بقلم: حسن عبيد عيسى - دراسة: العراق والمرتزقة الجدد شهد عراق ما بعد الغزو ظاهرة ملفتة للنظر، متمثلة بتحويل هذا البلد العريق إلى ساحة عمل لعشرات الألوف من العناصر الأجنبية العاطلة عن العمل والمسكونة بالقتل والإجرام والباحثة عن الكسب الحرام والتي كانت تمارس التسكع والجريمة في أحياء فقيرة ومشبوهة في الشرق والغرب حيث تمارس أنواع الجرائم جهارا نهارا،، تلك العناصر هي فئة من الناس ممن يبيع خدماته لمن يشتري بصرف النظر عن طبيعة العمل ونوعيته، المهم كم سيحصل العنصر الواحد. أما إذا توفرت فرصة لارواء تعطشه لسفك الدماء البشرية، فان عمله ذاك سينطوي على متعة رائعة.. أولئك هم المرتزقة العاملون الان في العراق تحت خيمة ما تسمى بشركات الأمن الأمريكية والأوربية المختلفة والتي كانت تعمل في أفريقيا قبل أن يفتح بوجهها السوق العراقي المغري.
واللافت للنظر، إن تلك الشركات التي أثرت وتضاعفت مداخيلها أضعاف أضعاف مقادير أصولها المالية جراء العمل في العراق تحت واجهة تأمين الخدمات الحمايوية، لم تكن تكتفي بالحصول على المبالغ الطائلة والخيالية لقاء استيراد هؤلاء المجرمين المأجورين وما يترتب عليه ذلك من عمولات ضخمة، وإنما ثبت قيامها بالتحايل والتدليس والتزوير لسرقة اكبر ما تستطيع سرقته من أموال وثروات العراقيين المستباحة لكل من هب ودب. والمدهش في هذا الأمر تواطؤ القضاء الأمريكي مع تلك الشركات بادعاء جهات قضائية أمريكية عليا (المحكمة الفيدرالية الأمريكية) إنها لا تستطيع التدخل بشأن تحايل وسرقات تلك الشركات، أضف إلى ذلك مصدر آخر للإثراء المريب وهو قيام هؤلاء المرتزقة بتشكيل عصابات للجريمة المنظمة في بلد ليس للقانون فيه كيان قوي.
ونحن على أعتاب بحث هذه الظاهرة لابد لنا من الإلمام المبسط بتاريخ المرتزقة منذ عرفتهم الحروب وحتى تكالبوا على الساحة العراقية المستباحة خطوة خطوة، لإتاحة الفرصة للقارئ الكريم للخروج باستنتاجاته الخاصة بضوء هذه المتابعة ولتبرير إطلاقنا تسمية المرتزقة الجدد على الأجانب المسلحين العاملين في العراق الان خارج النطاق الرسمي لقوات الغزو تمييزا لهم عن المرتزقة التقليديين، من حيث التكييف القانوني على الأقل.
المرتزقة في التاريخ القديم
قد تكون معركة قادش التي جرت على ضفة نهر العاصي في سوريا سنة 1288 ق. م بين المصريين يقودهم رمسيس الثاني والحيثيين بقيادة موتاللو هي التجربة الأولى لاستخدام جنود مستأجرين يقاتلون مقابل أجور في سبيل قضية لا تعنيهم. فقد تضمن الجيش المصري مجاميع من أولئك الجنود (1) ومنذ تلك المعركة، كان لحكام مصر مصادرهم الخاصة للحصول على المرتزقة وخاصة الإغريق ومجاوريهم مما سمي بالشعوب البحرية، فقد كرر رمسيس الثالث استخدامهم لقتال عدو قوي يخشى بأسه ألا وهو الفلسطينيون عام 1174 ق. م حيث وقعت معركة فاصلة دارت رحاها بين الطرفين في المدن الفلسطينية الساحلية (غزة وعسقلان وأشدود) شاركت فيها أعداد غفيرة من الجنود المرتزقة الإغريق ضمن صفوف الجيش المصري (2).
وكان من بين أهم أسفار المرتزقة في الحقب التالية سفر (الانابابس) أي حملة العشرة آلاف مرتزق الذين قادهم المؤرخ الإغريقي (زينفون) تلميذ (سقراط) من بلاد الأناضول إلى بلاد الرافدين ليشكلوا جيشا لأمير فارسي اسمه (كورش الأصغر) كان ينوي الاستحواذ على تاج الفرس من أخيه الملك (أرتحششتا الثاني) وهما ابنا دارا الثاني وذلك سنة 401 ق. م.. وكان ذلك السفر من بين اكبر المآسي التي لقيها المرتزقة، وتستطيع الإطلاع على سجلها كاملا في كتاب لقائدهم زينفون (3) والتي قال عنه ليدل هارت (قد يكون أعظم ما كتب عن الحرب)..
وظلت بلاد الإغريق التي هي مصدر المرتزقة للمصريين والفرس تصدر الجنود الأقوياء إلى كل الممالك التي تتطلع إلى الحروب والتوسع، فكانت معركة جوجاميلا الشهيرة (331 ق. م) التي تعد واحدة من أهم معارك التاريخ القديم بين دارا الفارسي والاسكندر المقدوني معركة مرتزقة، فالفرس الذين انقرض حماتهم التاريخيون الذين كان يطلق عليهم (فرقة الخالدين) نتيجة للحروب المتكررة لجؤوا إلى استئجار المرتزقة الإغريق، وكان الاسكندر ذو الطموحات المنفلتة بحاجة إلى أعداد خيالية من الجنود ليتمكن من تحقيق تلك الطموحات، لذا لجأ إلى استأجار العاطلين عن العمل والحروب وتنظيمهم ضمن قيادات جيشه الجرار. إلا أن حقبة ما بعد الاسكندر شهدت تدهورا في الانضباط والاداء فقد (صار المرتزقة العنصر الغالب في الجيوش:العنصر الذي يشرى ويباع) لذا صار الذهب عاملا حاسما (4).
أما لماذا كانت بلاد الإغريق بالذات هي المصدر لهؤلاء الجنود؟فذلك لأنها بلاد عاشت طويلا على الحروب والقتال البيني والخارجي، وإنها بلاد غير صالحة كليا للزراعة بما يكفي لإنتاج قوت يسد رمق كل سكانها، فكان لابد لسكانها من تأمين مورد رزق آخر غير الزراعة.. لذا فقد وجدوا وسيلة ارتزاقية جديدة متمثلة باستأجار الأنفس للدول الأخرى لأغراض القتال.. فلا عجب أن تجد وأنت تتمعن في معارك التاريخ القديم جنودا إغريق يتقاتلون فيما بينهم في كلا طرفي المعركة، فكلا القائدين المتحاربين استأجر مرتزقة إغريق كما وجدنا في مثال الاسكندر ودارا في معركة جوجاميلا.
وقد مارس الرومان فيما بعد تلك العملية إلى درجة إنهم تمكنوا بواسطة جيوش من المرتزقة من هزيمة أعدائهم كثيرا في الخارج كما يرى مونتجومري في كتابه الحرب عبر التاريخ (5). ولعل من بين أبرز قادة المرتزقة الرومان هو (جنايوس بومبيوس) تلميذ سلا الذي يعرف في الكتب العربية باسم (بومبي). ولقد شجعت روما الأجانب على الانخراط في صفوف جيشها بان عمدت إلى منح الجنسية الرومانية لكل من يرتدي البزة العسكرية الرومانية كما تفعل أمريكا الان.
وعلى الرغم من إن الرومان كانوا يعتمدون على المرتزقة في تشكيلاتهم القتالية كما رأينا وان القرطاجيين مثلهم استخدموا مرتزقة من جنسيات وأمم مختلفة كالأسبان والغال والليبيين وفنيقيين وغيرهم ماجعل الجنرال فولر يصف جيشهم بأنه (مؤلف من عناصر متنافرة) لذا فانه فسر غلبة الرومان لهم بقيادة سيبو بان هذا الأخير أنشأ خيالة صالحة (6) عادا ذلك نقطة تفوق توجب الغلبة، ولم يدرك فولر ان المرتزقة في الجيش القرطاجي ساهموا في خنق حريات أهالي قرطاجة وضيقوا عليهم عندما حلوا بين ظهرانيهم ضيوفا ثقلاء، بعد عودتهم الخائبة من حرب ضروس ما جعل الناس يتمنون المصير الاسوء لمجرد التخلص من هؤلاء المجرمين.
وورث البيزنطيون تقاليد الرومان الأوائل، فكانت اغلب جيوشهم من العناصر المرتزقة، حتى إن الجيش الذي قاده بليزاريوس سنة 532م لقتال الوندال كان جيش مرتزقة على الأغلب ومن جنسيات مختلفة، لابل إن الفيالق البيزنطية الرئيسة في زمن جوستنيان وهي (الفوديراتي والاوبتيماتي والبكيلاري) كانت كلها من المرتزقة البربر، وكان الفيلقان الثاني والثالث هما القوة الضاربة بيد الإمبراطور والمسؤولة عن حمايته.
وفي فترات التعطل عن الفعاليات الحربية كان يبرز في أوربا بين فينة وأخرى قائد يستأجر المحاربين العاطلين من نورمانديين وغيرهم ليشكل منهم جيشا يمارس عمليات السطو الواسعة وقطع الطرق كما فعل بعض أفراد عائلة البارون (هوتيفيل) وخاصة المدعو جيسكار الذي قاد واحدا من اكبر جيوش المرتزقة في ذلك الحين وجمع أموالا هائلة عن طريق اللصوصية وقطع الطرق، وقد حدت به طموحاته إلى مطالبة البابا جريجوري الرابع سنة 1059 بتنصيبه ملكا على عموم إيطاليا.
تلا ذلك ظهور وليام الفاتح الذي اشترى جنودا من النورمانديين والفرنسيين والإيطاليين وغيرهم تمهيدا لغزو انجلترا.. لقد كانت تلك حالة أوربا الاجتماعية عشية الحروب الصليبية التي كانت بالدرجة الأولى مطلبا ارتزاقيا من جانبين:الأول هو جنود المرتزقة وقادتهم الباحثين عن مغانم كبرى، والثاني هو الحكومات والشعوب الأوربية التي تريد إبعاد هؤلاء اللصوص والمجرمين خارج محيط السكن بحثا عن ألامان والاستقرار، فكان قرع طبول الحروب الصليبية وسيلة لإبعاد تلك الجحافل المجرمة عن مدن أوربا وتحديدا نحو الشرق الثري. ويسجل التاريخ ان الحملة الصليبية الثانية وما بعدها كانت حملة تكاد تقتصر على الرهبان والمرتزقة، وكان ان وعت الكنيسة أهمية استئجار المرتزقة خصوصا وان رجالاتها غير مدربين عسريا لتنفيذ رغباتها وتحقيق تطلعاتها وبذا فقد أرست الكنيسة الكاثوليكية ورسخت قواعد ذلك العمل في إيطاليا. والمدهش في هذا المجال إن الكنيسة الكاثوليكية في القرن العشرين أبدت رغبتها في التعاون مع المرتزقة بأسلوب لا يظهرها كمتورطة في حرب عصابات غير نظيفة، وهو الأمر الذي ابلغه القس البروتستانتي جيبكانس المتعاون مع المرتزقة إلى المرتزق الألماني شتينر الذاهب للمشاركة في تمرد جنوب السودان عام 1969 (7).
وما أن توقفت الحملات الصليبية حتى عادت أوربا تعاني الأمرَّين من أولئك المجرمين، وكان ثمة ما يبرر ضرورة استخدام هؤلاء في إيطاليا في وقت ما حتى باتت مهمة الدفاع عن الحواضر هناك مناطة بهم ما سهل اجتياح البلد من قبل الجيش الفرنسي. فيما شكل استخدام جيوش المرتزقة مقياسا لشعبية بعض الملوك، فملك الانجليز (جون) صار مكروها لأنه سلط عتات المجرمين من الجنود المرتزقة على مدن بلاده، وكانت (الفرقة العظيمة) التي ضمت صفوفها ألف مرتزق (8) من بين أهم تشكيلاتهم. وبهدف صهر المرتزقة الذين زادت أعدادهم زيادة هائلة بالقوات النظامية فقد صار يطلق على المرتزق اسم (جندي)، ولم يكن هؤلاء وقتئذ مدينين بالولاء لمن يستخدمهم كعادتهم في كل عصر وزمان بل كانوا يقاتلون لحساب الأكثر بذلا (9).
وحتى إرهاصات عصر النهضة اضطلع السويسريون بالمهمة، فكانوا جنودا تحت الطلب يعرضون أنفسهم للبيع والإيجار لكل من يريد أن يحارب ولم يجد لديه العدد الكافي من الجنود، فكانوا كما الإغريق يقاتلون في كلا الجيشين المتحاربين، فهم في صفوف الفرنسين في حربهم مع الأسبان يقاتلون إخوانهم في الصفوف الأسبانية، على الرغم من صرخات القس (زوينجلي) الذي كان يحارب هذه الظاهرة الفاسدة، لقد كانت الحروب في تلك الحقبة باردة وغير حاسمة لان المرتزقة في الطرفين المتحاربين كانوا قد اتفقوا على أسس القتال وطريقته بما لا يغضب قادة الجيشين المتحاربين، وقد تكون الخسائر بين الطرفين من القلة بحيث لا تكاد تذكر في بعض المعارك.
وكانت للإيطاليين فرقهم الارتزاقية في تلك الحقبة وهي الفرق التي عرفت باسم (الكونديتيري). ولم يتخلف الألمان عن الركب، فأجروا أعداد غفيرة من مواطنيهم للحرب في هولاندا وفرنسا وغيرهما، فالارتزاق مهنة تجلب الثروات الطائلة للسماسرة. وعلى ذكر هولاندا فان فرقا من مرتزقة آخرين كانوا يلعبون أدوارا مؤثرة في تلك البلاد وخاصة فرقة المرتزقة الانجليز والتي قاد بعض عناصرها المغامر (فرانسيس فير).
لقد كانت الحروب الدينية التي حدثت في أوربا سببا من أسباب انتعاش ورواج تجارة الارتزاق، وخصوصا في فرنسا، فقد كان الفرنسيون البروتستانت يستوردون مرتزقة من ألمانيا وانجلترا لقتال مواطنيهم الفرنسيين الكاثوليك تعويضا عن النقص العددي.
وليس ثمة مؤرخ منصف ينكر إن تاريخنا الإسلامي والعربي كان خاليا من شراذم مأجورة تخدم الحكام الذين أغلقوا قصورهم في معزل عن الشعب ظنا منهم إن المرتزقة يؤمنون حمايتهم ضد شعوبهم، وكان الأكثر إفراطا في استخدام هؤلاء الأجراء هو الخليفة العباسي المعتصم بالله بن هارون الرشيد الذي خشي سطوة الحرس الخاص بالبلاط وفيهم عناصر فارسية مسيطرة (10)، فاستقدم مرتزقة أتراك زاد وضع بغداد سوءا من خلال الاحتكاك المفضي إلى مشاكل بين هؤلاء المرتزقة الذين يرون الخليفة ضمن حمايتهم وبين أهل بغداد الذين ذاقوا الامرين من جنود مأجورين ما جاء بهم غير الجشع والرغبة في الاستحواذ على المال بأية طرق متاحة، الامر الذي دعا المعتصم لان يأخذ مرتزقته ويغادر عاصمة الخلافة إلى مدينة أنشئت لتكون معسكرا لتلك الشراذم ألا وهي سامراء، وليس قصيا عن ذاكرة المتتبع ما لقي الخلفاء التالين على أيدي المرتزقة من الجنود الذين كانوا يبيعون الخليفة لمن يدفع لهم أكثر، فكان الضحية الأولى هو المتوكل، ثم استمر مسلسل الإذلال حتى صار الخلفاء وسيلة بيد قادة الجند المأجورين يبتزونهم أو يبيعونهم والا فالسمل والخلع وربما القتل هو المصير عندما لا يوجد من يشتري، فالمنصب الفارغ من خليفة له من يشتريه.
ولقد كانت الحروب الصليبية قد شهدت الكثير من الصور المؤلمة التي مازلنا نتذكرها بألم على الرغم من الانتصارات التي حفظها التاريخ للعرب المسلمين على أولئك الغزاة، ومن بينها قصة حصن الأكراد وهو حصن منيع على الجبل الذي يقابل حمص كما يصفه ياقوت، كان بعض أمراء الشام قد بنى موضعه برجا وجعل فيه قوما من الأكراد طليعة بوجه الإفرنج وأجرى لهم أرزاقا فرصنوه حتى صار قلعة شديدة التحصين، ولكنهم بسبب جبنهم وخوفهم من غارات الإفرنج عليهم باعوه إلى أعداء الدين ورجعوا إلى بلادهم فملكه الإفرنج (11).
ابن خلدون والمرتزقة
قد يحتج البعض في إن المرتزقة بالاسم المتداول بيننا لم يكن معروفا في زمان ابن خلدون وان حشر اسم الرجل في هذا المضمار يعد إسقاطا، فنقول إن هذا غير صحيح، فالإشارات التي ضمنها ابن خلدون مقدمته تدل بوضوح على ما نقصد، ولقد زاد الدكتور محمد عابد الجابري الأمر وضوحا عندما تصدى لشرح أساس فكر ابن خلدون في (العصبية والدولة) فقد وضع في كتابه الذي يحمل هذا العنوان النقاط على حروف اسم المرتزقة الذين كان يشير إليهم ابن خلدون ويعنيهم، فلنستمع للجابري وهو يتساءل (لماذا لا يستطيع رئيس العصبة المنفرد بالمجد والملك، الاستمرار في الحكم اعتمادا على القوى الجديدة التي يصنعها كالمرتزقة مثلا بل يكون مصيره المحتوم انهيار دولته؟) (12). ثم يفسر مصطلحا لابن خلدون فيقول (يقصد ابن خلدون بهرم الدولة تلك المرحلة التي تفسد فيها العصبية الحاكمة، فيلجأ الملك إلى الاستعانة بالموالي والمصطنعين والمرتزقة) (13). ثم ينقل الجابري نصا من المقدمة أكثر صراحة عندما يقول فيه ابن خلدون عن السلطان المستبد الذي دخل في صراع مع مواطنيه انه ( احتاج في مدافعتهم عن الأمر وصدهم عن المشاركة إلى أولياء آخرين من غير جلدتهم يستظهر به عليهم ويتولاهم دونهم فيكونوا أقرب إليه من سائرهم وأخص به قربا واصطناعا) ويعقب الجابري شارحا ما ذهب إليه ابن خلدون بان مثل هذا الحاكم الذي سيعتمد على المرتزقة (سيحتاج إلى أموال كثيرة يسد بها نفقات هؤلاء المرتزقة المدافعين عنه) (14) وبالتأكيد فان هذا دفاع السلطان بواسطة المرتزقة هو ضد شعب ذلك السلطان. نخلص إلى إن ابن خلدون كان واضحا في ذم أولئك الحكام والسلاطين الذين يستخدمون المرتزقة ضد شعوبهم ويستفرغون خزائن دولهم للإنفاق على هؤلاء الغرباء الذين يحاربون في سبيل قضية لا تعنيهم، فتهرم دولهم ويصير مصيرهم الانهيار. ولما كان ابن خلدون صاحب نظرية متطورة في التاريخ فانه درس ما بين يديه من وثائق، من بينها ماذكرنا وغيره كثير فتوصل برجاحة رأيه وعلو كعبه في هذا المضمار إلى أن استخدام الملك لهذا الصنف من الجنود يجعل انهيار دولته أمرا حتما.
رأي مكيافيلي
لا جدال في أن مكيافيلي مستلهم ناجح لفن الحرب، لم يتعلمه في معهد أو ميدان قتال ولكنه عمد إلى مجال التثقيف الذاتي فدرس التاريخ كمؤلفات تيتوس ليفي وغيره حتى برع في مجال الفكر العسكري استنباطا. لقد استطاع الرجل التوصل إلى ان المرتزقة (قوات غير مجدية بل ينطوي وجودها على خطر. وإذا اعتمد عليها أحد الأمراء في دعم دولته، فلن يشعر قط بالاستقرار أو الطمأنينة، لان هذه القوات كثيرا ماتكون مجزأة وطموحة، لاتعرف النظام ولاتحفظ العهود والمواثيق، تتظاهر بالشجاعة أمام الأصدقاء وتتصف بالجبن أمام الأعداء، لاتخاف الله ولا ترعى الذمم مع الناس. والأمير الذي يعتمد على مثل هذه القوات قد يؤجل دماره المحتوم) (15) وهو ماكان ابن خلون قد خلص إليه قبل مكيافيلي بقرنين من الزمان.
و يستمر مكيافيلي بذم تلك العناصر المجرمة بأقذع أنواع السباب. ثم يعود إلى سباب مماثل في كتاب آخر هو (المطارحات) إذ يقول مشيرا إلى ما ذكره في كتاب الأمير (لما كنت قد تحدثت بصورة مسهبة في أحد مؤلفاتي الأخرى عن تفاهة القوات المرتزقة وعدم جدواها، فاني أوثر عدم الإطالة هنا في بحث هذا الموضوع، ولكني لا أستطيع على أي حال من الأحوال أن أتغافل الإشارة إلى مثل مهم كل الأهمية عثرت عليه عند تيتوس ليفي) (16).
لقد كان عصر النهضة إذن عصرا موبوءا بالمرتزقة كما هو واضح من كتابات مكيافيلي الذي عاصر وجود فرق سويسرية قوية منهم، وقد كانت الممالك الإيطالية عقب عصر الاستكشافات بحاجة ماسة إلى بحارة ذوي خبرة فاستقدمت شرقيين كثر ممن وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل عقب الهيمنة البرتغالية على مسارات الطرق البحرية الرئيسة وخاصة في المحيط الهندي وبحر العرب. وكان هؤلاء الأجراء في أسطول البندقية يسمون (Levant) أي الشرق للدلالة على أصولهم الشرقية. وعندما تمرست الدولة العثمانية وقويت برا وبحرا فإنها استقدمت مجاميع من هؤلاء وأبقت على تسميتهم ولكن بصورة محورة، فصاروا يعرفون باللاوند، إلا إنهم كانوا عناصر فاسدة مستهترة لم تستطع السلطات العثمانية الصبر على مساوئها فسرحتها وطاردتها.. ولما كانت في شمال العراق قبيلة كردية تحمل اسما مشابها هو (اللاوند) فقد رأت نفسها قادرة على تشكيل فرق عسكرية تخدم ولاة بغداد العثمانيين منذ القرن السابع عشر وتقدم لهم من المرتزقة والأجراء ما يحتاجون إليه. وكما يفعل أي مرتزق جبان فقد فر هؤلاء إلى الشام عندما غزا الصفويون بغداد (17) سنة 1623 واخذوا يبيعون خدماتهم للولاة الأتراك هناك بعيدا عن المخاطر والحروب الفعلية.
بريطانيا والمرتزقة
تاريخ الانجليز مفعم بالشواهد في هذا المجال، فالإمبراطورية العظمى ذات التقاليد العريقة إنما هي وليدة مغامرات لجنود مرتزقة مأجورين. فالحروب التي أسست لتلك الإمبراطورية كانت من هذا الصنف الوضيع وللتدليل البسيط نذكر إن ملك الانجليز ادوارد الأول (1239-1307) صاحب الذكر السئ في الحروب الصليبية عندما كان أميرا، فقد تمكن بواسطة جيش من المرتزقة المأجورين احتلال استكلندا وايرلندا وويلز وجعلها من بواكير أجزاء تلك الإمبراطورية. وعن هذا الملك ينقل قولا يخجل من تذكره كل انجليزي يدعي الشرف والتحضر، فهو يقول (إننا باستخدام المرتزقة نستطيع التأكد إنهم لم يتركوا وراءهم غير عظام الأعداء، فهم ليس لهم من القدرات ولا الشفقة ما يجعلهم يعتنون بالأرامل والأيتام. وبعد ذلك فان من السهل علينا التخلص منهم عندما نريد).
فكما كان الاسكندر يخطط لتنفيذ طموحاته غير المحدودة، كانت بريطانيا تفكر في الاستحواذ على أكبر قدر من تركة العثمانيين، ولكنها غير مستعدة للزج بفلذات أكباد الانجليز في معارك بعيدة عن بلادهم. لذا عمدت إلى تأليف جحافل ضخمة من جياع الهند البلد المستعبد والخاضع لاستعمارها، وكان اللورد كشنر منذ العام 1904 قد وضع خططا للارتفاع بمستوى تلك القوات استعدادا لدرء خطر روسي تجاه الهند (18). لقد تأمنت بفضل ذلك أعداد غفيرة من القوات المستعدة للقتال من أجل مصالح الانجليز حيثما تطلب الامر، وفعلا فقد ساهمت الهند بإرسال قوات عسكرية إلى مختلف ساحات القتال (19). وكان خيرة تلك القطعات مرتزقة نيباليين يسمون (الجورجا) مكثوا في خدمة القوات البريطانية لأجيال لاحقة بمثابة قوات خاصة ذات مزايا فريدة، وان بعضهم مازال يخدم في صفوف تلك القوات، وقد أجر الانجليز بعض وحداتهم لبعض الدول حديثة الاستقلال طمعا في العوائد المالية المجزية التي يؤمنها تأجيرهم.
وكانت طليعة القوات الغازية للعراق متمثلة بالفرقة الهندية السادسة، وبذا استعاد الانجليز بعضا من عفن تاريخهم الغابر أيام ملوكهم أدوارد الأول وجون ليحولوه إلى استراتيجية عصرية تطبق فيها نظريات ماكيندر وغيره. والانكى من ذلك إن الانجليز ومنذ العام 1870 منعوا بموجب القانون تجارة المرتزقة ولكنهم وضعوا جانبا مطاطيا في مواد المنع تحسبا للجوء إلى تلك التجارة كعادة الانجليز ومثال ذلك إن القانون لايسري على مجموعة الكومنولث إلا إذا صدر أمر خاص من ملك بريطانيا إلى الحاكم العام هناك. ولكنهم بالتأكيد يقصدون مواطنيهم الذين يأجرون أنفسهم لدولة تحاربهم فالمواد لم تكن موضع تطبيق ملموس قطعا.
وما أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها حتى بدأت القوات البريطانية ترصن مواضعها في العراق المحتل الذي خططت لان يكون بقبضتها إلى مالا نهاية، فأسست جيشا من المرتزقة لحماية بعض معسكراتها على غرار ما كانت تفعله في الهند وعرف هذا الجيش الوضيع بجيش الليفي تذكيرا بأولئك البائسين المرتزقة من الشرقيين الذين خدموا كالمتسولين في أساطيل الايطاليين في القرون الوسطى ومطالع عصر النهضة. وكان الأكراد والتيارية الذين أتى بهم الانجليز من خارج البلاد ليوطنوهم في العراق وأطلقوا عليهم اسم (الاثوريين) (20) أكثر الناس حرصا على الانتماء إلى جيش المرتزقة ذاك وأكثرهم إخلاصا له. لابل إن أولئك التياريين المرتزقة كانوا أشد قسوة على أبناء الشعب العراقي من القوات البريطانية عندما استخدمهم الانجليز في ضرب التحركات الوطنية في الشمال والجنوب والوسط ما جعل أبناء الشعب اشد كراهية لهؤلاء الغرباء (21).
المشكلة االلاحقة هي مطالبة الانجليز رئيس الوزراء العراقي ناجي شوكت بتنفيذ ما تعهد به رئيس الوزراء السابق نوري السعيد سرا بتشكيل حرس من قوات المرتزقة للقواعد الجوية البريطانية على غرار قوات الليفي تتولى الحكومة العراقية نفقاتها، وقد دهش شوكت من كيفية اتفاق السعيد مع الانجليز على هذا الأمر بدون علم الملك ولا البرلمان (22). ولكن الحكومة الشوكتية غادرت الحكم من غير أن تبت بالأمر.
لقد شهدت الحرب العراقية البريطانية عام 1941 استقدام الانجليز لمرتزقة صهاينة من منظمة أرغون الارهابية من فلسطين المحتلة، وقد عمل الجنرال غلوب باشا الذي كان رئيسا لأركان الجيش الأردني على تسهيل وتسريع مرورهم نحو العراق بسرية وأمان.. وكانت بعض مجاميعهم بقيادة الإرهابي رازيال الذي قدمت به طائرة بريطانية إلى الحبانية و الذي اختفى أثره في إحدى المعارك هناك ولم يعرف مصيره حتى هذه اللحظة.. إضافة إلى مجاميع أجيرة كلفت بتدمير أنابيب ومنشآت النفط العراقي في طرابلس اللبنانية ولكن 22 مرتزقا منهم ابتلعهم البحر ليقدمهم رزقا لأسماكه.
الفرقة الأجنبية الفرنسية
وكما كانت بريطانيا تسعى للحصول على جنود رخيصي الكلفة، لا يشكل موتهم عبئا على كاهل قياداتها العسكرية ويجنب حكومتها الإشكالات الدستورية، فقد لجأت فرنسا إلى تشكيل فرقة ضخمة من المرتزقة أطلق عليها اسم الفرقة الأجنبية، وذلك خلال اجتياحها الجزائر سنة1831وفي الجزائر المحتلة كانت معسكراتها.
حرم الانتماء إلى تلك الفرقة على المواطنين الفرنسيين، لقد كانت تلك الفرقة مأوى لكثير من المجرمين الباحثين عن مأوى، وقد بلغ تعداد المرتزقة فيها في بعض الأوقات ثلاثين ألف مرتزق، ولم تكن أنظمة الفرقة تسمح بطلب بيانات تفصيلية عن المرتزق المتقدم للتطوع، وإنما عليه أن يوقع عقدا للعمل في الفرقة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، ومن بين بنود العقد إنزال عقوبات صارمة تصل إلى الإعدام بحق المتخاذلين في المعركة والفارين منها. وكان لهذه الفرقة دور هام في توسيع الاستعمار الفرنسي (23)، كما إنها شاركت في معارك الحرب العالمية الأولى، فقاتلت بشجاعة، وخلال الحرب العالمية الثانية التي شاركت في بعض معاركها حُلت ثانية مع أن نسبة عالية من منتسبيها كانوا من المرتزقة ألالمان، ولكنها أعيدت إلى الخدمة منذ عام 1946لترسل إلى فيتنام حيث قاتلت بشكل متميز إلى حين الانسحاب الفرنسي من هناك عام 1954، ومن ثم أعيدت إلى الجزائر، إلى أن أمر الجنرال ديغول بإلغائها عام 1959، حيث أغلقت مقراتها نهائيا عام 1961 ومع تسريح المرتزقة من الفرقة اتجهوا إلى الدول الأفريقية التي كانت تعاني من مشاكل وحروب داخلية ليجدوا هناك مجالات واسعة للعمل والمغامرة.. فهناك عرف العالم أسماء من كبار أعلام المرتزقة من أمثال بوب دينار والكولونيل ترانكيه وتوني دي سانت بول وشاكرام وشتينر وغيرهم كثير.
فيتنام وأنغولا
كعادة السياسة الأمريكية، فإنها كانت تقدم الأدلة المزيفة وتفبرك الوقائع لتمشية السياسات التي تقررها وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية بالتعاون مع البنتاغون خصوصا عندما يكون الرئيس ضعيفا تسيره هاتان الجهتان، ولم يعد افتعال حادث خليج تونكين سرا، ما أدخل أمريكا في نفق الحرب الفيتنامية الطويل أيام الرئيس جونسون.
وكانت العملية (34A) التي سبقت حادثة الخليج قد أظهرت اهتماما أمريكيا بالمرتزقة الآسيويين. فلقد نشطت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من أجل تجنيد عدد كبير من هؤلاء ومن غيرهم وأسست (مكتب الدراسة والمراقبة) التابع للجنرال هاركينز قائد القوات الأمريكية في فيتنام الجنوبية الذي وضعت الوكالة بامرته طائرات وطيارين مرتزقة من شركة (إير أمريكا) التابعة للوكالة لتنفيذ أعمال استفزازية داخل فيتنام الشمالية. ولكن بدأ اليأس يدب إلى قادة الوكالة والبنتاغون من احتمال أن يحصلوا على فرصة الضربة الكبيرة لفيتنام الشمالية نتيجة لتلك الأعمال السرية التي ينفذها المرتزقة المأجورون كما جاء في مذكرة رفعها الجنرال ماكسويل تايلور في مطلع عام 1964 ورد فيها (على الرغم من دعمنا وإسنادنا للأعمال السرية التي تنفذ ضد فيتنام الشمالية فانه سيكون أمرا سخيفا الاعتقاد إن تلك الأعمال سينجم عنها أمر حاسم، لذا يجب على الحكومة الاستعداد لتنفيذ أعمال أكثر جرأة كالقصف الجوي لأهداف رئيسية في فيتنام الشمالية) لذا وضمن مفردات الخطة (34A) لاستخدام المرتزقة في أعمال أكثر خطورة واستفزازا تم تحريك مجاميع منهم ليلة 30 تموز 1964 لضرب أهداف فيتنامية شمالية، اضطرت معه قوات هانوي للرد، وتكرر العمل لليلة تالية أخرى حيث أعلن الرئيس جونسون إن فيتنام الشمالية اعتدت على مدمرتين أمريكيتين وبذا حصل الرئيس على ما يطمح إليه من تفويض بالقصف العنيف لهانوي ماكان له إن يحصل عليه لولا الزج بالمرتزقة الذين هيئتهم وكالة المخابرات المركزية في أعمال سرية استفزازية لايخشى معها انكشافهم، فهم آسيويون وليسوا أمريكان.
وقد كانت تلك الأساليب التوريطية تتم على أسس مفبركة أكثر رواجا ونضجا في زمن تولي هنري كسينجر مهام مستشار الأمن القومي وخاصة بعد إناطة وزراة الخارجية به. فما أن انتهت الحرب في فيتنام بهزيمة أمريكا عام 1975 حتى افتعل الرجل قصة التدخل السوفيتي في الشأن الانغولي ولم يكن الأمر وقتذاك كما حاول تصويره، فأنغولا البلد المترع بأغلى أنواع الخامات والذي حولت البرتغال سكانه إلى مكائن مجّانية للعمل بالسخرة لاتكلف غير بعض الأغذية الرخيصة حتى وصل بها الأمر إلى تأجير حشود ضخمة من أبناء انغولا لمن يحتاج إلى عمالة رخيصة. فالبلد كان في تلك الحقبة حديث استقلال تتنازع أمره حركات سياسية أنانية متناحرة، ماصنع الفرصة الذهبية للتدخل الأمريكي، خصوصا مع تواجد عناصر الإغراء على ذلك التدخل، وكان عنصر التنفيذ الميداني الأمريكي في الساحة الانغولية هو روبرتو هولدن زعيم الجبهة الوطنية لتحرير انغولا وصهر الرئيس الزائيري موبوتو، والذي كان يجند المرتزقة بواسطة مكتب له في لندن إضافة إلى ماتمده به وكالة المخابرات المركزية وما يستطيع جمعه من عناصر محلية اعتادت على العمل سخرة أو بالأجرة للأجانب منذ زمن الاستعمار البرتغالي، وكان العنصر الثاني في الصراع الانغولي المحلي هو جونياس سافيمبي زعيم الاتحاد الوطني لاستقلال أنغولا التام وهو رجل النظام العنصري لجنوب أفريقيا التي أمدته بعناصر مرتزقة محلية وأوربية، وهاتان الحركتان ضد الحركة الشعبية-مبلا التي يقودها الشيوعي أوغستينو نيتو المدعوم سوفيتيا وكوبيا.
مشكلة المرتزقة المحليين (من المواطنين الانغوليون في هذا المثال) إنهم غير قادرين على تنفيذ أعمال ضخمة ذات نتائج استراتيجية مالم ترافقهم عناصر أجنبية ذات قدرة عالية على الخلق والإبداع المتأتية من تدريب حصيف وخبرة متراكمة، والجنود الأمريكان المتقاعدون الذين يبحثون عن مزيد من الموارد والأجور، هم الأصلح لمثل تلك المهمة، لذا وجدت المخابرات المركزية إن مرتزقة أمريكان ومثلهم من بيض جنوب أفريقيا وبرتغاليين وغيرهم من جنسيات أوربية قادرون على إدارة تلك الأعمال القذرة، خصوصا وان المتقدمين لمثل هذا العمل من حملة تلك الجنسيات هم عناصر خدمت في جيوش متطورة وتدربت تدريبا راقيا ويعتمد عليها في الواجبات الخاصة إضافة إلى محاربين أفارقة سابقين ممن ساهم في حرب بيافرا والكونغو وغيرهما خصوصا وان الصحافة الأمريكية كانت تنشر إعلانات عن فرص للتطوع في صفوف المرتزقة برواتب مغرية مقدارها 1200 دولار شهريا (بأسعار عام 1975) وكانت قاعدة سان دييغو البحرية الأمريكية هي نقطة التجمع والانطلاق للمرتزقة الذين أمنت وكالة المخابرات المركزية لإحدى دفعاته 400 تذكرة سفر.
يقول توني هوجبس الذي كان مراسلا للاوبزرفر والذي كان من أوائل الشهود على عمليات المرتزقة هناك انه (شاهد عشية استقلال انغولا في مطار بنغويلا حوالي 50 جنديا يرتدون زي قوات جنوب أفريقيا وهم يرصفون صناديق الأسلحة، وانه شاهد مرتزقة أمريكيين أجرى لقاءا مع أحدهم وهو طيار سبق وأن عمل مع ذوي القبعات الخضر في فيتنام) (24). وفي شهر تشرين الأول 1975 بدأ رتل ضخم من المرتزقة المستأجرين من قبل وكالة المخابرات المركزية ممن درب في الغابون بغزو المدن الساحلية حيث اجتاح موكاميدس ونوبيت وبنغويلا متجها نحو العاصمة ولكن الرتل مني بخسائر لاقدرة له على تحملها ففشل في مهمته وان بعض عناصره أسروا وان احدهم وهو المرتزق البرتغالي يواكيم جوميز أولفيرا اعترف إن رجل أعمال برتغالي اسمه بيرس كارفالهو قام بتجنيده مع عدد من الفنيين البرتغاليين وانه نقل قبل الهجوم بثلاثة أشهر مع 22 مرتزق من مواطنيه إلى معسكر قرب سالزبوري ثم إلى زائير، وفي كينشاسا سحبت جوازات سفرهم ووثائقهم الثبوتية وسلموا وثائق تعود لأحدى المنظمات الانغولية المتناحرة، وكان باستقبالهم في مداخل أنغولا العقيد البرتغالي سانتوس كاسترو الذي زودهم ببنادق بلجيكية وبدلات خاصة بالمرتزقة (25).. وفي 1 نيسان 1976 قدم عدد مرتزقة للمحاكمة من بينهم 6بريطانيين و3 أمريكان وقبرصي كان قد سرق كمية هائلة من الماس تقدر بأربعين مليون دولار، وعندما انتشر خبر الطريقة البشعة التي أعدم بها المرتزقة على الرغم من جهود الرئيس الأمريكي فورد وملكة بريطانيا للرأفة بهم، فقد قرر بقية زملاء المهنة القذرة أن يغادروا انغولا الشيوعية الصارمة فورا. وبذا فقد فشل التدخل الأمريكي الذي وصفته جريدة الأهرام بالعمليات السرية (الأضخم منذ انتهاء التورط الأمريكي في جنوب شرقي آسيا) (26).
ولم تتوقف مغامرات المرتزقة وسماسرتهم في القارة المبتلاة في العقود التالية لعقد السبعينات من القرن المنصرم، فقد كان الفعل الجرئ للمرتزق الايرلندي مايك المجنون الهادف إلى غزو سيشيل والذي مني بالفشل وفرار المجنون ورجاله مكتفين بالسلامة غنيمة في العقد التالي وتحديدا عام 1981 وان محاولات مماثلة جرت مجددا في جزر القمر وغيرها خلال عقدي الثمانينات والتسعينات مما يعني إن محاولة غزو غينيا الاستوائية في العام الماضي ليست مقطوعة الصلة بماضي المرتزقة الأسود وإنما ثمة سلسلة متواصلة قادت إلى تلك العملية الفاشلة.
الوزير المرتزق
إن ماضي الكيان الصهيوني مفعم بالشواهد على تأمين المرتزقة لمن يطلب حتى قبل الإعلان عن تشكيل ذلك الكيان كما مر بنا في موضع سابق، أما بعد تشكيله فقد كان يعتمد بشكل كبير على المرتزقة وتحديدا الطيارين المتقاعدين خاصة من ذوي النفس العنصري من أمريكا وغيرها، كونهم سيقاتلون بإخلاص مفترض وذلك عندما كان العرب يشكلون خطرا حقيقيا على هذا الكيان.. ولكن بعد أن تفشت بين الصهاينة حالة الاطمئنان عقب حرب عام 1973 وشعروا إنهم سوف لن يضطروا إلى مواجهة حشد عسكري عربي محارب كالذي حصل في الحروب التي كانت حرب رمضان آخرها فقد اتجه قادته العسكريون إلى العمل كمرتزقة أجراء لدى من يدفع لهم أكثر من دول وحركات في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، والمثال الأوضح والأكثر انكشافا هو الجنرال رحبعام زئيفي الذي عينه شارون وزيرا للسياحة في حكومته وقتل في 17/10/2001 على أيدي رجال المقاومة الفلسطينية.
فما أن أحيل الجنرال المذكور على التقاعد من الخدمة العسكرية سنة 1976 حتى شد الرحال إلى القارتين المبتليتين بداء المرتزقة، ولكنه في الأكوادور لاقى سوء طالعه الذي سبب له فضيحة سياسية كشفت حقيقة الكيان الصهيوني وقادته الذين يعد زئيفي نموذجا لهم، ماحمل الحكومة الصهيونية على استدعائه وتعيينه في منصب ضمن قوات الاحتياط ما أتاح له فرصة إنشاء شبكات للدعارة والسمسرة تحولت إلى شبكة مافيا واسعة الانتشار لها فروع في الكثير من الوحدات العسكرية (27).
وفي الواقع فان للصهاينة ارث مشين في مجال التعامل والمتاجرة بالمرتزقة، فمازال الجيش الإسرائيلي يتحتفظ بما تعداده 7365 مرتزقا بين أفراده وانه يملك منظومة متقنة لاستقدام المرتزقة لزجهم في كثير من الواجبات الحمايوية والتخريبية التي يستمتعون فيها بالقتل وإيقاع الخسائر بين المواطنين الفلسطينيين هادفا إلى التخفيف عن كاهل قواته العسكرية، وهو الأمر الذي فضحه العقيد المتقاعد اليعازر اسحق الخبير العسكري والمحاضر في عدد من المعاهد العسكرية الإسرائيلية في كتاب ألفه وصدر حديثا بعنوان (المرتزقة في الجيش الإسرائيلي) (28) والذي كشف فيه عن إن الجيش الإسرائيلي اعتمد على هؤلاء المرتزقة منذ تأسيسه الرسمي في العام 1948 عندما استقدم 494 من المحاربين المتقاعدين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية ووضعوا تحت إشراف اسحق بن باؤول مستشار رئيس الوزراء. وكان بن غوريون رئيس الوزراء الأسبق قد احتفى بمجموعة منهم عام 1950 ومنحهم أعلى الأوسمة لخدماتهم المتميزة للكيان الصهيوني .
وزيادة على ذلك فقد خصصت لهم أبواب إنفاق خاصة بهم ضمن ميزانية الحرب الصهيونية بدأت بما يساوي 350 ألف شيكل وصلت في زمن نتنياهو إلى سبعة ملايين ونصف خصوصا وان عهده شهد استقدام الكثير من الضباط السوفيت المتقاعدين ممن جندهم السمسار الكسندر يهودا الذي هاجر إلى الأرض المحتلة عام 1992. فقد كان ذلك السمسار كان الراغبين من الضباط الروس التقاعدين من فئة الأعوان (من رتبة ملازم وحتى رتبة رائد داخلا) للعمل في إسرائيل براتب شهري يصل إلى عشرة آلاف دولار بينما يبلغ راتب الضباط الأعلى رتبة عشرين ألف دولار شهريا عدا عن المكافئات الضخمة جدا لمن يقتل مقاوما حيث تتراوح المكافئة بين سبعة آلاف وثمانية وعشرين ألف دولار بحسب أهمية الضحية.
وبعد أن قلص باراك تلك الميزانية لعدم قناعته بهؤلاء الأجانب، عاد شارون لتوسيع مجالات استقدام لعادا جديدة منهم إذ بدأ ميزانية عام 2002 بتخصيص ستة ملايين لهم وهو مبلغ يزيد مرتين ونصف على ماكان في زمن سلفه، فالرجل معجب بساديتهم الشديدة ويفخر بتعطشهم لسفك اكبر قدر من الدماء مما يحفل الكتاب المذكور بشواهد مخزية ومؤلمة منها، فلقد تمت تجربتهم ميدانيا في شتى المعارك وخاصة في جنوب لبنان والهجومات التي شهدتها الضفة الغربية وكان لهم في مجزرة جنين دور يخدش ضمير الإنسانية.
شركات المرتزقة
لاحظنا الاهتمام الأمريكي بالمرتزقة متمثلا بالبنتاغون والمخابرات المركزية الأمريكية وكذلك وزارة الخارجية من الناحية السياسية، وان ذلك الاهتمام مدعم بالتجارب على الرغم من وجود مواد عقابية في القانون الأمريكي تطبق على من يمارس هذه المهنة بأي شكل من الإشكال.
فكما كانت بريطانيا قد شرعت موادا تحرم العمل الارتزاقي كذلك كانت أمريكا، فالمادة العقابية 959 من الباب 18 من القانون الأمريكي تنص على إن (أي شخص على التراب الأمريكي:إذا انخرط أو التزم بتأجير نفسه أو استدعى شخصا آخرا أو حرض غيره على الانخراط أو الالتزام بخدمة جيش أمير أو دولة أو محمية، أو منطقة أو شعب أجنبي كجندي أو قناص أو بحار على متن باخرة أو زورق حربي أو كان في طريقه إلى الحرب، يعاقب بألف دولار غرامة مالية كحد أقصى أو بالحبس لندة ثلاث سنوات أو بالعقوبتين معا). نقول على الرغم من ذلك كله فان الاهتمام المخابراتي والسياسي بالمرتزقة المحليين أو الأجانب قد صنع تاريخا أمريكيا حافلا بالنشاط الارتزاقي في فيتنام وانغولا وغيرها حتى جعل أمريكا تعتمد هذا السياق في عقيدتها القتالية. فهذه كراسة العمليات للجيش الأمريكي (OPERATIONS FM 100-5) تتضمن تعليما يخص استخدام تلك العناصر والتنسيق معها بأسلوب مهذب إذ يطلق عليها اسما فضفاضا قابلا للتطويع والتلاعب والتهذيب بحسب الظروف هو (رجال العصابات) عندما يقول (وإذا تمكنت الولايات المتحدة من الاحتفاظ بالسيطرة على قوات العصابات بعد الارتباط بالقوات التقليدية فان رجال العصابات قد يزيدون من حجم القوات التقليدية. وقد يساهم هؤلاء في العمليات القتالية أو يجرون الاستطلاع لإسناد القوات التقليدية) (29) ربما كان هذا التعليم هو الأساس الذي انطلق منه بول ولفوويتز عندما كان مساعدا لوزير الدفاع ليطالب الكونجرس بتخصيص مبلغ خمسمائة مليون دولار وذلك في آب 2004 شارحا أفكاره أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب وذلك بهدف إنشاء مليشيات صديقة في العالم للكشف عن الإرهابيين مادعا بعض المسؤولين الأمريكيين لان يلمحوا إلى إن مليشيات موجودة في العراق وأفغانستان والفلبين والقرن الأفريقي وربما في باكستان والقوقاز ستستفيد من ذلك المبلغ، وربما ستكون جاهزة للتعاون الميداني مع القوات الأمريكية على وفق ماتضمنته العقيدة القتالية للجيش الأمريكي التي أوردنا نصا من أحد كراساتها، خصوصا وان كل المبالغ التي أنفقتها المخابرات المركزية على المليشيات الأفغانية المسماة تحالف الشمال التي سهلت الغزو الامريكي لذلك البلد عام 2001 لم يتجاوز بضعة ملايين من الدولارات. أما خلال غزو العراق فقد كان التأسيس الأمريكي لعمل مماثل باستخدام المليشيات الكردية (البيشمرغة) التي نستطيع تسميتها قوات الشمال أيضا أسوة بتحالف الشمال الأفغاني، ما جعل قادة الأكراد العراقيين يتحججون لبقاء مليشياتهم بذريعة إنها ساهمت في تحرير العراق ربما برضا وموافقة أمريكا التي تريد استئجار بعض عناصر تلك المليشيا لتشكيل فرق سرية للاغتيالات داخل العراق بموجب خطة تسمى (خيار السلفادور) (30) لتشابه عملها مع ماقامت به المخابرات الأمريكية هناك بتوجيه من نجروبونتي.
لذا فقد نشط سماسرة الحروب وتجار الموت في استثمار المحاربين السابقين من ذوي الروح المغامرة والتعطش إلى القتل وسفك الدماء ليشكلوا منهم ما أطلقت عليه نيويورك تايمز في أحد أعداد نيسان 2004 (جنود الظل). فكان الاستثمار الجديد بأسلوب حضاري ومهذب هذه المرة، فأسسوا لهذا الغرض شركات لتأمين المرتزقة لمن يطلب تحت تسميات ملمعة جعلت عملهم أكثر قبولا من الناحيتين الاجتماعية والقانونية، فهي شركات أمنية تؤمن حراسا أمنيين لمن يرغب في الحصول على حماية مقابل ثمن وضمن ذلك محاولة لرسم صورة جديدة لهؤلاء الوحوش البشرية بدلا عن الصورة الراسخة في أذهان الناس.
وفي الحقيقة فان تأسيس شركات للمرتزقة تحت واجهة (شركات أمنية) ليست جديدة، فإن من أوائل من عمل بهذا الاتجاه هو الضابط البريطاني المطرود من فرقة المظليين جون بانكس الذي فتح في البداية بارا صغيرا يقدم المشروبات علنا والمخدرات والدعارة سرا، ولكنه عندما لاحظ إن هذه المهنة لاتلبي طموحاته المالية والمغامراتية فقد عمد في مطلع العام 1975 إلى تأسيس شركة باسم (المنظمة العالمية لخدمات الأمن) بحجة تأمين حراس وعناصر أمن تحت الطلب، واستأجر لهذه الغاية فندقا في لندن ليكون مقرا ومأوى للمتطوعين من المرتزقة، ونشر إعلانات تدعو الراغبين بالعمل من رجال القوات الخاصة السابقين للاتصال به، وكانت الرواتب المعروضة مغرية بحساب ذلك الوقت، فهي 600 دولار للجندي وألفين للضابط.. وفعلا تقدم 200 متطوع للعمل، إلا أن شجارا حصل في الفندق بين العناصر المرتزقة أدى إلى تدخل الشرطة فأحبط المشروع. وربما في ذات الفترة كان المرتزق العالمي بوب دينار قد أسس شركة مماثلة أعلن عنها في إعلانات صحفية تقول (شركة ما وراء البحار للأمن والحماية تبحث عن كوادر ذات خبرة وصحة جيدة وتهدف إلى تكوين جيش طلائعي) (31).
لقد كانت فكرة تأسيس شركات بواجهات أمنية لتأمين عناصر أمن وحراسة وحماية عملية قانونية وشرعية وممكنة ماجعل تجار المرتزقة يلجأون إلى هذه الطريقة التمويهية حتى صار العدد المثبت لتلك الشركات حاليا هو100 شركة منها 35 شركة تعمل على الأراضي الأمريكية وحدها واغلب المتبقي شركات أوربية وبعضها في دول آسيوية وأمريكية لاتينية وجنوب أفريقيا، تؤمن العمل (الشريف-كما تدعي) لعسكريين سابقين يرغبون في زيادة مواردهم المالية عن طريق العمل ضمن سقف خبراتهم وامكاناتهم البدنية والعقلية.
وبتقديرنا فان تلك الإحصائية باتت قديمة بعد رواج سوق المرتزقة في العراق الذي استقطب حتى الآن بين 15-20 ألف مرتزق، فالفرنسي جان فليب لافون الذي كان جنديا في البحرية الفرنسية وخدم كمرتزق في ساحل العاج وزائير وجزر القمر وكوسوفو، أسس شركة أمن فرنسية مستعجلة هي الأولى من نوعها في بغداد لتأمين المرتزقة استجابة للطلبات الكثيرة على هذه العناصر وربما هي الشركة الأولى من نوعها التي تؤسس في العراق، وقد استأجر فيلا فخمة في العاصمة بغداد لتكون مقرا لشركته. إضافة إلى إن رجال الأعمال الكويتيين دخلوا على الخط كمتعهدي تأمين مرتزقة آسيويين لأغراض الشركات الأمريكية العاملة في العراق على وفق ما نشرت الجزيرة نت. كل هذا يجعلنا لانقر الرقم المعلن عن عدد تلك الشركات الذي هو في تصاعد وازدهار وصفه كريستوفر بيس من شركة أرمورجوب الأمنية البريطانية بأنه أضخم انتشار لشركات الأمن الخاصة، حتى إن المرتزق الأمريكي أروين يصف العراق بأنه منجم ذهب، لذا سارع إلى التعهد بجلب العديد من راغبي التطوع للعمل في هذا المنجم.
ولقد فضح الكاتبان الفرنسيان بريغولي ودلاموت في كتابهما (البازار الكبير) ارتباطات تلك الشركات وحقيقتها عندما لفتا انتباه قرائهما إلى (أن ثمة اتجاها جديدا يرمي إلى تحويل البنتاغون إلى مركز للمرتزقة. فقد أنشئت سلسلة من الشركات [الخاصة]مؤلفة بمعضمها من موظفين سابقين من البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية [سي آي أيه]تقوم بمهمات التدريب العسكري والحماية والتفاوض في حالات الخطف لحساب دول صغيرة أو لحساب شركات كبرى في أي مكان في العالم يتعرض لأي نوع من أنواع الخطر، وهذه الشركات تقوم بكل ذلك باعتبارها شركات خاصة مع إنها تطلب دائما موافقة الجهات الرسمية) (32).
وكان آخر الفضائح المثيرة لعناصر تلك الشركات المشبوهة الجريمة التآمرية التي قادها في أفريقيا مارك تاتشر نجل مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا الأسبق. والقصة تبدأ في 8 آذار 2004 عندما تم إيقاف طائرة في هراري عاصمة زمبابوي وذلك لاكتشاف شحنة عسكرية مريبة على متنها وبصحبتها 64 راكبا من جنسيات مختلفة يشتبه في أمرهم ويحتمل إنهم من المرتزقة، وكان من بين مفردات الشحنة ملابس وتجهيزات عسكرية بعلامات وشارات غريبة عن المنطقة جعلت منها موضع شبهة. أدعى الركاب المشبوهون إنهم ذاهبون إلى الكونغو الديمقراطية للعمل حراسا لبعض مناجمها.
كانت الطائرة مسجلة في الولايات المتحدة. وعندما انتشر الخبر فقد أعلنت جنوب أفريقيا إن الطائرة المعنية كانت قد انطلقت من أحد مطاراتها بشكل غير مشروع وبدون إذن. وسرعان ما أنكرت الولايات المتحدة أية علاقة لها بالطائرة. أعقب ذلك اعتراف غينيا الاستوائية إنها كانت قد ألقت القبض على 15 مرتزقا من جنسيات مختلفة في الأسبوع السابق للحادث وورد في الاعتراف احتمال كون أولئك الخمسة عشر مرتزق مقدمة لهؤلاء القادمين بالطائرة المذكورة. وتبين فيما بعد ان المرتزقة الملقى القبض عليهم هم ثمانية من جنوب أفريقيا وستة أرمن بقيادة الجنوب أفريقي نيك دو توا الذي اعترف ان المعارض الغيني الاستوائي سيفيرو موتو الذي شكل حكومة منفى في مدريد كلفه باختطاف رئيس البلاد. ومولت المحاولة من قبل رجلي الأعمال المقيمين في بريطاني البريطاني غريغ ويلز واللبناني إيلي خليل.
حاولت أمريكا عقب هذا الاعتراف التنصل مجددا من الموضوع بحجة عدم وجود علم مسبق بالقضية لديها. زاد الأمر أهمية عندما اعترفت الحكومة الغينية في اليوم التالي إن المجموعة الملقى القبض عليها كانت مكلفة باختطاف رئيسها تيودور أوبنيانغ نغيما الماكث في السلطة منذ عام 1979. وفي 25 آب 2004 جرى توقيف مارك تاتشر ابن رئيسة وزراء بريطانيا الأسبق ماركريت تاتشر قرب كيب تاون لثبوت ضلوعه بحركة انقلابية خطط لتنفيذها في غينيا الاستوائية وتنفذ بواسطة جماعة من المرتزقة.
الساحة العراقية
كان العراقيون المفعمون بالرغبة بالإطلاع والثقافة، يعرفون أن المرتزقة يعيثون في القارة الأفريقية فسادا ويقومون بأعمال الغزو لدول وينفذون انقلابات في بعضها وإنهم خدموا الحركات الانفصالية في جنوب السودان واليمن وان مرتزقة عراقيين أجراء عملوا إلى جانب التياريين (الاثوريين) في جيش مرتزق شكلته بريطانيا في الربع الأول من القرن الماضي اسمه جيش الليفي كما مر بنا، وقلة منهم يعرف إن مرتزقة عالميين كانوا قد وصلوا العراق ليخدموا حركة الانفصال في الشمال المدعومة خارجيا وان المرتزق العالمي سيء الصيت بوب دينار كان هنا بين جبال شمال العراق يدرب عناصر من المرتزقة العالميين والمحليين ليحقق الرغبات الأمريكية والإسرائيلية في تقسيم العراق، ولكنه لم يمكث في شمال العراق غير أربعة أشهر (33)، فقد وقعت اتفاقية الجزائر عام 1975 لتنهي ذلك التمرد الانفصالي.
الآن وقد وقع الغزو فقد فوجئ الناس هنا بوجود عمالة أجنبية في بلد تدمر البطالة تركيبته الاجتماعية، وقد جرى اختطاف بعض هؤلاء الأجانب الذين يدعون إنهم جاؤوا إلى العراق بهدف العمل لتأمين معيشة عيالهم، وان بعضهم قتل من دون أن يعلن الخاطفون مطاليب محددة لاطلاق سراحهم. فماذا يفعل هؤلاء الأجراء في بلد أغلب سكانه عاطلون عن العمل، وهل يعقل إن البلد الذي تهرب كوادره العلمية يستهوي العمالة الأجنبية؟.
لقد كان من أوائل المخطوفين على وفق تلك الصفة أربعة مرتزقة أمريكان من شركة (بلاكووتر) خطفوا في الفلوجة وهناك قتلوا وسحلت جثثهم وعلقت فوق جسر المدينة قبل تضرم فيها النار، وحاول باتريك توهي مدير الشركة تحميل الشرطة العراقية المسؤولية لتجنب مطالبة أهالي المرتزقة القتلى بتعويضات. وكذلك المرتزق الإيطالي فابريزو كواتروتشي الذي خطف واعدم في نيسان 2004 بعد أن تبين انه من العناصر المرتزقة جاء يبيع خدمات القتل مقابل ثمن. وقد أحصت وكالة رويترز للانباء قتلى المرتزقة في العراق منذ نيسان 2003 وحتى قرابة عام لاحق فكان العدد 151 مرتزقا. ما جعل الموضوع محط متابعة وتعقيب، فهو ذو معنى خطير أن يعود المرتزقة للعمل رسميا في مطلع القرن الحادي والعشرين.
وان عملية القتل والملاحقة بالنيران والخطف مستمرة بل في تصاعد فقد استهدف فندقا شيراتون وبغداد الدولي بقنابر الهاون يوم 17 /4/2004 وكان الفندقان مقرين لإقامة المرتزقة الأجانب العاملين لدى سلطة الاحتلال وان أحد ضباط شرطة نظام جنوب أفريقيا العنصري وهو المرتزق (كوفوت) كان قد قتل أمام فندق بغداد في مطلع العام 2004، وبالمناسبة فان حماية بول بريمر رئيس سلطة التحالف كانت مناطة بالمرتزقة وكان الرجل سخيا مع المرتزقة إذ ان العقد الذي ابرمه معهم لحمايته وحماية المنطقة الخضراء كلف الخزينة العراقية مائة مليون دولار فقط، وانه وسلطته ساهموا في تمكين شركات المرتزقة الأمريكية لسرقة أموال الشعب العراقي عن طريق الاحتيال والتزوير كما سنفصل ذلك.
وضمن مسلسل قتل المرتزقة من قبل رجال المقاومة فقد قتل مجموعة من الحراس الأمنيين النيباليين. وفي مطلع أيلول 2004 جرى خطف ثلاثة مرتزقة مقدونيين تابعين لشركة سوفان الأمريكية. بينما تحدث البريطاني جوف هاريس لهيئة الإذاعة البريطانية موضحا انه فوجئ بسماع نبأ مقتل ابنه أندرو في العراق وهو جندي متسرح من الجيش، وهو (أي الاب) مندهش من وجود ابنه هناك. بينما استهدف كمين للمقاومة قافلة للمرتزقة قرب السفارة الإيرانية يوم 5/7/2005 وهي تقع على طريق تسلكه قوافل المرتزقة في الدخول والخروج إلى المنطقة الخضراء من الباب القريبة على جسر الجمهورية، تم التأكد أن سيارة من سيارات القافلة أصيبت. وفي حادث آخر أعلن ان عنصرا أمنيا يابانيا يدعى كيهيكو سايتو الذي يعمل بخدمة شركة مرتزقة، خطف ثم قتل والذي قالت عنه رويترز انه من مرتزق سابق في الفرقة الفرنسية الأجنبية (34).
ولا عجب فقد نشرت وكالة الأنباء الفرنسية تقريرا في 23/2/2004 أعده مراسلها في بغداد يفيد إن شركات الأمن العالمية التي انتشرت فروعها في بغداد مؤخرا ينتشر فيها أعضاء الفرقة الأجنبية الفرنسية ذات السجل المشبوه، وان معد التقرير التقى بالعديد من هؤلاء المرتزقة وبينهم مرتزقة صربي من مليشيا (فرقة النسور البيضاء) الصربية وهندوس مسرحين من الجيش البريطاني وشرطيون من نظام جنوب أفريقيا العنصري البائد توصلنا إلى معرفة مقتل بعضهم ومنهم هرمان بريتوريوس الذي كان يخدم شركة امن أمريكية وقتل بنيران كمين قرب الموصل,وآخر انفجر تحته لغم قرب الفلوجة في أيار 2004 عندما كان يقوم بواجب الحماية لشخصية عراقية مهمة، وثالث كان يحرس مكانا معينا في ميناء البصرة فأردته اطلاقات مقاوم قتيلا,بينما أرسل مقاوم انتحاري مرتزقاً آخراً إلى مصيره بتفجير في بغداد.
يدل هذا الاستعراض المبتسر لبعض العمليات التي استهدفت العناصر المرتزقة في العراق إنهم مرصودون من قبل رجال المقاومة وان القتل يطالهم إلى درجة إن بعضهم قطع تذكرة سفر للعراق من غير تفكير بالعودة إلى بلاده على حد تعبير وكالة رويترز عندما خرج محرر لها من حوار مع المرتزق الجنوب أفريقي هرمان بريتوريوس قبل أن تصدق نبوءته فيقتل في العراق. أما على مستوى شركات المرتزقة ومشاكلها فان اضطرارها إلى دفع تعويضات ضخمة للمرتزق القتيل زاد من مشاكل البعض منها مادعاها إلى مغادرة العراق، وان خمس منها قامت بتصفية كافة أعمالها هنا وعادت إلى بلدانها قبل حلول العام الحالي، وآخرها ضمن تلك الحقبة كانت:كومبانيا الرومانية وأكزكيوتيف أوف كومس الجنوب افريقية وساند لين البريطانية (35).
وبسابقة فريدة قدم ريتشارد باوتشر تعازيه إلى عائلتي اثنين من المرتزقة قتلا بانفجار قنبلة ألقيت على سيارتهما على طريق بغداد حلة في 12 آذار 2005 بينما أصيب ثالث بجروح وأكد باوتشر إن الثلاثة من العاملين في شركة بلاك ووتر التي تقوم بحماية الدبلوماسيين الأمريكان في العراق، وعدَّ باوتشر قتلهما (باسم الحرية). و يقودنا ذلك إلى تصرف رسمي مهذب آخر مع أولئك المرتزقة إلى الحد الذي جعل رئاسة الأركان البريطانية تجد صعوبة في إلزام الجنود والضباط البريطانيين للبقاء في الجيش وعدم تقديم الاستقالات تمهيدا للالتحاق بشركات المرتزقة العاملة في العراق، خصوصا وان المرتزق المتطوع في صفوف شركات الأمن الخاص العاملة في العراق مثل كرول، وكونترولد ريسكس، وأرمود سيكيوريتي يتقاضى 14 ألف جنيه إسترليني شهريا (قرابة 20 ألف يورو) بينما يتقاضى المنتسب للقوات البريطانية قرابة ألفي دولار (حوالي 3 آلاف يورو) لذا فان بعض القيادات كقيادة القوات الخاصة لم تجد غير أن تغازل الراغبين في مغادرة مواقعهم العسكرية للعمل في تلك الشركات من باب إن بقاءهم في الجيش هو خدمة في مصلحة الجميع وبهذه النغمة خاطبت قرابة 300 جندي لسحب استقالاتهم.
وبخبر مفاجئ في حينه، تبين إن وزير التخطيط في الحكومة المؤقتة المغادرة تعرض للاغتيال مساء يوم 9/3/2005، وان أفراد المجموعة التي نفذت العملية حسب بيان لوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي كانوا قد لاحقوا واعترضوا موكب الوزير ثم أطلقوا النار فقتلوا اثنين من أفراد حمايته وأصابوا ثالثا وإنهم (استخدموا أسلحة متطورة وإنهم ذوو مهارة عالية في التصويب فيما كان العتاد المستخدم من النوع المحرم الذي له تأثيرات تختلف عن تأثيرات الاعتدة العادية) وقد لاحظ رجال حماية الوزير إن المجموعة كانت تجري اتصالات لاسلكية بين عناصرها الموزعين على سيارتين. لقد تبين إن اؤلئك العناصر هم من الأجانب المستقدمين كعناصر أمن.
وعقب حادث استهداف الوزير الحافظ بشهر شوهد رتل مكون من أربع من سيارات تحمل أجانب مسلحين فتح أفراده النار على سيارة من نوع رينو قرب جسر السنك كانت تقل شخصين، وسارعت الشرطة العراقية التي حظرت متأخرة كعادتها ما سهل هروب المرتزقة، لنقل الرجلين المصابين بإصابات خطيرة إلى المستشفى ليسجل الحادث ضد مجهول وربما اتهمت المقاومة العراقية بارتكابه.
لقد تعرض كثير من المواطنين الآمنين إلى هجمات من قوافل سيارات يقودها المرتزقة الأجانب، ففي شباط 2004 أضطرت شركة ستيل الامريكة ان عناصرها من المرتزقة قتلوا عراقيين في ضاحية غرب بغداد بحجة الدفاع عن النفس. ولم يفتح تحقيق وطني في الحادث، ألا يكفي ان تلك الشركة الأمريكية (ستيل) كانت مسؤولة عن حماية الرئيس الهايتي السابق أرستيد هي التي وصفت الحادث بالدفاع عن النفس؟ (يشاع ان تلك الشركة رفعت حمايتها عن الرئيس المذكور بإيعاز من السفارة الأمريكية هناك في لحظة مقررة ما مكن قوة خاصة من مداهمته ونقله بطائرة خاصة إلى المنفى) (36).
أما مكانة المرتزقة في العراق فإنهم يتمتعون بحظوة فريدة من نوعها خاصة من قبل القوات الأمريكية التي تخطط لإناطة دور مهم برجالها الأجراء، وليس أدل على تأبين باوتشر لقتلاهم. فثمة مرتزق صربي لم يكن يحمل أكثر من رتبة جندي قناص في صربيا يدعى (ميشا) منحته القوات الأمريكية شارة خاصة يعد بموجبها حاملا لرتبة عقيد ويتمتع بصلاحيات تلك الرتبة عند تردده على معسكرات الجيش الأمريكي، وانه بطريقة أو بأخرى استحوذ على سيارتين فاخرتين احداهما بورش والأخرى فيراري كانت لعدي ابن الرئيس السابق وهو يشاهد في شوارع بغداد يتجول بواسطتها.. ترى أي نوع من الخدمات الدموية قدم هذا المرتزق ليحظى بهذا التكريم المتميز؟. أما الحكومة البريطانية التي تعاني من نزيف في بعض مفاصل قواتها العسكرية جراء تسرب عناصرها نحو شركات المرتزقة العاملة في العراق كما مر بنا، فإنها على الرغم من التصريحات المعلنة المضادة للعمل الارتزاقي بشكليه القديم والجديد رأت إن من الأسلم لبعثتها الدبلوماسية في بغداد إناطة حمايتها بواسطة شركات المرتزقة، ولهذا السبب فقد خصصت 15 مليون جنيه إسترليني لتأمين تلك الحماية.
الان وبعد المصير الغامض للسفير المصري واختطاف اثنين من البعثة الدبلوماسية الجزائرية في بغداد واحتمال تصفيتهما، وجرح القائم بالأعمال البحريني ومقتل سكرتير في السفارة الإيرانية وغير ذلك من أعمال تعرضت لها سفارات أخرى كالتركية والإيطالية وسواها، وبضوء لجوء بريطانيا إلى التعاقد المجزي مع شركات المرتزقة طلبا للحماية على الرغم من إنها صاحبة ثاني تواجد عسكري في العراق.. يمكن تصور رواجا جديدا واسعا لهذه التجارة القذرة في العراق.
ولكن إذا ما علمنا إن إحدى شركات المرتزقة وهي شركة آرينس للأمن كانت مسؤولة عن تأمين الحماية لخطوط أنابيب النفط بموجب عقد موقع مع وزارة النفط العراقية، فلنا أن نتساءل باتجاهين، الأول ماذا حققت تلك الشركة من أمن لتلك الخطوط التي ما انفكت تقصف باستمرار؟والثاني الم يكن جديرا بالحكومة تأليف قوة عراقية لحماية تلك الأنابيب خصوصا وان الراتب الشهري للجندي أو الشرطي العراقي لا يتعدى أربعمائة دولار شهريا، ففي ذلك استقطاب للأيدي العاطلة عن العمل واقتصاد في هدر ثرواتنا إضافة إلى تخليص البلد من شراذم أعتى المجرمين الدوليين الذين لا يصمد أمامهم أي رادع قانوني أو أخلاقي؟.
وبالفعل فقد تحول العراق إلى كنز ثمين لهؤلاء المجرمين والمطلوبين عالميا الذين لو كشفت أسماؤهم الحقيقية للانتربول لسارع لإلقاء القبض على أغلبهم. فالمرتزق الذي كان في بلاده يلجأ إلى الاستدانة ليعيش صار هنا يتقاضى مبالغ طائلة (بعضهم ممن تولى حماية الشخصيات المهمة يتقاضى 1500-2000 دولار يوميا) ولكنهم لم يكتفوا بكل تلك الامتيازات المالية التي لا يحظى بها وزراء بلدانهم، وإنما أسسوا عصابات للجريمة المنظمة في بلد غاب فيه القانون وانشغل فيه رجال الحكومة بالحصول على المغانم فنسوا الأمن ومستلزمات العيش الكريم للمواطن، حتى إن بعض المجرمين الصرب الهاربين من المحكمة الجنائية الدولية والمتسترين في العراق بأسماء مزيفة ضمن صفوف شركات المرتزقة ومجرمي شرطة نظام الفصل العنصري لجنوب أفريقيا وغيرهم مارسوا تجارة المخدرات والرقيق الأبيض وادراة بيوت الدعارة، وإنهم انشؤوا شبكات (طبية) تقوم باختطاف الأشخاص وخاصة الأطفال لاستئصال الأعضاء البشرية المطلوبة طبياً مثل الكلى والكبد وقرنية العين وأعضاء أخرى للمتاجرة بها، وان بعضهم مهر في تجارة الآثار الثمينة لبلاد الرافدين (37). وتوثيقا لذلك فان أياد علاوي عندما كان يرأس الحكومة المؤقتة طلب من جاك سترو وزير خارجية بريطانيا (الذي سيتعاقد مع المرتزقة) مساعدة حكومته في إيجاد وسائل للجم هؤلاء المرتزقة كما نشرت جريدة تايمز في عدد 28/8/2004 ما حمل سترو كما تنقل الجريدة على عرض الأمر على حكومته مقترحا إيجاد ضوابط للسيطرة على هؤلاء المرتزقة، فالامر ليس سهلا كما بينت تايمز بالنسبة لأعداد هائلة من المرتزقة لا تستطيع الحكومة العراقية أن تقف على حقيقتها، ذاكرة إن رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي لمح في وقت سابق إلى إن عدد هؤلاء المرتزقة الذين سينتشرون في العراق قد يصل إلى مائة ألف (38) مرتزق خلال سنة لاحقة لحماية المصالح الاقتصادية والدبلوماسية ورجال الأعمال، لتحرير قوات التحالف من تلك الالتزامات، وهو ما قدمنا له بان القوات الأمريكية تأمل في إناطة مهام خطيرة في العراق بالمرتزقة.. ولتدفع خزينة العراق ما خزنت من مال لاعمار البلد هبة لهؤلاء المرتزقة وليصبح البلد على كف عفريت لا يعلم إلا الله أين سيذهب به وماذا يراد له.
أما الرسميون العراقيون (أغلبهم محاط بعناصر من المرتزقة الأجانب لتأمين حمايته الشخصية) فإنهم يحاولون التقليل من الرقم الأمريكي إذ أعلن عدنان الاسدي وكيل وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة إلى إن عدد المرتزقة الذين أسماهم عناصر الأمن في الشركات الخاصة يبلغ خمسين ألف ينتظمون في 60 شركة أجنبية معترفا إن ذلك (جيش كبير، وهو الثمن الذي ندفعه للاحتلال) (39). فعندما قدر بيتر سنجر الباحث في معهد بروكنز والخبير بشؤون المرتزقة والذي سبق له وان ألف كتابا بعنوان (مقاتلو الشركات:ظهور الجيوش الخاصة) عدد المرتزقة العاملين في العراق بعشرين ألف مرتزق تابعين لخمس وعشرين شركة أجنبية قال عنه (في العراق اليوم أكبر جيش مرتزقة في التاريخ) (40) فما بالك بخمسين ألف والرقم مرشح لان يصل إلى 100 ألف؟. وتقول جريدة الحياة (إن نحو 500 فتاة تعمل مع هؤلاء المرتزقة في العراق في أوضاع شاذة وغير مطمئنة) وبينت الجريدة ان فرقا تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية هي التي تسيطر عليهم وتشرف على تعيينهم واستقدامهم وأماكن وجودهم وسكنهم) (41). وعن ضوابط عمل هذه العصابات فان ريتشارد فيننغ مدير شركة كونترول ريسكس غروب التي تنتشر في 130 بلدا منها العراق يقول مجاملا مطمْئِنا (ليس هناك تشريع دولي وربما سنحتاج إلى مثل هذا الإجراء).
فالتاريخ الأفريقي المعاصر يثبت إن كل الدول الأفريقية التي كانت لها أنظمة وجيوش وكيانات راسخة احتلت بواسطة مئات من المرتزقة الأجراء، وان بوب دينار وشتينر وبانكس وغيرهم لم يكونو يملكون غير أعداد قليلة من المرتزقة غيروا بواسطتهم وجه تاريخ دول كاملة بل قارة بمجملها، فكيف بالعراق الذي ليس فيه أية منظومة وطنية للامن متكاملة يعيث فيه مائة ألف مرتزق فسادا ويتحكمون بموارده ومقدراته؟إلى هنا
وقبل أن نغادر المأساة العراقية ثمة أمر جدير بالمناقشة، ألا وهو التلاعب بمقدرات الشعب العراقي وسرقتها من قبل هؤلاء المجرمين المحترفين وخاصة الأمريكان منهم سواء بمساعدة محلية أو بدونها. فلقد ثبت قيام أصحاب بعض تلك الشركات بالتحايل والتدليس وسرقة أموال الشعب العراقي بطرق فنية وأساليب متقنة. فمثلا لو استحضرنا قضية التحايل التي أثيرت ضد شركة كوستر باتلز الأمريكية للمقاولات الأمنية التي تتخذ من رود أيلاند والتي أناط بها بول بريمر خلال إشغاله منصب الحاكم الأمريكي في العراق مهمة حماية مطار بغداد إضافة إلى مهمة أخرى تتعلق بالتموين والنقل وعقود أخرى اقل أهمية، فقد ثبت لاحقا إن الشركة كانت تعمل بأساليب احتيالية تمكنت من خلالها من سرقة مليارات الدولارات من قوت الشعب العراقي ما دعا إلى إقامة دعوى ضدها في المحاكم الأمريكية بموجب قانون (مزاعم الاحتيال) الأمريكي من قبل موظفين في تلك السلطة حاولوا رد اتهامات نحوهم بالتحايل.. ولكن القضاء الأمريكي الذي يجيد اختلاق المبررات لمثل تلك الحالات طالما إن المستفيد أمريكي وجد ما يبرر عرقلة للقضية من خلال أثارة تساؤل رئيسي أثير في المحكمة الفيدرالية الأمريكية حول القضية بخصوص الصفة القانونية لسلطة الاحتلال التي كان يرأسها بريمر والتي هي الجهة التي وقع عليها النصب والاحتيال وما إذا كانت تلك السلطة خاضعة للقانون الأمريكي من عدمه ما حفز محامي الشركة جون بويزي على مطالبة المحكمة برفض الدعوى كونها تحتوي على خلل بشكل شديد فالضحية هنا سلطة التحالف وليس الحكومة الأمريكية التي لا ينطبق عليها القانون الأمريكي إضافة إلى ادعائه إن مقيمي الدعوى لهم مصالح معينة كونهم نافسوا الشركة في بعض مكاسبها (!!).. لذا فان تأجيل النظر بالقضية الذي أعلن يوم 12 تموز 2005 ربما كان الخطوة الأولى نحو غلقها لصالح الشركة التي كانت تتقاضى جزءا من عمولتها نفطا عراقيا خاما مع إنها كانت تقوم بحماية الجنود والقوات الأمريكية في مطار بغداد وتؤمن حماية قوافل إمداد تلك القوات. لاحظ إنها شركة أمريكية وتؤمن الحماية للأمريكان وقامت بالتعاقد مع الأمريكان وتحايلت عليهم والضحية الحقيقية في كل هذا النصب والاحتيال هو الشعب العراقي المغيب عن العملية تماما وثرواته المهدورة.
إن التاريخ المريب لهذه الشركة يوضح طبيعة تلك الشركات التي تتمتع بدعم وحماية أمريكية ملموسة، فهي أسست قبيل غزو العراق من قبل ضابطين متقاعدين هما سكوت كوستر ومايك باتلز اللذين لم يكونا وقت تسأيس الشركة يملكان من المال والخبرة ما يكفي للنهوض بها. وحالما توجها إلى العراق خلال فترة الفوضى التي أعقبت الغزو فقد انفتحت امامهما كل أبواب الثراء، إذ رست عليهما مجموعة من العقود التي غيرت حالهما وجعلتهما يقفزان فورا إلى مصاف الأغنياء، الأمر الذي شجعهما على الدخول في مجالات أوسع منها المساهمة في تقديم العون لتسهيل عملية تغيير العملة العراقية القديمة بالعملة الحالية، ونظرا للرغبة السريعة بالكسب الاوسع فقد اتضح إن الرجلين فتحا مكاتب لشركات وهمية في العراق وقدما إيصالات ووثائق مزورة تمكنا بموجبها من سرقة ثروات عراقية تبلغ مليارات من الدولات.
وخلاف ذلك فانه عندما يكون المتضرر من تحايل الشركات أو تقصيرها في العمل طرفا أمريكيا فان الكونجرس يعقد جلسات خاصة لتابعة الأمر كما حصل مع إحدى شركات المرتزقة وهي شركة إيجس للخدمات الدفاعية المتحدة والتي تضمن التقرير الفصلي للمفتش الأمريكي المختص بإعادة اعمار العراق sigir والصادر في 30/1/2005 ملاحظات سلبية عنها. فقد الكونجرس في مطلع تموز 2005 بأن الشركة مقصرة، فهي لم توفر أفضل مستلزمات الحماية والأمن لموظفي الإدارة والتعهدين والمقاولين الأمريكيين كما يتضمن العقد.
نمط آخر في أفغانستان
كنا قد لمحنا خلال التطرق إلى محاولة بول ولفوويتز الحصول على تخصيصات مالية لإنشاء شبكات من المليشيات المرتزقة إلى وجود فعلي لعناصر من المرتزقة في دول عديدة منها أفغانستان، وتلك هي فضيحة الأمريكان الثلاثة الذين عثر عليهم في أفغانستان يديرون سجنا خاصا هو دليل على ان بامكان هؤلاء المرتزقة المجرمين الحصول على مخابئ يمارسون فيها جرائمهم بحق الإنسانية فهؤلاء، وهم جوناثان أديما وبرنت بينيت وادوارد كالابالو، كانوا يقومون يمارسون احتجاز وتعذيب مواطنين أفغان في العاصمة الأفغانية كابل وربما مارسوا الحصول على أعضاء بشرية من ضحاياهم للمتاجرة بها وبذا فان نمطا جديدا مثيرا من المرتزقة الجدد يظهر مثيرا لكثير من الدهشة والتساؤلات.
والادهى إنهم ادعوا إن لهم ارتباطا بوزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد كما ورد في إفادة أديما يوم 21/7/2004، وبصرف النظر عن إنكار هذا الوزير المفعم بالسادية والذي ينضح كذبا، فان قيادة القوات الأمريكية في أفغانستان اعترفت فيما بعد إنها استلمت في وقت سابق مواطنا أفغانيا من أديما كان يحتجزه في سجنه الخاص. لقد استفز نبأ قيام هؤلاء المرتزقة بتعذيب سجناء منظمة الصليب الأحمر الدولي ما دعا كلود فوالا أحد خبراء المنظمة لان يطالب بمعاقبة هؤلاء المرتزقة عن هذا الفعل الإجرامي، ولكنه سكت ولم يسمع له ما يعزز طلبه الإنساني منذ العام الماضي.
عالمية المشكل
ليس العراق وأفغانستان وبعض الدول الأفريقية هي الساحة الأكثر بروزا والاكثف نشاطا لعمل عصابات المجرمين المأجورين المتمثلة بالمرتزقة سواء القدماء منهم أو الجدد الذين أخذ عملهم يقترب من تسامح وقبول الصيغ القانونية بعدما انتظموا في شركات مصرح بعملها على وفق تلك النصوص.. فالمشكلة عالمية، وان استخدامهم بالشكل الحالي في العراق وأفغانستان جديدا وكأنه قفز من أفريقيا ليطال هذين البلدين، بمعنى انه سيطال بلدان أخرى وسيقضي على المزيد من الأبرياء على أيدي هؤلاء القتلة المأجورين.
لهذا السبب ولغيره سارع معهد الدراسات الدولية العليا الذي يتخذ من جنيف مقرا له، إلى إجراء دراسة توصل من خلالها إلى إن مابين80-108 ألف إنسان قتل خلال سنة 2003 بواسطة الأسلحة الفردية والخفيفة، وان 90%من هؤلاء الضحايا كانوا بسبب صراعات مسلحة. ومع تحفظنا على تلك الأرقام إذ إنها بكاملها أقل مما خسره العراقيون وحدهم خلال ذلك العام، ولكننا نرى فيه على قصوره، جهدا إنسانيا طيبا.
بضوء ذلك ولما كان العدد المقدر للأسلحة الفردية والخفيفة المتداولة بين أيدي الناس الآن تزيد على 600 مليون قطعة سلاح، فان الحكومة السويسرية عمدت في 15/7/2005 إلى تقديم مشروع قانون دولي مقترح إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحد من تداول تلك الأسلحة وتحجيم الكمية المتداولة منها بين بني الإنسان عن طريق إتاحة الفرصة لتتبع أثرها ومعرفة أماكن تواجدها ومنع تهريبها أملا في الحد من هدر أرواح الأبرياء. فهل إن ذلك القانون فيما لو شرع وبفرض ان الولايات المتحدة التي سيكون ممثلها في المنظمة الدولية الرجل الأكثر عدوانية (بولتن) ستوافق عليه، سيتمكن من الحيلولة دون حصول عصابات المرتزقة على الأسلحة الفتاكة التي توجهها للأبرياء بقصد الاستمتاع بقتلهم خصوصا وان تلك العصابات صارت شركات مرخص لها العمل العسكري وحيازة وتداول الأسلحة الحديثة والمتطورة التي كان بعضها قد وجه إلى وزير التخطيط العراقي السابق؟
لقد كانت الأمم المتحدة المسؤولة عن السلام والأمن الدوليين سباقة في بحث أمر هذه الآفة الفتاكة التي تعيث في الأرض فسادا. فالمنظمة التي كانت قد أصدرت قرارا عن الجمعية العامة في العام 2002 بخصوص المرتزقة، عقدت ثلاث اجتماعات مقرها الأوربي في جنيف بين 2001 و2004 حضرتها المقررة الخاصة لحقوق الإنسان (شيستا شميم) مع فريق مكون من أحد عشر خبير هدفها وضع ضوابط وإجراءات تنفذ من قبل الدول الأعضاء لمراقبة الأنشطة التخريبية والهدامة للمرتزقة، بما يكفل صيانة وضمان حقوق الإنسان في محيط عمل هؤلاء، على الرغم من أن الشركات المرتزقة تحاول إظهار إن مرتزقتها ليس من النوع التقليدي الذي كان يلحق الضرر بحقوق الإنسان وكرامة مواطني الدول التي يعملون فيها، وان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان عين إنريك باليستروس لبحث هذه الظاهرة المقرفة بشكلها الحالي (تحول المرتزقة من الأسلوب التقليدي إلى تنظيمات تجارية على شكل شركات) إحساسا بضرورة إيجاد ضوابط ضمن القانون الدولي تضبط سلوك واداء المرتزقة وشركاتهم، وقد لمس الرجل طبيعة العمل المخادعة التي تنتهجها تلك الشركات معبرا عن رأيه بقوله (ما يثير قلقي هو غياب أي ضمانات لاحترام شركات الارتزاق لحقوق الإنسان، خاصة وان هدفها بالأساس هو الحصول على المال فقط، بالإضافة إلى تعامل تلك الشركات مع المآسي الإنسانية بمنطق المقاولة) (42). وثمة مسؤول آخر في الأمم المتحدة قال لمراسل الأهرام (بالرغم من تأكيدات تلك الشركات بأنها تحترم القانون الدولي وقوانين وعادات الدول المتعاقدة معها، إلا انه من الصعب تصديق ذلك في صناعة لا تحترم ولا تعطي إلا المكسب فقط، بالإضافة إلى صعوبة محاسبة تلك الشركات على أي انتهاكات في ظل تغيير القبعات والأعلام التي تمارسها تلك الشركات طوال الوقت، بمعنى سهولة قيام تلك الشركات بإعادة تسجيل نفسها في دول أخرى وبجنسيات مختلفة) (43).
المخاوف العراقية المشروعة
إن وجود هذه الإعداد الهائلة من المجرمين العالميين في العراق هو مصدر خطر متعدد الجوانب، وهو داعي خوف غير طبيعي على أمن البلد ومستقبله وسلامة نسيجه الاجتماعي خصوصا وان الحكومة عاجزة عن السيطرة عليهم بدليل تشكي مسؤوليها لدى الدول ذات الهيمنة على الملف العراقي كبريطانيا.. فهؤلاء سينشرون الجريمة والمخدرات في عموم البلد إضافة إلى ممارستهم القتل المتعمد بهدف المتعة والتلذذ، هذا إن لم يكن هنالك خطر سياسي تتكامل صورته باستحضار جرائمهم في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وما مثال غينيا الاستوائية منكم ببعيد.
ان الحل الوحيد هو التخلص منهم بأسرع وقت وإناطة المهمة بالرجال الإشراف الذين أفنوا شبابهم في الدفاع عن وطنهم العراق، ألا وهم رجال الجيش العراقي ورجال الشرطة الذين تعامل معهم الحاكم الأمريكي بريمر بطريقة عدوانية وتشفّى بذلك رجال السلطة التي عينها بريمر ومن جاء إلى الحكم بعدهم فعملوا على إذلالهم إلى درجة إن الضابط برتبة لواء يتقاضى راتبا مقداره مائة وعشرين دولار شهريا فقط وهو ربع ما يتقاضاه الجندي، ويسمون ذلك (معونة) في وقت ينهب فيه المجرمون العالميون ثروات البلد ويحولونها إلى ودائع واسهم في البلدان الأخرى، ويعرضون امن وسلامة ومستقبل البلد إلى مخاطر هائلة، إنه أمر نبه إليه ابن خلدون قبل سبعة قرون. أفليس ذلك مدعاة للمساءلة القانونية؟
حسن عبيد عيسى
باحث عسكري عراقي
***
اشارات
(1) موﻨﺘجومري، الفيلد مارشال (الحرب عبر التاريخ) ترجمة العميد فتحي عبد الله النمر، مكتبة الانجلو المصرية-القاهرة 1971ص60
(2) عيسى، حسن عبيد (التآمر اليهودي على بلاد الرافدين حتى سقوط بابل) بيت الحكمة-بغداد ط1 2002 ص34
(3) زينفون (حملة العشرة آلاف) ترجمة يعقوب افرام منصور، مكتبة بسام-الموصل 1985
(4) فولر، ج أف سي (تأثير التسلح في تاريخ الحضارات) ترجمة لويس الحاج، دار المكشوف-بيروت ط1 1985 ص50-51
(5) موﻨﺘجومري (مرجع سابق) ص136
(6) فولر (مرجع سابق) ص59
(7) سعيد، الصافي (مثلث الشياطين الاستوائي) كتاب نشر في حلقات في مجلة كل العرب، الحلقة 3 العدد 189 في 9 نيسان 1986 ص33
(8) موﻨﺘجومري (مرجع سابق) ص266
(9) فولر (مرجع سابق) ص93
(10) لاندو، روم (الإسلام والعرب) ترجمة منير بعلبكي، دار العلم للملايين-بيروت ط1 1962 ص84
(11) الحموي، ياقوت (معجم البلدان) دار صادر ودار بيروت-بيروت 1979 ج2 ص264
(12) الجابري، محمد عابد (فكر ابن خلدون:العصبية والدولة) مشروع النشر المشترك: دار الشؤون الثقافية العامة-بغداد ودار النشر المغربية (طبعة خاصة بالعراق) بلا ص 270
(13) المرجع السابق ص291
(14) المرجع نفسه ص342-343
(15) مكيافيلي، نقولو (الأمير) ترجمة فاروق سعد، دار الآفاق الجديدة، بيروت -مكتبة التحرير، بغداد ط9 1988 ص118
(16) مكيافيلي، نقولو (مطارحات مكيافيلي) ترجمة خيري حماد-دار الآفاق الجديدة-بيروت ط2 1979 ص518
(17) الحمداني، طارق نافع (ملامح سياسية وحضارية في تاريخ العراق الحديث والمعاصر) الدار العربية للموسوعات ط1 1989 ص 111
(18) إيفنس (السوقية البريطانية في حرب العراق) مراجعة وتقديم حامد أحمد الورد مطبعة أوفسيت حسام-بغداد 1986
(19) نديم، شكري محمود (حرب العراق 1914-1918) مطبعة دار التضامن بغداد 1966 ص10
(20) الحسني، السيد عبد الرزاق (تاريخ الوزارات العراقية) منشورات مركز الأبجدية –بيروت ط6 1982 ج1 ص179
(21) المرجع السابق نفس المكان.
(22) المرجع السابق ج3 ص221
(23) الكيالي، عبد الوهاب وكامل الزهيري/مشرفان (الموسوعة السياسية)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر –بيروت ط1 1974 ص404
(24) الجيوسي، محمد شريف (أنغولا) الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ط1 1977 ص37
(25) المرجع السابق ص71
(26) المرجع السابق ص53
(27) للمزيد راجع مقالنا الموسوم (السجل الأسود لمجرم الحرب رحبعام زئيفي) جريدة القادسية-بغداد العدد 7262 21/10/2001
(28) نشرت وكالة الأهرام للصحافة عرضا للكتاب اطلعنا عليه في موقع المركز الفلسطيني للإعلام على الانترنيت بتاريخ 25 تموز 2005.
(29) شكري، عبد الجبار محمود/مترجم (كراسة العمليات للجيش الأمريكي) مديرية التطوير القتالي –بغداد ط1 1988 ص185
(30) جريدة التآخي البغدادية العدد 4316 ليوم 21/9/2004
(31) سعيد (مرجع سابق) الحلقة 2 العدد 188 2 نيسان 1986 ص33
(32) الأشقر، ماري (عرض لكتاب البازار الصغير) جريدة الدستور الأردنية 21 حزيران 2003ص8
(33) سعيد (مرجع سابق) ص31
(34) انظر التقرير منشوراً في جريدة التآخي البغدادية العدد 4470 في 12/5/2005
(35) جريدة الوطن السعودية 16/6/2004
(36) جريدة الشاهد البغدادية العدد 88 الصادر في 6/5/2004
(37) انظر جريدة التآخي البغدادية ليوم 25/4/ 2004
(38) التآخي العدد 4302 ليوم 1/9/2004
(39) انظر تصريحاته منشورة في جريدة الشرق الأوسط العدد 9548 ليوم 18/1/2005 ص1
(40) جريدة الشاهد البغدادية العدد 88 الصادر في 6/5/2004
(41) الاعرجي، حليم (المرتزقة في العراق ظاهرة أمنية مرشحة للتوسع) جريدة الحياة في 26/4/2004
(42) غانم، يحيى (رسالة جنوب أفريقيا) جريدة الأهرام العدد 42889 في 10/ 5/2004
(43) نفس المرجع.
ميدل ايست اون لاين |