بقلم / نصر طه مصطفى -
الانتخابات الرئاسية اليمنية.. هل من مفاجآت؟
بدأت يوم الأربعاء الماضي الحملة الدعائية للانتخابات الرئاسية اليمنية التي ستجرى في العشرين من شهر سبتمبر/أيلول المقبل، بمعنى أنها ستستمر أربعة أسابيع وهي فترة طويلة بالقياس للانتخابات السابقة التي جرت قبل سبع سنوات ولم تتجاوز الحملة الدعائية فيها العشرين يوما. وليس هذا هو الفارق الوحيد بين الانتخابات الرئاسية السابقة والحالية، بل هناك فوارق أخرى جوهرية جعلت هذه الانتخابات تختلف تماما عن سابقتها، ويمكن إجمالها في أن التنافس هذه المرة جاد بكل ما تعنيه الكلمة، على عكس المرة السابقة التي كان التنافس فيها شكلياً، وربما تقبل الناس ذلك في عام 1999م باعتبارها كانت أول انتخابات مباشرة لمنصب رئيس الجمهورية تجرى في تاريخ اليمن، لكنهم لم يكونوا ليقبلوا ذلك هذه المرة فالتجربة قد ازدادت نضجا والحسابات السياسية لمختلف فرقاء العمل السياسي الحزبي في اليمن قد اختلفت جذرياً.
في عام 1999 كان حزب التجمع اليمني للإصلاح أكبر أحزاب المعارضة لا يزال أقرب للحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام، ومن ثم تكتل الحزبان ومعهما مجموعة أحزاب المجلس الوطني للمعارضة الموالية للمؤتمر باتجاه تزكية الرئيس علي عبدالله صالح في البرلمان لخوض الانتخابات، واضطر الحزب الحاكم لتزكية أحد أعضائه وهو نجيب الشعبي نجل الرئيس اليمني الراحل قحطان الشعبي لخوض الانتخابات في مواجهة الرئيس صالح بدلا من تزكيته لأمين عام الحزب الاشتراكي المعارض حينها علي صالح عباد (مقبل) الذي كان هناك (فيتو) على شخصيته تحديدا. ولذلك سارت الانتخابات حينها شكلية باردة وحصل الرئيس صالح على 96% من الأصوات وكانت نتيجة طبيعية. أما هذه المرة فإن ازدياد مساحة الخلافات بين الحليفين السابقين، المؤتمر والإصلاح، دفع بالأخير لتشكيل تحالف سياسي مع بقية أحزاب المعارضة اليسارية والدينية الأخرى منذ أكثر من خمس سنوات تحت مسمى (اللقاء المشترك) وقرر في ضوئه منافسة الرئيس صالح في هذه الدورة الانتخابية التي تعد الأخيرة التي يحق للرئيس اليمني أن يخوضها بموجب الدستور، ولأن “الإصلاح” يمتلك النسبة المئوية المطلوبة من مجموع عدد أعضاء مجلسي النواب والشورى التي تؤهله لتزكية مرشحه الرئاسي وهي (5%) فقد ضمن خوضه مع حلفائه الجدد معركة الرئاسة القادمة، وهو بذلك قد لا يطمح للفوز بها بقدر ما يريد أن يؤكد قدرته على حرمان الرئيس صالح من الحصول على نفس النسبة التي حصل عليها في الانتخابات السابقة عندما كان حليفا له.
إذن، فإن انتخابات الرئاسة هذه المرة تجري في أجواء مختلفة تماما فالرئيس صالح يخوضها اليوم مرشحا عن حزبه الحاكم فقط فيما يخوضها “الإصلاح” وحلفاؤه بمرشح مستقل من خارجها جميعا هو المهندس فيصل بن شملان وزير النفط الأسبق. وفيما قامت كتلة الحزب الحاكم بتزكية مرشحين آخرين هما ياسين عبده سعيد الأمين العام للحزب الناصري الديمقراطي عن أحزاب المجلس الوطني للمعارضة وأحمد المجيدي العضو القيادي في الحزب الاشتراكي المعارض كمستقل، فإن حزب الإصلاح قام بتزكية أحد أعضائه كمرشح مستقل في خطوتين هدفهما خلط الأوراق السياسية على بعضهما البعض وإرباك الطرف الآخر.
ويعتقد كثير من العارفين بخفايا الساحة السياسية اليمنية أن تزكية “الإصلاح” لأحد أعضائه تهدف لأمرين، أولهما الاستفادة من المبلغ المخصص الذي يصرف من الخزينة العامة للدولة في دعم حملة المرشح الرئيسي (بن شملان)، حيث يوازي هذا المبلغ ما قيمته مائة وخمسة وعشرين ألف دولار، وثاني الأمرين أن يظل هذا المرشح المستقل كمرشح احتياطي لأي سبب من الأسباب كون المرشح الرئيسي للمعارضة فيصل بن شملان يتجاوز الخامسة والسبعين من عمره، ناهيك عن احتمال حدوث خلاف بينه وبين الأحزاب التي تقف معه في أي لحظة تسبق يوم الاقتراع رغم أنه احتمال ضعيف للغاية.
في الوقت ذاته، فإن تزكية المؤتمر الشعبي الحاكم للأمين العام للحزب الناصري الديمقراطي والمرشح الاشتراكي يهدف، في نظر المراقبين، إلى سحب الأصوات على المرشح المشترك كون الاثنين محسوبين على المعارضة وبالذات المرشح الاشتراكي أحمد المجيدي الذي تسبب ترشيحه في إحراج كبير لحزبه المنضوي في إطار (اللقاء المشترك)، وهو أي المجيدي برر ترشحه بأنه احتجاج على رفض حزبه تقديم مرشح من قياداته لمنافسة الرئيس صالح في الانتخابات، وطلب من الحزب الحاكم تزكيته في الاجتماع المشترك لمجلسي النواب والشورى ليتمكن من خوض الانتخابات فوافق هذا الأخير واعتبرها فرصة لا تعوض لتفكيك اصطفاف أحزاب المعارضة في هذه الانتخابات الساخنة والتي ستشهد تنافساً حقيقياً وحاداً وغير مسبوق.
يعتقد معظم اليمنيين أن حظوظ الفوز من نصيب الرئيس علي عبدالله صالح الذي عايشوه وألفوه على مدى ثمانية وعشرين عاماً، لكنهم في الوقت ذاته رحبوا بفكرة التنافس الحقيقي مع مرشح آخر، ولذلك فإن الرئيس اليمني يدرك جيداً أن الطريق للقصر الجمهوري هذه المرة لن يكون سهلاً مثل المرات السابقة رغم أنه كان يأمل بتنافس أكثر هدوءاً وأقل توتراً ليحقق في آخر دورة رئاسية له نتيجة تتناسب مع تاريخه الطويل في السلطة وإنجازاته وتضحياته الكبيرة من أجل الحفاظ على وحدة اليمن ونهضتها الاقتصادية، رغم أنه أسهم بكل تأكيد في دفع أحزاب المعارضة لمنافسته ورفض عروضاً مختلفة منها لدعمه لأنها كانت مشروطة بقبوله برنامج الإصلاح الوطني والسياسي الذي تبنته تلك الأحزاب، فيما اعتبر هو أن قبوله مثل هذا الأمر يتنافى مع أبسط قواعد الديمقراطية كون حزبه يمتلك أغلبية مريحة داخل البرلمان الحالي ولديه برنامجه الذي فاز بموجبه بهذه الأغلبية.
من المؤكد أن محذورات كثيرة ستمنع معظم اليمنيين من التصويت لمرشح المعارضة فيصل بن شملان رغم مآخذهم غير القليلة على الرئيس صالح وحزبه. وأهم تلك المحذورات على بن شملان أن فوزه سيدخله في خلاف مباشر مع برلمان لا يملك الأغلبية فيه وسيعيقه عن تنفيذ برنامجه، إضافة إلى القلق من كونه مرشحا لأحزاب المعارضة من خارجها وهو ما قد يدخله في خلاف معها إن فاز حول كثير من القضايا، ناهيك عن القلق من خلاف مؤكد سيتفجر بين تلك الأحزاب التي ينظر إليها المراقبون كائتلاف ناجح في إطار المعارضة بينما لا يمكن أن يكتب له النجاح كائتلاف حاكم بسبب أن ما يجمعها كمعارضة هو رغبتها في إسقاط الرئيس صالح، وهو القاسم المشترك الوحيد بينها، أما في الحكم فإن ما يفرقها أكثر بكثير مما يمكن أن يجمعها، ومن ثم فإن إيصالها إلى السلطة مخاطرة بكل ما تعنيه الكلمة.
مع ذلك كله فإن مزاج الناس صبيحة يوم الاقتراع قد يختلف تماماً عما نستقرئه اليوم، إلا أن ينجح الرئيس علي عبدالله صالح في تجاوز المفاجآت الانتخابية التي قد تعدها له أحزاب المعارضة والتي تهدف إلى عدم تمكينه من تحقيق فوز كبير في هذه الانتخابات يختم به حياته السياسية الحافلة.
صحيفة (الخليج)