اسلام اون لاين -
نسيم العيد.. أخيرا خارج مقديشو وعيد العراق.. فرحه مؤجل
نسيم عيد الفطر هذا العام له رونق مختلف بالنسبة لسكان العاصمة الصومالية؛ فللمرة الأولى منذ عدة سنوات يستطيع أهالي مقديشو التنزه خارجها للاحتفال بالعيد بسبب الهدوء والاستقرار الذي يخيم على العاصمة والمناطق المحيطة بها بعد سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية عليها.
كما يأتي العيد هذا العام في ظل افتتاح الميناء والمطار اللذين ظلا مغلقين على مدار الأعياد في الأعوام الماضية؛ وهو ما ساعد على انتعاش حركة الشراء في الأسواق وتوفير العديد من فرص العمل للشباب العاطلين.
وما إن بدأت الإذاعات المحلية في الصومال ببث الأغاني الرمضانية الشهيرة والتي تذاع قبيل أيام من انقضاء شهر رمضان الكريم لتوديعه حتى شرع الصوماليون في الاستعداد لعيد الفطر المبارك.
ويقول مراسل "إسلام أون لاين.نت": إن العديد من الأسر الصومالية قد تهيأت لتقضي أيام العيد خارج العاصمة لأول مرة بعد 16 عاما.
محمد أحمد -شاب صومالي- يتمنى أن يقضي معظم أيام العيد خارج مقديشو، موضحا أنه يحبذ قضاء إجازته مع أصدقائه في مزارع مدينة "أفجوي" 30 كلم جنوب غرب الصومال؛ لمشاهدة المناظر الخلابة التي تحويها المدينة الزراعية والتي لم يرها منذ سنوات عديدة.
وأضاف الشاب الصومالي: "لم أستطع كسائر سكان مقديشو قضاء إجازاتنا خارجها طيلة سنوات الفوضى بسبب الحواجز التي كانت تقيمها مليشيات أمراء الحرب في مداخل العاصمة، والتي منعتنا من الاحتفال بالأعياد الدينية والوطنية.. فلله الحمد على الأمن والاستقرار".
الأسواق مزدحمة
ازدحام مداخل سوق بكاري المركزي وسط العاصمة وهو أكبر سوق في العاصمة بعد سقوط النظام المركزي الصومالي السابق عام 1991 لشراء مستلزمات العيد مثَّل مشهدا آخر لم يتكرر منذ سنوات.
يأتي هذا في الوقت الذي انشغل فيه أصحاب المخابز بإعداد البسكويت وحلوى العيد التي يفضلها الصوماليون في أيام العيد، فيما تصطف الفتيات اللواتي يقمن بإعداد مستلزمات العيد في طوابير طويلة انتظارا لما تفرزه هذه المخابز.
وعن هذا يقول صوفي شيخ -مالك أحد أفران الحلوى- لـ"إسلام أون لاين.نت": إنه استقبل هذه الأيام أعدادًا كبيرة من البائعين خلافا للأعياد الماضية، ويبدي ارتياحه لأن مهنته بدأت تنتعش، معزيا ذلك إلى افتتاح الميناء والمطار اللذين كانا مغلقين في الأعياد الماضية؛ وهو ما وفر فرص عمل لعشرات من العوائل كان أبناؤها عاطلين عن العمل.
أما آمنة عبدي وهي سيدة صومالية كانت أمام أحد المخابز في مقديشو فتقول: "إن هذا العيد يحمل معاني عظمية للمسلمين؛ لذا نحرص على الاستفادة من هذه الأيام المباركة"، مضيفة أن "مهمة البنات هذه الأيام تنصب على إعداد مختلف حلويات العيد".
وتابعت تقول: "إن هذا العيد وإن كان يدعى من قبل الصوماليين بالعيد الأصغر، فإنه يختلف عن عيد الأضحى من حيث العمل؛ وذلك بسبب إعداد الحلويات التي تستغرق مدة ليست بقصيرة؛ إذ تصبح جميع الأفران مشغولة بإعداد البسكويت والحلوى".
حق العيد وصل!
أما شركات الحوالات المالية الكثيرة بالصومال، فقد زادت هي الأخرى من ساعات عملها لكثرة زبائنها في هذه الأيام الذين يتلقون من ذويهم في الخارج ما يطلق عليه الصوماليون "حق العيد"، وهي أموال يرسلها الصوماليون في بلاد الغرب إلى ذويهم لإدخال الفرحة على قلوبهم.
على صعيد مقابل، اختفت من عيد الفطر لهذا العام مظاهر احتفالية أخرى كانت موجودة في الماضي، وأبرزها العروض الفنية التي كانت تعرضها دور السينما وتلقى إقبالا في العيد، حيث لا تبدو استعدادات جارية من هذا النوع من قبل الفنانين الصوماليين.
ويعزي المراقبون ذلك إلى خوف الفنانين من مسئولي المحاكم الإسلامية الذين لم يتضح بعد موقفهم من الفن، ويقول س، وهو فنان صومالي لـ"إسلام أون لاين.نت" رفض نشر اسمه: "لا نستطيع أن نجرؤ على تقديم العروض الفنية التي كنا نقيمها أيام العيد حتى في عهد أمراء الحرب".
ويضيف: "رغم تطمينات بعض مسئولي المحاكم الإسلامية لنا بأنهم لا يرفضون الفن بحذافيره، فإننا لا نستطيع الإقدام على الاحتفال بالعيد من خلال تقديم عروض في الفن الصومالي، بسبب غموض موقف المحاكم من الفن".
تجدر الإشارة إلى أن قوات المحاكم الإسلامية قد أغلقت عدة دور عرض سينمائية في أثناء مونديال عام 2006 في الصيف الماضي، بحجة أنها كانت تعرض أفلاما خليعة وهو ما ينفيه أصحاب تلك الدور.
مشهد مستمر
ويبقى مشهد آخر لا يزال مستمرا في مقديشو وضواحيها مرتبط بالفقراء واللاجئين. فعلى الرغم من حصولهم على مساعدات غذائية خلا شهر رمضان المبارك، فإن لسان حال فقراء الصومال يقول: "بأي حال عدت يا عيد بأي حال عدت يا عيد".
عبدي حامد عبدي، مسئول معسكر "بيل" للمشردين في مقديشو يقول: "أسر المعسكر البالغ عددها 250 لن تسعد بهذا العيد بسبب الظروف الاقتصادية التي تعيشها".
وأضاف في تصريحات لـ"إسلام أون لاين.نت": "إنهم لم يتلقوا في أثناء شهر رمضان المبارك مساعدات سوى مرة واحدة من أحد رجال الأعمال، وبالتالي فسيكون صعبا على أطفالهم أن يشعروا بفرحة العيد".
أما هلولي عبد الله إبراهيم التي كانت في طابور لنساء معسكر بيل لتلقي زكوات الفطر من إحدى الهيئات الخيرية، فأوضحت أنها تعيش حياة قاسية، وأن زوجها يعمل حمالا في سوق "بكاري"، ولا يستطيع سد حاجة الأسرة؛ لذا فهي وأبناؤها الخمسة محرومون من بهجة العيد المبارك، غير أنها استدركت قائلا: "ربنا في العون".
وتعاني من الظروف نفسها العشرات من العوائل الصومالية التي تعيش في معسكرات متفرقة في العاصمة ونواحيها.
* اما عيد العراق فهو فرحه مؤجل نتيجة لظروف مؤلمة يشهدها هذا البلد الاسلامي العريق حيث يستعد أبو محمد "جاسم العاني" قبل العيد بيومين لاستقبال هذا الضيف العزيز بطريقة ليست لها مثيل في العالم، فهو لا يضع برنامج زيارات أو سفرات ورحلات لزيارة أماكن ترفيهية أو تبادل زيارة الأقارب.
أبو محمد يستعد لزيارة شقيقه المعتقل في سجن "بوكا" في مدينة البصرة جنوب العراق في أول أيام العيد، والاستعدادات لا تشمل تحضير أطعمة أو أغطية لفصل الشتاء، وإنما البحث عن هوية أحوال مدنية يمكن أن تنجيه من خطر المليشيات الطائفية على طول الطريق بين بغداد والبصرة جنوبا.
المعتقلون والشهداء
على مقربة من السجون التي تغص بالمعتقلين، والتي وصل عددها في العراق إلى نحو أربعين سجنا، يتجمع ذوو المعتقلين لزيارة أبنائهم الذين يرزحون في تلك السجون بلا تهمة أو ذنب سوى أنهم وجدوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ.
ويتجمع أهالي المعتقلين أمام السجون منذ ساعات الصباح الأولى لليوم الأول للعيد، أطفال وزوجات المعتقلين وأمهاتهم وآباؤهم يعايدونهم ويهنئونهم، بعد أن منع المحتل أن تتصافح الأيادي أو أن يقبل الأب المعتقل ابنته من خلف القضبان.
مشهد حزين من مشاهد كثيرة فرضت نفسها على "العراق الجديد"، أما المشهد الثاني، فزيارات حزينة لعوائل الشهداء الذين سقطوا بنيران الاحتلال أو نيران الميليشيات الطائفية. زيارات يتخللها البكاء والعويل، وتذكر الحبيب الذي كان بالأمس بين ظهرانيهم واليوم تحت التراب.
هكذا تحول العيد العراقي، ليس سوى فرصة لزيارة المفقودين أو الموتى، وما أكثرهم في العراق الجديد.
واتفق العراقيون السنة والأكراد على تحديد غدا الإثنين أول أيام عيد الفطر المبارك، أما أتباع الزعيم الشيعي الشاب مقتدي الصدر فأعلنوا أن الثلاثاء المقبل هو أيام العيد، في حين طالب المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني أتباعه بمراقبة هلال شوال غد الإثنين.
وللعيد في العراق طقوس باتت خاصة به، فهذا هو العيد السابع على العراقيين منذ الاحتلال الأمريكي في مارس 2003.
وحمل الاحتلال معه العديد من المتغيرات، فلم تعد النسوة العراقيات يقفن بالطابور قبل العيد بثلاثة أيام لعمل "الكليجة"، وهي واحدة من أبرز أكلات العيد بالعراق تتكون من عجين مدهون يوضع بداخله التمر أو الفستق أو الجوز أو غير ذلك، مما يمكن أن تختاره صانعته.
لون باهت
لم يعد العيد العراقي يشهد تلك الاحتفالات التي تعم شوارعه حينما كان الفتية والصبية الصغار يحملون الطبلة الصغيرة ويجوبون الشوارع والأحياء، أو في مدينة الألعاب أو مدينة الزوراء، بل صار للعيد لون باهت لدى أغلب العراقيين، ولم يعد هناك من شيء يمكن أن يفرح به العراقيون وسط أرقام القتلى والمعتقلين والهاربين من منازلهم.
تقول أحلام خالد: "سنحتفل بالعيد على طريقتنا الخاصة، وهي تأمين وقود لمولدة الكهرباء الصغيرة والجلوس في المنزل لمشاهدة التلفاز، وإعداد وجبة فاخرة لأفراد العائلة.. هذا هو العيد لدينا اليوم".
وتستطرد: "ومن يحاول المغامرة بالخروج للاحتفال به (العيد) فعليه أن يتحمل عواقب ذلك، نحن -العراقيين- لا عيد لنا منذ ثلاثة أعوام، لكننا نحاول جاهدين إضفاء قليل من الفرحة في نفوس أطفالنا، فكلما مر عيد علينا نتذكر به الأيام الخوالي، أيام الأمن وراحة البال".
وتضيف المتحدثة: "نحن نشعر بالعيد فقط عند إفطارنا من شهر رمضان المبارك. أمي تسكن في منطقة الشعب. زوجي من الطائفة السنية، وهو يخاف أن يذهب في العيد لزيارة والدتي بسبب عصابات جيش المهدي (التابع لمقتدي الصدر) المنتشرة هناك، لذلك لن أذهب إلى بيت أهلي".
أما حسين الدايني، وهو موظف في وزارة الكهرباء، فيصف العيد قائلا: "العيد عند أغلب العراقيين ضيف من الدرجة العادية، أو غير ذي أهمية. لأول مرة في حياة ذلك المجتمع الذي عرف بحبه وشغفه بالأفراح والزيارات والترفيه عن النفس بسبب ما يمر به العراق من محن ومآسي تقطف يوميا أرواح عشرات الأبرياء من أبنائه. لن يعود العيد الحقيقي على العراقيين إلا بعد خروج آخر جندي أمريكي من العراق".
في بغداد، حيث أكبر مجمعات التسوق في حي المنصور الفاخر، تبدو محلات بيع الملابس شبه خالية من الزبائن، وتكاد تخلو شوارع بغداد من المتسوقين بالعيد، ما عدا محلات بيع ملابس الأطفال.
ويصر الكبار على إسعاد الأطفال بشراء بعض الملابس لهم كونهم يعلمون ألا خروج في العيد إلى الحدائق أو المتنزهات أو النوادي، كونها أصبحت ثكنات للجيش الأمريكي أو العراقي أو مكانا غير آمن يتسكع فيه المدمنون واللصوص والمنحرفون.
مدن الترفيه على قلتها في بغداد تحولت إما إلى ثكنات عسكرية أو أنها تقع في أماكن سنية لا يصل إليها الشيعي أو أماكن شيعية لا يصل إليها السني، أو أنها أصلا مغلقة لأنها افتقدت الأيادي القادرة على صيانتها.
يقول علي أحمد، مدرس لغة عربية في منطقة الإسكان غرب بغداد: "بدأ اليأس يدب في أعماقنا هذا العيد بشكل رهيب. فنحن كل عيد نقول فيما بيننا عيدكم مبارك أعاده الله علينا بالأمن والتحرير، ويأتي العيد اللاحق دون أن يتحقق حلمنا، ثم نردد تلك الكلمات بشيء من الأمل القليل أن يحقق الله الأمنية، إلا أن الوضع كل عيد يزداد الوضع سوءا في العراق".
أما صلاح شاكر، من سكنة منطقة العامرية ببغداد، فيرى أنه ليس هناك عيد أو فرحة: "حتى الضحكة التي نطلقها من أفواهنا لا تصل إلى قلوبنا، فهي ضحكة كاذبة تخفي خلفها تعاسة وخوف من القادم".
أما فردوس نجيب، وهي معلمة في مدرسة ابتدائية، فتقول: "في مدرستي هناك 44 طالبة يتامى، كلهن فقدن آباءهن على يد الاحتلال الأمريكي أو بيد المليشيات، هذا العام لا أعرف كيف سيكون وقع أول عيد عليهن وهن بعيدات عن آبائهن. العيد الحقيقي عند العراقيين مؤجل إلى إشعار آخر كما يقولون، أما الآن فكل يوم يمر علينا دون أن نفقد أحدا من الأهل أو الأحبة أو الأصدقاء فهو عيد بحد ذاته