الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:43 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الأحد, 05-أكتوبر-2003
تحليل -ياسر البابلي -
التطرف والتكفير.. بقلم محترفهما الشهير(الحلقة الرابعة)

ربما هو سوء طالعه الذي ورطه بتأليف كتابٍ عن سيرته الذاتية على دروب التطرف والتكفير، فجعله يسوق الأحكام والفتاوى ثم يتغيب عنها في ثمالته بسكرة الأحقاد والأكاذيب ونزعات محمومة للانتقام من غير دراية بأنه أقام القصاص على نفسه بنفسه بما استبق من أحكام.. أو لعل الأمر واحدة من طبخات قيادات الإصلاح العليا التي تحرق بها الأوراق البالية في تنظيمها، بجعلها عود الكبريت الذي لن يتحول رماداً حتى يكون قد أضرم نيران الفتن بوطن بأكمله.. وهذا لون من ألوان عدة لأساليب التصفيات الحزبية الداخلية المعهودة عند الإصلاح.
فالشيخ( ناصر ياجنّاه) مؤلف (حروز) التطرف والتكفير- لم يكن يعلم أنه قدم خدمة جليلة لأبناء شعبه بسرده تفاصيل ملامح الوجه الإصلاحي السياسي المعاصر، وبكشفه النقاب عن محاور مخططات الفتن الإصلاحية والمؤامرات التي ما زالت تحت الطهي في مطابخ التجمع اليمني للإصلاح. وعليه بات حقاً علينا في حلقتنا هذه وما سيليها أن نوصل الأمانة ونبلغ الرسالة بنصوصها الحرفية لكل اليمنيين وباختلاف انتماءاتهم وأفكارهم ومذاهبهم، ليروا بأم أعينهم، أي زيف ونفاق وتكفير وإرهاب يعيشه أولئك الذين يتقربون إلى الله زلفى بسفك الدماء وإثارة الفتن ونشر ثقافة التطرف.
خامساً: طبخة (إصلاحية) لمائدة الاشتراكي:
وفقاً لثقافة (ناصر ياجناه) يرى مؤلف (حروز) التطرف والتكفير أنه حتى لو كان الإسلام دين رحمة وسلام فلا يشترط بالمسلم أن يكون رحيما ومسالماً. وإذا كان المرء (صهيونيا) فلا يشترط أن يحمل الفكر الصهيوني. ولعله بهذا يريد فصل الإسلام عن أخلاقياته، والفصل بين الصفة والموصوف لإباحة السلوك الذي تهواه نفسه والتنصل من التزامات الفكر الذي يعتنقه.. فاقرأوا ما قال في الصفحة (119) من كتابه، ومنها:
• ( إن الشيوعية كفر والشيوعيين كفار والرافضون لحكم الشرع كفار.. لكن لا ينسحب حكم التكفير هذا على شخص بعينه ولو كان شيوعياً أو علمانياً) ص 199.
إن هذه الفلسفة الغريبة والعجيبة تقودنا لفهم أمور خطيرة عن طبيعة ثقافة الإصلاحيين ومدى رصانة المبادئ التي يدعون حملها – بمعنى آخر- أنْ حتى لو أعجبتك أدبيات حزب الإصلاح فلا تنتظر من الإصلاحيين أن يكونوا متحلين بأخلاقياتها وملتزمين بضوابطها.. وفقاً للفتوى السابقة التي يعترف بها ناصر أحمد يحيى.
وعلى كل حال؛ فحزب التجمع اليمني للإصلاح كما هو معروف لدى الجميع تشكل في سبتمبر 1990م. من ثلاثة تيارات إسلامية هي تيار الأخوان المسلمين، ومجموعة من التجار وأصحاب المصالح الاقتصادية في السوق والفصيل الثالث هم رجال القبائل.. وإذا علمنا طبيعة علاقة الإخوان المسلمين بالاشتراكية القائمة على التكفير الكامل لها واستباحة دمائها في جميع أدبياتها منذ الأربعينيات وحتى اليوم فإن البقية المتبقية من فصائل الإصلاح ليس بينها من المفكرين والمثقفين أو ممن هم قادمون من خلفيات حركية سياسية معروفة تؤهلها لاستيعاب الفرق بين الشيوعية أو حتى بين (الماوية) و (اللينينية) و (الماركسية) وغيرها.
ومثل هذه الخلفية المعقدة لحزب الإصلاح التي تجمع بين جناح متطرف له عروق طويلة في العالم العربي (الإخوان المسلمين) وبين من لم يمارس السياسة قط في حياته ( التجار وأصحاب المصالح) وبين المتبوعين بالعصبية القبلية (المشائخ ووجهاء القبائل).. أقبل الحزب الاشتراكي اليمني على الوحدة وهو يعلم أنه الطرف الذي ألغيت (يمنيته) في حسابات حزب الإصلاح.. وهو ما يسميه ناصر أحمد يحيى في كتاب ( حروز التطرف والتكفير) بـ (إلغاء الآخر ورفض الحوار معه) ص (69) في تعريفه لمتطرف.وهذه الحقيقة في رفض الآخر (الاشتراكي) يؤكدها الأستاذ ( نصر طه مصطفى) في كتابه (علي عبدالله صالح: التجربة وآفاق المستقبل) إصدار المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية، فيقول في الصفحة ( 45- 46):
* ( وفي الشمال فوجئت الأوساط السياسية بموقف الحركة الإسلامية الذي رحب بالوحدة وأعلن رفضه لدستورها من منطلق أنه دستور علماني) ثم يضيف ( ولأن هذا الموقف لم ينطلق حينها من رؤية استراتيجية فقد اعتبرته جميع الأوساط السياسية رفضاً للوحدة وقلقاً من دخول الحزب الاشتراكي معادلاً أساساً في سلطة الدولة الجديدة.. وظلت هذه التهمة تطارد الإسلاميين لفترة طويلة).
أما الكاتب العربي المعروف (فيصل جلول) في كتابه (اليمن: الثورتان، الجمهوريتان، الوحدة) فيقول في حديثه عن نشأة حزب الإصلاح في الصفحة(211):
• ( إن هذا التيار لم يكن يمارس المعارضة على صفحة بيضاء، فزعيمه صرح علناً ومراراً بأنه يريد الوحدة، لكنه لا يريدها مع الماركسيين. الأمر الذي يعني بوضوح أنه لا يطمئن إلى مشاركة الاشتراكي في الحكم).
ويضيف في نفس الصفحة ( معارضة الإصلاح للحكم تثير حفيظة الاشتراكي أكثر من المؤتمر الشعبي العام، غير أن التدقيق في جوهر هذه المعارضة يسمح بالقول أن ظاهرها كان أكثر حدة نحو الاشتراكي لكنها في حقيقتها معارضة تتناول الحكم برمته، لأنها مشكلة من فئات مستبعدة من الحكم ولا مكان لها في خطط المستقبل).
ولو تتبعنا مفردات موقف التجمع اليمني للإصلاح من الحزب الاشتراكي لوجدنا أن الإصلاح يوم 21/5/1990م أعلن انسحابه من اجتماع مجلس ا لشورى في صنعاء.. وربما كان الأمر يبدو أكثر تعقيداً بعد إعلان الوحدة اليمنية في 22/5/1990م حيث أن الإصلاح نقل كل موروث ما قبل الوحدة والصراعات التاريخية بين الشطرين إلى زمن التعددية والديمقراطية.. وهذه المسألة تؤخذ على الإصلاح بوصفه حزباً جامداً وبليداً لا يستطيع التكيف مع مقتضيات عصره، ومن الصعب على قيادته تطوير استراتيجياتها السياسية والفكرية.. وهي تعيش هاجس التقوقع في الماضي أكثر من رغبة التطور والتغيير.
وأود التنويه - هنا- إلى أن الغرض من العودة لهذه الخلفيات التاريخية هو الوقوف على الحالة التاريخية المكونة لثقافة العنف والإرهاب التي أنطلق من مناخاتها قاتل الشهيد جار الله عمر، والذي فتح ملفاتها مجدداً مؤلف كتاب (حروز) التطرف والتكفير الأخ ناصر أحمد يحيى بادعاءاته أن المؤتمر الشعبي العام هو من صنع فتاوى التكفير بحق الحزب الاشتراكي ورموزه الوطنية، ووصفه بـ (مدرسة التكفير) ص (130).
في هذه الحلقة سنحرص على تذكير الإخوة في الإصلاح بفتاواهم التكفيرية أولاً وإيقاظ الإخوة في الحزب الاشتراكي من سحر طبخة "المورفين" التي أعدتها مطابخ الإصلاح لهم –خصوصاً- برفع (قميص جار الله عمر) واللف به في ( الأمصار الإسلامية) طلباً للثأر باسم ( الورع الديني) و( ديمقراطية المشترك) و (القضاء على سلطة الاستبداد) لتغشى أبصار الناس – وفي مقدمتهم الاشتراكيين- عن قراءة اسم موطن صنع الطبخات المسمومة التي تقدم لموائدهم السياسية وقد خط عليها (صنع في مطابخ التجمع اليمني للإصلاح).
إن الأخ ناصر أحمد يحيى الذي لقب المتحدثين عن فتاوى - التكفير - بحق الاشتراكيين- بـ ( مجاذيب الفتوى) ص (28)، ونسي أن عيون التاريخ لا تنام وذاكرته لا تنمحي. فها هو الدكتور عقيد عبدالولي الشميري في كتابه (1000 ساعة حرب) والذي ألفه عام 1995م (قبل أزمة الإصلاح والمؤتمر) يذكر في ص (133) قوله:
• ( إن الشيخ عبدالمجيد الزنداني أول من اعترض على ذلك الدستور- دستور الوحدة- وهاجمه بشدة وتبنى معارضته إعلامياً، وأصدر الفتاوى، وسلسلة من الأشرطة، من دار إقامته حينذاك في حي العزيزية بمكة المكرمة..)
وفي الصفحة التالية (134) يذكر:
• (استصدر تنظيم الإخوان المسلمين الذي يقوده الأستاذ ياسين سعيد القباطي فتوى شرعية من أكثر من مائتين من علماء الدين الإسلامي بعدم جواز القبول بنصوص ذلك ا لدستور، وأنه علماني).
ولمعرفتي بطبع الإصلاحيين المتطرفين الذين سيكذبون كل قول ويدرأون عن أنفسهم كل تهمة ليلحقوها بالآخرين.. سنورد هنا نصاً مخزياً للتجمع اليمني للإصلاح بحق الاشتراكيين، ورأيت أن أخفي اسم ا لمصدر لأنني أتوقع منهم التملص من مسئوليته، حتى إذا ما كذبوه وكفروا كاتبه وناقله وقذفوه بما تفيض به ألسنتهم السليطة فلينتظرون المفاجأة التي سوف تشل الألسن عن الحراك وتجمد الأفئدة في الصدور، حين نقدم بين أيديهم المصدر.
يقول المصدر في إحدى صفحاته التي تتحدث عن الصراع مع الشيوعية ودور (المجاهدين) في مواجهته والدور (العظيم) الذي لعبه (فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني) في تقويم التشريع الدستوري، ما يلي:
• ( وبرز الشيخ عبد المجيد الزنداني في مقدمة الخائضين غمار معركة الدستور؛ وهو الذي أم الجماهير المتظاهرة في ميدان السبعين وأذكى فيهم روح الحماس ضد الدستور، وتقدم المسيرة مشاهير من علماء اليمن.. وأدى المتظاهرون صلاة الظهر بتيمم في شارع الستين أمام دار الرئاسة، وهتفوا وهم مئات من الآلاف بهتافات ناقمة على ما أسموه " ديمقراطية القهر"، منها هذا النص:
رب نسألك يا ألهي مسألة… أهد الشيوعي وإلاّ أهلكه
زيّد الفوضى، بأرض اليمن… ياربي بأرض اليمن يا الله
شعبنا رافض… لا للدستور لا..لا للخمور
قل من دستورهم علمانية… يسقط الإلحاد وحزب الشيوعية
شعبنا رافض…. لا للدستور لا.. لا للخمور
ولا شك أن الأبيات السابقة تقف شاهداً حياً للخلفية الثقافية التي ينطلق منها الإصلاح في عمله السياسي وفي فهمه للديمقراطية والحوار.. وكم يبدو الأمر عجيباً وغريباً لمن يدعي حمله راية الإسلام وفكره أن يتمنى على الله بإلحاح أن يزيد الفوضى بأرض اليمن (زيد الفوضى بأرض اليمن.. ياربي بأرض اليمن يا الله).. ولا أظن الأستاذ (فيصل جلول) إلاّ كان محقاً في كتابه المذكور آنفاً حين قال (أن التدقيق في جوهر هذه المعارضة يسمح بالقول أن ظاهرها كان أكثر حدة نحو الاشتراكي لكنها في حقيقتها معارضة تتناول الحكم برمته، لأنها مشكلة من فئات مستبعدة من الحكم ولا مكان له في خطط المستقبل) ص (211).
إذاً ما دام الإصلاح حتى عام 1992م يمزج الشيوعية والاشتراكية ويراهما رديفين، فقد دخل حرب صيف 1994م وهو لا يحمل في داخله فكرة أنها حرب ضد الانفصال بل هي جهاد ضد الإلحاد الشيوعي وتلك حقيقة تقُّر بها قيادات ومثقفو الحزب الاشتراكي اليمني قائلاً:
• (نحن سعداء بتوقف المهاترات الإعلامية بين الحزبين.. وعدم صدور أية فتاوى تكفيرية ضد الاشتراكي من جانب الإصلاح.. أما بخصوص فتاوى التكفير السابقة فلا يزال مطلوباً من الإصلاح اتخاذ موقف واضح وجريء منها..).
اعتقد أن مثل هذه الآراء هي أثر الخطاب الإعلامي للتجمع اليمني للإصلاح على مجريات أحداث الساحة اليمنية لم ينطلق من وهم خرافي ولا يمكن وصف أصحابه بـ (مجاذيب الفتوى) على حد تعبير ناصر أحمد يحيى في الصفحة (28) من (حروزه) الشهيرة (التطرف والتكفير) والذي يضيف على نفس الصفحة نصاً قوله:
* (الغريب أن الذين يتحدثون عن الفتوى المزعومة يريدوننا أن نصدق بأنها هي سبب مشاكل اليمن، وأن المطلوب إلغاؤها قبل أي إصلاح سياسي في البلاد؟ هل هذا كلام عقلاء أم مهرجين يبحثون عن ألا عيب لاجتذاب الزبائين؟) ص (28).
إن تلك العبارات التي تحمس لكاتبها الأخ ناصر أحمد يحيى ربما هي الرد الذي لم يخطر ببال الأستاذ علي صالح عباد (مقبل) ولم يكن يتوقعه حين قال : ( أما بخصوص فتاوى التكفير السابقة فلا يزال مطلوباً من الإصلاح اتخاذ موقف واضح وجريء منها..)، فليس من المعقول أن يستجيب أحد لمطالب الأخ الأمين العام للحزب الاشتراكي ما داموا (الإصلاحيون) يعتقدون أن من يتحدث عن تلك الفتاوى هم ليسوا بعقولهم وهم (مهرجين يبحثون عن الاعيب لاجتذاب الزبائن) على حد تعبير ناصر أ حمد يحيى (ص 28) الذي واصل سبابه للمتحدثين عن الفتاوى، حتى ذهب إلى القول (في نفس الصفحة):
• (لعل هذا الانحطاط العقلي والنفسي والسياسي لهذه المجموعة من مجاذيب الفتوى دفعنا لإعداد هذه الصفحات).
وفي الحقيقة أنني لا أسعى في المقالات التي كتبتها بشأن كتاب (التطرف والتكفير في اليمن) إلى الدفاع عن الحزب الاشتراكي اليمني –رغم علاقاتي الواسعة بالكثير من قياداته والعلاقة الخاصة التي كانت تربطني بالشهيد جار الله عمر رحمة الله عليه- فالاشتراكيون سياسيون حصيفون بمعنى الكلمة وأغلب قياداتهم السياسية متمرسة على العمل السياسي الوطني من قبل ولادة المؤتمر الشعبي العام أو التجمع اليمني للإصلاح، وهم يعرفون حقيقة ما يدور حولهم من غير الاستماع للمنشورات الخائبة التي يسديها بعض المتطرفين.
لكن الأمر الغريب الذي ما زلت اشك في فهمي له هو الكيفية التي تعاملت بها قيادة الحزب الاشتراكي اليمني مع حادثة اغتيال الشهيد جار الله عمر..!! فهي في الوقت الذي حرصت فيه منذ الأحكام الجزافية على طرف بعينه، وجدناها بعد مدة وجيزة تنساق في ركب التأسيس المصلحي الحزبي للقضية الذي بات محور صدامات المنابر الإعلامية المختلفة، لدرجة أن سمحت قيادة الحزب الاشتراكي لبعض الأحزاب –خاصة الإصلاح- أن يحول دم الشهيد جار الله عمر إلى مجرد عباءة مبتذلة تتلفع بها الرموز السياسية عند تبادل الشتائم والسباب والاتهامات التآمرية على مستقبل الوطن.
وأنني ألتمس العذر مقدماً من الإخوة في الحزب الاشتراكي فيما سأقول.. لقد كان الشهيد جار الله عمر مدرسة في النضال والعمل الوطني، وكان من أصدق الناس وأخلصهم لرفاقه في الحزب الاشتراكي، ولم يكن متوقعاً من أحد من رفاق دربه أن يحول قضيته إلى منابر ومناسبات للخطاب الحزبي الضيق المكرس ضد الحزب الاشتراكي بعيداً عن مضامين الحالة التاريخية التي قدم منها الحزب، أو تلك التي تنتظره.
ولم يكن متوقعاً أن تتحول قضية الشهيد جار الله عمر إلى مجرد لجان وقاعات وبيانات لا هم لها غير إدارة اللعبة السياسية لأحزاب المعارضة (المشترك) والبحث عن مكاسب وانتصارات حزبية ومساومات رخيصة.. وكل شيء باسم جار الله عمر! وكم يبدو الأمر فظيعاً ومحزناً حين تحول جار الله عمر (رحمه الله) إلى قلم يخط به أحد أشهر المتطرفين في التجمع اليمني للإصلاح أفكاره الرجعية التكفيرية، والتي يريد بها تصفية حساباته ونزعاته الانتقامية مع المؤتمر الشعبي العام.. أليس في ذلك ابتذال وتسفيه للقيم الأخلاقية والإنسانية التي ينبغي وضع قضية الشهيد جار الله عمر في سياقاتها..!؟ خاصة عندما يأتي الفعل من رجل بخل على الشهيد جار الله عمر حتى بصفة "الشهيد" التي يستحق تكريم اسمه بها، وأبى إلا أن يجرده من هذه الكرامة، ويتعامل معه كما لو كان (قميص عثمان) الذي تحشد به الجيوش للإطاحة برأس (الخلافة) السلطة.
وعلى أية حال- نعود للموضوع الرئيسي- وليس بالبعيد عن ذاكرتنا جميعاً -نجد أن تكوينة حزب التجمع اليمني للإصلاح لم تكن يوماً من الأيام تستقر على موقف سياسي معتدل من القضايا الوطنية أو القوى السياسية في الساحة اليمنية، ( وفي الوقت الحاضر حتى الساحة الخارجية)، فالإصلاح ليس تجمع لقوى شعبية مختلفة وحسب، بل أيضاً تجمع لمتناقضات تتم مراكمتها من خلال المتغيرات التي تطرأ على مصالح الإصلاح الحزبية أولاً، ومصالح الرموز القيادية (الشخصية) فيه ثانياً، والذين في أغلبهم استغلوا الصبغة الدينية للحزب لإنماء مواردهم المالية من خلال عائدات الحقوق الشرعية التي تجيء من كل مكان، وكذلك ما يجيء من جمعيات خيرية ومنظمات إسلامية وأثرياء في ا لسعودية ودول الخليج العربي تحت غطاء بناء المساجد ودور تحفيظ القرآن الكريم وإعالة الأيتام وغيرها. أضف إلى ذلك أن صعود التيار الإسلامي في المنطقة العربية عامة، مع تنامي موجات العداء للكيان الصهيوني والولايات المتحدة وما رافق ذلك من مواجهات عسكرية في عدة بقاع إسلامية.. كل ذلك هيأ للإصلاحيين في بلادنا فرصاً ذهبية للإثراء السريع: سواء باسم الجهاد ومحاربة الكفر أم بتجارة السلاح والذخائر تحت عنوان تسليح المجاهدين.
وعليه عملت قيادة التجمع اليمني للإصلاح على طريقة المثل الشعبي (إن أحجرت مرق وأن عزت مرق)- أيْ الاستفادة من خير البلاد وشرها- ولكن من أجل الحفاظ على قدرة مناسبة من ا لنفوذ السياسي الذي تحمي به مراكزها المالية والاقتصادية.. وهناك الكثير من الآراء لكبار المحللين السياسيين تذهب إلى القول بأن التجمع اليمني للإصلاح كان رافضاً للوحدة مع الاشتراكي خشية من امتداد المبادئ الاشتراكية إلى ساحة الشطر الشمالي وتعرض مصالح رموزه للتأميم أو المساءلة بـ (من أين لك هذا..!؟).
وهنا نرى أن الإصلاح عمل كل ما بوسعه لتقويض سطوة الاشتراكي بعد الوحدة، كانت مطابخه السياسية لا تتوقف عن إعداد الوجبات المميتة للاشتراكي، وربما بعض الوجبات (المورفينية) لمائدة المؤتمر الشعبي العام لتتويهها عما يدور خلف الكواليس.. وفي هذا يقول الأخ سالم صالح محمد في لقاء مع صحيفة (الحياة) اللندنية يوم 21/6/1994م.
* (الدولة الانفصالية قامت من أجل مواجهة خطر الدولة الأصولية في صنعاء).
بينما كان الكاتب العربي الكبير (فيصل جلول) في كتابه السالف الذكر أكثر وضوحاً في تحديد جهة الاتهام. إذ أنه يذكر في الصفحة (243).
* (ينسب إلى الأصوليين ا لمتشددين الذين برزوا بعد الوحدة السعي لخوض حرب ضد الاشتراكيين لأسباب إيديولوجية، تصفية حسابات قديمة . ولربما أمكن ربط محاولات الاغتيال الكبيرة التي طالت مسئولين اشتراكيين بهذا الطرف).
ومع أن الأمر بائن ومكشوف للقاصي والداني إلا أن مؤلف كتاب (التطرف والتكفير )حاول إعادة كتابة التاريخ على الطريقة الإصلاحية ليتهم المؤتمر الشعبي العام بالاغتيالات فذهب إلى القول بهذا الشأن.
• إن معظم المتطرفين منهم إن لم يكن جميعهم لا ينتمون لحزب المؤتمر الشعبي العام بل ينتمون إلى أحزاب معارضة المؤتمر).ص (34)
ولو دققنا في الخطوط ا لفكرية التي يتجه الكتاب صوبها، لوجدنا أن ناصر أحمد يحيى يضع نصب عينيه أمل إشعال نار الفتنة بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي، من خلال السعي لإعادة فتح ملفات حرب الانفصال وتداعيات الأزمة السياسية أثناء المرحلة الانتقالية.. وفي هذا الوقت بالذات الذي يتوافق مع عودة العديد من القيادات الاشتراكية التي كانت في الخارج من مجموعة الـ(16) التي حصلت على عفو رئاسي من الأحكام التي حملتها مسئولية الحرب.
وأود لفت عناية القراء إلى أن هذا الدور الخبيث لدعاة الفتن ليس جديداً على الساحة السياسية اليمنية، وهو نسخة طبق الأصل لمخطط سابق يعود إلى عام 1994م كشفه تقرير أعده مبعوث لنائب الرئيس آنذاك الأخ علي سالم البيض ومؤرخ في (8 مارس 1994)- موجود حالياً في الملف القضائي- ويتحدث هذا التقرير عن التأييد والدعم الخارجي للانفصال، ويقدم رؤى تحليلية للأستاذ علي سالم البيض من قبل مبعوثه الذي يشبه هذا التأييد (العربي) بالتأييد الذي عبرت عنه ( إبريل غلاسبي) الديبلوماسية الأمريكية في العراق عشية احتلال الكويت، حيث أكدت للرئيس صدام حسين أن بلادها تقف على الحياد في الصراع بين الدولتين، فآلت الأمور إلى النتيجة التي يعرفها الجميع.. حيث يؤكد مبعوث الأخ علي سالم البيض على الحقيقة التالية:
• ( إن هذا التأييد الخارجي يرمي إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، فيصفي المؤتمر الحزب الاشتراكي وتُنهك الحرب الطرفين فيتسلم السلطة التجمع اليمني للإصلاح..).
إذن هذا هو جوهر القصد من الغرام الإصلاحي المفاجئ بالاشتراكي، ومن النحيب الدامي على الشهيد جار الله عمر، ومن (حروز المعارضة والتطرف) التي كتبها شيخ التطرف ناصر أحمد يحيى دون أن يسعفه قلمه بإضافة كلمة(شهيد) قبل اسم الفقيد.. ولعلنا سنعذره في ذلك، فلكتابة (حروز الفتن) طقوس إذا ما تداخلتها كلمات الطهر حجبت الشياطين عن الحضور.
* * * * *
في الحلقة القادمة:
هل يكتفي الإصلاح بدم "جار الله عمر" لكتابة فقه ( فتن الأسلمة)؟




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر