المؤتمرنت- عبدالغني الحاجبي - حوار مع مارد أوروبي احترت كثيراً في هذه المناسبات السعيدة والحزينة التي أقبلت علينا في آن واحد، هل أقدم التهاني أم أقدم العزاء؟ وكلاهما واجب! إذاً تهانينا للشعب اليمني بقيادة الأخ الرئيس على عبدالله صالح بمناسبات الأعياد المتتالية التي تعيشها اليمن من نجاح الانتخابات وأعياد الثورة وعيد الفطر وكل عام والجميع بخير. كما أنتهز هذه الفرصة لأعبر عن بالغ الأسى وعميق الحزن لوفاة الأخ الصحفي حميد شحرة رئيس تحرير صحيفة الناس تغمده الله بواسع رحمته وألهم أهله الصبر والسلوان وإن لله وإن إليه راجعون، وتمنياتي بالشفاء لأهله وأولاده.
وقبل أن أروى حواري مع المارد الأوروبي يجب علي أن أتوقف قليلاً مع موضوع الفساد القديم الجديد. قديم من حيث الممارسة وجديد من حيث إعادة ظهوره على سطح الطاولة السياسية. إن تسارع عجلة المطالبة باجتثاثه ومعاقبة الفاسدين في هذه الآونة الأخيرة جعل منه موضوع الساعة الذي يشق طريقه إلى كل المجالس اليمنية وعند كل لقاء يجمع اثنان أو أكثر حتى في المهجر. أصبح موضوع الفساد هو أحد المواضيع التي تتصدر المحادثات الثنائية والجماعية في المقيل وفي المقهى وفي الباص وفي السوق ويحتل مساحات واسعة في الصحف الرسمية، والحزبية التابعة للمؤتمر وللمعارضة على حد سواء، والصحف المستقلة ومواقع الانترنت والتلفزيون والإذاعة. وحقيقةً يحتار الإنسان منا في تحديد الفساد والفاسدين في هذا البلد. الكل يشكي من الفساد: المواطن البسيط، والمسئول، الفاسد وغير الفاسد، الغني والفقير، الصغير والكبير من الرجال والنساء، من الوزير إلى الحارس، ومن الرئيس إلى المرؤوس، أي الشعب اليمني كله بلا استثناء. أصبح هذا الموضوع وبلا منازع معشش في تفكير اليمنيين في الداخل والخارج. وأعتقد أن عيد الفطر المبارك لهذا العام ليس فقط مناسبة كبيرة لتبادل الزيارات والتهاني بل مناسبة أيضاً ليعبر الناس عن آرائهم في المقيل حول قضية الفساد والآليات التي سيتخذها الأخ رئيس الجمهورية في محاربة الفساد والفاسدين والكل يترقب الجديد. وإذا كان الناس في الوطن قد وجدوا مناسبة لتفريغ همومهم في المقيل وفي أماكن اللقاء فإننا في الغربة لن نحظى بهذه الفرصة بل ظل شبح الفساد مخيماً على عقولنا حتى في المنام. حلمت حلماً غريباً سأقصه هنا لعله يوجد من بين القراء من يفسر الأحلام فيعطي تفسيراً لحلمي هذا.
حلمت في ليلة عيد الفطر بأني التقيت مارداً من الجن بس مارد أوروبي علماني اسمه "فيليب" قال لي بأنه زار اليمن في رحلة سياحية خلال شهر رمضان وقال أنه أثناء تنقله في اليمن سمع رئيس الجمهورية يخاطب الشعب اليمني معلناً عزمه على محاربة الفساد، وقرأ مقابلة صحفية مع أحد الوزراء الذي قال بأنه سوف يتخذ من الآن إجراءات جادة في وزارته لمحاربة الفساد، وسمع الكلام نفسه من مدراء المؤسسات. وقال بأن الموظفين والعاطلين عن العمل وأصحاب المهن الحرة والتجار كلهم يشكون من الفساد. كما قال أنه سمع عن مناقشة "قانون محاربة الفساد" في مجلس النواب. فسألني المارد فيليب أن أقول له من هو هذا الفساد الذي يسمع عنه في كل مكان في أرجاء اليمن. كان يظن أنه حزب أو حركة إرهابية لأن هذا الموضوع احتل أحد أهم المواضيع التي تناقش على المستوى العالمي. قلت له: سأشرح لك لكن بعد أن تلبي لي طلبي. قال: أطلب ما تريد، شبيك لبيك المارد فيليب بين يديك.
قلت له: يا فيليب أشتي أقع مسئول أو دبلوماسي، ومديراً لصناديق ومؤسسات أخرى إن أمكن وأن يكون لي"عُكفة" لمرافقتي، وسلاح ورصاص. قال: بس هذا!؟ قلت: أريد رصيد بالبنك من خزينة الدولة وأفضل بالدولار أو اليورو. قال: غالي والطلب رخيص!؟ قلت: أريدك يا فيليب أن تشركني مع المستثمر فلان في مشاريعه بدون مساهمة مني ويكون لي نصف مال الشركة لأني سأحميه من الوطن ومن المواطنين المساكين، وأن تعلمني كيف العب بالمواصفات والمقاييس. فقال: طلبك مستجاب يا حمود!؟ قلت: أريدك أن تهب لي بعض من أراضي الدولة وبعض من أراضي الناس. قال: دعني أسجل طلباتك كي لا أنسى... إذاً قلي يا حمود من هو الفساد؟ قلت: سأقول لك لكن أريدك يا فيليب أن تشتري لي سيارة فاخرة من ميزانية المؤسسة أو الوزارة، وإن استطعت أن تعطني أكثر من سيارة سأقبلها واحدة هبة وواحدة هدية وواحدة عربون صداقة. قال: هذا طمع يا حمود! قلت: أنت قادر عليها، وأريد فيلا فخمة على شأن أوقف السيارات أمامها. نظرت له فإذا بالمارد يطلق تنهيدة عميقة، ربما كان يفكر كيف يلبي لي ذلك، لكني واصلت في طلبي لأنها فرصة وربما لم أصادف جني آخر في المستقبل يلبي لي ما أريد، فقلت له: يا فيليب أنا واثق من قدرتك ليس فقط على هذا بل أن تسجل أسماء موظفين وهميين وأن استلم معاشهم. قال لي: هذا سهل يكفي إضافة أسما إلى الكشوفات. قلت له: إذا كان الأمر كشوفات سجلني ضمن مناضلي الثورة. قال: بس أنت كنت أيامها مازلت صغير وأبوك كان إمامي. قلت كان إمامي وتجمهر. قال: لك ذلك. قلت: أريد أن يصبح واحد من أولادي سياسي وواحد دبلوماسي، وأن تعطي بقيتهم منح دراسية وتوظفهم وظائف مدنية وتسجلهم جنود وتسجلهم في صندوق الرعاية الاجتماعية!؟ قال: لكن كيف سيحضرون الدوام في أكثر من جهة؟ قلت: سيداومون فقط في واحدة ويحضرونها متى ما أرادوا. قال: عجيب أمرك أنت وأولادك يا حمود! قلت: أريدك أن تسلمني القروض آخذ منها ما أشاء وأعيد الباقي. قال: وكيف ستُنَفَّذ المشاريع؟ قلت: يكفي أن تُوضع حجر الأساس. قال: هذا جشع! قلت: أريد أن تسلمني الأدوية المجانية لأبيعها في السوق. قال بلهجة ممزوجة بالغضب: لا! إلا هذا! إلى هنا ويكفي، لا أستطيع أن أعطيك علاج المرضى. خفت أن يرفض طلبي، قلت له: آخر طلب لي بدل الأدوية، أن تسرق لي جزء من عائدات النفط والغاز، وأن ترسي مناقصات مشاريع الدولة لصالح شركتي وكفى عليك هذا، الطموحات كثيرة لكني لا أريد أن أجحف عليك. فكر المارد قليلاُ... ثم قال: لا تريد أن تجحف علي!؟ أعذرني يا حمود، أنا لا أستطيع على هذا كله، اختر شيء واحد أو اثنان من بين هذه الطلبات وأنا سألبيها لك. قلت له: لا، هذا كله ضروري على شان أصبح مسئول "مبهرر". قال: وكيف العمل إذاً؟ أنا لا أستطيع ألبي لك كل أمانيك لأني لم أتعود في بلادي على هذا كله. قلت له "استعن بصديق". قال: لا أستطيع حتى لو جمعت معشر الجن والإنس الأوروبي كله. قلت له: دعك من الجن الأوروبي الذي لا يهش ولا ينش، "اتصل بصديق" جني يمني واحد فقط وهو سيلبي لك الطلب. اتصل المارد فيلب بصديق يمني... لبي له الطلب وجاء به خلال ثواني. ثم سألني فيليب: إذاً ما هو الفساد يا حمود؟ فقلت له كل ما طلبته منك يسمونه في بلادي الفساد. أبدى دهشته وقال: كل هذا تسمونه الفساد؟ قلت: نعم. قال: ألا توجد مصطلحات أخرى دقيقة تطلق على كل شيء على حدة؟ قلت: بلى، لكن الفساد كلمة سلسة وغير جارحة ممكن ترمي تحتها كل شيء. قال ورئيسكم سيحارب كل هذا؟ قلت: نعم. قال: سيحارب هذا لوحده؟ قلت: هو قادر. قال: أنا مارد من الجن لم أستطع أن ألبي طلبك فكيف به إنسان سيحارب كل هذا!؟
قلت: الرئيس سوف يقضي على الفساد و"هذه المرة صورته حامية"، وإن لم يستطع فسوف يستعن بجني يمني كذلك الذي لبى الطلب، مش مثلك مارد أوروبي لا تقدر تفعل شي. قال إذاً أنت ستكون ضمن من سيحاربهم الرئيس. قلت: لا! أنا من الفترة السابقة ولن أحاسب على ما حصلت عليه قبل البدء بعملية الإصلاح ومحاربة الفساد. قال: ألا تخف أن يقول الناس عليك فاسد؟ قلت: من يقول علي ذلك سأجيبه بالرصاص. قال: أنتم خطيرين يا إنس اليمن، لم أر مثلكم من قبل!!! الإنس عندكم يفعلوا ما لم تفعله الجن في أوروبا!! هذا إنسكم فكيف جنكم!؟ اختفى المارد ولم تنقض سوى لحظات حتى استيقظت على رنين المنبه لصلات العيد. وكل عام وأنت بخير وبدون فساد.
|