الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 10:41 ص
ابحث ابحث عن:
دين
السبت, 28-أكتوبر-2006
بقلم: أحمد عز العرب* -
يهودي يدافع عن الإسلام
نشرت حركة السلام الإسرائيلية في 27 سبتمبر مقالا للكاتب اليساري الإسرائيلي داعية السلام اوري افنيري، رد فيه علي مهاجمة البابا بنديكت السادس عشر للاسلام ورسوله الكريم صلي الله عليه وسلم. وكان رد افنيري في رأينا هو ابلغ رد صدر في هذا الموضوع، وافنيري لمن لا يعرفه من العرب هو داعية سلام اسرائيلي لم يحد قط طوال حياته السياسية وعضويته في الكنيست عن المطالبة بالسلام ومهاجمة كل سياسات اسرائيل العنصرية وكشف اكاذيب حكوماتها المتعاقبة.. واعترافا بفضل الرجل ننقل رده علي البابا حرفيا في حدود المساحة المتاحة..
يقول افنيري:
»منذ كان أباطرة روما يلقون بالمسيحيين للأسود تعرضت العلاقة بين الاباطرة والكنيسة الي تغيرات كثيرة وعندما تولي قسطنطين الأكبر العرش سنة 306 أي منذ 1700 سنة بالضبط شجع انتشار المسيحية بالامبراطور وضمنها فلسطين وبعد ذلك انقسمت الكنيسة الي كنيسة شرقية ارثوذكسية وغربية كاثوليكية، وطالب البابا الكاثوليك في روما بأن يكون الاباطرة تحت سلطة الكنيسة. ولعب الصراع بين الاباطرة والبابوات دورا حاسما في تاريخ أوروبا مسببا فرقة بين الشعوب.. فعزل بعض الأباطرة بعض البابوات وقام بعض البابوات بحرمان بعض الاباطرة من رضاء الكنيسة ـ أي عدم امكان دخولهم الجنة ـ ولكن كانت هناك اوقات عاش فيها الاباطرة والبابوات في سلام وتوافق معا. ونحن نشهد أحد هذه الأوقات حاليا بين البابا بنديكت السادس عشر والامبراطور الحالي جورج بوش الثاني. وفي الاسبوع الماضي سبب حديث للبابا عاصفة دولية لاقت استحسانا كاملا من بوش في حرية الصليبيين ضد »الفاشية الإسلامية« في إطار صراع الحضارات.
في محاضرته في ألمانيا وصف البابا الفارق الهائل بين المسيحية والاسلام قائلا: ان المسيحية مبنية علي العقل بينما ينفيه الاسلام، وبينما يري المسيحيون منطق اعمال الرب ينكر المسلمون اي منطق في تفسير اعمال الله. وبصفتي يهوديا ملحدا لا أنوي دخول حلبة هذا النقاش فمنطق البابا أكبر من فهمي المتواضع ولكني لا استطيع اغفال فقرة من حيث انها تعنيني كإسرائيلي يعيش علي خط المواجهة بين الحضارات.
فلكي يثبت البابا انعدام العقل في الاسلام يؤكد أن النبي ـ محمد صلي الله عليه وسلم ـ أمر أتباعه بنشر الاسلام بالسيف وطبقا للبابا فهذا غير منطقي لأن العقيدة تولد في روح الانسان وليس جسده فكيف يؤثر السيف في العقيدة؟ ولتأكيد كلامه اقتبس من امبراطور بيزنطي ينتمي للكنيسة الارثوذكسية المنافسة في نهاية القرن الرابع عشر هو الامبراطور مانيويل الثاني الذي قال خلال مناقشة مع فارس مسلم: »أرني ما هو الجديد الذي أتي به محمد سوي اشياء شريرة وغير انسانية مثل امره لأتباعه بنشر الاسلام بالسيف«.
وتثير هذه الكلمات ثلاثة أسئلة: لماذا قال الامبراطور ذلك؟ وهل كلامه صحيح؟ ولماذا اقتبسه البابا الحالي؟ عندما قال مانيويل ذلك كان علي رأس امبراطورية تحتضر، فقد تولي العرش سنة 1391 ولم يبق من امبراطوريته التي كانت عظمي سوي بعض الاقاليم وحتي هذه الاقاليم كانت مهددة من الاتراك الذين كانوا قد وصلوا الي ضفاف الدانوب واستولوا علي بلغاريا وشمال اليونان، وفي 29 مايو 1953 بعد موت مانيويل بسنين قليلة استولوا علي عاصمته القسطنطينية التي أصبحت اليوم اسطمبول، وبذلك أنهوا امبراطورية ظلت قائمة ألف عام وخلال فترة حكمه طاف مانيويل بعواصم اوروبا محاولا حشد التأييد له ضد الأتراك، وبدء حرب صليبية جديدة وكان الهدف عمليا هو وضع الدين في خدمة السياسة، وبهذا المعني فكلامه يخدم تماما متطلبات العصر الحالي. فالامبراطور جورج بوش الثاني يريد أيضا توحيد المسيحيين ضد »محور الشر« الاسلامي في معظمه وفضلا عن ذلك فالاتراك يدقون ابواب اوروبا مرة ثانية ـ في سلام هذه المرة ـ ومعروف أن البابا يؤيد القوي المعارضة لهم في دخولهم الاتحاد الأوروبي. هل هناك اي صدق في مقولة مانيويل؟ قال البابا نفسه ان القرآن يمنع تماما نشر العقيدة بالقوة، وأورد إحدي آياته، فكيف يمكن تجاهل هذه السورة؟ رد البابا علي ذلك قائلا: انها سورة كانت في بداية نشاط النبي في مكة عندما كان مستضعفا ولكن فيما بعد عندما قويت شوكته أمر أتباعه باستعمال السيف في نشر العقيدة ولكن هذا الأمر غير موجود في القرآن، صحيح ان محمدا نادي باستعمال السيف في حربه ضد القبائل المعارضة له من مسيحيين ويهود وغيرهم عندما كان يبني دولته ولكن ذلك كان عملا سياسيا وليس دينيا. لقد قال يسوع المسيح: »ستعرفهم من ثمارهم«.. ان معاملة الاسلام لأتباع الاديان الاخري يجب الحكم عليها بمعيار بسيط: كيف تصرف الحكام المسلمون لمدة أكثر من ألف عام عندما كانت لديهم القوة علي نشر العقيدة بالسيف؟ انهم ببساطة لم يفعلوا ذلك. لقد حكم المسلمون اليونان لعدة قرون فهل تحول اليونانيون للإسلام؟ علي العكس فقد شغلوا اعلي المناصب في الادارة العثمانية بينما بقوا علي دينهم. لقد خضع البلغار والصرب والرومانيون والمجريون وغيرهم للحكم العثماني لفترات مختلفة وبقوا رغم ذلك علي عقيدتهم المسيحية. صحيح أن الألبانيين والبوسنيين تحولوا للإسلام ولكن لم يزعم أحد أن ذلك تم بالقوة.
في سنة 1099 غزا الصليبيون القدس وذبحوا سكانها المسلمين واليهود دون تفرقة، باسم المسيح الطيب ولمدة أربعة قرون من الحكم الإسلامي لفلسطين بقي المسيحيون أغلبية بها ولم يحاول احد فرض الاسلام عليهم وبعد طرد الصليبيين من فلسطين بدأت اغلبية سكانها تتحول الي اللغة العربية والاسلام، وهؤلاء هم آباء فلسطينيي اليوم، وليس هناك أي دليل علي ان الاسلام فرض عليهم.
وكما هو معروف تماما فاليهود تحت الحكم الاسلامي في اسبانيا ازدهروا كما لم يزدهروا في اي بلد آخر وكان منهم الوزراء والشعراء والعلماء، وعملوا جنبا الي جنب مع المسيحيين والمسلمين في ذلك العصر الذهبي.. وما حدث بعد ذلك عندما استعاد الكاثوليك حكم اسبانيا من المسلمين أقاموا عهد الارهاب الديني وخيروا اليهود والمسلمين بين اعتناق المسيحية أو القتل أو ترك البلاد. فأين ذهب مئات الألوف من اليهود الذين تمسكوا بدينهم؟ تلقتهم الدول الاسلامية بأذرع مفتوحة من مراكش غربا الي العراق شرقا ومن بلغاريا تحت الحكم العثماني شمالا حتي السودان جنوبا. لم يعرف اليهود في العالم الاسلامي تعذيب محاكم التفتيش أو حملات الابادة أو الطرد الجماعي الذي تم في معظم الدول المسيحية حتي وصلوا الي محروقة هتلر.. لماذا؟ لأن الإسلام يحرم تماما أي اضطهاد لأهل الكتاب.
أي يهودي أمين يعرف تاريخ شعبه لا يسعه الا الاحساس بالشكر العميق للاسلام الذي حمي خمسين جيلا من اليهود، بينما حاول العالم المسيحي عدة مرات بالسيف تحويل اليهود عن عقيدتهم واضطهدهم اضطهادا شديدا.
إن قصة نشر الاسلام بالسيف هي خرافة شريرة انتشرت في اوروبا خلال الحروب الكبري ضد المسلمين مثل الحروب الصليبية واعادة استرداد المسيحيين لأسبانيا وصد الهجمات التركية التي وصلت حتي فيينا. انني أشك أن البابا الألماني يعتقد فعلا في هذه الأساطير، وهذا يعني ان زعيم العالم الكاثوليكي وهو عالم لاهوت مسيحي لم يبذل الجهد اللازم لدراسة تاريخ الاديان الاخري. لماذا قال هذه الكلمات علنا؟ ولماذا الآن؟ لا يمكن تجنب رؤية هذه الكلمات في ضوء خلفية حرب بوش الصليبية وحلفائه من الايفانجليين ضد »الفاشية الإسلامية« والحرب العالمية ضد الإرهاب الذي أصبح مرادفا للإسلام، وهي محاولة شريرة من بوش لتبرير السيطرة علي منابع النفط العالمية، وليست هذه هي أول مرة في التاريخ التي يغطي فيها ثوب ديني جسد المصالح الاقتصادية العاري، أو تصبح غزوة اللص حربا صليبية. إن حديث البابا يمزج نفسه في هذا الخليط فمن ذا الذي يستطيع التنبؤ بالنتائج البشعة؟«
وإلي هنا ينتهي حديث أوري افنيري الذي لا يحتاج لأي تعليق من جانبنا، تحية تقدير وعرفان بالفضل لأهله نقدمها لرجل شجاع وقلم شريف، ونشكر المولي أن الحقيقة لا يحتكرها دين أو جنس.

*الوفد




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر