العربية نت -دبي - فراج اسماعيل - موسى حوامده: لن اعتذر عن قصيدة "يوسف" قال الشاعر الأردني موسى حوامده إنه تجاوز مرحلة المعاناة من الحملة الطويلة لتكفيره واتهامه بالردة التي استمرت أربع سنوات. وأوضح لـ"العربية.نت" انه تناساها وأصبح أكثر نضجا.
وأشار إلى أنه لا يقدم الآن تنازلا أو اعتذارا، فلم يكن هدفه أن يسيئ إلى القرآن أو أن يتحفظ على النص القرآني أو احباط أحد من المسلمين واستفزازه، وإنما كان يريد اسقاط وضع سياسي معاصر يدفع الآن ثمنه عن طريق الاعتراف به وتكريس قصصه وتقديم هدايا مجانية له.
وقال إنه ينظر بوعي وبشكل مختلف لتراث المنطقة بشكل عام سواء كان اسلاميا أو مسيحيا او يهوديا، وكذلك إلى التراث السومري والفرعوني.
وأضاف أن مطاردته من بعض الاسلاميين بتهمة الردة ووقوفه أمام ثماني محاكمات طوال أربع سنوات بسبب قصيدة "يوسف" في ديوانه الشعري "شجري أعلى" جعلته الآن أكثر عمقا وحذرا واحتياطا في اختيار الكلمات، خاصة أنه نال في الأخير حكما بثلاثة أشهر سجنا.
وقال إنه يحمل مرارات وآلام كثيرة، و لديه حالة من الرثاء للفكر الذي أفرز هذه الأنماط والعقول المتحجرة، ومتخوف من انتشار ثقافة التخويف والترهيب والمنع وتكميم الأفواه وتحجير العقول.
وتابع موسى حوامده بأن "هناك أمما حديثة العهد وصلت إلى ما وصلت إليه، بينما نحن لا نزال نجتر أفكارا معينة بحتة ونجتهد في قمع الرأي الآخر وقتل المبدعين، ولا نريد إلا نمطا واحدا من الثقافة والتكرار والتلقين، وبالتالي لا تجديد في الفكر ولا في الارهاصات، وأصبحت الأمة أشبه بالقطيع".
أربع سنوات أمام المحاكم
وقال: حضرت أكثر من 300 جلسة أمام محاكم مدنية وشرعية، استمرت 4 سنوات، وخلالها حدث لي توقيف "حبس" في مخافر الشرطة. وصدر ضدي قبل عامين من محكمة مدنية حكم بالسجن ثلاثة أشهر ولم ينفذ هذا الحكم حتى الآن، ولا زلت معرضا له. وأضاف ضاحكا "أرجو ألا تكون هذه المقابلة سببا في تنفيذه وتذكيرهم بي".
وأوضح: ثلاث قصائد كانت وراء حملة تكفيري واتهامي بالردة طوال تلك السنوات الأربع، أولها قصيدة "يوسف" ثم قصيدة "مآرب أخرى" وبعدهما قصيدة ثالثة باسم "عبد الله" بدأتها بـ "عبد الله .. من علمك العربية" ولم أكن أقصد بها شخصا بعينه ولكنها كانت عن حال الأمة، وكنت أعني بها أي انسان عربي أو مسلم.
وقال: أتينا بمفسرين ومجتهدين أمام المحكمة بينوا لهم أن اسم "عبد الله" يطلق على أي مسلم. ومن حسن الصدف أن التفسيرات كانت كثيرة على القصائد الثلاثة وكذلك على قصيدة رابعة فسرت على أنها ازدراء للذات الالهية حاشا لله.
وأضاف حوامده: لم استسلم لاتهامي بالردة ونقضت ذلك أمام المحكمة حتى أقتنعت بوجهة نظري وبأنني مسلم ومتمسك بايماني، وأصدرت قرارا برد الدعوى، ولكن محكمة الاستئناف الشرعية فسخت هذا الحكم وطلبت اعادة محاكمتي من جديد، وحاولت أن أقدم تفسيرا آخر واحضرت خبراء، وفعلت المحكمة الأمر نفسه، وأدانني قضاتها وكفروني، فطلبت باحضار نقاد عرب فحضر المرحوم الدكتور محمد بركات أبو علي استاذ البلاغة في الجامعة الأردنية، فردت المحكمة الدعوى مجددا، ولكن محكمة الاستئناف فسخت الحكم للمرة الثانية.
وقال: استمر ماراثون المحاكمات حتى تدخلت رابطة الكتاب بشكل حازم وكذلك المنظمات الحقوقية الانسانية المحلية والعالمية، فأسقطت محكمة الاستئناف القضية. وبعد عدة شهور رفعت وزارة الاعلام ممثلة في رقابة المطبوعات والنشر قضية جديدة في المحكمة المدنية بشأن قصيدة يوسف في ديوان "شجري أعلى" بتهمة مخالفة قوانين الطباعة والنشر بتغيير القصائد وشتم أرباب الشرائع.
وواصل حوامده: قدمت للمحكمة النسخة المجازة من الديوان وبعد مرور سنة كاملة، حكم القاضي برد الدعوى على أساس أن هذا الشعر يتم تأويله لتفسيرات عديدة وليس فيه شئ ضد الاسلام. لم يطب ذلك للدولة فعادوا ونقضوا الحكم وعدت مجددا للوقوف أمام محكمة جديدة، وتكرر ذلك إلى أن صدر ضدي في آخر محكمة وقبل عامين حكما بالحبس ثلاثة شهور.
وعن سبب تغيير عنوان ديوانه "شجري أعلى" مما حمل رقابة المطبوعات والنشر على مصادرته لأن التغيير تم بدون علمها، قال موسى حوامده: نوهت عن ذلك في الصفحة الرابعة من الكتاب وقلت إن العنوان الذي أجزته هو "استحق اللعنة" ولكنني قمت بتغييره خشية من ردة الفعل الدينية، وإدارة المطبوعات اشترت نسخا من الكتاب ولم تعترض على ذلك إلا بعد أن حدثت الضجة من قوى الاسلاميين.
قصيدة يوسف لا تشكك في الرواية القرآنية
وبشأن رؤية البعض بأن قصيدة يوسف تشكك في الرواية القرآنية.. رد موسى حوامده: القصيدة تحدث صدمة في البداية ويتهيأ للقارئ أن المقصود بها القرآن الكريم – حاشا لله – لكن إذا تأمل القصيدة بعمق سيجد أن المقصود أنني لا أوافق على التأويل الذي تم من خلاله اسقاطات كثيرة على نتائج سياسية معينة، ولا أقصد النص القرآني، فلم يكن في ذهني مخالفته، ولو كان لقلته أثناء محاكمتي. فالنص القرآني هو نص كتاب مقدس ويجب أن نحترمه.
وأضاف: حاولت أن أنصف تاريخ مصر كله في القضية وانتزعه انتزاعا، والقصيدة لم تكن أبدا موجهة ضد الرواية القرآنية أو أنني كما زعم البعض أنني أغير القرآن. صحيح أن الشعر فيه جنون ولكني لم أبلغ درجة الحمق ولا يمكنني على الاطلاق أن أفعل شيئا كهذا.
وشرح موسى حوامده ذلك بقوله: دائما أدخل في عمق الاسطورة وأحاول نقضها، لأنني دفعت الثمن سياسيا وحضاريا، وتم استلاب مكاني الجغرافي كثمن عقائدي لصراع ايديولوجي بين ديانات متعددة.
وواصل بقوله :أنا متشكك تجاه الأساطير كلها. رافض للأسطرة، وأحاول العودة إلى التاريخ دائما بنظرة فاحصة ورافضة وأنقض التراث باعادة بنائه، لأخلق اسطورتي الجديدة، وأهدم الخرافات والأشياء المتراكمة التي كان من نتيجتها التخلف والاحباط والقهر والهزائم السياسية المتواصلة.
قوى اسلامية منظمة تطارد انتاجي
ويعتقد موسى حوامده أن جهة منظمة من الاسلاميين كانت تتابع انتاجه وتقوم بتكفيره ويقول: عندما اجزت كتاب "أسفار موسى" اقتطع منه الكثير، فاضطررت في كتاب "من جهة البحر" أن اطبعه في بيروت ولم يحصل على اجازة من الاردن ودخلها رغم أنه يضم قصائد صعبة.
وينفى أنه يدخل منطقة التحريم متعمدا بهدف الشهرة قائلا إنه لو كان يريد ذلك لسلك طرقا أخرى، لكن من الظلم أن يحرم مبدع من التعبير عن أي موقف سياسي أو حضاري، وإذا كان كاتب يبحث عن الشهرة ففي امكان الآخرين ألا يشهرونه، اضافة إلى أن من يبحث عن الشهرة ليس منطقيا أنه يبحث عن السجن.
ولا يشعر أنه مطارد بسبب الحكم بسجنه ثلاثة أشهر قائلا "حتى لو حصل ونفذ الحكم فلا مشكلة، فلو سيطر هذا الهاجس على فكري ما كان في استطاعتي أن أقرأ أو اكتب أو حتى أعمل، لكني مارست حياتي بشكل عادي وطبيعي".
أسرتي تأثرت بشدة من تكفيري
وحول تأثير تكفيره واتهامه بالردة على حياته الأسرية يصفه حوامده بأنه الأسوأ في الموضوع.. "والدي ووالدتي رحمهما الله جاءا لي من فلسطين، ليطمئنا على ابنهما هل لا زال مؤمنا. وقفت أمامهما موقفا صعبا وأكدت لهما أنني مؤمن وارتاح للصلاة ولغيرها من الفرائض، وقلت لهما لا تصدقا الاشاعات، فهناك مسجد قريب منهما في فلسطين، خطب فيه البعض وكفرني. على مستوى الأسرة الصغيرة، لم أكن قلقا لأنه لم يكن هناك اتهام صريح بالنسبة لي، لكن البعض من الأقارب اتخذ مني موقفا سلبيا بأنني ملحد وكافر ولا يجب التعامل معي، وتم التحريض على أطفالي في المدرسة فقد كانوا يسمعون كلاما سيئا أو تهديدات عبر الهاتف وينقلونها لي وهم يبكون.
علاقة غير حميمة بيني وبين درويش
وعن سبب العلاقة المتوترة بينه وبين الشاعر الفلسطيني المعروف محمود درويش قال موسى حوامده: ربما يكون عنده شئ ضده ولكنني احترمه كشاعر أكبر مني عمرا وتأثيرا وتجربة. ليس عندي ضده موقف أدبي على الاطلاق، ربما لا توجد بيننا علاقات حميمة مثل علاقته مع بقية الشعراء ولا أسعى لذلك.
وأضاف: قد يكون درويش غضب من رأي طرحته عن نرجسيته فهو كشاعر فلسطيني عنده حساسية تجاه شعراء آخرين، فليس من حقه اخفات أصواتهم. ولكن يبقى محمود درويش شاعرا مهما جدا وصاحب تجربة حقيقية وقدم الكثير للقضية الفلسطينية وللشعر العربي، وربما عنده حساسية من مقارنة البعض لاستخدامه لسورة يوسف واستخدامي أنا لها، وقولهم إنني كنت أكثر تأثيرا وعمقا.
والشاعر موسى حوامده من مواليد فلسطين 1959، درس الثانوية في مدينة الخليل
والتحق بالجامعة الاردنية للدراسة في كلية الاداب، ونشر اول مجموعة شعرية بعنوان " شغب" عام 1988في عمان. ومنع فترة من السفر والعمل، ونشر في عام 1998مجموعته الشعرية الثانية "تزدادين سماء وبساتين" وفي عام 1999 أصدر مجموعته الشعرية الثالثة "شجري أعلى" ثم صدر له" اسفار موسى العهد الاخير " وبعدها المجموعة الشعرية الخامسة"أحسن الى الحمامة القتيلة"، ولديه ثلاثة كتب نثرية في الادب الساخر منها "حكايات السموع" .
|