المؤتمرنت- عبد الغني الحاجبي -
اليمن ومجلس التعاون الخليجي..أما آن لهذا الجسد أن يُكمِل التحامه؟
الكل، هنا وهناك، في اليمن والخليج، يترقب ذلك الحدث الذي ما زلنا ننتظره منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في الـ25 من مايو 1981. خمس وعشرون عاماً مضت من عمر مجلس التعاون الخليجي والشعبان الخليجي واليمني يتطلعان إلى انضمام اليمن إلى المجلس. منذ زمن طويل ونحن نحلم بهذا اليوم التاريخي وكلما شعرنا بقربه يتضح لنا أن هناك الكثير من الصعاب جعلت من هذا الحلم سراباً يبتعد كلما اقتربنا منه. لكن الإرادة الجادة تجعل من السراب ماء، ومن الحلم حقيقة، ومن اليمن عضواً كاملاًً، ومن المجلس وحدة، ومن الوحدة قوة. إنها إرادة الشعب العربي الخليجي وقياداته الحكيمة. كفى اليمن أن غرد خارج السرب لعقدين ونصف من الزمن خارج المنظومة الخليجية وهي جزء من النطاق الجغرافي لدول المجلس، وحان الوقت لاندماجه والتحامه مع بقية أعضاء الجسد العربي الخليجي. فاليمن بانضمامها ستشكل رافداً مهما للمجلس في شتى المجالات.
قد يقارن البعض أحياناً بين طلب اليمن للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي وطلب تركيا أو دول شرق أوروبا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لكن هيهات أن يكون هناك وجه للمقارنة. فالقواسم المشتركة التي تربط اليمن بمجلس التعاون الخليجي تكاد تكون معدومة بين تركيا ودول شرق أوروبا والإتحاد الأوروبي، باستثناء ربما الوحدة الجغرافية لتلك الدول في القارة الأوروبية. لكن الأشياء الإيجابية التي يمكن الاعتراف بها للإتحاد الأوروبي، هي سرعة الخطوات التي اتخذها ولا يزال يتخذها في مناقشة وقبول انضمام أعضاء جدد إلى قلب الإتحاد. ففي الوقت الذي تم فيه انضمام 19 عضواً إلى الـ 6 الأعضاء المؤسسين للإتحاد في 1957، واثنين في طريقهم للانضمام ( رومانيا وبلغاريا) ليصبح عدد أعضائه 27 عضواً في 2007م والبقية تتبع... لا يزال مجلس التعاون الخليجي يدرس، كما عهدناه عشر سنوات، إمكانية "تأهيل" اليمن لانضمامه إلى مجلس التعاون الخليجي. أي أنه في الوقت الذي تم فيه انضمام شبه كلي لدول شرق أوروبا في الإتحاد الأوروبي، لم يتم بعد "تأهيل" دولة واحدة في مجلس التعاون، وهي ربما الدولة الوحيدة التي مازالت تفاوض مسألة قبولها في المجلس منذ عام 1996. يمكن أن يؤخذ الاتحاد الأوروبي مثالاً لتحقيق التكامل بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي. ليس المقصود هنا استيراد تجربة الاتحاد الأوروبي بكاملها لأن تطبيقها على مجلس التعاون الخليجي قد لا تنجح لكن من الخطأ تجاهل تلك التجربة العالمية الناجحة.
دول مجلس التعاون الخليجي واليمن ليسوا إلاَّ جسماً واحداً يشكل منطقة شبه الجزيرة العربية. فهنالك قواسم مشتركة، ودلائل واضحة، وواقع معاش، لا تمتلكها دول الإتحاد الأوروبي نلخصها في النقاط التالية:
- منذ فجر التاريخ منطقة شبه الجزيرة العربية من سقطرة إلى مسقط ومن البحرين إلى الكويت ومن باب المندب وعدن إلى تبوك في شمال الجزيرة كل هذه المساحة الجغرافية شكلت وتشكل وحدة إقليمية. فالمنطق الجغرافي بالنسبة لليمن أقوى مما هو عليه الاتحاد الأوروبي.
- إن شعوب دول مجلس التعاون الخليجي واليمن تجمعها الكثير من القواسم المشتركة: دين واحد ولغة واحدة وثقافة واحدة وحضارة واحدة. وكما يقال في الاتحاد الأوروبي بأن تعدد اللغات ثروة لغوية فإننا نقول إن وحدة اللغة التي تربط اليمن ودول مجلس التعاون هي وحدة هوية. أما آن إذاً لهذا الجسد أن يُكمِل التحامه!؟
- كما أن هناك روابط تاريخية قديمة تربط بين سكان اليمن وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، بل أن هنالك بعض القبائل وفئات النخبة الموجودة ببعض دول الخليج لها أصول يمنية في حين أن هذه الروابط غير موجودة بين دول الإتحاد الأوروبي ودول أوروبا الشرقية. ولا ننسى الهجرات القديمة والحديثة لسكان اليمن نحو مختلف المناطق في شبه الجزيرة العربية ولعل من أبرزها هجرة قبيلتي الأوس والخزرج إلى المدينة المنورة، ناهيك عن الهجرات المتتالية في العصر الحديث. فسكان اليمن وسكان دول مجلس التعاون يشكلون أسرة كبيرة منتشرة على أرض شبه الجزيرة العربية والخليج.
- تمثل اليمن عمقاً إستراتيجياً للجزيرة والخليج يجعل منها عاملاً مهماً لأمن واستقرار المنطقة لا يمكن الاستغناء عنها أو إقصاؤها في الوقت الذي يشهد العالم تحالفات إقليمية وتهديدات مستمرة ومتزايدة للمنطقة. ومن منا لا يرى في الوحدة قوة!؟ فهناك ضرورة لتحقيق التكامل الأمني كتلك الضرورة التي مرت بها أوروبا مما أدى إلى سرعة انضمام الكثير من الدول الأوروبية إلى الإتحاد الأوروبي. وتعاون اليمن مع دول المجلس في القضايا الأمنية والحرب على الإرهاب ليس إلا واحدة من تلك الضرورات التي تتطلب تعجيل انضمام اليمن الكامل.
إن دول المجلس بالرغم من امتلاكها آلية حربية ضخمة وحديثة وطائرات مقاتلة وبارجات حربية إلا أنها لم ترقى بعد إلى مستوى تجسيد الدفاع المشترك المتكامل وذلك بسبب عدم وجود القوة البشرية الكافية والمجال الجوي الواسع. ومهما كان هناك تواجد للقوات الأجنبية في بعض دول الخليج إلا أنها غير مرغوب فيها من قِبل الشعب الخليجي نفسه، ناهيك عن الميزانيات الضخمة التي تكلف دول المجلس للإنفاق على هذه القوات والتي تجاوزت مئات المليارات من الدولارات. ولذا فإن انضمام اليمن بإمكانياتها البشرية ومضائقها البحرية الإستراتيجية وفضائها الجوي سوف يساعد على أيجاد إستراتيجية عسكرية متكاملة لدول المجلس.
الاختلاف الذي يبدو واضحا بين اليمن ومجلس التعاون الخليجي يتلخص في محورين لا ثالث لهما: النظام السياسي والنظام الاقتصادي. إن كان النظام السياسي في اليمن يختلف عن النظام السياسي لدول مجلس التعاون فلم يعد هناك ما تخاف منه دول مجلس التعاون، فاليمن بلد مسالم يدعم السلام وينشد الاستقرار ويتعاون مع أشقائها في مختلف القضايا الأمنية، ما من شأنه استقرار المنطقة، والدليل على ذلك حل مشاكله الحدودية بطريقة سلمية وودية مع الأشقاء في عمان والسعودية. كما أن النظام الديمقراطي ليس فقط في اليمن بل أصبح نظام تنتهجه بعض دول الخليج وإن كان لا يرقى إلى الحالة اليمنية.
أما الجانب الاقتصادي الذي يعد من أهم مقومات الدولة، فإن اليمن قد أخذت على عاتقها تنفيذ جملة من الإصلاحات الواسعة والجادة لتنهض باقتصادها بما يوازي المستوى الاقتصادي لدول المجلس الخليجي. و تتأهب اليمن لاحتضان اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الأيام القليلة القادمة للتحضير لمؤتمر المانحين لليمن الذي سيعقد في منتصف نوفمبر 2006 في لندن. ونعلق الآمال على هذا المؤتمر في دعم دول المجلس لليمن للنهوض باقتصاده إلى المستوى الأفضل ليكون ذلك الدعم عاملاًً قوياً لتسريع عجلة الانضمام الكامل. وكما حدث ويحدث مع الاتحاد الأوروبي من دعم اقتصادي لدول أوروبا الشرقية من أجل انضمامها إلى عضوية الإتحاد، بإمكان دول مجلس التعاون الخليجي تحقيق التكامل الاقتصادي إذا استطاعت توفير رأس المال الذي تحتاجه اليمن، في الوقت الذي ينظر فيه إلى اليمن كعامل اقتصادي مهم من حيث العمالة الأقل كلفة. ليس المقصود هنا السماح للعمالة اليمنية بالدخول إلى دول المجلس، وإن كان ذلك ممكنناً وإحدى العوامل الاقتصادية، بل استثمار رأس مال المجلس الخليجي في اليمن، إضافة إلى أن اليمن تشكل إحدى الأسواق المهمة بالنسبة لمنتجات دول مجلس التعاون الخليجي. فمتى إذاً يمكن أن يستعاض بـ "تأهيل اليمن" بـعبارة "انضمام اليمن" الفعلي إلى المجلس؟
لقد قامت اليمن بمجموعة من الإصلاحات والتعاون مع دول المجلس من أجل التناغم والانسجام مع أشقائها في الخليج وعملت وتعمل دوماً على تخطي الصعاب من اجل التقارب، لكن هذا لا يعفيها من القيام بالمزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والمدنية والاجتماعية، وهذه الإصلاحات تُعد متطلبات ضرورية ليس فقط لانضمامها إلى المجلس بل هي قبل كل شيء مطلب الشعب اليمني نفسه للنهوض بالوطن من مختلف الجوانب. والأمل معلق في برنامج الأخ الرئيس على عبدالله صالح لتنفيذ الإصلاحات إلى تبناها في برنامجه الانتخابي. فدولة المؤسسات وسيادة النظام والقانون واجتثاث الفساد وتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي وحمايته ونمو المستوى الاقتصادي وارتفاع مستوى دخل الفرد والقضاء على البطالة وتوفير الأمن على جميع أراضي الجمهورية اليمنية هي من الأولويات المُلِحة.
أخيراً، الإرادة السياسة هي من بيدها زمام الأمور، فالكثير مما يمكن تحقيقه يعتمد على مدى سعي دول المجلس واليمن معاً إلى بلورة تلك الرؤى والتطلعات إلى واقعٍ مُعاش. فالإرادة السياسية قوة لا يوقفها عائق، وها هي الفرصة قد حانت لدعم اليمن اقتصادياً لتتحول رؤى وأمنيات الشعب العربي في اليمن والخليج إلى حقيقة ساطعة كسطوع الشمس ليصبح مجلس التعاون الخليجي بسبعة أعضاء. ويجب الاستفادة من نجاح تجربة الإتحاد الأوروبي رغم أنه لا توجد بين اليمن ودول الخليج تلك التعقيدات الكبيرة الموجودة بين الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي.
إن مجلس التعاون الخليجي أمامه مسؤولية كبرى تجاه اليمن، وهذه المسئولية ليست أخلاقية فحسب بل هي قضية أمن قومي واستقرار إقليمي، وأية تطورات سلبية أو ايجابية في الساحة الخلفية لمجلس التعاون ستنعكس سلباً أو إيجاباً على قضايا التنمية والاستقرار الإقليمي.