تحليل: ياسر البابلي - التطرف والتكفير .. بقلم محترفهما الشهير (الحلقة الثامنة)
من المؤكد، أن اعتراف القاتل على أحمد جار الله وشركائه، التي أوردنا بعضها في الحلقة السابقة، كانت قاصمة لظهر الخطاب الإعلامي للإصلاح ولموقف قياداته السياسية لكونها تميط اللثام عن وجه أرث التطرف والتكفير الذي بناه التجمع اليمني للإصلاح في زحمة الانشغال بالأزمات السياسية، وفي عنفوان المواجهة مع التحديات المضافة للدولة من الخارج التي قطعت على اليمنيين أفراح شهر العسل الوحدوي، وما أعقب ذلك من انعكاسات للأثر الخارجي على الدخل اليمني الاقتصادي، ثم السياسي لتتجه الأحداث سريعاً نحو حرب صيف 1994م، ليفتح الشارع اليمني عينيه على كم هائل من الخلايا الشبابية والفتية المترعرعة من أكناف الثقافة المتطرفة والمشحونة بالحقد على دعاة التطور والتحديث في سياسيين ومفكرين وكتاب وإعلاميين وغيرهم.
ومثلما كان الأمر يستهدف فكر الحداثة والتطور، فإنه أيضاً كان يرفض القبول بالآخر الذي تتقاطع برامجه السياسية مع تلك التي يدرجونها تحت عناوين (الحركة الإسلامية).. كما هو أيضاً -رفض امتثال لفرص التعايش السلمي الآمن مع الغير من المذاهب الإسلامية التي تعتنقها فرق يمنية لا يستهان بأعدادها والمساحات الجغرافية التي تنتشر عليها.. وقد كان لتعميق غرس تلك الثقافة المدمرة على المجتمع. إذ أصبح كل ذلك بمثابة القاعدة التي يقف على أصولها البعض لممارسة العنف واحتراف الإرهاب على غير مبرر، أو وجه حق.
وكم كنا ومازلنا نأمل أن يكون (الاعتراف بالخطأ فضيلة) والتصحيح نحو الأصوب (أجر وثواب)، لكن – على ما يبدو- إن الإخوة في التجمع اليمني للإصلاح لا يلقون بالاً لتلك القيم الإنسانية النبيلة، وأن هناك من المفكرين من يعتقد أن رفض الإصلاح الاستجابة لمطالب المنادين بضرورة (اتخاذ موقف واضح وجريء من فتاوى التكفير السابقة..)- على حد تعبير الأستاذ على صالح عباد، أمين عام الحزب الاشتراكي- هو حرص من قيادة الإصلاح على أمرين: أولهما، الإبقاء على سريان مفعول الفتاوى تحسباً لأي احتدام سياسي مقبل، أو انفجار في العلاقات. وثانيهما، التخوف من خسارة الفئات المتعصبة لهذا الرأي، والتي تعتمد عليها قيادة الإصلاح كورقة للضغط السياسي، وكأداة رهان في الزمن الصعب، تشكل منها درع الحزب المتين. علاوة على ما يمكن أن تشكلهُ الفئات المتعصبة لثقافة التكفير من خطر على حزب الإصلاح نفسه إذا ما انقلبت القيادات إلى غير وجهة فتاوى التحرير والتكفير والإباحة، فيرتد الفعل إلى نحورها بتفسير الموقف بأنه ارتداد عقائدي محظور- على غرار ما ذهب إليه القاتل جار الله أحمد علي حين سُئل عن أسباب اختياره للمؤتمر العام الثالث للإصلاح كمسرح للجريمة مرد على المحقق بقوله:
• (التوجيه ضربة صغيرة للإصلاح حتى يكف عن التفريط في مبادئ الولاء والبراء)- محضر التحقيق المؤرخ في 24/1/2003م.
وفي الحقيقة إن تلك السياسة- إن جاز لنا وصفها كذلك -التي انتهجها حزب الإصلاح لغرس ثقافة التطرف والتكفير في نفوس الشباب- لا تبدوا أنها آيلة للتراجع والتماهي في الوقت الحاضر، وإن كان الظن الغالب بذلك الاتجاه بعد توارد الكثير من التصريحات والشعارات السياسية والداعية للحوار ونبذ العنف، وتفعيل التجربة الديمقراطية.وما إلى ذلك مما تردده قيادة الإصلاح من حين لآخر.
إلا إن القول شيء، والواقع يحكي شيئاً آخر، وربما كل ما تغير في اللعبة الإصلاحية هو فريق الضد. فالتجمع اليمني للإصلاح منذ اغتيال جار الله عُمر، أطلق صفارة البدء لخوض غمار هجوم تعبوي حاد مناهض لسياسة المؤتمر الشعبي العام، وأركان قيادته وامتد بها لتشمل جميع قواعده التنظيمية والمؤسسات التي يديرها، كما لو كان الأمر مشروع جديد لتحويل القواعد المعبأة ضد الاشتراكيين والقوميين إلى صدور المؤتمريين.
وإننا بمجرد التصفح لكتاب (التطرف والتكفير في اليمن) ندرك على الفور هذه الحقيقة، ونفهم طبيعة( المهمة الخاصة) التي تحدث عنها ناصر أحمد يحيى في الصفحة الأولى من كتابه، بأنها مهمة تهيئة وإعداد لجولات عنف إرهابية تستهدف رموز المؤتمر الشعبي العام، ومفكريه ومؤسساته.
ربما يبقى كلامنا هذا، من غير جدوى، إدراك فعلي للرأي المطروح إذا لم يتم تدعيمه بشواهد وأدلة- رغم أننا نعتقد أن مادة كتاب( التطرف والتكفير في اليمن) تغني القول برهاناً- لكن دعونا نتأمل- ببعض المقارنات- بين الخلفيات الفكرية والثقافية التي يحملها قاتل جار الله عمر وبرر بها فعلته، وبين الخلفيات الفكرية والثقافية التي كان يحملها قاتل جار الله عُمر وبرر بها فعلته، وبين تلك التي يروح. لها كتاب (التطرف والتكفير في اليمن) الذي اعتبره المؤلف (دفاعاً عن الإصلاح)، وحرص على توقيت إنزاله للأسواق تزامناً مع الذكرى التأسيسية الـ(21) للمؤتمر الشعبي العام (24-29 أغسطس).
• أولاً: من إفادة المتهم ميمون مجاهد الحداد المؤرخة في محاضر التحقيق في 1/1/2003م، يتحدث عن الأفكار التي كان يحملها على أحمد جار الله (القاتل) يحدث بها أصحابه فيقول: (قال لي عن الربا المتعامل به في الدولة، وعن عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، وأحكامها، ومثل موالاة الكافرين – أمريكا والغرب، وعن الفساد في الإعلام).
واليكم الآن أفكار وأساليب ناصر أحمد يحيى الواردة في كتابه. وسأقسمها تبعاً لما كان يطرحه القاتل:
(أ) التحريض على الدولة.
• (التقرير الحكومي كان أيضاً عملية إرهاب فكرية من الدرجة الأولى) ص 34.
• (سوف نعرف كم بريء اعتقلوه، وأهانوا كرامته وإنسانيته) ص 35.
• (إن المتضررين منها "يقصد الاغتيالات" يوجهون التهمة لأفراد ليس من مصلحة السلطة الآن بأنهم متهمون بتنفيذ تلك العمليات الإرهابية. كما أن معظم المتضررين منها إن لم يكن جميعهم لا ينتمون لحزب المؤتمر الشعبي العام بل ينتمون إلى أحزاب معارضة للمؤتمر) ص34.
• (توجيه السهام لتنفيذ ما توهموه فرصة لتصفية الوجود الإسلامي الفاعل المتمثل بالتجمع اليمني للإصلاح) ص17.
• (هل اليمنيون لم يعرفوا الفساد ونهب الأراضي واستباحة المال العام ..) ص 28.
• (ليعرف اليمنيون من هم المتطرفون الحقيقيون، ومن هم دعاة التكفير الذين كفروا واتهموا بالإلحاد) ص 28.
• (أي يمني لديه ذرة من العقل لا يصدق مثل هذه الأكاذيب التي تمول بأموال الشعب) ص19.
• (بدا الأداء الحكومي في الأيام الأولى، وكأنه أشبه بأفلام المافيا؛ حيث التحريض والتهديد والوعيد بالموت هو اللغة السائدة) ص10.
• (بدلاً من أن يجد المواطنون الدولة ملجأ آمناً وجدوها من خلال إعلامها الرسمي تكاد ترقص رقصة الحرب والدم) ص10.
• (وكان همها الأول ليس هو احتواء الموقف، وإطفاء الحريق المندلع، وتسكين النفوس الثائرة، الجائرة التي تتساءل عن حقيقة ما حدث. وكان الدم قد سال وظنت الذئاب المتعطشة للبطش أن وقت الانتقام من الإصلاح وتصفيته- أوعلى الأقل تقزيمه- قد حان) ص10.
• (ارجوا أن يستذكروا أن العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم. وأن يتذكروا أن المكر السيء لا يحيق إلاّ بأهله) ص5.
- أن ما سبق لم يكن إلاّ نزراً قليلاً من فيض كثير من النصوص التي أراد الكاتب بها استفزاز مشاعر الناس ضد الحكومة وزرع الحقد في قلوبهم على رموزها .. وربما كان القاتل يتحدث عن (الربا) ويلصق به اتهامه للدولة لكن الإخوة في الإصلاح لم يكتفوا باتهام الدولة بالفساد والكذب بل ذهبوا إلى تجريم الحكومة بأنها تمارس (إرهاب من الدرجة الأولى).
- على حد تعبير ناصر أحمد – ووصفها بـ(المافيا)، وبمن تغوص أقدامه بالدماء كما (الذئاب)، وأنها تعمل على تصفية الوجود الإسلامي- ولعل ذلك من كبائر الآثام التي تقترب بصورة الدولة إلى منازل الكفار (والعياذ بالله)، علاوة على اتهامها بنهب الأراضي واستباحة المال العام.. واعتقد أن أفكار القاتل ولغة ترجمة أحقاده كانت أخف وطأة على خصومة مما قرأتموه من نصوص استقيناها من على لسان المؤلف.
(ب) الدولة والشريعة الإسلامية
من ضمن الثقافة التي كان يروجها على أحمد جار الله- قاتل الشهيد جار الله عمر هو اتهام الدولة بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية.. أما ناصر أحمد يحيى فقد كان أشد مغالاة في هذا الجانب، واليكم بعض ما كتبه:
• (توجيه السهام لتنفيذ ما توهموه فرصة لتصفية الوجود الإسلامي الفاعل) ص17.
• (بعد استفراد المؤتمر بالسلطة.. لم يعد بعد هناك من منافس له إلاّ الإصلاح فانضم المؤتمر إلى مسلسل: المساجد في خطر)، ويضيف( ولم تهدأ حملات المؤتمر الشعبي العام على خطباء المساجد رغم أن الوضع تغير كثيراً) ص141.
• (كانوا يشنون حملات ظاهرها الحديث عن التطرف والإرهاب وباطنها تشويه صورة الإسلاميين) ص142.
• (هذا ملخص وثيقة الإعدام التي تعدها الآن جهات مجهولة ضد المساجد في يمن الإيمان والحكمة، وصحفيون معروف عنهم مواقف فكرية متطرفة ضد الدين أصلاً.فضلاً عن المساجد) ص146.
• (إن الحملة على المساجد والخطباء حملة سياسية بالدرجة الأولى الهدف منها سياسي حزبي )ص147.
• (فالمكتبات في صنعاء وسائر المدن اليمنية مليئة بكتب الفجور والهيافة والجنس والشعوذة والخرافات والأكاذيب والترويج للعلمانية والردة وشتم الصحابة)ص 148.
• (ما رأيكم أن مكتبات عديدة في بلادنا تبيع كتباً متطرفة تشتم وتلعن وتكفر الصحابة وخاصة الصديق والفاروق؟ وكل كتب الروافض المتطرفة موجودة في المكتبات، وفي قلب ميدان التحرير في العاصمة صنعاء؟) ص149.
• ( وفي سياق الحملة على المساجد يصر في أدعياء الغيرة على الدين… ) ص 150.
- إذاً بهذا المنطق والأسلوب الفج المغموس -من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه- بثقافة التكفير العلني للآخرين والشك في إسلامهم وإيمانهم لمجرد أنهم من حزب بلغ السلطة بفوز كاسح.
- كما يصفه المؤتمريون- ولأن الإصلاحيين عجزوا عن إقناع الناس بالوثوق بهم وانتخابهم.
أليس من الغريب أن علي جار الله (القاتل) بحديث ميمون مجاهد عن عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، بينما ناصر أحمد يحيى يحدث الناس بوصفه للمؤتمريين بأنهم (أداء الدين) الذين (يسعون لتصفية الوجود الإسلامي) وشن الحروب على خطباء المساجد، والترويج لكتب الكفر والضلالة؟
ألا يعتقد البعض أن القاعدة التي انطلق من ارثها الثقافي قاتل الشهيد جار الله عمر كانت أشفق على الاشتراكيين من تلك التي يؤسسها الإصلاحيون اليوم للنيل من المؤتمر الشعبي العام؟
(ج) موالاة الكافرين أمريكا والغرب
هذه ورقة أخرى مما كان يروج له قاتل جار الله عمر- بحسب الإفادة التي أوردناها في مقدمة هذا الموضوع.. ومن المفارقات الغريبة أن التجمع اليمني للإصلاح، وأحزاب المشترك ينقرون هذه الأيام على وتر العلاقات اليمنية- الأمريكية ويطالبون ببيان رسمي مسائلة الحكومة عن طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة ومستوياتها.. أضف إلى ذلك أن من يعود إلى صحافة حزب الإصلاح بعد حادثة مقتل (صالح الحارثي)- أحد الإرهابيين- بصاروخ من طائرة أمريكية سيجد العجب العجاب – خاصة في "الصحوة نت" – وسيخيل له أن الجمهورية اليمنية قد استحالت معسكراً أمريكياً، أوله في (عدن) وآخره في (البقع).
أما ناصر أحمد يحيى فلم يترك الفرصة تذهب سدى بل ذهب إلى القول:
• (بعد إعلان الحرب الأمريكية على الإرهاب، وتعاون الحكومة اليمنية مع واشنطن في ذلك أصبح انتقاد الإرهاب الأمريكي، والهجوم على السياسة الأمريكية من المواضيع التي تثير حساسية الحكومة) ص142.
- وفي الحقيقة أن ما من قضية تسببت بقلق للمؤتمر الشعبي العام مثلما هو الحال مع مسألة انفتاح الدولة اليمنية على الخارج، وتوثيق علاقاتها ومصالحها بالولايات المتحدة الأمريكية، وأوربا وغيرها.. والكيفية التي تستطيع بها قيادة المؤتمر إفهام المعارضة بضرورة هذه العلاقة، وأهميتها لبلدنا في محدود الموارد والإمكانيات، وإن العالم تحول إلى قرية صغيرة يستحيل على الدولة اليمنية عزل كينونتها السياسية والاقتصادية والثقافية عن محيطها العام.
ويغلب الظن أن هذه المشكلة لم تنشأ عن واقع سياسي بليد بقدر ما هو الإفلاس السياسي والفكري الذي يدفع البعض لعكس مسارات الأمور إلى غير غاياتها الأصلية استثماراً لحالة اجتماعية في طور النمو، ولحالة اعتزاز قويم يحمله اليمنيون عامة، وتدفعهم لانشداد قوي لحالة اجتماعية في طور النمو، ولحالة اعتزاز قومي يحمله اليمنيون عامة، وتدفعهم لانشداد قوي نحو قضايا الأمة العربية، والإسلامية التي تقف الولايات المتحدة وراء تحريك الكثير منها.. وهو الأمر الذي تنتهزه بعض قوى المعارضة، وفي مقدمتها الإصلاح لاستجداء التعاطف الجماهيري.
(د) الفساد في الإعلام
ألفت الانتباه إلى أنني استقيت هذه العناوين من إفادة (ميمون مجاهد الحداد) التي أجاب فيها عن طبيعة الموضوعات التي كان يروج لها (علي أحمد جار الله) قاتل جار الله عُمر، وما كان يناقشه مع أصحابه لحثهم على (الجهاد) وقتل أرباب التسبب بتلك (الخطايا).
لقد كشفت ملفات التحقيق أن النشاط الذي كان يزاوله القاتل يقع تحت مظلة نهج سياسي عام يبدو لنا متأصلاً في استراتيجيات العمل السياسي عند التجمع اليمني للإصلاح؛ بحيث أننا نجد فيما تعرض إليه ناصر أحمد يحيى في كتابه (التطرف التكفير في اليمن) أقرب ما يكون إلى منهاج أكاديمي للتدريب على الفنون الاحترافية والتكفير والإرهاب؛ حيث إن الحرص الشديد الذي أبداه القاتل في رصد وسائل الإعلام، وبناء الآراء التكفيرية والأحكام التحريمية على الأقلام الفكرية العاملة فيها جاء مضاعفاً، وأقوى حدة عند ناصر مدرسة تخصصية بهذا اللون من الثقافات.
فالقاتل استهدف الإعلاميين والمفكرين وخطط لعمليات بهذه الصدد.. وقد يتأكد الري اكثر لو علمنا أن (هشام أحمد الصانع) أحد المتورطين معه ذكر إفادته المؤرخة يوم الاثنين 14/1/2003 ما يلي:
• (كان يطلب مني علي جار الله عُمر أن أذهب لشراء بعض الصحف له حوالي مرتين، وهي صحف المعارضة كلها مثل "الثوري، "الأيام"،"الثقافية"، "البلاغ"، وصحف أخرى لم أذكرها. وقد أخبرني أن الذين يكتبون في هذه الصحف يسيئون الدين، ويلعنون الردة، وخاصة صحيفة "الثقافية" الذي نشر فيها سب الذات الإلهية..).
- وإلى هنا أتوقف في هذه الحلقة لأن الموضوع الخاص بالإعلام طويل ومثير، وإنشاء الله نكمله غداً في الحلقة التاسعة.
|