الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:42 م
ابحث ابحث عن:
كتب ودراسات
الثلاثاء, 17-أكتوبر-2006
المؤتمر نت - . محمد الحسن أحمد -
"صراع الهوى والهوية" كتاب يكشف تتابع انقلابات الإسلاميين ضد بعضهم
يكشف كتاب «الترابي والإنقاذ صراع الهوى والهوية»، لمؤلفه الدكتور عبد الرحيم عمر محي الدين أحد الإسلاميين الذين تولوا مناصب عديدة في الحركة والدولة كيف بدأ الصراع بين الترابي والبشير الى ان اطاح البشير بكل ما تبقى من الحركة واضحى هو الحاكم بأمره. ويُحسب مؤلف الكتاب على المنحازين لجانب جماعة البشير عندما وقعت المفاصلة، ومما يضفي مصداقية توثيقية للكتاب، ان الكاتب اعتمد على تدوين شهادات نقلها عن السنة من خططوا للانقلاب ومن عايشوا وشاركوا في صناعة القرار والانقسام. ويقع الكتاب في 660 صفحة من الحجم المتوسط. وقد صدر حديثا.

أول ما يلفت الانظار في هذا الكتاب هو ما جاء فيه من ان البشير لم يكن المسؤول العسكري في خلايا الجبهة الاسلامية وسط القوات المسلحة وانما المسؤول هو العميد عثمان أحمد الحسن الذي كان من رأيه ان يترك امر ادارة السلطة التنفيذية للعسكريين، وان تكون علاقة المدنيين بالثورة علاقة غير مباشرة تقتصر على الاشراف والدعم السياسي الشعبي، لهذا السبب اتجه المكتب الخاص بالحركة لاستبداله بالعميد عمر البشير الذي كان قد وصل الخرطوم من الجنوب في طريقه لبعثة دراسية عسكرية بالقاهرة.

في هذا الصدد يدور الحوار التالي بين مؤلف الكتاب والفريق عبد الرحيم حسين الذي يشغل الآن منصب وزير الدفاع حيث يقول الوزير «هناك مسألتان بخصوص العميد عثمان، أولا: هو بطبيعة تفكيره وتكوينه قلق وهذا الدور يحتاج الى برود أعصاب.. ثانيا: كانت له رؤية في العلاقة، وقد كان يرى اننا كمجموعة عسكرية يجب ان ندير الدولة بينما تقوم الحركة الاسلامية بادارة سياسة الدولة من الخارج وتنصح من غير تدخل مباشر».

«مداخلة: الأخ عبد الرحيم انت الآن في لحظة صفاء الا تعتقد ان رؤية العميد عثمان كانت صحيحة؟»

«الجواب: نعم.. كانت صحيحة لكن توقيتها لم يكن صحيحا. العميد عثمان كان في الفترة الأولى فترة الاعداد للانقلاب يرأس كل الاجتماعات، الأخ عمر البشير لم يكن موجودا، كان في الجنوب». (ص 192). من هذه الافادة يتبين ان العسكريين منذ البداية كانوا يرغبون في تولي كل السلطة المباشرة، لكن مسؤولهم الاول جاهر بهذه الرغبة فاستبعد، وقبل البشير ويتبين من رد عبد الرحيم حسين ان رأي العميد عثمان كان صحيحا ولكن توقيته لم يكن صحيحا بمعنى ان وقته يحين بعد التمكين من السلطة! ولعل هذا ما فعله البشير لاحقا، وفي الوقت المناسب!

لكن العميد عثمان الذي شغل منصب المسؤول السياسي في مجلس الثورة لم يستمر في السلطة الا قليلا بسبب خلافاته التي من بينها اعتراضه على غزو العراق للكويت فغادر مجلس الثورة واستقال.

وبالنسبة لهذه الاستقالة يسأل مؤلف الكتاب، عبد الرحيم حسين في مداخلة: يقال ان العميد عثمان عندما قدم استقالته قال للاخوان: «أنا مشيت لكن الله يستر عليكم من أبو عمير ده بيعملها فيكم.. هل سمعت هذا الكلام؟

جواب: هذا الكلام لا يشبه عثمان!

أيا كان ظاهر أو باطن الاجابة فإن ما نسب للعميد عثمان قد وقع بالفعل، فالبشير قد انقلب على الجماعة. ولكن الترابي نفسه كان قد سبقه مبكرا بالانقلاب المدني على كيان الحركة الاسلامية!

لقد فاجأ الترابي بعد نجاح الانقلاب واصبح هو الحاكم المطلق اخوته في قيادة الحركة الاسلامية بطلب حل التنظيم. وهنا يقول المؤلف في ص 131. الحركة الاسلامية التي كانت عبارة عن السلم أو المصعد الذي صعد عليه من صعد لمواقع السلطة واتخاذ القرار في السودان كانت هذه الحركة، كمؤسسة وتنظيم أول ضحايا الانقاذ حيث تم نحرها على اعتاب الاحلام الكاذبة فحل مجلس شوراها ودعى اعضاؤها الابكار الى حفل وداع وزعت لهم فيه المصاحف اعترافا بدورهم في ماضي الحركة، وايذانا بانزالهم الى المعاش الاجباري.. فصار البعض بعد ذلك يحكم باسم الحركة، حيث ذهبت المؤسسة وبقي الافراد يجتهدون حسب هواهم ومزاجهم ولا رادع أو رقيب وحسيب عليهم بعد ذهاب المؤسسة الشورية.

ويستنكر المؤلف حل الحركة ويشير في ص 207 الى ما يلي: «لم يكن التفويض الذي تم منحه للامين العام للحركة الاسلامية (الترابي) تفويضا عاما وانما كان مختصا بادارة وتنفيذ عملية الاستيلاء على الحكم ومن بعد تكون الحركة الاسلامية هي الحاكمة بمؤسساتها وليس بأشخاصها» ثم يضيف، لكن الذي حدث هو ان استمرأ الذين اشرفوا على أمر تنفيذ الانقلاب من عضوية المكتب الخاص والعسكريين الامر، وغيبوا الحركة الاسلامية تماما، حيث تم اختزال الحركة الاسلامية كلها في ثمانية أو عشرة أشخاص هم الذين يقررون في أمر السودان ويحكمون باسم الحركة من غير تفويض أو مباركة، فاصبح الذي يدير السودان ويتخذ القرارات هم: الامين العام (الترابي) ونائبه والرئيس «البشير» ونائبه واربعة آخرون!! من الذي فوض هؤلاء ومن أين استمدوا الشرعية؟ لا أحد يعلم!! لذلك أصبح السؤال الدائر وسط عضوية وقيادات الحركة الاسلامية هو: من يحكم السودان؟». بالطبع الذي كان يحكم السودان وقتها هو الدكتور الترابي ومن اصطفاهم من الجماعة. وكان ذلك بحق انقلابا على الحركة الاسلامية بكل مؤسساتها. ومن بعد ذلك سعى لتصفية العسكريين اذ أصر على حلّ مجلس الثورة وكان له ما أراد باستثناء اصرار البشير على ان يظل محتفظا برتبته العسكرية!

وتحت عنوان: اعتلت الثقة عندما تم حل المجلس العسكري ورد في صفحة 194: «ان البشير قبل على مضض حل المجلس العسكري، لكنه تأبى وتمنع من تقاعده العسكري بحجة ان وجوده في الجيش يشكل ضمانة لتأمين الثورة. كلمة حق وراءها ما وراءها من تحسبات وتحوطات وتوقعات. فلولا الزي العسكري لما استطاع اخضاع الترابي للمعاش الاجباري، وحل المجلس الوطني وتجميد عضوية الامين العام للحزب الحاكم الذي لم يكن أمينا عاما فحسب بل كان رئيسا فعليا للسودان يقع تحت امرته بطريقة مباشرة وغير مباشرة كل التنفيذيين من البشير الى ادنى تنفيذي في الدولة». «لذلك فطن البشير لهذا الأمر مبكرا. وقرر قراءة الواقع والاستفادة من تناقضات الحركة الاسلامية الذين شغلتهم المناصب والسعي وراءها والتمسك بها وبالمزيد منها مهما كلف الثمن حتى صار بعضهم (يحفر) لبعض ويتآمر عليه بأخس واوضع انواع المؤامرات التي تفتقد الاخلاق والوازع الديني» ثم يقول المؤلف: «كان البعض يأتيه (اي البشير) متطوعاً شاكياً من هيمنة الترابي وانصاره وتهميش الرئيس الذي ـ في كثير من الاحيان يستمع الى القرارات المهمة والرئاسية مثله مثل غيره من عامة الشعب.. كانت مثل هذه الشكايات تجد صدى وهوى في نفس الرئيس الذي يرى ان مصيره سيؤول الى مصير اعضاء مجلس الثورة المحلول، لذلك كان يعلم ان هذا التهميش سيقود حتماً الى المواجهة». وفي هذه المعمعة ظهرت على سطح الاحداث مذكرة العشرة، وهم مجموعة من الكوادر الاسلامية صاغوا مذكرة تنتقد انفراد الترابي بالسلطة وتطالب ببسط الشورى ووجود المشاركة. وكانت تلك المذكرة السانحة التي استغلها البشير للاطاحة بالترابي، ولكي ينفرد هو بالسلطة ويضع الترابي في السجن ويعلن الطوارئ ويحل البرلمان. واختصارا لهذا المشهد نحاول استعراض شهادات بعض رموز الحركة الاسلامية كما وردت في متن الكتاب. ونبدأ بما قاله الدكتور بكري عثمان سعيد في صفحة 236، ايدنا مذكرة العشرة لانها هدفت للشورى وحكم المؤسسات، ولانها كما قيل جاءت ضد دكتاتورية الترابي. ولكن يرى الكثيرون اننا لم نجد شورى ولا حكم مؤسسات، بل تحولنا من دكتاتورية الترابي الى دكتاتورية من هم اقل منه علماً ومعرفة. مما جعل البعض يشعر بأن المذكرة هي عبارة عن تحول من دكتاتورية الى اخرى اسوأ منها. بينما يقول احمد عبد الرحمن القيادي البارز في الجبهة الاسلامية والمؤتمر الوطني في ذات الصفحة: قد اصبحنا موظفي علاقات عامة تديرنا المجموعة الامنية. وهو نفس الرجل الذي قال للبشير بعد اعتقال الترابي في فبراير 2001: كرسي الحكم الذي تجلس عليه الآن ظل الترابي والحركة الاسلامية يعملون له طيلة الخمسين سنة الماضية فلا يمكن ان تعتقل الترابي بهذه الطريقة ولا تشاور احداً! اذن علينا ان نكون جاهزين ونبل رأسنا. غضب الرئيس البشير من تعليق احمد على اعتقال الترابي، ولكنه سارع في اليوم التالي بزيارة احمد في منزله! ويعتبر احمد عبد الرحمن وهو احد ثلاثة اسسوا الحركة الاسلامية من المهمشين حتى الآن!

لكن هذه الفاصلة بين الترابي والبشير والتي أدت الى اعتقال الترابي وتصفية كل من وقفوا معه من مواقع السلطة ومطاردتهم والتضييق عليهم وسجنهم وتعذيبهم كل ذلك ادى الى تفجير ازمة دارفور التي لم تنطفئ حتى الآن واضحت تهدد وحدة وأمن كل السودان· لقد فجرها الاسلاميون من جناح الترابي وفقاً للشهادات الواردة في كتابهم هذا، ونستعرض جانبا من ذلك في ما يلي تأكيداً لهذه الحقيقة، ففي صفحتي 140/141 يورد الكاتب حديثا للترابي عن الخلافات وفجورها فيقول الكاتب: فما نورده هنا من اقوال الترابي ينطبق عليه وعلى مجموعته لما شهدناه في ندواتهم التي اعقبت انشقاقا وما فيها من الترويج والتشنيع بالخصوم والتلويح بالملفات الخطيرة والاسرار المشتركة ونفس الاسلوب غير الكريم استعملته السلطة الحاكمة في تصفية حساباتها مع خصومها السياسيين بقيادة الترابي وانصاره، فمارست ضدهم ابشع انواع التشديد والمطاردة والسجن والتجني وتلفيق التهم والتشهير السياسي، ونسيت السلطة سذاجة من بعض اجهزتها غير الحكيمة، ان المؤتمر الشعبي الذي وصم بالعنصرية وسيطرة عنصر معين عليه، انه اذا كبت في الخرطوم نتيجة للقبضة الامنية فلا مجال انه سيجد متنفسا خارج الخرطوم.

وقبل هذه الازمة الخطيرة يحسب عليهم جميعا جناح الترابي وجناح البشير انهم كانوا وراء تحويل مشكلة الجنوب من سياسية الى جهادية دينية الى درجة تعذر معها الحل الا باتفاق صاغوه هم مع حركة قرنق يمنح الجنوب حق تقرير المصير ويعبثون الآن بهذا الاتفاق على نحو سيفضي في الغالب الى انفصال الجنوب عن الشمال، ويكشف الكتاب الكثير عن بدعة عرس الشهيد في الجنة التي ابتدعها الترابي عن قتلاهم.. في الجنوب، ومن افكاره لاحقا صياغة مذكرة تفاهم مع قرنق قبل وصول الجناح الاخر الى الاتفاق وكيف ادت تلك المذكرة الى اعتقال الترابي من جديد بحسبانه تحالف مع قرنق العدو وقتذاك وانتكس عن فتاوى الجهاد والمجاهدين!

ونختم استعراض هذا الكتاب الذي حوى الكثير من الوثائق والشهادات العامة ومحاضر لقاءات الاسلاميين مع الرئيس مبارك وعمر سليمان وغيرهما من المسؤولين بعد وقوع الشقاق نختم بشهادتين احداهما ليس عمر الامام أحد مهندسي انقلاب الانقاذ والثانية عن علي عثمان نائب الترابي سابقا ونائب البشير في رئاسة الجمهورية حاليا.

يقول يس: قلت للبشير في مرحلة الخلاف وقبل قرارات رمضان: انا لدي اقتراح اذا يمكن توافق عليه ام لا.. وهو ان الحركة هي القائدة وانت الآن نضجت وفي الدورة القادمة نرشحك انت لامانة المؤتمر الوطني ونعد شخصا بالقرب منك حتى يتهيأ لرئاسة الجمهورية.. وحسن الترابي يقود الحركة الاسلامية وفعلا رشحت له اربعة او خمسة اشخاص هم علي الحاج، علي عثمان، عوض الجاز، عبد الله حسن احمد، ابراهيم السنوسي، قال لي البشير انا موافق وبعد يومين أو ثلاثة قابلت البشير فقال لي إنه قابل وتشاور مع بعض الناس وقالوا له ان رئاسة الجمهورية هي الاساس وهي التي تحل المشاكل وان الحزب وخلافه ماذا يعني تمسك البشير بالرئاسة؟ قطعاً انه قرر سلفاً عدم التفريط فيها حتى لو دعا الأمر الى الاطاحة بالحركة نفسها وهذا ما سندركه في الحال عندما نسوق ما قاله المؤلف في صفحة خمسين من الكتاب وهو يتحدث عن النائب بقوله: «الاستاذ/عثمان محمد طه رجل عف اللسان.. ثاقب النظر.. مهذب في حديثه.. وضعه الخلاف بين أمرين احلاهما مر.. اما ان ينحاز لشيخه ويقف ضد البشير والقوات المسلحة وبذلك تدخل الحركة الاسلامية بكاملها في تجربة الحزب الشيوعي مع نميري وإما ينحاز للبشير ويضحي بحبه للترابي ويحفظ ما تبقى من دولة الحركة الاسلامية ويعصمها من خطر المواجهة مع المؤسسة العسكرية.





أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر