بقلم : ريتشارد هولبروك* - خيارات أميركية للتعامل مع العراق بمجرد انتهاء انتخابات التجديد النصفي.. وبصرف النظر عن نتيجتها.. ستجد نفسك سيدي الرئيس مطالبا باتخاذ القرار الأكثر خطورة في فترة رئاستك..وربما القرار الأكثر تعقيدا في تاريخ أي رئيس أميركي منذ جونسون عندما قرر تصعيد العمليات في فيتنام عام 1965، بل والقرار الأكثر صعوبة مقارنة مع ذلك الذي اتخذته في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر بالقضاء على طالبان وإطاحة صدام حسين ومواجهة كوريا الشمالية وإيران بشأن برنامجيهما النوويين.
هذه المشروعات جميعا معرضة للخطر الآن. فأنت الآن سيدي الرئيس مطالب بعد أن انخفض التأييد الشعبي لك كثيرا، بعكس اتجاه التدهور الحالي في أفغانستان، وإقناع كوريا الشمالية بالعودة للمحادثات السداسية، وعزل إيران الخطرة، والوصول لتصور لما يجب أن تقوم به في العراق. واسمح لي سيادة الرئيس بأن أقوم بتقديم هذه المقترحات بشأن الحرب في العراق. بشكل عام يمكن القول إن أمامك ثلاثة خيارات هي: البقاء على الدرب ومواصلة المهمة، أو التصعيد، أو البدء في فك الارتباط بالعراق والضغط في اتجاه تسوية سلمية. وأنا أحبذ الخيار الثالث ليس باعتباره الخيار المثالي ولكن باعتباره الأقل سوءا من غيره.
في خطابك الإذاعي الأخير قلت إن هدفك في العراق ثابت ولن يتغير، وإن الذي سيتغير هو التكتيكات. سيدي الرئيس إن البقاء على الدرب ليس استراتيجية وإنما هو مجرد شعار يمكن استخدامه في السياسات الداخلية ولكنه يصبح فاقدا للمعنى في ميادين المعارك.
بناء على ذلك فإن الخيارين المتاحين أمامك هما التصعيد أو فك الارتباط.. وأود هنا أن أقول إن النصر لو كان حقا هو خيارك لكنت قد أعددت العدة له منذ وقت طويل، وكنت قد قمت بإرسال المزيد من القوات إلى العراق بدلا من أن تدعي أنت ووزير دفاعك رامسفيلد أن القادة العسكريين في العراق لا يفتأون يقولون لك إنهم ليسوا بحاجة إلى المزيد من القوات. ولكن من أين سنأتي بالقوات الزائدة المطلوبة بعد أن تم نشر القوات الأميركية على مساحة كبيرة حتى كادت تصل إلى نقطة التمزق وإلى درجة أنها تقوم في الوقت الراهن بتجنيد أفراد في الثانية والأربعين فما فوق من عمرهم، كما أنها تخفف باستمرار من صرامة معايير القبول. وهناك سؤال يطرح نفسه هنا هو: ماذا يحدث لو قمنا بإرسال المزيد من القوات ولم يؤد ذلك إلى عكس اتجاه التيار الحالي؟ هل سنقوم في هذه الحالة بإرسال المزيد من القوات؟ ومن أين سنحصل على تلك القوات الإضافية؟
والخيار الآخر هو الأصعب بالنسبة لرئيس في زمن الحرب مثلك محاط بكم كبير من المشكلات. فعليك حسب هذا الخيار أن تعمل على تغيير أهدافك، وأن تفك أي ارتباط لك بالحرب الأهلية التي تدور رحاها الآن، وأن تركز جل جهودك على السعي للتوصل إلى اتفاقية لتقاسم السلطة، ومنع تدهور الموقف وتخفيف الأضرار التي يمكن أن تحدث للمنطقة والعالم. ولكن المشكلة بالنسبة لفض الاشتباك والتي يدركها المدافعون عن هذا الخيار جيدا هي أنه خيار محفوف بالمخاطر. فلاشك أن خبراءك قد حذروك من العواقب الدموية التي ستترتب على انسحاب القوات الأميركية، وهو ما يجعل من المحتم عليك أن تجعل الحيلولة دون حدوث هذه المأساة هي خيارك الأول.
ولهذا السبب وأسباب أخرى غيره فإنني لا أحبذ قيامك بوضع جدول زمني ثابت للانسحاب لأن وضع مثل هذا الجدول سيعني فقدانا للمرونة والقدرة على ممارسة الضغط. أما هذا النوع من عمليات القتل الذي يتنبأ خبراؤك بأنه سيحدث بمجرد سحب قواتك فهو يجري الآن على قدم وساق دون أن نقوم بشيء من أجل منعه أو للحيلولة دون تزايده بشكل متسارع.
إنني أحثك سيادة الرئيس على وضع أهداف واقعية كأن تعيد نشر قواتنا، وأن تركز على الوصول إلى حل سياسي فهذا هو على الأقل ما ندين به للعراقيين الذين وضعوا ثقتهم فينا. وإنني هنا أوافق على ما كان قد اقترحه السيناتور جو بايدن وليس جيلب بضرورة التوصل لحل سياسي على غرار حل دايتون في البوسنة وذلك من خلال إقامة بنية فيدرالية أوسع نطاقا، مع منح قدر كبير من الحكم الذاتي لكل مجموعة من المجموعات الكبرى في العراق أي الشيعة والسنة والأكراد، وكذلك التوصل لاتفاقية لتقاسم عوائد النفط. منذ أسبوعين فقط اتخذ البرلمان العراقي خطوة كبيرة بإقامة ثلاث مناطق، ووضع فقرة شرطية تنص على إيقاف التنفيذ لمدة 18 شهرا. ويمكنك استخدام مثل هذا التشريع كمدخل للمفاوضات الرامية للتوصل إلى تسوية سلمية لمسألتي المشاركة في السلطة، وتقاسم عوائد النفط في نفس الوقت الذي تقوم فيه أثناء ذلك بتخفيض عدد قواتنا وإعادة نشرها في العراق.
في السنوات الأخيرة كان أي شخص يدعو إلى إجراء تغيير في السياسات يتعرض لاتهام بأنه يدعو إلى قطع المهمة والهرب، وفي الحقيقة أن مثل هذا النوع من الخطاب يعمل ضد ما نسعى إلى تحقيقه من ضرورة توصل الحزبين الرئيسيين في أميركا إلى توافق على السبيل التي يجب انتهاجها، وهو توافق تحتاجه الأزمة أيما احتياج. ويمكنك سيدي الرئيس في هذا السياق أن تستفيد من نتائج الدراسة التي تجريها مجموعة دراسة العراق التي يشترك في رئاستها كل من جيمس بيكر ولي هاميلتون والتي تقترح إجراء تغييرات مهمة في السياسة كنقطة انطلاق نحو إعادة بناء التوافق الوطني بين الحزبين الرئيسيين في أميركا.
إن الأزمة أعمق مما نتصور، وهي أعمق بدرجة لا تسمح أبدا بترف تبادل الاتهامات بين الحزبين. وإذا ما ظلت حالة الحرب مستمرة بحلول حملة انتخابات 2008 فإن الأمر المتوقع هو أن عدم قيامك بتغيير المسار لن يعمل في صالح أي من الحزبين كما أنه سيترك خليفتك في المنصب أمام نفس الخيارات التي تواجهها أنت حاليا، ولكن تحت ظروف أكثر سوءا بكثير من الظروف الراهنة.
*السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة
لوس أنجلوس تايمز /ع
|