المؤتمرنت-دعاء القادري - اليمن ..المهد الأصلي للساميين اليهود
•تؤكد الحقائق التاريخية والواقع الاجتماعي أن يهود اليمن جزء من الشعب العربي في اليمن، وأنهم اعتنقوا اليهودية في بلادهم اليمنية- التي لم يكن فيها قبل الإسلام ما لم يوجد بعد الإسلام.. وتنص التوراة على أن اليهود هم أحد فروع " الشعوب السامية" التي تلتقي في رابطة اللغة فقط. أما يهود اليمن فهم جزء لا تتجزأ من الشعب اليمني في كل الأوصاف، سواء من ناحية التشابه العرقي أو من ناحية اتفاق الملامح أو اللغة العربية بلهجاتها اليمنية المتعددة.
رأى نفر من المؤرخين أن المهد الإصلي إنما هو أرض بابل في شمال العراق. ورأى آخرون أن شرق إفريقيا" الحبشة" وطن الساميين وذهب آخرون إلى حقيقة أن الجزيرة العربية هي المهد أول للسامية وآخرون, إلى غير ذلك.. فإذا قلنا إن اليهود اليمنيين إنما هم عبريون ولا فرق في أن يكونوا قد عبروا باب المندب إلى اليمن قادمين من فلسطين أو أنهم عبروا الفرات قادمين إلى فلسطين أو أنهم غادروا فلسطين عام 70 بعد الميلاد إثر الهجوم الروماني عليها. فكيف نوفق بين هذه الادعاءات وبين تطور حياة اليهود في اليمن وبقية مناطق الجزيرة العربية وبين أصالة وقدم أرض الجزيرة العربية؟
ينبغي الانتباه إلى الخطأ القائل أن يهود اليمن قدموا من خارج الجزيرة العربية لعوامل كان مجملها هجمات الرومان على بلاد الكنعانيين عام 70م لأنهم قدموا أصلاً من الجزيرة العربية إلى فلسطين فوجود اليهود في شمالها وجنوبها حقيقة ثابتة.
ويقول عبدالحكيم النعيمي- أستاذ التاريخ اليمني المعاصر ( جامعة صنعاء)
- يمكن أن نتبين الحقيقة ناصعة إذا ما قارنا بين يهود ومسلمين حضرموت أو بين يهود ومسلمي صنعاء, حيث إننا لن نجد أي فرق في الملامح بين هذا وذالك- خصوصا وأن اليمن عاشت عزلة رهيبة دامت مئات السنين.. لهذا لا يوجد أي فارق بين مواطنين اثنين من صنعاء أو من حضرموت- مثلا أحدهما مسلم والآخر يهودي، بينما يمكن التمييز بين الحضرمي والصنعاني بسهولة .. ومن الثابت- أيضاً – أن يهود اليمن من أقدم يهود العالم على الإطلاق وأنهم كانوا موجودين في اليمن قبل تحطيم الهيكل الأول في القدس عام 586 قبل الميلاد. كما كانت اليمن ملاذهم حين هاجروا إليها بعد غزوة الإمبراطور الروماني "تيتوس" إلى فلسطين عام 63 قبل الميلاد وتدمير معبد القدس ( أورشليم ) للمرة الثانية عام 70 قبل الميلاد وطرد اليهود منها.
- ويتابع النعيمي قائلا: وعندما هاجر العبريون الأوائل إلى أرض كنعان( فلسطين) من "آور) جنوب العراق وتنقلوا في مناطق مختلفة في أرض فلسطين كما جاء في " سفر التكوين- 12،34,26, 6. طلبوا من يهود اليمن القدوم إلى فلسطين للمساهمة في بناء وتعمير أرض " الأجداد" إلا أن يهود اليمن رفضوا الانصياع للخدمة وفضلوا البقاء في بلادهم " أرض اليمن السعيدة. " لذلك دعا عليهم الإسرائيليون باللعنة وتمنوا لهم أن يبتلوا بالبؤس، وأن يبقوا يعانون منه!!. وقد استعملوا معهم كل وسائل الترغيب والترهيب التي بدأت بالوسائل والأدوات والعظات الدينية، خاصة تلك التي جاءت في أسفار التوراة من بنات أفكار غلاة اليهود والحاخامات المتعصبين.
- يهود عدن
وإذا انتقلنا إلى جنوب اليمن ( عدن) تقول سهام خان-أستاذة مادة الأجتماع السياسي ( جامعة عدن)
ما يقال عن يهود الشمال اليمني يقال عن يهود جنوبه، فيهود عدن لم يكونوا غرباء عن اليمن فقد كانوا في المدينة منذ مئات السنين وجلهم تجمع من مناطق مختلفة من شطري اليمن- شمالا وجنوبا- حيث تأثروا كغيرهم من المواطنين اليمنيين بالحالة الاقتصادية وهاجروا من مناطق داخلية إلى أخرى طلبا للعمل، وعلى الأخص بعد الاحتلال البريطاني لعدن عام 1839 م وازدهار التجارة فيها بعد إعلانها منطقة دولية حرة.. وهكذا فإن من يعود من أولئك الذين جاؤوا إلى عدن طلبا للرزق إلى مناطقهم الأصلية ثريا، كان بدوره يشجع على هجرة أبناء المنطقة من أجل العمل والثروة وتحسين المعيشة ، ويمكن القياس على هذا حتى بالنسبة للمواطنين اليمنيين الذين هاجروا إلى خارج اليمن واستقروا في العديد من بلدان العالم التي تحتاج إلى أيادٍ عاملة مثل استراليا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وغير هذه الدول. خصوصا بعد الحربين العالميتين. . ولقد كانت عدن نافذة اليمن على العالم الخارجي، وكان الانتقال إليها يخفف أعباء الراغبين في السفر إلى خارج البلاد سواء للتهرب من روتين حكومة الإمام أو من الرشوات الباهظة التي كان يدفعها المواطن للحصول على مأذونية السفر إلى الخارج، أو من حيث توافر فرص تحصيل تكاليف السفر من خلال ممارسة أي عمل مناسب أو غير مناسب في عدن إن لم يكن قد باع بعض أو كل ما يمتلكه من مال في قريته ليلحق بابن عمة أو قريبه أو صديقه الذي استمر يواصله ويستنصحه ويشاوره في الحل الوحيد آنذاك لمواجهة مشكلاته: نعني السفر والاغتراب.
تجمعات اليهود
الاستاذ عبدالحميد الشرعبي- باحث اجتماعي
كان اليهود ينتشرون في ربوع اليمن كغيرهم من المواطنين دون خصوصية معينة. فمنهم من سكن القرية، ومنهم من سكن الحي أو حارة من مدينة. ففي صنعاء العاصمة التاريخية لليمن- مثلا – كان معظمهم يقطن في ( قاع اليهود) ضمن ساحة غرب العاصمة وتعرف اليوم بقاع العلفي.. وفي ( حاشد ) سكن اليهود في عدة مناطق. خاصة في ناحية ظليمة وفي جانب من ( المداير) وجانب من مدينة ( حبور). كذلك سكنوا في مدينة إب في حارة ( الجاءه) شرق جنوب المدينة..و في ( السياني) سكن اليهود في قرية خاصة بهم اسمها( الجدس) . وفي جبله على بعد ( 20) كيلو مترا من مدينة إب سكن اليهود حارة ( المكعدد) .. وفي قضاء النادرة سكنوا قرية مجاورة اسمها( حجزان). وكان يشاركهم فيها بعض المواطنين المسلمين. وفي عدن كان معظمهم في حي كريتر.. وفي حضرموت في منطقة ( حبان) وحدها يوجد ( 700) يهودي. وقد كان يهود اليمن يعيشون حياتهم الامنه ويتابعون أنشطتهم في مختلف المجالات، لم تغرهم الهجرة إلى الأرض المحتلة، رغم أن مدينة عدن كانت مفتوحة ومشجعة للهجرة منها وإليها ومن جميع أجناس مجتمعات العالم دون رادع أو تحديد عدا المصالح الاستعمارية البريطانية، وفي مقدمتها أمن البريطانيين المستعمرين.
وفي إحصاء قامت به السلطات البريطانية عام 1955م اتضح أن عدد اليهود الموجودين في عدن بلغ خمسة آلاف يهودي- حسب إحصاء عام 1959م كما يلي:
- يمنيون من أبناء عدن ( 36.910) نسمة
- يمنيون من أبناء اليمن الشمالي ( 48.88) نسمة
- يمنيون من ريف الجنوب ( 18.000) نسمة
- صوماليون( 10.6111) نسمة
- هنديون وباكستانيون ( 15.818) نسمة
- بريطانيون ( 9.762) نسمة
وتشير الوثائق البريطانية إلى أن يهود عدن كانوا يتمتعون بقدر كبير من الأمان أكثر مما تمتعوا به في أوساط أوروبية، وكانوا يعملون في الحرف اليدوية والصياغة. وكانت تتجمع منازلهم في المدن الصغيرة في أحياء خاصة ليست بعيدة عن الأحياء العربية وهم يعيشون بسلام مع جيرانهم العرب، ولا يتدخل أحد في أمورهم كما لا يتدخلون في المنازعات القبلية ويمكنهم أن يتملكوا الأراضي.
وقال أحد اليهود من بيحان في شرق جنوب اليمن:
إن معظم اليهود كان يمتلك أراضي وبعضهم يعمل في التجارة والصياغة والحياكة وصنع الأحذية وأن علاقاتهم مع جيرانهم وديٌّ.
ويقول المواطن عامر هزاع- من سكان حي قاع العلفي ( حي قاع اليهود سابقا:
لقد كان يهود اليمن عموما يمارسون طقوسهم الدينية العادية وأفراح الزواج بشكل عادي، وكان المواطنون يشاركونهم أفراحهم، وكانوا يصنعون الخمور ويتقاسمونها بحرية كاملة في كل قرية ومدينة يتجمع فيها اليهود في كافة أنحاء البلاد وكانوا يتعاملون مع المواطنين بالتجارة والبيع المقسط بانتظار المحصول الزراعي في الغالب، وكانوا يمارسون مختلف المهن الحرة وفي مقدمتها:
- صناعة المنسوجات القطنية والحريرية والصوفية
- صناعة الأحذية ودباغة الجلود
- صناعة الحلي الذهبية والفضية وكل أعمال الصياغة، وتمتعوا بشهرة فائقة في هذا المجال.
- صناعة الأسلحة الخفيفة مثل الجنبية والخنجر والسكاكين الحادة.
- التجارة الداخلية والخارجية عن طريق عدن المستعمرة.
طقوس دينية.
• تحدث مندعي ديان- رئيس مؤسسة المهاجر للأبحاث والدراسات اليمنية – قائلا:
في الجانب الديني حافظ يهود اليمن على تقاليدهم وتعالمهم الدينية ومارسوا طقوسهم الدينية بحرية كاملة، وتعلموا الأصول الدينية التلمودية على أيدي القادة الدينيين من الحاخامية في "الكنس" والمدارس الخاصة بما توافر لديهم من الكتب الدينية القليلة التي كانوا يتناقلونها من فئة إلى أخرى ومن شخص إلى آخر بواسطة رجال "الكنس". وفي هذه مثلهم مثل المجتمع اليمني المحروم في ظل الحكم الإمامي من وسائل العلم المتطورة وعدم الاتصال بالمستجدات العلمية الحديثة. وقد كان يهود اليمن يتلقون مبادئ الديانة اليهودية شفاهة ويتخاطبون باللغة العربية التي كان يعرفها جميعهم. وكان كبارهم يرددون الآيات القرآنية بإعجاب واحترام.. كما حافظ يهود اليمن- كغيرهم من المسلمين على تراثهم الثقافي وأساليبهم في الحياة ولغتهم ونطقهم وفنونهم عامة وأغانيهم ورقصاتهم، وذلك بسبب التصاق اليهود اليمنيين بالثقافة اليهودية التي تلاشت بين الطوائف الأخرى وبقيت لديهم بسبب عزلتهم الكاملة عن الطوائف اليهودية الأخرى في الدول الأجنبية. وكان جل اهتمامهم يختص بالاختلاط اليسير مع يهود الجزيرة العربية. أما في الغالب فقد كان المجتمع يؤثر ببعضه سلبا وإيجابا في مختلف العصور حتى التهجير وظهور الفنون اليمنية على اختلافها من خلال أنشطة يهود اليمن في دول المهجر.
بالاتفاق مع "22 مايو"
|