المؤتمر نت - حوار-عارف أبو حاتم - هناك قطيعة بين الجمهور والفن التشكيلي والتعليم يساهم في غياب الوعي الجمالي (الحلقة الأخيرة)
في الحلقة الأخيرة من الحوار الموسع الذي أجرته "المؤتمرنت" مع الفنانة الأكاديمية الدكتورة/ آمنة النصيري- تؤكد أن الفن التشكيلي في اليمن مقصوراً على نخبة النخبة وقالت:( أن الفن التشكيلي في اليمن مقصوراً على نخبة النخبة ويندر أن نجد المحبة هي العلاقة التي تجمع المتلقي باللوحة).
وأعزت ذلك إلى (ثقافة المجتمع) وتوجهاته نحو (الثقافات الاستهلاكية) مشيرةً إلى أننا:(أننا نعيش تدهوراً بصرياً وثقافياً وجمالياً)
وعن حالة القطيعة القائمة بين الجمهور والفن التشكيلي قالت بأن هذه الإشكالية لا يمكن أن تتراجع إلا مع تطور المجتمع.
تنوع التجارب
-تنوعت تجاربك بين الرسم على الخشب والقماش، والورق، أين تجدين نفسك أكثر قدرة على الإبداع بين هذا الثالوث من الخامات.
*حقيقة أنا في مدخل البحث التقني لم اشتغل على خامات كثيرة، اشتغلت بالأبيض والأسود، واشتغلت على الحفر على الورق، واشتغلت على الطباعة كتقنية من تقنيات الجرافيك، ثم تصوير القماش.
أما أين أجد نفسي ؟. فأقول: أجد نفسي بدرجة أساسية في اللون،وليس بالأبيض والأسود، أو في تقنية الجرافيك.
عندما غامرت، ودخلت عالم اللون اكتشفت أنني ملوّنة أكثر مما أنا رسامة، أو فنانة جرافيك. الشيء الآخر أنني لم أجرب في كثير من التقنيات- بمعنى أنني أمر ببطء في هذا التطور. كثير من الفنانين اشتغلوا من النحت والتصوير الجغرافي والحفر. أنا لم أجرب كثيراً مثلهم.
أنا انتقلت من تقنية الجرافيك إلى التصوير على القماش (ألوان الأكليروليك)، وأحياناً نادرة (بالألوان الزيتية) واعتقد أنني سأظل على هذه الفكرة، لأن هذا مجال فيه غواية. التصوير في مساحة كبيرة في الألوان الزيتية، و(الأكليروليك) على القماش، وهذا- مؤكد- سيأخذ مني سنوات للتجريب والبحث، وتطوير هذه التقنية بالنسبة لي.
ولكن-الآن- لي تقنيتي التي أصبح يعرف بها أسلوبي. مثلاً أحب العجائن البارزة في التصوير، أحب الألوان النقية. أحياناً أضع اللون خاماً، دون المزج مع ألوان أخرى، ولا أخاف من التضاد اللوني. هناك صراع بين الألوان في أعمالي، مهما كان، يوجد تداخل في الخطوط فالصرع اللون دائماً واضح في لوحاتي.
التعبير باللون
-تقصدين أن اللون منحك مساحة أوسع في التعبير.
*اللون أعطاني مساحة أكبر في التعبير، وطاقة غير عادية، لأن اللون أساساً حالة، وإذا أردت أن تعبر عن حالة معينة وجدانية، فلابد أن يكون التعبير بالدرجة الأساسية باللون، ونحن استهلكنا هذه المقولة (الخط فلسفة أما اللون فحياة) وهذا صحيح.
من القلم إلى الفرشاة
-في بداياتك الأولى بدأت قاصة، وانتهيت فنانة تشكيلية، هل لهذا الانزياح من سبب وجيه؟
*حقيقة بدءا الاثنان معاً- كنت أكتب القصة، وكنت أرسم حينها، ولا أعرف نفسي إلا وأنا رسامة منذ طفولتي. لكن ربما مع كثرة القراءة وجدت أن لدي إمكانات لكتابة القصة، وكان الواقع الاجتماعي وعلاقاتي المعقدة بالظروف الاجتماعية الكثيرة، موضوع للكتابة، فكتبت كثيراً، لكني بعد أن بدأت أمارس، وأدرس الرسم، اكتشفت أن الرسم يمتص الجزء الأكبر من الوقت، ولا يبقى أي وقت لشيء آخر.
فتوقفت أثناء الدراسة عن كتابة القصة، وعندما انتهيت من الدراسة زاولت العمل الأكاديمي، وانشغلت تماماً بالرسم، ولا أدري كيف حدث أن نسيت أنني قاصة.
-المثل الفرنسي يقول (لا مرتين بغير ثالثة) فما هي ثالثتك القادمة؟
*(تضحك) من يدري. التحولات الحياتية دائماً ليست مدروسة. بمعنى، أنك قد تتحول في فكرك، في اتجاهك في عملك إلى أشياء كثيرة، أن هناك قدرية في الحياة، وربما القدر يدفعني لممارسة عمل آخر يوماً ما.
لكن سيظل مجال اهتمامي الموضوع الذي استمتع به كثيراً- هو التشكيل.
حالة القطيعة
-عادة ما نجد الجمهور يعزف عن الفن التشكيلي، ومعارضه. وفي أحسن الأحوال يقف أمام اللوحة صامتاً دون أي ردة فعل. برأيك ما السبب؟ هل أصبح الفن التشكيلي هو فن النخبة؟ أم نتيجة لغياب الوعي الحسي والجمالي المتلقي؟
*أريد- بداية- أن أقول أن الفنون البصرية دائماً كانت نخبوية في كل المجتمعات الشرقية والغربية. كانت هذه الفنون نخبوية، لكن بدرجات متفاوته. مثلاً في اليمن أصبح الفن التشكيلي مقصوراً على نخبة النخبة حتى هؤلاء المعنيون عندما ، يحضرون المعارض، يحضرون من باب المحاولات اليائسة للاطلاع على هذه الفنون، ومن باب الفضول لفهمها.
ونادراً ما نجد أن المحبة هي العلاقة التي تجمع المتلقي باللوحة.
وهذه إشكالية تُعزى إلى ثقافة المجتمع، إلى توجهات المجتمع نحو الثقافات الاستهلاكية، حتى الأُغنية أصبحت استهلاكية في مضمونها، أو شكليها، ومادية وحسية إلى حد كبير، فكيف نريد بأرقى الفنون (الفن البصري) أن ينزل إلى السوق، وينافس بشراسة لينتزع المتلقي. نحن نعيش تدهوراً بصرياً، وثقافياً، وجمالياً. على كل المستويات نعيش تدهوراً في عالمنا العربي، ، لهذا لا نستطيع أن نطلب من هذا المتلقي البسيط الذي يعاني الكثير من الإشكالات، والضغوط أن يفهم ما نضعه.نحن نعي هذه المشكلة ونعي أن هناك قطيعة، ونحاول بقدر الإمكان، وبشتى أشكال التواصل مع الناس، أن نزحزح هذا الجدار الذي يحول بيننا وبين المتلقي، وماذا عن الفنان.. أما من عتبٍ عليه أو لوم؟
أنا مؤمنة بأن هذا الإشكالية لا يمكن أن تتراجع قليلاً، إلا مع تطور المجتمع، وهذه عملية ليست فردية، وليست خاصة بالفنانين لكنها خاصة بمشكلة المجتمع العامة.
-أنتِ الآن تلقين العبء والعتب على كاهل المتلقي..
*أنا أقف في صف المتلقي وأتفهم المشكلة لا ألقي باللوم على كاهل المتلقي كما يفعل كثير من التشكيليين، لو لم أكن فنانة تتشكيلية ربما لما أهتميت بهاذ العالم.
-حتى نخفف أكثر من العبء على كاهل المتلقي أحياناً يطرح التشكيليون رؤاهم الخاصة داخل النص البصري بطريقة معقدة تستعصي على الفهم؟
*هذه إحدى إشكالات الفن التشكيلي الحديث، دائماً أكرر:ضرورة الانتقال بالجمهور إلى مستوى أعلى، وليس النزول إلى مستوى الجمهور كما يحدث في السينما العربية.
المطلوب أن نصنع متلقي مثقف، وأن نساهم في تطوير ثقافة المتلقي ووعيه الجمالي، القذارة في الشارع، وفي الملبس، والبيت واحدة من علامات غياب الوعي الجمالي، وليس الصحي والحضاري فقط، وأنا على ثقة- ولست متحاملة في ذلك- بأن التربية والتعليم في اليمن تساهم في تأصيل مشكلة غياب الوعي الجمالي، حتى أن هناك في المدارس تحقير للمواد الإبداعية، وفي كثير من الأحيان هناك مفاهيم خاطئة ينشرها المدرسين بين الطلاب حول الفنون الإبداعية بأنها تغيب الشخصية المستقيمة الإسلامية، وكأنما نحن ندعو إلى الفن الفاسد، المتفسخ، مع أن هذا الفن يقف إلى جانب القيم الحقة: الحق والخير والجمال، وأنا سمعت قبل فترة أن هناك قراراً من وزارة التربية والتعليم بتدريس مادة الرسم، والفنون الجملية، لكن للأسف ليس هناك كادر مؤهل للقيام بهذه المهمة.
|