز ممارستنا الديمقراطية، فلا شيء نسعى إلى إخفائه عن أعين الآخرين، ومن ثم فبلادنا تستقبل هذه الأيام عدداً من المراقبين ورجال الإعلام الدوليين الذين يتحركون في أجواء تامة من الحرية، يذهبون إلى حيث يشاءون، يجوبون البلاد طولاً وعرضاً، يتحدثون إلى من يريدون من الناس من دون رقيب ولا حسيب، ممارستنا الديمقراطية كتاب مفتوح أمام الجميع على مساحة البلاد الممتدة بسهولها ووديانها، بجبالها وهضابها، وعلى طول شواطئ بحارها والأنهار، لاشيء لدينا نخفيه عن الأعين، ولانتعمد إلى مواربته عن الناس، كما أننا لانقول بأننا اليوم ننافس دول الديمقراطيات العتية، ولكنا على الأقل دولة فتية تدخل النادي الديمقراطي بعزيمة وإصرار على أن تكون عضواً عاملاً نشيطاً، لامجرد تسجيل حضور مشرف، وتؤكد ماضي الأعوام السابقة كثيراً مما أنجز في هذا المجال.
ما تحتاجه "اليمن" في هذه المرحلة الهامة من تاريخها أن يكون الجميع عند مستوى المسئولية الوطنية، وكما لانطلب من أحد تجميل الواقع، فكذلك ليس من الأمانة تزييف هذا الواقع ولا التجني عليه، وإلحاق أشياء ليس لها علاقة به، الوطن اليوم يقف على عتبة استحقاق ديمقراطي هام، علينا وحدنا نحن اليمنيين فقط تقع مسئولية إنجاح هذا الاستحقاق من خذلانه، والدخول باليمن مرحلة جديدة من الحياة تعظم من الاستقرار الهادي إلى التقدم، والدافع على مزيد من العطاء، فليس بين الوطن وبين أحد منا تصفية حساب، ولنكن في أقل الأحوال كما يقال "عدو عاقل خير من صديق جاهل".
أما سماح الدولة اليمنية بالرقابة الدولية على الانتخابات فليس ذلك أمراً هيناً نمر أمامه من دون التوقف، بل هو توجه يستحق التشجيع والإشادة به، فكثير من الدول العربية ترفض مثل هذا الأمر رفضاً قاطعاً، بحجة أنها قد شبت على الطوق، ولا تحتاج إلى من يراقب أعمالها من هذا النوع، وذلك أمر يخصها، وشأن لاعلاقة لنا به، غير أن "اليمن" قد كان اختيارها غير ذلك منذ أول يوم قررت فيه خوض انتخابات تنافسية تعددية، وتلك مسألة تحسب لديمقراطيتنا الوليدة، وشهادة على توجهها الجاد في الأخذ بالنهج الديمقراطي والتعددية السياسية، فهي لم تختر الأخذ بنهج الممارسات الديمقراطية المنغلقة على ذاتها، ولا ادعاء القول البعيد عن الفعل، بل فضلت الشفافية مع الداخل كما هي مع الخارج، وأتاحت مصادر المعلومات المختلفة للجميع دون تمييز ولا تفرقة، ومن ثم فالفضاءات اليوم مفتوحة أمام الجميع، وتتسع القنوات الاتصالية لكل الأصوات، كما تستوعب جميع الاتجاهات، ويجد كل تيار فيها المجال واسعاً أمامه للتعبير عن رأيه مهما كانت حدة هذا الرأي، ومن لم يجد مجالاً لرأيه أو صوته لا في هذا ولا ذلك فخيمة "الديمقراطية" المعلن عنها مؤخراً مفتوحة أمام الجميع، ولن ترد قاصداً إياها.
وفي المحصلة النهائية فإن مقدار ما يتحقق لنا من نجاح اليوم هو ملكنا جميعاً، وبمقدار الإخفاق تكون مسئوليتنا جميعاً، فالفرصة مواتية للتعبير الحر المسئول عن كل المواقف والاتجاهات في ساعات الحسم والحزم الوطني، فلا صوت يعلو فوق صوت المصلحة الوطنية العليا، ولا مكان لغير اليمن اليوم في قلوبنا، والالتزام لليمن أولاً وأخيراً، وهو الذي يفوق على كل الالتزامات ويعلو عليها.
[email protected]
صحيفة الثورة