المؤتمرنت- بقلم: سمير عبيد* -
الرئيس صالح يضع حجر الأساس لنظرية الخط الإسلامي الثالث في اليمن
إن أهم ما يميّز الرئيس اليمني علي عبد الله صالح النشاط ومتابعة الفكرة التي يعلنها ويبشّر بها، وهذا يعني إن الرجل ضد إستخدام الشعارات العاطفية التي غايتها إنتخابية و نشر ثقافة وأساليب الحلول المسكنّة، وكذلك إعتماده على أبناء اليمن بالدرجة الأولى وهي نقطة إرتكاز مهمة، حيث لا يكل ولا يمل من العمل والحركة وفي جميع أنحاء ربوع اليمن، فتجده منهم وبهم، فلقد شعرت أنا العربي بالزهو وأنا أحضر مؤتمرا عن الديموقراطية في الشرق الأوسط ،وذلك في إحدى الدول الأوربية قبل إسبوعين، عندما سمعت الإشادة بالتجربة اليمنية، وخصوصا في الإنتخابات الأخيرة ومن قبل خبراء ومحللين غربيين ومن الوزن الثقيل، وبدورنا أشدنا بالتجربة اليمنية وطلبنا منهم مساعدة اليمن من أجل إنجاح التجربة كي تكون نواة لمدرسة عربية في الديموقراطية التي تلائم مجتمعاتنا ومنطقتنا، لهذا فإن الخصال الإيجابية التي يتميز بها الرئيس صالح عن كثير من المسؤولين العرب هو إصراره على تقديم ما وعد به أثناء الإنتخابات، وهذا يعود لإحترامه لوعده وكلمته وللشعارات التي رفعها ويرفعها ،وتلعب النشأة والتربية دورا مهما في هذا الإصرار، وعلى عكس كثير من المسؤولين العرب والذين لا يراهم المواطن بعد إنتهاء الإنتخابات، وهنا بيت الداء ومصدر التكلس السياسي العربي وأرتفاع نسبة عدم الثقة بين الحاكم والمحكوم، أما في اليمن فالأمر مختلف، فهناك قيادة يمنية تمتلك ديناميكية لا تتوقف من أجل التجديد والإصلاح الذي يلائم عادات وتقاليد وظروف الشعب اليمني، حيث إن جميع برامجهم وخطواتهم تقريبا هي يمنية... يمنية صرفة ،أو من خلال يمننة الفكرة والبرنامج الآتي من الخارج ليكون ملائما لبيئة اليمن، حيث أن القيادة اليمنية لا تؤمن بإستيراد القوالب الجاهزة أو البرامج التي تكون على شكل علب السردين وهذا مهم جدا، ويبدو إن هذه النباهة جاءت من التجربة الشيوعية التي كانت في اليمن والمنطقة العربية، حيث جاءت على شكل قوالب جاهزة ولم تعرّب بالطريقة التي تلائم مجتمعاتنا، ففشلت الشيوعية والماركسية في بلداننا ، وأتمنى أن لا يزعل الإخوة الذين يؤمنون بالشيوعية والماركسية..
وها هو الرئيس اليمني يلتفت لنقطة في غاية الأهمية وبكل شجاعة، فالرجل وحسب ما ذكرنا بمقالات سابقة يمتلك شجاعة فائقة بقضية إقتحام المشاريع والخوض بها، وعلى عكس معظم القادة العرب، والذين يترددون من الخوض في التجارب والأفكار الجديدة ، وها هو يضع يده على جرح مخيف إن لم يُعالج بسرعة فسيقود الى كارثة، وهو مسألة زحف الإسلام المشوّه، أو الإسلام بالنسخة الأميركية ليحاصر الإسلام الحقيقي فيحدث الصِدام والتشوه في الإسلام والمجتمعات العربية والإسلامية، وإن الإسلام الأميركي وراءه ماكينة إعلامية رهيبة، ووراءه حناجر بألسنة عربية تبشر بقدومه ليل نهار، وتنظّر له تحت مسميات وشعارات وردية ، وهي الحناجر والمنابر والاٌقلام المؤجّرَة، والتي تسمي الإحتلال تحريرا، والإسلام المحمدي إسلاما متخشبا، والوطني والغيور على أمته تسميه قومجيا ولسانا وقلما متخشبا، ويساعد هذا الإسلام إسلاما آخر وهو الإسلام المتطرف الذي يسير على عجلات الغلو والتعصّب وألغاء الآخر، فالطرف الأول والثاني خطر على الإسلام الحقيقي.
كثرت المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية وقلّت الفضيلة !!.
ونتيجة ما تقدم تولدت لدينا مظاهر غريبة ،فلو جئنا الى أوربا وعلى سبيل المثال، فتشاهد هناك أنتشارا إسلاميا كبيرا من خلال فتح المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية في جميع دول القارة الأوربية وحتى داخل الولايات المتحدة وبدعم من الحكومات الغربية نفسها في أغلب الأحيان، إذ ان هناك عمليات توسع كبيرة في خارطة المساجد والجوامع في الدول العربية والإسلامية نفسها ،ولمن لا يحس ويدقق ويلامس ردود الأفعال يعتقد أنها ظاهرة ممتازة، ويعتقد أن الإسلام منتشر في كل مكان، ولكن الأمر مختلف ومخيف ، فنتيجة هذا الإنتشار والذي بإمكاني أن أطلق عليه (الإنتشار المشوه أو الإنتشار غير المبرمج) سبب تنافسا مربكا للإسلام والمسلمين أنفسهم، حيث أن قسماً من هذه المساجد تحولت الى مجموعات وأحزاب وأوكار تنافس وتحجّم المراكز والمساجد والجماعات الأخرى ، ولكن الأهم والأخطر فهناك تناسبا عكسيا بين إنتشار المساجد والجوامع مقابل إنحسار الفضيلة والإستقامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي لا نريده بالسوط ومكبرة الصوت، مثلما تفعل بعض الدول، والذي أطلقنا عليه إسلام التخويف والإنتماء القهري، ومن هنا شخّص العقلاء ونحن معهم هذه الظاهرة الخطيرة وهي إنتشار الإسلام المرتبك مقابل إنحسار الفضيلة!!!.
لهذا بدأ الخلل وأصبح يكبر ويكبر ونتيجة ذلك أخذوا يحاربوننا بإسلامنا ومسلمينا ،والسبب هو.. عندما نجح أعداء الإسلام داخل دولنا العربية والإسلامية وبدعم من مؤسسات دولية كبرى, في تكوين طبقة تحجب الإسلام الحقيقي والذي يحمي الوطن والمواطن والأجيال والمستقبل والثروات من خلال الثقافة الوطنية والدينية ، ويعمل على التكافل والإحترام من خلال الثقافة المجتمعية عندنا، ولا يؤمن بالعبودية التي يريدونها من خلال هيمنة شركاتهم العملاقة على بلادنا وثرواتنا، كي يكون المواطن العربي والمسلم أجيرا لدى هذه الشركات وداخل وطنه، فيتحول الى أداة ومواطن لدى الشركة ومجلس إدارتها وليس مواطنا للدولة وللحكومة التي تحكم الدولة، أي انه سيكون مواطناً من الدرجة الثانية، أي ستتميّع القبيلة والتي هي قاعدة تكوين الوطن والأمة والمجتمع، ومن ثم يتميّع التواصل الحقيقي مع القبيلة و الدين، وعندما يتميّع التواصل مع الدين تضمحل الأخلاق والفضائل، مثل الأمانة والأخلاق والمحبة وصلة الرحم، وحينها يقفز المجتمع ليكون مجتمعا رأسماليا بطريقة مختلفة عن الطريقة الرأسمالية في الغرب، حيث ستكون مجتمعاتنا رأسمالية متخلفة ومرتبكة وستسيطر المافيا والحيتان على كل شيء وهم القلة الذين يكونون عصابة المشاريع الدولية أو نواطير سير عجلة الشركات العملاقة في بلداننا، ونتيجة ذلك تتكون لدينا شرائح تؤمن بقيم كُساحية للمنطق وللقيم، وحينها بدلا من أن يكون الإنتماء للوطن والقبيلة والمنطقة التي تمتلك إرثا تاريخيا ،يكون الإنتماء للشركات العملاقة ،فيكون حينها إسم سوني بدلا من جمال، وإسم توشيبا بدلا من فاطمة ،وإسم موتورلا بدلا من سمير، وهكذا حيث نتحول الى أرقام تابعة لشركاتهم فعندما يسألون شخصاً ما يجيبهم أنا الرقم 875699 والعامل في شركة سوني فرع حضرموت أو فرع البصرة أو فرع حلب وهكذا، ولن يقول أنا جمال الحضرمي أو عبد الله الشمري ، وهي نظرة من صلب مخططاتهم ومشاريعهم، وليست نظرة تهويلية، أو الغاية منها التقوقع والإنكماش أو العداء للدول والمجتمعات الغربية، فنحن مع التفاعل الإيجابي معهم والإستفادة منهم ومن تكنلوجيتهم وجامعاتهم ومعاهدهم، ولكن الحذر من إستخدامها قبل تعريبها من خلال فحصها من قبل المختصين لرفع المسامير التي تسبب لنا جروحا في مجتمعنا وقيمنا .
وإن الهدف من كل هذه السيناريوهات هو تحقيق أهدافهم الإستعمارية الجديدة، ومن يعتقد بأن الحرب مجرد حرب ضد ما يسمى بالإرهاب فهو واهم جدا، فالحرب ثقافية وحضارية ودينية، وتقودها المدرسة الإنجيلية التي أفرزت مجموعة ــ المحافظون الجُدد ــ فبالأمس قال أحد كبار جنرالات البنتاغون بأن وزير الدفاع الأميركي ( رامسفيلد) يوحى من الله بإتخاذ قراراته وتعليماته ،وقبله قال الرئيس الأميركي الكلام نفسه، وذات مرة خاطب الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبحضور الوزير نبيل شعث بما يلي ( أنا قررت الحرب على أفغانستان والعراق نتيجة رؤية ووحي من الله، وهناك وحي من الله لي سأعطيكم دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيل) وهكذا قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ذات مرة ( أنا مؤمن بالقيم المسيحية وأن الحرب على العراق جاءت ضمن هذه القيّم) وهناك تصريح لوزير الدفاع الأميركي وخلال الإسبوع الأول للحرب على أفغانستان حيث قال ( ونحن سنذهب نحو منطقة الشرق الأوسط لرسم خارطة جديدة للمنطقة ومن ثم يكون هناك إسلام كإسلام أوربا الشرقية) والغاية واضحة حيث يكون الإسلام بالهوية فقط ،مع إحترامنا للملتزمين من المسلمين في أوربا الشرقية، وللتصريح أهداف أخرى طبعا، وهي سياسية ومن ثم إقتصادية.
يقاتلون من أجل بسطهم إسلامهم الأميركي ونجاهد في سبيل إنقاذ إسلامنا الحقيقي!
ولهذا صبّوا كل جهدهم سياسيا وإعلاميا وإقتصاديا ليكون بدل الإسلام الحقيقي إسلاما مشوها مليء بالبدع والروحانيات والخزعبلات التي هي من صنع البشر، وجاءت سياساتهم على شكل خطوات بدأوها بالإصرار على تغيير المناهج التربوية، ثم حذف الآيات الخاصة التي تحث على الجهاد من اجل تحرير الأوطان والدفاع عن الأعراض وتحريم تداولها، ثم أوقفوا كثير من الدعاة والأئمة الذين لديهم موقفا صلبا من تلك الخطوات التخريبية ،وأبدلوا قسما كبيرا من الأئمة ليكون مكانهم شريط الكاسيت ،وحصل هذا في بعض الدول العربية، وأصدروا قرآنا جديدا أطلقوا عليه ( كتاب الفرقان) وهو أساس الإسلام الأميركي، وأصبح يتداول بشكل شبه علني في دولة من دول الخليج، ونتيجة ذلك أصبحت شعوبنا ضحية لغزو ثقافي رهيب وضحية لحروب قررت على بلداننا ومنطقتنا تحت ذريعة محاربة ما يسمى بالإرهاب، علما إن الإرهاب هو من صنعهم ،خصوصا وإن ديننا الإسلامي ومجتمعنا العربي يرفض الإرهاب رفضا قاطعا ،ويتنافى مع قيمنا وأخلاقنا كمسلمين، ولو كان هناك عدل لتمت محاسبتهم هم أي الأميركان ومن معهم، فهم الذين أسسوا و دعموا تنظيم القاعدة في أفغانستان بالمال والسلاح واللوجست، وبعدها دعموا طالبان من خلال الإستخبارات الباكستانية وبضوء أخضر أميركي، ثم إنقلبوا عليهم ليتحولوا الى أعداء وقنابل موقوته نتيجة غسل أدمغتهم بثقافة جديدة تؤمن بدولة الخلافة وتؤمن بنظام الأمير والأمارة، و تركتهم ولم تعيدهم الى وضعهم الطبيعي من خلال التأهيل لا هي أي الولايات المتحدة ولا الدول العربية والإسلامية التي إستقبلت قسما من العائدين اليها ، عادوا وهم في قلبهم جمرة الحقد على أميركا وعلى الغرب نتيجة اللعبة التي وقعوا بها، وأصبح العائد يشتري أفكارا خاصة به لا يمكنه الخلاص منها إلا ببرنامج علمي مكثف لهذا أصبح يسير في طرق فسرها الغرب والأنظمة إرهابا ، أي أصبح لدى هذا الفرد أو هذه الجماعة ايمانا بالحلول من خلال البارود والرصاص وTNT ، وعندما أهمل هؤلاء ولم تقدم لهم المساعدة, كبرت الآفة ولكنها كانت تحت الكونترول الأميركي والغربي من أجل الإستفادة منها ، فطوعتها حجة لغزو بلداننا من أجل ملاحقة هؤلاء الذين دربتهم وعلمتهم ثم تركتهم ليكملوا دورة الإستحالة والإنتقال من الأصدقاء نحو الأعداء، ثم جيشت جيوشها لملاحقتهم ليكونوا سببا لإجتياح الدول العربية والإسلامية بحجة مطاردة هؤلاء والذين هم بالأساس من صنعهم وتدريبهم، وحتى لو جئنا لموضوع العراق فهم الذين تعمدوا ترك الحدود العراقية سائبة لمدة عام تقريبا، وكلما طالب العراقيون بتأمين الحدود كان الأميركان يرفضون رفضا قاطعا ،ويبدو أن الغاية من هذا هو إستقطاب المتطرفين من كل دول العالم لتكون هناك معركة بين الولايات المتحدة وما يسمى بتنظيم القاعدة والمنظمات الأخرى داخل العراق، ولا زال العراق والشعب العراقي يدفع ثمنها حتى تبلورت عمائم إنجيلية ورجال دين مارينز يتخادمون مع الإحتلال وكأنهم يمثلون السواد الأعظم من المسلمين، ولكنها نكته ساذجة طغت على الساحة هناك وفي العالم وبدعم من الإعلام الأميركي، فتولد إسلاما أميركيا يصارع الإسلام الحقيقي في العراق وفي أماكن أخرى، وبينهما إسلام متطرف يؤذي الإسلام الحقيقي هو الآخر، ويكون سببا بإنتشار الحرب في دول المنطقة وبالنتيجة يصبح لدينا تخادم بعلم أو بغير علم بين الإسلام الأميركي والإسلام المتطرف ،والضحيةهوالإسلام الحقيقي المحمدي الذي يؤمن بالسلام والمحبة والحوار ونبذ العنف.
الرئيس صالح يضع حجر الأساس لصرح الخط الإسلامي الثالث!
فمن هنا تنبّه الرئيس صالح لهذه المسألة الحيوية والمهمة والخطيرة جدا، والتي أصبحت تقترب من اليمن ،خصوصا وإن اليمن له تضاريسه الخاصة من ناحية البعد الديني والقبلي والمذهبي، وحتى الإجتماعي والذي يلعب دورا مهما في المعادلة، لهذا تنبه بأن المنطقة التي هي بجوار اليمن مقبلة هي الأخرى على هزات ومتغيرات سببها هذه المعادلات والمشاريع المتطرفة والوافدة ،فلن تكون هناك سبلا للخلاص من هذه الهزات والمتغيرات, إلا من خلال رفع وتيرة وشعار ( الخط الإسلامي الثالث) والذي كتبنا عنه دراسة مفصلة قبل أشهر حيث هو المنقذ الوحيد والقادر على إيقاف الأسلمة الأميركية وكذلك الأسلمة المتطرفة، وإن إستراتيجية الخط الإسلامي الثالث تعتمد على إزالة الشوائب التي لحقت بالإسلام الحقيقي، حيث هي ليست أيديولوجية إسلامية جديدة وبديلة كأيديولوجيات مسيلمة الكذاب فمعاذ الله، ولكنه خط يؤمن بنشر ثقافة اللاعنف بين المجتمع، وكذلك ينشر ثقافة العقل والتفكّر، لذا تحتاج النظرية أو الإستراتيجية ( الخط الثالث) الى تكوين قاعدة ناضجة وصحيحة من خلال فتح الدورات التأهيلية الى أئمة المساجد لتوسيع مداركهم، وربط إختصاصهم وطروحاتهم بما يدور في العالم مع أخذ المتغيرات التي حصلت في العالم والمنطقة بنظر الإعتبار كي تصاغ التعليمات والتوجيهات من هذه الشريحة على ضوء ما حصل ويحصل من متغيرات، كي يكون لدينا إسلاما ديناميكيا وليس جامدا مع الإصرار على اللب الحقيقي للإسلام ،ودورات الى المرشدين الإسلاميين من نساء ورجال مع رسم إستراتيجية علمية لتوزيعهم على مناطق اليمن بشرط توفير البيئة لهم ليكون عملهم مثمرا، ولابد أن يحاضر في هذه الدورات أساتذة ومن كافة الإختصاصات ومن دول مختلفة وليس بالضرورة أن يكونوا من اليمن فقط، فلهذا عندما أعلن الرئيس صالح عن تأسيس ( كلية العلوم الشرعية) فالرجل عرف إن الإستعداد المبكر للفيضان هو الكفيل بتقليل الخسائر، ولقد جاء قراره بالوقت المناسب ولو تأخر قليلا ولكنه قرره وياليت أن يكون لهذه الكليّة فروعا في أنحاء اليمن ويُنتدب لها أساتذه من كافة الدول العربية على شكل زائرين، ولا يُقتصر الأمر على رجال الدين لتكون هناك حيوية ولبنة حقيقة لبناء صرح وقاعدة إسلامية علمية تخرّج الأئمة والخطباء والمرشدين على نمط عصري يؤمن بلغة الحوار، ويكون مدركا وملما بالمتغيرات التي طرأت وستطرأ.
ولم يكتف الرئيس صالح بهذا، فكعادته في إعطاء الإشارات لأكثر من طرف وهي طريقة لا يفهمها إلا الذين خبرتهم المجالس ،فلهذا عندما زار ( جامع الجند) زاره بعد تمحيص دقيق على ما يبدو، حيث هو الجامع الذي تبرّك به الرئيس ورفاقه عندما قرروا توحيد اليمن ،فهاهو يعود لنفس المكان ليوحي إن المعركة التي بدأناها نحو توحيد اليمن لن تنتهي، حيث هناك مشاريع دولية كبرى تريد تفتيت بلدان المنطقة لعدة أشطار وليس لشطرين، وهناك مجموعات تدعمها واشنطن والغرب أخذت تبشر بهكذا طروحات مثلما هو حاصل في العراق وفي لبنان وفي سوريا وغيرها، وعلى أسس عرقية وإثنية ومذهبية، وتحت حجج الإصلاح والحرية والديموقراطية، ولكن عن أية ديموقراطية يتكلم هؤلاء لو نظرنا الى العراق وأفغانستان على سبيل المثال؟.
لهذا فعندما قال الرئيس صالح ( إن النصر الذي تحقق في إخماد فتنة الإنفصال كان قد بدأ من هذا المكان حيث جامع الجند عندما إجتمعنا علماء وسياسيون ومثقفون، وأعلنت من هذا المكان مسيرة المليون مواطن التي ستذهب الى عدن الباسلة).. فلو دخلنا الى فلسفة هذا القول نجدها فلفسة في غاية الذكاء، وحتى أن إختيار الكلمات جاء إختيارا موفقا للغاية حيث أراد الرئيس صالح التحذير من إحتمال تكرار نغمات الإنفصال، كون الإنفصال أصبح مسنودا من قبل الدول الكبرى ،وعندما إختار جامع الجند أي نفس المكان ما قبل التوحيد ،فيعني إن المعركة لم تنته وإن المسجد ( الجامع) حجر الزاوية في هذه المعركة المهمة لأنه يجمع ولا يفرّق، و لأن المستهدف الدين والمجتمع والوطن أما عندما قال ــ علماء وسياسيون ومثقفون ــ فهو بذلك شخّص قادة معركة البناء والديموقراطية والوحدة ووضع على طاولاتهم ملفات اليقظة ورفع وتيرة الإستعداد من الآن، وهي بنفس الوقت رسالة الى الذين يناغون مشاريع الإنفصال، والتي أصبحت نغمة جديدة وبأكثر من قطر عربي، وعندما أعلن تأسيس ( كلية العلوم الشرعية) أعلنها باسم المسجد والثقافة والسياسة والعلم.
وكذلك جاء إختيار جامع ( الجند) لمدلولات أخرى ومهمة حيث أراد تدشين ( الخط الإسلامي الثالث) مثلما دشنه الصحابي الجليل ( معاذ بن جبل ) رضي الله عنه ولأجله أسس مسجدا صغيرا ،وكانت الغاية منه نشر التعليم والتثقيف والتدريس والتربية والتسامح وربط قلوب الناس ببعضها ( وهذا ما أكد عليه فضيلة الشيخ الشيباني) والذي كان كلامه يبشّر بخير بأن هناك قاعدة لإستراتيجية الخط الإسلامي الثالث، لذا فمثلما تبارك الرئيس بهذا الجامع وحصلت الوحدة فحتما سيحصل ما يُخطط له، وهو تأسيس قاعدة تكون نواة للإسلام الذي شعاره الحوار واللاعنف ،حيث لا هو إسلام أميركي ولا إسلام متطرف أي الإسلام الحقيقي.
ولو عدنا للحقيقة، فنحن بحاجة الى خطوط ثالثة في كل شيء كي نرمي الركام وما علق بنا وبديننا وبثقافتنا وتاريخنا من دس وتشويه وبطريقة متعمّدة وغير متعمّدة،لذا فعندما تكون البداية مع الدين بعد السياسة، فهو شيء طيب حيث ستسير الديموقراطية الواعدة في اليمن بموازة إسلام يخلو من الغلو والتطرف ،ويخلو من جرعات مدرسة المارينز و الإسلام الإنجيلي الأميركي والذي ظهرت بوادره ورجاله في العراق... نعم نحو إسلام معتدل وعادل ويحتضن جميع الأديان الأخرى ويؤمن بالحوار وثقافة اللاعنف.
* كاتب وباحث إستراتيجي
مركز البحوث والمعلومات ــ أوربا
25/10/2006