بقلم/ نجيب غلاب - المؤتمر يقود التحولات الديمقراطية وأحزاب المشترك عامل إعاقة الحاكم أكثر منطقية وواقعية في تعامله مع مسألة التحولات الديمقراطية ويملك إستراتيجية واضحة المعالم يسير عليها ويوظف كل إمكاناته لخدمتها وحريص ان تكون متوافقة مع التجربة اليمنية وواقع أهل اليمن ويمكن معرفة خطوطها وقياسها من رؤية وفلسفة القيادة السياسية للديمقراطية ومن خلال خطاب النخبة الداعمة المحيطة بالرئيس صالح والنخب المثقفة المؤيدة للمؤتمر في الجامعات والمؤسسات الثقافية والعلمية وفي الوسط الصحفي والتجاري وغيرهم من النخب المثقفة والمتعلمة والنخب المجتمعية المختلفة الموالية للحاكم وأيضا وهذا المهم من خلال البناء الفكري للمؤتمر وطبيعة تكوينه وتجربته السياسية ومن خلال تحليل السلوك السياسي للقيادة والمؤتمر والسياسات المتبعة لترسيخ الديمقراطية والسعي الحثيث لتأسيس الدولة اليمنية الحديثة الحاضن الأساسي للتحولات الديمقراطية لان الدولة القوية شرط أساسي لأي تحول.
من جانب آخر موقف أحزاب المعارضة السياسية التي يحتويها المشترك حاليا من التحولات غامض ومشوش وتمثل بنيتها الفكرية وسلوكها السياسي في الماضي والراهن دليل واضح أنها تتعامل مع الديمقراطية بنزعة استهلاكية حيث تقوم بتوظيفها كأداة لخدمة المصالح وإدارة الصراع السياسي من خلالها بهدف الحصول على غنيمة السلطة بعد ان أيقنت أن كل طرق الحصول على السلطة مغلقة أمامها والخيار الوحيد أمامها هو التعامل مع الديمقراطية. والأحزاب التي تجعل من السلطة هدف جوهري فأن الديمقراطية تفقد سحرها أذا لم تحقق أحلامها السلطوية وتصبح بلا قيمة ولابد من الانقلاب عليها والطريقة المتبعة والمقبولة عقليا ليس رفض الديمقراطية بعد ان أصبحت شعار لكل القوى السياسية وفي هذه الحالة يتم أتباع إستراتيجية مخادعة تطالب بالحد الأقصى للقيم الديمقراطية وبعد ذلك يتم رفض نتائج الواقع الديمقراطي لانه لا ينطبق مع المطلب المثالي وفي هذه الحالة يستمر التشكيك الدائم بآليات عملها أثناء تفاعلها مع الواقع وهذه الإستراتيجية تعيق التحول بل قد تؤدي إلى انتكاسة في التحولات.
وفي تجربتنا وقعت الأحزاب الإيديولوجية بهذا المأزق ولولا وجود جبهة وطنية واسعة في اليمن داعمة للديمقراطية في الحكم ومؤيديه لحدث انتكاسة ونكوص للتحولات من البدايات الأولى لتفاعل الديمقراطية التعددية مع البيئة اليمنية.
وهذا الكلام لا يلقى على عواهنه فالتجربة السياسية الحديثة لليمن خصوصا بعد تحقيق الوحدة، تؤكد ان القوى السياسية التي يحتويها المشترك مارست وتمارس سلوكيات متناقضة وغامضة مع التحولات لأنها في حقيقتها قوى بطبيعتها مضادة للديمقراطية ولم تستوعبها بعد لتصبح جزء من تكوينها الفكري وقناعاتها الراسخة. (مع ملاحظة أننا ندرك بوضوح تام أن هناك قوى ونخب مثقفة داخل المعارضة تحمل الهم الديمقراطي وحسمت أمرها بشكل نهائي لصالح البناء الديمقراطي خصوصا من مثقفي اليسار سابقا وبعض القوى الإسلامية المتحررة ولكنها مازالت أقلية ولا تشكل تيار قوى وصوتها مازال ضعيفا وجزء منها يتحرك حاليا داخل المؤتمر أوفي إطار القوى الداعمة له بعد أن تولدت لديهم قناعة أن الدفع بالتحولات من داخل النظام السياسي أجدى وانفع ، خصوصا بعد ان أدركت مدى عجز المعارضة عن التعامل بواقعية مع التحولات) في البداية لابد أن نشير إلى ملاحظة أولية مهمة في هذا السياق فحواها أن حركة الدولة كانت ومازالت قوية وفاعلة فيما يخص دعم وتفعيل التحولات الديمقراطية مقارنة بالحراك المجتمعي. والتحولات لم تكن نتيجة مطالب قوى ديمقراطية معارضة بل المبادرة جاءت من النظام السياسي ومثّل الحاكم القوة الحامية لها بشكل دائم وظلت النخبة السياسية الداعمة تدافع عن الخيار الديمقراطي كخيار استراتيجي لا رجعة عنه ولا بديل له، وقد استطاع الرئيس نتيجة قناعاته واعتقاده بأهمية وضرورة الديمقراطية أن يدعم التحولات ويستخدم سلطاته وقوته في هذا الاتجاه كما انه حاصر القوى المعادية والرافضة والمتشككة والخائفة من التحولات الديمقراطية، من جانب آخر لم يكن للضغوط الخارجية أي دور في بداية التأسيس ودورها محصور في التشجيع والمراقبة والدعم.
وهذا منح التجربة اليمنية القوة والأصالة وجعل منها نتاج ومطلب وصناعة محلية.
المؤتمر والديمقراطية قبل الوحدة كان تأسيس المؤتمر قفزة نوعية في عملية التثقيف السياسي من خلال التعبئة السياسية لعموم الجماهير وإشراكهم في صنع الفعل السياسي، وقد استطاع المؤتمر بهدوء ان يوظف قوة وطاقة الدولة لصالح تحديث المجتمع وقيادة العملية التنموية دون أن يدخل في صدام مع القوى التقليدية كالقبيلة والمؤسسات الدينية، بل عمل على إدخالهما في لعبة الدولة ووظف إمكانياتهما الايجابية لصالح الدولة وقيمها الحديثة، ولم ينساق المؤتمر بتهور في الحداثة بل شكلت سياساته قدرة إبداعية وفريدة في خلق توازن بين التقاليد والأفكار المحلية والقيم الحديثة، فمثلا أنظر كيف تعامل مع الإسلام والمذهبية جعل من الإسلام قيمة عليا كعقيدة وشريعة قابلة لكل جديد ومتوافقة مع التطور والتقدم الخادم للناس، ولم يتعامل مع المذهبية كمحدد أساسي للتعامل مع الواقع، ولكنه سمح لها بالحركة والفاعلية كمسائلة شخصية لا دخل للدولة بها ولم يوظفها في التعبئة السياسية بل عمل على تحييدها وتركها تعمل بحريه تامة طالما ظلت بعيدة عن التوظيف السياسي، وقاوم بشدة كل المحاولات التمييزية بسبب ولاءات ما قبل الدولة وهذه التوفيقية التي تبناها المؤتمر سمحت له بالحركة والقدرة على الانجاز في جوانب الحرية السياسية ونشر ثقافة ديمقراطية بين أبناء الشعب متوافقة مع سياسات واضحة لتأسيس الدولة الحديثة.
وهذا جعل من المؤتمر محل إجماع كل القوى وحظيت فلسفته السياسية وسياساته المختلفة برضا الإطراف المعتدلة في الساحة وظل المؤتمر مأوى لكل القوى المعتدلة التي تتبني رؤى الاعتدال والوسطية وكانت الإستراتيجية التوافقية قبل الوحدة مع الإطراف السياسية المختلفة هي التي أسهمت في التأسيس للتحول الديمقراطي لانها ركزت على بناء الدولة والتأكيد على الأمن والاستقرار كشروط أولية للديمقراطية وبلغت أعلى مراحل هذه الفترة بانتخابات مجلس الشورى قارن تجربة المؤتمر بالتجربة الثورية والنزعة الانقلابية على كل شيء لصالح الايدولوجيا في تجربة القوى اليسارية في الدولة الشطرية في جنوب الوطن اليمني، والصراعات المتلاحقة بين مراكز القوى داخل منظومة الحكم.
أما لماذا لم تعلن التعددية الحزبية في هذه الفترة؟ باختصار شديد كانت التعددية موجودة داخل المؤتمر وكان معترف بها بشكل رسمي من قبل القيادة من خلال التعامل مع القيادات والسماح للأحزاب بالعمل بشكل سري وكانت تعمل تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية، وفي هذه الفترة لعب الإخوان المسلمين دورا فاعلا في إقناع القيادة السياسية بتحريم الحزبية وكان لديهم خوف شديد في هذه المرحلة من منافسة الأحزاب اليسارية والقومية خصوصا وقد أصبح لهم القوة والتمكن في هذه الفترة بعد ان لعبوا دورا أساسيا في محاصرة القوى اليسارية من المشاركة في الحكم بعد ان كان الرئيس صالح قد وصل في بداية حكمه إلى قناعة بإدخالهم كشركاء في السلطة.
ومع الوحدة تعامل المؤتمر مع التحديث بتعقل واتزان وتفاعل مع الديمقراطية التعددية بثقة وقوة وشكل نقطة توازن لصراع القوى السياسية المختلفة والميزان الذي يضبط التحولات الجديدة واستطاع بيسر وسلاسة التفاعل مع القيم الديمقراطية بإبعادها الليبرالية لان تجربة المؤتمر السياسية مؤسسة على الحرية أما الحزب الاشتراكي على الرغم ان هذه القيم كانت جديدة على تجربته إلا أنه تعامل معها بانفعال وتهور كالمذنب التائب من ماضيه الأسود ولكن كان التعامل أقرب إلى النفاق منه إلى القناعة وهذا يفسر انقلابه على نتائج الديمقراطية بعد انتخابات 1993م، أما الإصلاح فدخل اللعبة من باب أثبات الذات وإقناع الجميع خصوصا القوى القومية والاشتراكية أنه الأقوى شعبيا وشكلت الديمقراطية الأداة التي ستمكنه من فرض هيمنته على الآخرين ولكنه ظل ومازال يعاني من مسألة الحسم لصالح القيم الديمقراطية وتعامله مع التحولات من البداية ليست إلا قبول بالأمر الواقع ومحاولة استخدامها فيما يخدم مصالح الحزب ونخبته السياسية، وعندما خسر بسببها أنقلب عليها بالرفض الدائم لنتائجها، عندما كان في السلطة لم يعترض عليها وعندما خرج من السلطة بسببها شكك بوجودها وسلوكه الراهن المشكك بالشرعية ونتائج الانتخابات ليس إلا رفض للديمقراطية بطريقة غير مباشرة.
التحولات والنخبة الحاكمة خلال حكم الرئيس صالح كانت الديمقراطية لها الأولوية ومثل الصالح رأس الحربة في الإصلاح السياسي وبناء الدولة اليمنية الحديثة( سنتناول في مقالة قادمة رؤية الرئيس الفكرية للديمقراطية) والنخبة التي يعتمد عليها الرئيس معظمها من القوى المدنية الحديثة من ناحية ثانية استطاع الرئيس أن يبني تحالفات وطنية واسعة لصالح الديمقراطية قبل الوحدة وبعدها بما في ذلك السياسات التي اتبعها مع الإصلاح والاشتراكي قبل الحرب الانفصالية واتفاقاته اللاحقة مع القوى السياسية المختلفة ورغم الاختلاف في المصالح والرؤى السياسي إلا أن المؤتمر يسعى بشكل دائم لبناء جبهة وطنية واسعة تعمل لصالح التحولات ولكن القوى المعارضة مازالت في حواراتها ولقاءاتها ومطالبها تغلب مصالحها والمعارضة تستغل سعي الحاكم لخلق عملية توافق فيما يخص الديمقراطية وتتعامل مع المسألة بعقلية الباحث عن الغنيمة من خلال تجاوز الإرادة الشعبية لصالح توزيع السلطة على أساس توافقي لا يعبر عن طبيعة القوى في المجتمع وإنما يرتكز على تجاهل الناس لصالح النخب الفاعلة في الساحة بصرف النظر عن قوتها الحقيقية في الساحة ولكن لم يستجيب لهذه المساومة رغم أنها جعلت المعارضة تردد خطاب يستهدف الرئيس وعائلته نكاية وانتقاما منه. ورغم ان إدخال جزء من المعارضة إلى الحكم يخدم مصالح الرئيس الأنانية إلا أنه أبدى مقاومة قوية حتى الآن لصالح البناء الديمقراطي ويتعامل مع المسالة باحتراف ديمقراطي فريد، ولم تجد المعارضة أمامها إلا تكرار مقولاتها المملة واتهام المؤتمر بالانفراد بالحكم رغم أن الإرادة الشعبية هي التي منحته هذا الحق.
فتعامل الإصلاح مع الحاكم مثلا في الانتخابات السابقة كان أشبه بمحاولة إثبات فرضية ان الديمقراطية مضرة بالحاكم ومهددة لسلطته ومصالحه كما أن هجومها القوي واستهداف الرئيس كان جزء منه أشبه بالانتقام من صالح والنخبة السياسية الداعمة نتيجة لإخراج الإخوان من السلطة بالآليات التي تؤسس لها الديمقراطية واعتبروا ذلك مناقض لفكرة الشراكة والقسمة بعد انتصار الوحدة ونجاح ضغوطهم وسياساتهم في دفع الأمور إلى الحرب في عام 1994م.
والهجوم بطريقة انتقامية وتحالف الإصلاح مع الخصوم وتبني مشروع انقلابي على تجربة الرئيس السياسية كانت تحاول من جهة ثانية إثبات ان الإصلاح هو القادر على حماة الرئيس ومنحه شرعية شعبية والهدف إعادة بناء التحالف مع الرئيس وإضعاف المؤتمر واستخدموا كل طاقتهم الممكنة وخابت آمالهم واتضح ان شرعية الرئيس وشعبيته أقوى من الأحزاب كلها، وأن قوتهم الفعلية مرتبطة بتحالفهم مع الرئيس، بما يعني لولا الرئيس والخدمات التي قدمها لحركة الإخوان ما صبحت بالقوة التي هي عليها في الراهن.
وسعي القيادة والنخبة الداعمة نحو تشكيل جبهة واسعة لدعم تلك التحولات والمحاولة لكسب القوى المعارضة وفتح صفحة جديدة في الوقت الراهن دلالة واضحة على القناعة بأهمية ان تكون التحولات مسألة أجماع وطني حتى تكون أكثر فاعلية وحتى يتم الدفع بها نحو آفاق جديدة إلا أن الجزء الفاعل في المعارضة (المشترك) مازال يتعامل مع المسألة من بوابة أنانية تبحث عن الشراكة والقسمة والتوزيع للسلطة والثروة بصرف النظر عن الديمقراطية، ونتيجة عدم الاستجابة لتلك المطالب اتجهت المعارضة إلى سياسة توجيه الاتهامات الفارغة المشككة بشكل دائم بالشرعية الشعبية وإرادة أبناء اليمن، وكان الأجدر بها أن تتعامل مع التحولات بدعم الموجود والنضال مع الحاكم لا بتأييده بل بمنافسته في إطار القيم الديمقراطية وأن تجعل من نفسها رقيب ومحاسب فاعل يبني ولا يهدم وتصبح هي الوجه الآخر للحكم.
وبهذا الخصوص نشير إلى القوى الديمقراطية المعارضة المستقلة ونطالبها بإلحاح أن تتجاوز أسلوب المعارضة في التعامل مع التحولات وأن تتجاوز أيضا الطرح الذي يغلب عليه المثالية والتحيز والتعصب لرؤيتها في التحولات فهذه القوى المستقلة تطرح رؤية متعالية وتقدم القيم الديمقراطية كما هي منتجة في الفكر الغربي بجانبه النظري دون محاولة لإدراك البيئة المحلية بإبعادها المختلفة، كما أن هذه القوى لديها شك مبالغ فيه من الحاكم وعليها إعادة قراءة الواقع وتجارب الدول الأخرى المتحولة نحو الديمقراطية حتى تكون قوة ايجابية في دعم التحول، كما أن استجابتها للأطروحات المتطرفة للمعارضة أفقدها حيويتها وقدرتها على التأثير والفاعلية والبعض منها تحول إلى رديف للقوى التقليدية التي تستغلها في مواجهة الحاكم أو مناصرة للقوى السياسية التي تتعامل مع الديمقراطية بانتهازية.
وعلينا أن ندرك أن اليمن من الدول الديمقراطية الناشئة وهي في الأطوار الأولى للتحول الديمقراطي وهذا ما لم ينتبه إليه المشترك وبعض مثقفيه والساسة الجدد الذين مازالوا في طور المراهقة السياسية فالتحولات الديمقراطية التي تمر بها اليمن تسير بوتيرة عالية وإيجابية وبمشاكل قليلة ويمكن القول أنها نموذج مثالي مقارنة بغيرها من الدول المتحولة نحو الديمقراطية. فالتحولات الديمقراطية عادة ما تكون عملية معقدة ومتشابكة ولا يمكن القفز وتجاوز المراحل أو حرقها للوصول إلى الغاية المثلى للديمقراطية.
والمشكلة الكبيرة التي تواجه التحولات الديمقراطية هي التعامل معها بطريقة مثالية من خلال الدفع بها إلى مراحلها النهائية بحرق المراحل ومحاولة إنزال التجربة الديمقراطية للدول المتقدمة على الواقع اليمني دون مراعاة للفوارق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وعمر التجربة وهذه الطريقة قادة اليمن إلى أزمات متلاحقة انتهت بالحرب في بدياتها الأولى ولو لم تكن القيادة السياسية والنخبة الداعمة على قناعة بالخيار الديمقراطي لحدث تراجع وانتكاس للتحولات.
الوصاية على إرادة الشعب
وفي الانتخابات الأخيرة على الرغم أنها أفضل انتخابات في مسيرة التجربة اليمنية إلا المعارضة نتيجة خسائرها بدأت تلمح بشكل غير مباشر أن الديمقراطية غير مجدية لواقعنا اليمني فالحديث أن نتائج الانتخابات هي نتيجة لجهل الناس معناه أن الشعب غير ناضج ويحتاج إلى الوصاية بما يعني أن الديمقراطية التي تمنح الشعب حق تقرير من يحكمه غير متوائمة مع الوضع اليمني وهذا القول يصل إلى نتيجة أن الانتخابات لا يمكن ان تنتج شرعية حقيقية، وهذه النظرة تحمل في طياتها بشكل غير مباشر رفض للديمقراطية ولا يمكن ان تعمل إلا بإعادة تأهيل الشعب وتربيته وهذا التصور بالإمكان ان يصل إلى نتيجة تقول بحرمان الشعب من حقه في اختيار حكامه، ومما لا شك فيه أن هذه التفسيرات الفاسدة ليست إلا تعبير عن بنية فكرية لم تستوعب بعد القيم الديمقراطية.
وفكرة الوصاية على الشعب نابعة من اعتقاد لدى النخب الحزبية المعارضة أنها هي الممثل الفعلي والمعبر عن إرادة الشعب وكل النتائج مزورة والواقع بكله فاسد وزائف والحل أن يحل هؤلاء محل الإرادة الشعبية فهم أكثر نضجا وفهما وعبقرية بما يعني أن الديمقراطية باطلة أن لم تصل بالنخب المؤدلجة إلى مواقع الحكم. وعليه فان تلك الأحزاب في حالة عدم قدرتها على الفوز بالطريقة السلمية فانها ربما تتجه نحو الحلول العدمية كممارسة العنف والمطالبة بالتغيير الجذري والشامل بنزعة ثورية والبداية تكون برفض الشرعية الشعبية والاستمرار في تدمير صورة الفائز بالنتائج الديمقراطية والادعاء أن الحكم مستبد ولا يملك شرعية والنخبة السياسية الحاكمة فاسدة وانتهازية والشعب جاهل ومتخلف وهذا كله تأسيس لمراحل قادمة قد تنقلب على الخطاب المعلن السلمي لصالح العنف المتأصل في البنية الفكرية لأحزاب المشترك التي لم تتعرض لأي نقد أو تفكيك حتى الآن.
فالحزب الاشتراكي لم يقدم أي نقد لتجربته السياسية قبل الوحدة التي كانت متناقضة كليا مع خطابه الليبرالي بعد الوحدة، كما انه لم يقدم أي نقد ولو بالتلميح لتجربته السياسية بعد الوحدة خصوصا بعد انتخابات 1993م ومحاولة انقلابه على الديمقراطية والوحدة بإعلانه الانفصال، والحركة الانفصالية لم تكن إلا انقلابا رجعيا متخلفا ليس على الوحدة وإنما على الديمقراطية ونتائجها وخوفا منها. أما الحديث عن الديمقراطية بمثالية في كل مناسبة دون تمحيص للتجربة السابقة والواقع الراهن الذي تشتغل فيه فان الديمقراطية هنا تتحول إلى شعار ليس إلا.
أما الإخوان المسلمين في اليمن فأنهم خاضعين بشكل كامل للمنتج القادم من التجربة المصرية وغيرها من التجارب العربية وإنتاجهم الفكري في معظم المسائل يكاد يكون شبه منعدم فالحركة تعاني من فقر في الإنتاج المعرفي فيما يخص التجربة اليمنية ومع تعاملها بسلبية مع الواقع الاجتماعي وقبول القيم السلبية وانخراطها في البنية الاجتماعية بصورتها المنتجة للاستبداد كل ذلك يجعل تعاملهم مع الديمقراطية دون حسم فكري واضح تعامل انتهازي استهلاكي وهذا يفسر اذا ما استبعدنا فكرة المصالح الأنانية للنخبة الحزبية صراعهم الدائم مع نتائجها وتركيزهم الدائم على ضرورة المشاركة في السلطة.
والإصلاح من أكثر القوى السياسية خوفا من نقد تجربته بل يتم مواجهة الانتقادات الداخلية من قبل القوى الجديدة داخل الإصلاح ويتم خنقها وعزلها أما محاولة طرح نقد علني للتجربة فيمثل سلوك مثل هذا طامة كبرى ويتم مواجهة مثل هذا النقد بالاتهام بالعمالة للخارج أو للداخل، أو اتهامه بمحاربة الدعوة وقبول المسألة لدى البعض كأمر طبيعي يفلسف أنه من المحتم أن يواجه المنافقين الطائفة المختارة طائفة الحق.
عموما يمكن القول أن المشترك لن يتجاوز مشاكله في تعامله مع الديمقراطية مالم ينقد تجربة أحزابه ومواقفها من الديمقراطية وإعادة بناء رؤيتهم السياسية ومالم يستوعب بطريقة علمية ومنهجية طبيعة التحولات الديمقراطية على ان تكون مسنودة بفهم دقيق للواقع اليمني فالبنية الثقافية والسياسية والبنية الاقتصادية والتركيبة الاجتماعية وتركيبة النخبة السياسية وتجربة الدولة اليمنية الحديثة كلها عوامل مؤثرة في التحول الديمقراطي وعادة ما تكون المراحل الأولى للتحول صعبة وشاقة ومعقدة وإذا لم يتم التعامل معها برؤية إستراتيجية مبنية على دراسات علمية فأن الديمقراطية ربما تقودنا إلى الصراع وهذا ما حدث في أزمة 1993م حيث تعامل الحزب الاشتراكي مع الانتخابات بطريقة رافضة لنتائجها وأدخلنا في أزمات متلاحقة انتهت بالحرب وبدل ان تتحول الديمقراطية إلى أداة لحل الصراع بطريقة سلمية فأنها أنتجت حرب، وعلى ما يبدو ان المؤشرات الأولى للتعامل مع نتائج الانتخابات في المرحلة الحالية من قبل المشترك وحاشيته من المستقلين تبين أنهم لم يستفيدوا من التجربة السابقة.
فالقبول بنتائج الديمقراطية وخوض غمار معارضة باحثة عن دعم التحولات والتحرك في الممكنات الدستورية والقانونية هي القوة الدافعة للإصلاح والبناء والتعمير ومراقبة الحاكم ومحاسبته ومقاومة كل توجه مناقض للقيم الديمقراطية برؤية واضحة وإستراتيجية متعقلة تبنى ولا تهدم تبحث عن السلم لا العنف مؤسسة على الحب والخير لا الحقد والكراهية تبحث عن الصواب لا الحق المطلق الذي يقع خارج العمل السياسي هذا ما سيثري التحول ويخدم البلاد والعباد ويقودنا نحو التغيير الايجابي والبنّاء.
ويشكل نشر المبادئ الديمقراطية وتكوين ثقافة قوية وناضجة بين الناس ونشر وترسيخ القيم والمبادئ الديمقراطية وتثقيف الناس بالقيم الحديثة، فمن الواضح بالتجربة أن ضعف القيم الديمقراطي ليس لدى الناس فقط بل لدى الكوادر الحزبية أيضا يشكل عامل إعاقة كبير وربما يؤدي ذلك إلى ضعفها وعدم تطورها أياً كان إيمان القيادة والنخبة بالديمقراطية، فاهتمام الأحزاب والجمعيات السياسة المختلفة بالثقافة الديمقراطية يخدم التحول أكثر من مناكفة الحاكم وتركيز كل نشاطها في تصيد أخطاء التحولات رغم أهمية ذلك ولكن تناولها بطريقة علمية ومنهجية مدركة لمراحل التحول وطبيعته الديمقراطية وشغلها في دولة عالمثالثية وعربية.
صديقي المعارض المستقل
أكمل لكم حديثي مع صديقي الذي تحول من معارض متحمس للنظام إلى ناقد للمعارضة أشار صديقي لتصريحات قيادي أصلاحي يتهم الشعب بالجهل لأنهم لم ينتخبوا مرشح المشترك وقال منفعلا "هؤلاء لو امسكوا زمام الحكم في تصوري ان رؤيتهم المتعالية ربما تدفعهم لمصادرة الإرادة الشعبية ولأمموا الحريات والحقوق وأسسوا لدولة تسيطر عليها النخبة أو الصفوة المثقفة وبقية أعضاء المجتمع خدم لأفكارهم"، قلت له ولكنهم يدعون انهم قوى ديمقراطية وأرى أنك تبالغ فرد بحماس "هذه ليست مبالغة يا أخي فكيف لمن يفسر نتائج الانتخابات انها نتاج أمية وجهل وتخلف الشعب فالأوّلى ان يحرم الشعب من حريته لصالح النخبة التي يجب أن تحكم وعلى الجماهير أن تطيع"، ولكن خطابهم المعلن يتجه نحو الديمقراطية بشكلها الليبرالي قال "اتفق معك في هذه المسألة ولكنها تتعامل مع المسألة بطريقة دعاية وبأسلوب الذي يلبس الزي الغربي وتكوينه وفكره مازال يعيش مع التقاليد بوجهها القبيح" يا صديقي "المعارضة بنيتها الفكرية بكافة تياراتها التي تشكل المشترك مازالت تتعامل مع الديمقراطية بطريقة سطحية ولم تحسم أمرها بشكل نهائي على مستوى الفكر وهذا يجعل من سلوكها العملي الرافض لنتائجها متوافق مع بنيتها الفكرية" ، قلت له "كيف يمكننا تفسير حركة المعارضة وتبنيها للمقولات الديمقراطية على مستوى الخطاب والتعامل مع آلياتها" رد علي بتعجل "أن الديمقراطية ليست إلا سلاح لمقارعة الحاكم، وأداة ضرورية لوصولها إلى الحكم بعد أن أيقنت ان العنف خيار مستحيل بل ومدمر لقوتها وطاقتها وغير مقبول عالميا ولا محليا" وتابع "سلوكها الحالي يوحي إنها ربما تؤممها في حالة وصولها إلى الحكم، أو تحويلها إلى شعارات تمويهية لمخادعة الخارج والداخل، هذه القوى يا صديقي متناقضة مع فكرة الديمقراطية ولم تحسم أمرها نهائيا وتتعامل بانتهازية مع الديمقراطية وهذا طبعا يختلف مع من يرفضها بناءً على انها تهدد مصالحة ليس إلا كبعض الإطراف في السلطة أو المعارضة ففي هذه الحالة يمكن ضمان مصالح هذه القوى وتصبح المسألة مقبولة، أما من كانت بنيته الفكرية متناقضة مع الديمقراطية يصبح من الصعوبة بما كان حسم المسألة بسهولة"، وأخذ يتابع "سياسات المشترك غير المتعقلة وموقفها من نتائج الانتخابات يشكل من العوائق الكبيرة التي تواجها الديمقراطية اليمنية" ولكن هذه المسألة يمكن تجاوزها "يا صديقي الخطير في الأمر أن فكر وسلوك هذه الأحزاب وطريقة تعاملها مع الواقع بتعالي ومثالية وعدم أدرك لطبيعة البيئة المحيطة وغلبة النزوع الإيديولوجي لديه ربما يضعفها وهذا يضعف التحولات فالمعارضة القوية جزء جوهري في التحولات" والوجه الآخر في المسألة "رضوخها لأصحاب المصالح وغلبة المصالح الأنانية لدى الكثير من قياداتها ورضوخها لبعض الكتًاب المستقلين واستشاراتهم التي أفسدت المعارضة الكثير من النشاط والحركة" والخلاصة يا صديقي "أن هزيمة المعارضة في المرحلة الحالية يخدم التحول الديمقراطي في تجربتنا اليمنية ولا يعيقها كما يرى البعض بل العكس هو الصحيح"، "أحزاب المشترك يا صديقي لم تتخلص من أفكارها القديمة القابعة في اللاوعي والرافضة للديمقراطية فأحزاب المشترك تتعامل مع الديمقراطية بانتهازية حتى تصل بها إلى الحكم" أريد توضيحا للمسألة هنا توقف ووعدني ان نناقش المسألة في وقت لاحق ولعلي حاولت الإجابة بعمومية دون الدخول في التفاصيل.
(الميثاق نت) |