الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:35 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الثلاثاء, 17-أكتوبر-2006
المؤتمر نت - . محمد أبو رمان* -
الشيعة والسنة في التحوّلات الأمريكيّة
مع ثبوت نهاية الدعوة الأمريكية للإصلاح في العالم العربي، بالوجه القطعي يجدر التوقف عند سؤال السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الإسلام السياسي، وأين وصلت المناظرة الأمريكية في هذا السياق؟ هل ثمة رؤية جديدة أم عودة إلى القديم؟
بالعودة إلى تاريخ السياسة الأمريكية تجاه الإسلام السياسي نجد أنها مرّت بثلاث مراحل رئيسة منذ بداية الثمانينيات إلى فترة قريبة. المرحلة الأولى بدأت مع الثورة الإيرانية 1979، إذ يؤكد الخبراء الأمريكيون أنّ الإدارة الأمريكية والخبراء في واشنطن قد تفاجؤوا بالثورة وبسلوكها، وكان هنالك اضطراب ملحوظ في التعامل مع "مسألة الرهائن"، مما دفع إلى البدء الجدي بدراسة أكثر إلماماً للحركات الإسلامية. وعلى الرغم من صدمة الثورة الإيرانية، ومن ثم اغتيال الرئيس المصري أنور السادات فإنّ إدارة الرئيس الأمريكي ريغان -بالتوافق مع الدول العربية "الصديقة والمحافظة"- وظفت الظاهرة الإسلامية لمواجهة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان ضمن إستراتيجية الاحتواء ولجأت الإدارة الأمريكية إلى خطاب تحالف "الإيمان" في مواجهة "الإلحاد" السوفيتي- الشيوعي في فترة الحرب الباردة.
الفترة الثانية امتدت منذ بداية التسعينيات إلى أحداث أيلول، وقد شهدت ازدهاراً واهتماماً أكبر بدراسات الإسلام السياسي، وظهرت خطابات أمريكية لأول مرة تتناول السياسة الأمريكية من الإسلاميين، وأولها خطاب أدوارد جرجيان عام 1992 الذي أكّد فيه أنه لا توجد سياسة أمريكية تجاه الإسلام، بل هنالك سياسة تجاه العنف والتطرف. ثم توالت الخطابات والمواقف الفكرية والسياسية تجاه الحركات الإسلامية.
الفكر الإستراتيجي الأمريكي استقر، كما لخّصه روبرت ساتلوف، على أن الموقف من الإسلام السياسي يُبنى على مسألة المصالح الأمريكية، التي تمثل المحك العملي في مواقف الولايات المتحدة وسياساتها تجاه الإسلاميين. لكن السؤال: هل تمثل الحركات الإسلامية في سياقها العام مصدر تهديد للمصالح الأمريكية أم أن هنالك أشكالاً وصيغاً مختلفة ممكنة من العلاقة؟
يمكن اختصار المناظرة الأمريكية في فترة التسعينيات بين تيارين رئيسين في مراكز صنع القرار وبنوك التفكير:
التيار الأول: يصر على أنّ الحركات الإسلامية هي بمثابة الخطر الأخضر الذي ورث الخطر الأحمر، وأنها احتلت الفراغ الأمني بعد زوال الاتحاد السوفيتي، وفي هذا السياق يمكن أن يقرأ كتاب "صدام الحضارات" لصموئيل هانتنغتون.
ويرى هذا التيار أنه لا يوجد فرق بين حركات إسلامية معتدلة ومتطرفة، فجميعها تناقض المصالح والقيم الأمريكية، لذلك لابد من دعم الحكومات الصديقة في مواجهة الإسلام السياسي، وأن يتم تبني سياسات صارمة مع الحكومات الإسلامية كإيران والسودان (آنذاك).
التيار الثاني: يميز بين الإسلام المعتدل والمتطرف، وإن اختلفت معايير التمييز، ويرى أنّ الإسلام السياسي لا يمثل تهديداً للسياسة الأمريكية بل تحدياً لها، وأنّ هنالك إمكانية لعلاقة جيدة وإيجابية بين الإسلاميين المعتدلين وبين الولايات المتحدة بما يحقق مصالحها.
الغلبة في الأوساط السياسية والبحثية الأمريكية كانت باتجاه التيار الأول المتشدد، أما التيار الثاني فكان يمثل نخباً محدودة من الباحثين والسياسيين أمثال جون سبوزتو وستيفن زونز وغيرهم.
المرحلة الثالثة: جاءت مع أحداث أيلول، وقد أدت في بداية الأمر إلى تقوية شوكة وصوت التيار المتشدد المحذر من الحركات الإسلامية وخطورتها على المصالح الأمريكية، وأكدت من مصداقية سيناريو صدام الحضارات. إلاّ أنّ المفارقة المدهشة كانت انقلاب السياسة والتفكير، حتى في أوساط المحافظين الجدد، وتغلب رؤية التيار الذي يرى ضرورة البحث عن الشريك الإسلامي المعتدل ومنحه ليس الفرصة فقط في الحياة السياسية العربية، بل إمكانية الوصول إلى السلطة والحكم.
الانقلاب الحادث في السياسة الأمريكية، وإن كان لم يتعد حدود الأفكار وبعض السياسات غير المؤثرة، نجم عن الدرس الذهبي من أحداث 11 سبتمبر وهو أنّ الإرهاب هو أزمة داخل النظم العربية صدّرتها إلى الخارج، والإستراتيجية الناجحة في مواجهة الإرهاب تتمثل بإصلاح العالم العربي.
دعوة الإصلاح الأمريكية كانت تواجه عقبة كأداء، وهي أنّ المستفيد الأول من الإصلاح هو الحركات الإسلامية المعادية للغرب، فهل ستقوم أمريكا بجلب أعدائها إلى السلطة وعزل أصدقائها؟ بالفعل مثلت هذه الجدلية مناظرة حقيقية في السياسة الخارجية الأمريكية، تمخّضت عن اتجاهين رئيسين:
الأول: يدعو إلى عدم الاستسلام لفوبيا البديل الإسلامي، وفتح المجال للعملية الديمقراطية لعقلنة مطالب وممارسة الإسلاميين.
والثاني: يؤكد على ضرورة الإبقاء على حلفاء أمريكا وبناء تحالفات شاملة ضد حركات الإسلام السياسي بشتى توجهاتها، وعدم التمييز بين الإسلام المعتدل والمتطرف.
بالتحديد الزمني شهد التيار الأول تغلباً مع ازدهار دعوة الإصلاح الأمريكية، إلاّ أنّ نهاية هذه الدعوة أعادت الاعتبار للتيار الثاني الذي يتخذ موقفاً سلبياً من الإسلام السياسي، ويؤكد على توثيق التحالف مع النظم الحالية القائمة، بما يكفل مصالح الإدارة الأمريكية.
في صلب المناظرة الأمريكية حول الإسلام السياسي خرجت مدرسة الاستشراق الجديد بدعوة إلى تحالف أميركي- شيعي في مواجهة "الإسلام الوهابي" الذي يشكل العمود الفقري لأيديولوجيا "القاعدة"، وقد صب جام غضب نخبة سياسية وإعلامية أمريكية واسعة على العربية السعودية التي رعت الإسلام السلفي، وكان أكثر من قاموا بأحداث أيلول سعوديون. ويبرز الموقف من السعودية بوضوح في كتاب سفير إسرائيل السابق في الأمم المتحدة دور غولد "مملكة الكراهية: كيف دعمت السعودية الإرهاب العالمي".
التحالف مع الشيعة المعتدلين والمضطهدين أصبح لغة خطاب متداول في أوساط سياسية وإعلامية أمريكية، قبيل وأثناء وبعد حرب العراق الأخيرة، وتعززت هذه الفكرة مع موقف القوى السياسية الشيعية من احتلال العراق.
ولم يتردد عدد من الخبراء والباحثين الأمريكيين المعروفين بالتبشير بتحالف أميركي- شيعي، ليس فقط في مواجهة "الوهابية" والانقلاب على الحلفاء والأصدقاء العرب، بل ضد "قم" من خلال استعادة مكانة النجف الدينية والتركيز على رجال الشيعة العراقيين، الذين يرفضون ولاية الفقيه وإقامة دولة إسلامية في العراق، وقد حظي السيستاني في تلك الفترة باهتمام إعلامي أمريكي كبير، وكذلك حفيد الخميني، الذي كان يرفض بدوره مبدأ ولاية الفقيه. وفي خضم تلك السياسة خرجت مجلة (نيوزويك) بغلاف أحد أعدادها بعنوان "صعود الشيعة".
إلاّ أنّ اشتعال معركة البرنامج النووي الإيراني، ومن ثم حرب لبنان الأخيرة، واستعادة إيران والشيعة شيئاً من صورتهم في العالم العربي السني، زاد من الخشية الأمريكية من التشيع السياسي والنفوذ الإيراني في المنطقة. وأعاد المناظرة الأمريكية من جديد لتغلب فكرة التحالف الأمريكي- الإسرائيلي- السني ضد "الخطر الشيعي"، على مستوى إقليمي شامل من خلال تقسيم المنطقة إلى معسكرين الاعتدال والتطرف، وهذا ما ظهر بوضوح في دعوة مارتن أنديك الخبير الصهيوني المعروف إلى تحالف سني- إسرائيلي في مواجهة الشيعة، وهو كذلك ما حاولت وزيرة الخارجية الأمريكية تسويقه في جولتها الأخيرة في المنطقة.
في سياق التحضير للتحالف ضد الشيعة لا يُستبعد أن يُعاد توظيف "السلفية" في معركة الرأي العام والحشد والتعبئة. ما يُظهر بوضوح غياب المنظور الأمريكي المدروس والموضوعي تجاه الإسلام السياسي، وخضوع السياسة الأمريكية في هذا المجال لتحولات السياسة وتناقضاتها، مما يجعل السياسة الأمريكية تجاه الظاهرة الإسلامية في تخبط مستمر.

*الاسلام اليوم




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر