بقلم / احمد المرشد - جريدة الشبيبة -
انضمام اليمن إلى مجلس التعاون.. المقومات، المساعي، والمعوقات 2 - 2
كما قلنا في الحلقة السابقة فإن علاقة اليمن مع دول مجلس التعاون الخليجى لا تقوم على مبدأ "الرغبة" فحسب، بل تحكمها محددات تملي على اليمن ودول المجلس السعي لتعزيز الروابط بينها فى شتى المجالات ... بما فى ذلك صياغة الرؤية الأمنية الجماعية ... وتجاوز الخلافات الحدودية بين هذه الدول حتى لا يحول ذلك دون تعزيز روابطها الأخوية.
ومن ثم يجب العمل على:
أولاً: تأمين حوض البحر الأحمر وسلامته وفرض إرادة الكتلة العربية على مياهه باعتبار أنها الكتلة الأساسية والمركزية فى كامل المنطقة.
ثانياً: تحقيق أمن الدول العربية وتأمين مصالحها الاقتصادية والأمنية فى حوض البحر الأحمر من خلال تعزيز التفاعلات العربية /العربية الإيجابية كمدخل لاحتواء التوجهات الفردية لبعض دول الإقليم غير العربية .. والتى تريد أن تلعب دوراً يفوق حجمها الفعلى.
كما أن التعاون اليمنى السعودى يشكل أهمية خاصة فى تعزيز هذه التوجهات العربية الاستراتيجية وذلك بحكم موقعهما فى الجزء الجنوبى للبحر الأحمر وامتلاكهما معا القدرة على أحداث التوازن الجديد الذى يخدم المصالح الاستراتيجية للأمة العربية.
كما تشهد مساحة العلاقات اليمنية مع دول مجلس التعاون الخليجى الآن العديد من الفعاليات التى توحى بوجود السعى الجاد نحو تعزيز العلاقات بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجى لما فيه صالح الجميع.
أهمية اليمن كعمق إستراتيجي للأمن الاقتصادي..لدول مجلس التعاون الخليجى
مع رصد التفاعلات الدولية والإقليمية فى منطقة البحر الأحمر وتأثيراتها على الاستقرار فى المنطقة ... وعلى خطوط الملاحة البحرية ... وعلى عملية تدفق النفط ...يمكن التعرف على أهمية البعد الجغرافي، والبعد البشرى، والنمو النسبي فى القوة الاقتصادية والعسكرية اليمنية ... والتى تشكل أهمية كبيرة لليمن كعمق إستراتيجي للأمن الاقتصادي فى دول مجلس التعاون الخليجى ... والذى يتمثل فى:
1- مساهمة اليمن فى حماية خطوط التدفق النفطى على طول 2300 كيلومتر ... والتى تمثل المنطقة الحرجة التى يغلب عليها طابع المخاطر بفعل التفاعلات الإقليمية الدولية.
2- قدرة اليمن على تأمين المنافذ البحرية لتدفق النفط الخليجى ... خارج إطار مضيق هرمز ومضيق باب المندب ... وهى المنافذ التى تسمح للنفط الخليجى بامتلاك السعة والمرونة الكاملة فى التوجه شرقاً إلى جنوب شرق آسيا ... أو التوجه غرباً إلى أوربا ... وقد اكتسبت اليمن هذه الميزة الاستراتيجية بفعل حضورها الجغرافى على البحر الأحمر.
المتغيرات الدولية التى تعرقل مساعى الوحدة الاندماجية لليمن مع دول المجلس
بالرغم من الإشارة إلى جميع العوامل التى تذكى اندماج اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجى وتوفر المصالح المشتركة للجميع ... والأمن والاستقرار إلا أن رياح المتغيرات الإقليمية والدولية قد ساهمت فى عرقلة مساعى هذه الوحدة ... بعد تسيُّد الولايات المتحدة لزعامتها للعالم ... وفرض مشاريعها لتغيير خريطة الشرق الأوسط فالولايات المتحدة الأمريكية تسعى لفرض عدد كبير من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والتى ترى أن على حكومات المنطقة تطبيقها والبدء فى تنفيذها فوراً وذلك من أجل اللحاق بركب العصر "العولمة" والخروج من دائرة التخلف التى تعيشها من وجهه نظرها إلا أن الأهداف الغير مُعلنة للإدارة الأمريكية تتركز فى إعادة ترتيب المنطقة وفقاً لما يخدم الرؤية الاستراتيجية لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن لإعادة ترتيب العالم – ولا سيما المناطق الحيوية منه – بما يضمن سيطرتها بعيدة المدى على النظام الدولي الجديد.
موقف الرئيس اليمنى من مشروع الشرق الأوسط الجديد
يرى كثير من المراقبين السياسيين أن الرئيس اليمنى على عبد الله صالح لا يعارض المشروع الأمريكي فى منطقة الشرق الأوسط (الإصلاح السياسى) ولكنه شدد و طالب بضرورة مناقشة هذا الموضوع بموضوعية ودون حساسية ... ولكنه أكد على أن الإصلاح يجب أن يتم وفقا للقرار الوطني فى كل دولة عربية ... مع وضرورة مراعاة ظروف كل دولة.
ويمكن رصد أسباب ثلاثة لموقف الرئيس اليمنى المؤيد لعملية الإصلاح السياسي فى المنطقة:
الأول: حاجة الاقتصاد اليمنى للمساعدات والمعونات والقروض الأجنبية.
الثانى: شعور صانع القرار اليمنى بأن عملية الإصلاح فى الوطن العربى قادمة ... أو واقعة لا محالة ... نظراً لضيق مساحة الخيارات المتاحة الآن أمام الدول العربية وأن مشاركة الدول الكبرى فى وضع التصورات الخاصة بالمنطقة يُمكنها من الاطلاع على مالديهم من أفكار وتصورات حول الإصلاح من المنطقة.
والثالث: يرى بعض القادة اليمنيين أن وضع اليمن على خارطة المنطقة سوف يكون أفضل إذا ما تمت عملية الإصلاح فى المنطقة ... وباعتبار أن العملية الديمقراطية قد بدأت فى اليمن مبكراً منذ عقد التسعينات فى القرن الماضي ... وأن الإصلاح فى الوضع العربى سيكون المدخل الحقيقي والرئيسي لحل كافة المشكلات التى تواجه الأمة العربية والإسلامية ... وفى مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي الا أن الأحداث الأخيرة على الأرض الفلسطينية واللبنانية واجتياح القوات الإسرائيلية لهما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأمة العربية قد عاشت فى وهم السلام مع إسرائيل طوال سنوات طويلة ... ومنذ اتفاق مدريد للسلام.
أضواء حول الوجود العسكرى الأمريكي والغربي فى الخليج فى إطار الاستراتيجية الأمنية لدول الخليج
إن حرب الخليج الثانية وانهيار النظام العربى الإقليمي – كنتيجة للغزو العراقى للكويت - قد ساهم فى تمكين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الاستراتيجيين فى المنطقة من استثمار هذا الاحتلال فى التوازنات الإقليمية لصالح توجهاتها وأهدافها الاستراتيجية فى العديد من المناطق المهمة ... وتعزيز الهيمنة العسكرية والسياسية الأمريكية فى منطقة الخليج – وبشكل يقترب من الاحتلال – ويمكن القول بأن:
أولا: أن الوجود العسكرى الأمريكي والغربي (الفرنسي والبريطاني) قد أصبح جزءا من الاستراتيجية الأمنية لدول الخليج وبالتالى نال مشروعية بقائه فى المنطقة.
ثانياً: أن الترتيبات الأمنية الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجى وكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا – وأيضا روسيا – تعنى حكما ... القبول بوجهة نظر الدول الغربية فى قضايا الصراع الإقليمي ... والتعاون من أجل الاستقرار.
ثالثا: أن الاتجاه العام فى الدول العربية الآن هو القبول بصلح مع إسرائيل بغض النظر عن مضمون ذلك الصلح وأبعاده الحضارية ... وهو بذلك يكون أقرب إلى الاستسلام منه إلى السلام.
رابعا: أن الوجود العسكرى الأمريكي المكثف فى منطقة الخليج - والمصحوب بالهيمنة الأمريكية على الجوانب الأمنية والسياسية - قد ألغى هامش المناورة التى كادت تمتلكها دول منطقة الخليج فى الماضى حول المشاريع الإقليمية العديدة.
خامسا: ان الاتجاه العام فى المنطقة حاليا يتمثل فى قبول دول المنطقة للتوجهات السياسية والاقتصادية والأمنية للإدارة الأمريكية ... وتبرير ذلك بأنه يشكل جزءا من التوجه العام للنظام العالمي الجديد.
من هنا يمكن القول
- بأن المخاطر الجسيمة على البِنية الأمنية الإقليمية الجديدة فى الدول الخليجية – والناجمة عن التوجهات الأمريكية التى تسعى لتعزيز دورها الإقليمي من خلال تكثيف وتكريس وجودها العسكري البرى والبحري والجوى وخاصة فى المناطق التى تدخل فى إطار الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة على المنطقة – تكمن فى خطة الإدارة الأمريكية لإحداث التغيرات فى التوازنات الإقليمية ولصالح توجهاتها وتوجهات حلفائها الاستراتيجي فى المنطقة وبالطبع سوف يؤدى ذلك فى النهاية إلى وجود حالة من عدم الاستقرار فى المنطقة وأحداث التوتر فى التفاعلات المحلية والإقليمية ... وأيضاً الدولية ... نتيجة لعدم قدرة الأطراف المحلية استيعاب هذه التطورات والتفاعلات الراهنة، والتكيّف معها على نحو يكفُل الحفاظ على المصالح الاقتصادية والوطنية والسياسية والأمنية لدول منطقة الخليج ... حيث يتطلب ذلك العديد من الظروف الخارجية التى تساعد على الخروج من هذا المأزق ... وبأقل معاناة ممكنة.
وبالرغم من ذلك وفى ظل هذه المتغيرات يمكن القول
إن اليمن تتمتع بالمكانة الاستراتيجية فى المنطقة حيث تمثل قاعده اساسيه لشبه الجزيرة العربية، وتتحكم فى مداخل البحر الأحمر وطرق الملاحة البحرية الصاعدة إلى آسيا عبر البحر العربى ... كما يمكن القول بأنها تشكل العمق الإستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي على مستوى الأمن الاقتصادي وأن الشعور العميق للإدارة اليمنية بالمسئولية الداخلية والإقليمية والدولية تعد من العوامل المهمة جداً والتى تؤهل اليمن لتلعب دوراً إقليمياً لصالح منطقة الجزيرة والخليج وأن هذا الدور المهم يتجسد فى:
أولا: قدرة اليمن على المساهمة فى حماية خطوط تدفق النفط على طول 2300 كيلومتر- هى طول الشواطئ اليمنية قبل الاقتراب من مضيق باب المندب وبعده - وهى منطقة يغلب عليها طابع المخاطر بفعل التفاعلات الإقليمية والدولية المتغيرة باستمرار ... ويعزز من هذه المقدرة امتلاك اليمن لمجموعة الجزر الاستراتيجية المتناثرة فى البحر الأحمر والمحيط الهندى وخليج عدن والتى يصل عددها إلى 135 جزيرة.
ثانياً: امتلاك اليمن لإمكانية تأمين تدفق نفط دول مجلس التعاون الخليجى عبر المرافئ اليمنية فى خليج عدن والبحر العربى وهى منافذ تقع خارج إطار كل من مضيق عدن وباب المندب وتسمح للنفط الخليجى بامتلاك السعة وتسهل له التوجه شرقاً وغرباً بحرية ومرونة عالية ... وهو الأمر الذى سيقلل من دور العامل الإيراني وقدرة تأثيره على الأمن الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجى ... فضلا عن أن هذا المتغير - ذو الطابع الإستراتيجي - سوف يلغى جميع أوراق الضغوط الإيرانية ويعزز موقف دول مجلس التعاون الخليجى لصالح رؤيتها الإقليمية.. بل وسيجبر إيران على إعادة حساباتها الإقليمية ومراهناتها فى استخدام مضيق هرمز كورقة ضغط ضد دول مجلس التعاون الخليجى ... كما أن هذا المتغير سوف يكبح المطامع الإسرائيلية فى منطقة البحر الأحمر للنفاذ إلى الاستثمارات الخليجية.
ثالثاً: قدرة اليمن على منح التسهيلات للأسطول العربى الخليجى للقيام بنشاط تأمين خطوطه الاقتصادية ... حيث أن التواجد البحري الإيراني فى الخليج – وعلى نحو مكثف – يحول دون قدرة الأسطول السعودي على المناورة البحرية والاتصال بقاعدته فى شرق البحر الأحمر وذلك دون الإخلال بالتوازنات فى منطقة الخليج.
ختاما اتمنى لمجهورية اليمن الشقيقة كل تقدم و ازدهار في ظل قيادتها الحكيمة برئاسة فخافه الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وتحقيق كل ما يصبوا اليه الشعب اليمني الشقيق من رفعة ورقي.
و أشكر وزاره التخطيط في اليمن على اتاحتها هذه الفرصة لي للمشاركة في هذه الندوة .
كاتب ومحلل سياسي بحريني