الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الإثنين, 23-ديسمبر-2024 الساعة: 02:09 م
ابحث ابحث عن:
فنون ومنوعات

ضيف لا يخلف موعده

السبت, 18-أكتوبر-2003
كتب: نزار خضير العبادي -
ترحيب يمني مبكّر يعمّ كل بيت وشارع

خلافاً لما يحظى به غيره من الضيوف، ظل اليمنيون ينزلونه موضع السويداء من قلوبهم، ويقدمونه على كل من حلّ بلادهم، وطرقت قدماه ديارهم.. فهم لا يكتفون بترك الأبواب مشرعة لمقدمه بل يحرص الجميع على استباق الضيف الكبير بالكثير –جداً- من مظاهر الاحتفاء ولوازم التكريم والتبجيل والتعظيم. ويقيناً هو وحده من يخصه اليمنيون بالتهليل والتكبير من قبل أن يتخطى عتبات بيوتهم.
وكيف لا يفعلون وضيفهم هو "رمضان" –الشهر الكريم الذي لا يخلف موعده، ولا تنضب خزائن الرحمة والمغفرة من أيامه، فبات حقاً على أمة الإسلام استقباله بكل الحفاوة والتقدير.
لقد اعتاد اليمنيون أن يخصوا شهر رمضان بالكثير –جداً- من الطقوس والعادات والتقاليد.. لكن في هذا العام كانت الاستعدادات مبكرة بعض الشيء عن السابق.
ربما هي الصدفة وحدها من أفشت لنا بالحقيقة، وقادت أقدامنا إلى زحمة الأشواق، وتشابك الأقدام وهي تحاول أن تنتقي وجهتها إلى تلك "البقالة" أو ذاك "الخضري" أو هذا "المفرشي" الذي يفترش الأرض بصنوف لا حصر لها من البضائع التي يزداد الطلب عليها في شهر رمضان. لا أظنني رأيت متراً واحداً من جانبي طريق سوق "القات" أو "باب اليمن" أو "الحصبة" يسمح لأحد الوقوف فيه.
الكل ينادي مروجاً لبضاعته، وربما كان البعض يشدنا من أيدينا لتلتفت لما يعرضه من سلع. ولا شك فأن التمر" و "المحلبية" و"المكرونة" والتمر الهندي المسمى في بلادنا "حُمَر" -فضلاً عن الفواكه هي- سيدات نواصي العرض بينما كانت الصحون المختلفة الألوان والأحجام والكاسات وبرادات الشاي وأدوات منزلية لا حصر لها هي جل بضائع الذين افترشوا أرصفة الأسواق وأقاموا لأنفسهم فيها مظلات وحدود تمنع الغير من الاستيلاء عليها.
أما البخور فهو البضاعة التي لا تبور أبداً في اليمن، إلا أن الشهر الكريم -بما له من طقوس روحانية- يضاعف مبيعاته، ويجد العاملون في هذا الصنف في شهر رمضان موسماً ذهبياً لتعويض الأيام التي لم تكن بضاعتهم تلقى فيها رواجاً كبيراً.. وكان واضحاً أن باب اليمن وسوق "الملح" هي أفضل أسواق البخور اليمني الشهير.
ولم يكتف الباعة بتوريد لوازم واجهات محلاتهم بالمصابيح وبعض العينات من السلع التي تتوافر في محلاتهم.
كان فضولنا لا يشبعه النظر والتدقيق فيما وجدناه يبتلع أعيننا، فكان أن سنحت لنا فرصة التوجه بالسؤال للحاج محمد شرف الدين وهو تاجر مواد غذائية في سوق "الملح" حول ما يراه من استعدادات لشهر رمضان فأكد لنا: "نعم هذا العام التجار بكّروا بتوريد الحاجات ولو هي عادة عندنا أن نهتم برمضان ونحضر لها كل شيء قبل دخوله" وأضاف "الغريب ليس نحن وحدنا من بكّر لكن الناس أنفسهم بدءوا من الآن شراء "ويلات" رمضان.
أما عبدالله صالح الريمي وهو معلم يعاون أباه في بيع الأدوات المنزلية في سوق "القاع" فيذكر: (منتجاتنا معظمها يمنية من وارد تعز باستثناء الثلاجات وبعض القطع المعدنية تأتينا من السعودية، لكن الإقبال على السلع اليمنية أكثر من غيرها حيث أنها رخيصة جداً بالقياس للخارجي) وأشار إلى (حركة البيع بدأت تنشط بقوة من هذه الجمعة).
كما التقينا ببعض المواطنين لاستطلاع آرائهم حول طبيعة الاستعدادات لاستقبال الشهر الفضيل، فذكر الأخ عبداللطيف عبدالله السامعي -وهو موظف بوزارة الزراعة- (نزول البضائع شجعنا على الشراء لكن ليس كل شيء وإنما بعض اللوازم المنزلية كالأواني والأكواب وغيرها لأنها لا تتلف. أما المواد الغذائية فبعضها نشتريه قبل يومين أو ثلاثة والآخر كل يوم بيومه).. لكن غالب راجح –وهو مدرس- يرى (شراء اللوازم على قليل قليل من الآن أفضل حيث لا يشعر الواحد أنه تكلف كثيراً) ويضيف (بخصوص الأسعار في السوق حاجات غالية وبعضها رخيصة والإنسان يمد رجله "على قدر دفاه" وليس هناك حاجة لشراء حاجات باهضة الثمن.. أعتقد البدائل موجودة إذا أراد الإنسان أن يقتصد).
والتقت الصحيفة –أيضاً- بالأخت أسماء عبدالولي الصوفي- موظفة في إحدى شركات القطاع الخاص- فحدثتنا عن استعدادات رمضان قائلة (بدأنا من الآن بترتيب البيت وغسل المفارش ونشرها تحت الشمس للتخلص من الرطوبة وهناك بعض الناس يعيدون صبغ بيوتهم كنوع من الترحيب برمضان، وكلنا نحاول أن ننجز كل الأعمال المتأخرة في بيوتنا قبل حلول رمضان.. كذلك هناك بعض المعدات والأغراض لا نستخدمها إلاّ في رمضان أخرجناها وبدأنا بتنظيفها مرة أخرى وتجهيزها للاستعمال).
وفيما يتعلق بمصاريف الشهر الفضيل تقول الحاجة هيلة بنت مسعد ( الناس كلها تحسب حسابها لصرفة رمضان وأكثر الأهل "يخبون" شوية زلط للعازة ويصرفون منها هذه الأيام) وتضيف الحاجة هيلة (نحن شعب طيب والناس متراحمة واحد يدي للثاني.. اللي عنده يدي للذي ما عنده، هذا سلف اليمنيين من يوم أن خلقهم الله).
يقيناً أن "رمضان" في اليمن ليس كأي شهر آخر.. فالنفوس جميعها منشرحة لمقدمه، وخطباء المساجد استقبلوه في خطبهم لهذه الجمعسة ورفعوا التكبير فوق المآذن والدعاء، وأكثروا من وعظ الناس بفضائل صوم الشهر الكريم والبر والإحسان فيه، والتراحم والتسامح بينهم البين.
* * *
في الحلقة القادمة (عادات رمضان في اليمن)




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر