المؤتمر نت - د/ وهيبة فارع -
متى تنضج المعارضة..؟!
المعارضة هي ضمير الأمة وهي الوجه الأخر للسلطة تتقاطع معها عندما تتعارض سلوكيات السلطة مع مصلحة الوطن ، تسعى إلى التبادل السلمي للسلطة عندما تكون ناضجة وقادرة على تحقيق تقديم بديل أفضل يتمكن من تجاوز الأخطاء ، والمجتمعات الديمقراطية تعتبر المعارضة ضمير الوطن مهام معارضتها مؤازرة السلطة لكي تنجح وتحقق أهداف الوطن ، ومراجعتها عن أخطائها عندما تتجاوز المعايير والمبادئ وأن تنافسها في برامجها التنموية بشكل واع وخطاب ناضج فتشكل بذلك الوجه الأخر لطموحات الأمة، وأحلامنا أن تنجح المعارضة وأن تبحث عن أسباب تمكنها من ذلك حتى تكون ذلك الرقيب والحافظ الأمين على مكتسبات الشعب الذي تحققت حتى ألان بعيداً عن كل المزايدات .
نعم نريد المعارضة ، ولكن نريدها معارضة ناضجة لتكون الوجه المشرق للوطن وليس الوجه المعتم ، نريدها شريكاً في الهم الوطني العام ورديفاً للوطن والمواطن ، معارضة نريدها أن تسعى إلى تقويم الاعوجاج إن وجد ، والتمهيد للإصلاحات السياسية إذا لم تكتمل ، نريدها أن تنتصر لقضايا الوطن والمواطن ، وان تنافس في برامج التغيير لتحقيق الأمن الاجتماعي والإصلاح السياسي من منطلق الحرص والأمانة .
نريد معارضة تهاب من مبادراتها ومن صدق أطروحاتها أي سلطة وتحسب لوجودها ألف حساب لنبل مقاصدها وثبات موقفها ، نريد معارضة تختلف مع السلطة عندما تتقاطع مع مصلحة الوطن والمواطن بالكلمة والموقف الوطني الصادق ، نريد معارضة لا تضع هدف الانقضاض على الحكم فوق كل اعتبار ، وأن لا تعتبر ذلك الهدف شرطاً لتنفيذ برامجها السياسية ، نريد معارضه تسعى للإصلاح السياسي من الداخل ولاتستقوي بالخارج ، معارضة تؤمن بقواعد التغيير السلمي ولاتساق إلية تحت أحقاد انهزامية أو شخصية أو عرقية .
هذه المعارضة التي يريدها الوطن من اجل الخير والتنمية ، المعارضة القدوة للسلطة بأساليبها السلمية التي لا تهدد ولا تروع السلام الاجتماعي ، المعارضة التي تقبل الهزيمة كما تقبل النصر ، ولكن معارضتنا ضجيجها عال وفعلها قليل ، وما تحمله من خطاب إعلامي للوصول إلى السلطة هو ما يرعب من أطروحاتها فهي تعد الجميع بمحرقة الوطن بالارتهان والتنمية بالذبح والطمأنينة بالحروب والمرأة بالبقاء في البيوت ، فأي مستقبل لها مع الانتخابات ومن سيختارها ؟ وأين ستذهب بوعودها أمام الحشود التي تحشدها وتعبئها بالخطاء والأحقاد والمغالطات .
معارضتنا بخطابها اليوم ليس همها الوطن ولا إصلاح الفساد ولا الإصلاح السياسي ولا التبادل السلمي للسلطة ، وإنما همها الأول والأخير ما ستحققه من كاسب مادية في سباق محموم ، لا من اجل ما سيكتسبه الوطن وجماهيره من هذه الانتخابات ، سلاحها التشهير والقذف والتهويل ، ومبادئها الغاية تبرر الوسيلة وأفعالها التلون والتحالف حتى مع الشيطان ، ورهانها وأن خسرت فأن الخسارة قابلة للمقايضة حتى ولو بالوطن كل الوطن .
فمتى أذاًً تنضج المعارضة؟
متى تمثل النموذج القدوة ؟
ومتى يكون الطرح المعاكس للسلطة الذي غايته المصلحة العامة أولاً ، وتوفر الإدارة الشعبية نحو الإصلاح السياسي منزها عن الأهداف الخاصة ، وبعيداً عن الذاتية وبعيداً عن الانتصار للأهواء الشخصية ، متى تنتصر المعارضة لأهداف سامية تحقق للوطن كل الوطن أهمها الحفاظ على الوحدة والتماسك الاجتماعي بالخطاب الناضج والعاقل الذي لا يسعى للانتقام من الوطن ولا من إنجازاته حتى وأن اختلف مع قياداته ؟
لاشك أن هناك معارضة سلمية وإن لم تنظم نفسها ، معارضة واعية للفساد ولفساد أحزاب المعارضة ، ولكن المعارضة السلمية والهادئة لا تجد لها مكاناً بين مجامع أحزاب موسمها هو الانتخابات وحسب ، لتثبت نفسها إنها لا تزال قادرة على تحريك الجماهير وهي التي لفظتها لأنها قد جربتها وجربت برامجها ، معارضة نظيفة لا تجد لها دعماً ولا مكاناً لان المعارضة المسلحة بالحقد لا تقبلها ولا تقبل غيرها سواء كانت نظيفة أم فاسدة ، ولا تُلْقي إليها بالاً كما لا تلقي بالاً لمنظمات المجتمع المدني التي ترى نفسها شريدة تائهة في الساحة أمام باحثين عن الانتصار لهزائمهم مع أهداف الوطن الحقيقية .
نعم هناك أيضاً معارضة لكنها لا تملك المال ولا تستطيع استقطاب الجماهير بأطروحات كاذبة ومع ذلك تظل معارضة شريفة لا تحسب لها الأحزاب ولا السلطة حساباً هناك معارضة مستقلة لأفراد وجماعات رسالتها للجميع هادئة وخالية من التشنج لا تستخدم الصوت العالي للترهيب والترويع ولا تملك الأموال للتوزيع ، ولكن مواقفها كانت ولا تزال وطنية لا تقايض الوطنية بالاغتراب ولا السيادة بالتشرذم ، صوت لابد لنا أن نسمعه مهما كان خافتاً ولابد أن تسمعه المعارضة ذاتها حتى لا تعتقد نفسها الوصي على اليمن وأنها لا يوجد غيرها ولا من يفوقها في الاستحقاق .
ذلك هو صوت المعارضة المستقبلية والمستقلة التي ننتظرها سلوكا وقدوة لتصبح قادرة على أداء رسالتها ، المعارضة التي لا ترتهن لأحد والتي سيكون دورها قادماً ليس لأنها ستلهث من اجل الدعم المادي من كل حدب وصوب وليس لأنها ستستخدم الخطاب التعبوي لترسيخ مبادئها بوعود كاذبة ، ولكن لأنها ستسعى لترسيخ مبادئها بطرق سلمية وشفافة حتى تصبح مدرسة الديمقراطية الحقيقة للتغيير وللتبادل السلمي للسلطة ، المعارضة التي تتعلم منها القوى الوطنية صغيرة كانت أم كبيرة بان ضمير الوطن لا يرتهن وان الحرية أغلى من أن تقايض وأنها لا تبتغي التغيير بأساليب ميكيافلية حيثما وجدت المصلحة وكيفما كانت الوسائل .
غداً سينفض المولد وسيجد المتاجرون بالسياسية والدين أن المبادئ غالية على المواطن وان البحث عن مكان لهم في قطار السباق إلى السلطة قد افقدهم المصداقية وإن التحالفات الهشة فيما بينهم ستنتهي بهم أشتاتاً عندما يقفز الجميع إلى الغنائم وستكتشف الجماهير أن نواياها الحسنة في الجري وراء الشعارات الخادعة لم تكن سوى وسيلة تريد إيصال الأكثر فساداً إلى المجالس المحلية ، وان الذين يتباكون اليوم على الوطن بشعاراتهم لم يفعلوا له شيئاً عندما كانوا في السلطة ولن يفعلوا إذا وصلوا إليها ، وستكتشف الجماهير إن غاية تغيير الوجوه لم تكن سوى وليمة أنفض من حولها السامرون ، لتبدأ الحسابات الشخصية كم لنا وكم لكم ، عندها لن تجد الجماهير بدا من محاسبتهم ، ولن تجد مفراً من إلقائهم في مزبلة التاريخ مرة أخرى ..
فهل تعي المعارضة خطابها السياسي ؟