بقلم / نورس بن عيسى آل جابر -
الشباب اليمني.. رصيد أم مشروع تهديد !!!!
حينما نتحدث عن شريحة الشباب بشكل عام في الدول الإسلامية والعربية، فإننا نتحدث عن حالات استثناء..نظرا لحجم تلك الشريحة وطبيعة البيئة الاجتماعية والثقافية التي ينتمون إليها وكذا خصوصيتها السياسية والاقتصادية..
وإذا ما ألقينا الضؤء على شريحة الشباب في المجتمع اليمني ، فإننا سوف نتجه إلى مزيد من الاستثناءات والخصوصية في التناول والطرح..ليس لأن الشباب اليمني لا تربطه روابط مشتركة مع شرائح الشباب في بلدان الوطن العربي والإسلامي ولكن بالنظر إلى خصوصية الحالة اليمنية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
شريحة الشباب في اليمن تشكل أكثر من 76% من عدد سكان الجمهورية اليمنية طبقا لآخر تعداد سكاني في العام 2004م وهذه النسبة تشمل الفئة العمرية من 13-24 سنة فقط..أما إذا اعتبرنا أن فئة الشباب هي امتداد إلى الخمسة والثلاثون عاما فإن النسبة سوف تزداد بكل تأكيد..
هذا أمر .. الأمر الأخر أن طبيعة التركيبة الاجتماعية والسيكولوجية للشباب اليمني ذات خصوصية فريدة لمجموعة من الأسباب سوف أستعرضها في مقالات لاحقة..
حقيقة أردت هنا باعتباري مواطنا يمنيا أحوز شرف الانتماء إلى هذه الشريحة الهامة وشرف الانتماء إلى هذا الوطن الغالي بلد الإيمان والحكمة..أردت أن أكون صادقا في توضيح أسباب تهميش هذه الشريحة وطرح بعض القضايا التي تهم الوطن في المقام الأول وترفع من القدرة على استثمار الشباب لخدمة الوطن لا لهدمه..وسأطرح هنا مجموعة من التساؤلات بناء على عنوان الموضوع أعلاه؟؟
بالنظر إلى الأوضاع الحالية للشباب اليمني بشكل خاص والشباب العربي بشكل عام..هل الجيل الحالي من الشباب العربي هو رصيد لأوطانهم تنمية واستقرار ؟؟ أم أنه مصدر تهديد لتلك الحكومات العربية؟؟
بمعنى هل الشباب العربي ثروة يمكن للحكومات العربية ومنها اليمن استثمارها أم أنه مشروع لثورة يمكن أن تنقلب على حكوماتها في أي وقت؟؟
وماهي المتغيرات التي تفرزها الحكومات العربية وكيفية تأثيرها على شبابها في الاتجاهين المدمر والمحفز؟؟
وهل لعب القطاع الخاص في الوطن العربي دورا إيجابيا يهتم بالقضايا الاجتماعية وقطاع الشباب..أم أنه ركز جل اهتمامه على المسائل التجارية البحتة وحسبة الربح والخسارة؟؟
باختصار هل الشباب في الوطن العربي عموما واليمن خصوصا قد أعطى الفرصة الكاملة للمساهمة في عملية التنمية في كافة القطاعات أم أن الوصاية لازالت مفروضة عليه؟؟
هذه مجموعة من التساؤلات تعكس حجم الرغبة في تجاوز عتبة الهبوط والضياع لهذه الشريحة الهامة في المجتمع اليمني..
سوف أطرح هنا مجموعة من النقاط والمسببات للأوضاع الراهنة للشباب على أن أتناول هذه النقاط في مواضيع لاحقة بشيء من التفصيل:
أولا : الفقر:-
الفقر والجهل والعوز هو آفة المجتمعات.. وقد أعجبتني صراحة فخامة الرئيس وتشخيصه للحالة اليمنية في مؤتمر المانحين بلندن حينما أشار بأن الفقر هو المرتع الخصب للتطرف والانحراف والإرهاب الذي تعاني منه الكثير من الدول..
فالفقر يقتل الإبداع..ويسحق النضوج.. ويلغي التفكير..فيصبح تفكير الشباب في اتجاه واحد وهو تأمين لقمة العيش بأي طريقة أو وسيلة كانت..وتتضافر مع ذلك مجموعة من الأسباب تدعم تلك الخيارات المنحرفة وتغذيها.
ثانيا : ضعف التعليم :-
التعليم هو من أهم الأساسيات التي يجب أن توليها الحكومات العربية واليمن على وجه الخصوص اهتماما بالغا..فكما أن التعليم الصحيح والناضج والمتخصص ينمي العقل والتفكير ويبصر الشباب بالطريق السوي والناجح في حياتهم العلمية والعملية..فهو في الجانب الآخر يفتح للشباب أبوابا للعمل والإنتاج والتنمية وبالتالي زيادة دخل الفرد والتغلب على معضلة الفقر..
فمن المؤسف جدا أن نجد أن آخر قائمة أعدت لأفضل 600 جامعة على مستوى العالم جاءت فيها جامعة معاريف الإسرائيلية في المركز الـ 60 فيما جاءت جامعة القاهرة وهي الجامعة العربية الوحيدة ضمن القائمة في المرتبة الـ 402..
فالتعليم الجامعي في بلادنا لا يقتصر فقط على ضعف المناهج فحسب بل أن التخصصات الموجودة في جامعاتنا قد عفى عنها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب..
ففي حين نجد أن العالم المتقدم قد أوجد تخصصات عدة متفرعة مثلا في العلوم الأدارية نجد جامعاتنا اليمنية لازالت تضمها تحت آلية وحيدة تسمى كلية التجارة والاقتصاد وتشمل علم الاقتصاد والسياسة والإدارة والمحاسبة والإحصاء ..وتكون بعيدة كل البعد عن متطلبات سوق العمل عند تخرج الشباب من تلك التخصصات لأن سوق العمل يتطلب التخصصات الدقيقة والكفاءات والمهارات .
ثالثا: التوجهات السياسية:-
للأسف الشديد لا زالت الكثير من الحكومات العربية تقيد في توجهاتها السياسية حريات الشباب.. ويفرض الجيل القديم وصايته على جيل الشباب بدعوى أنهم أصحاب خبرات وأصحاب الأيادي البيضاء في بناء الوطن ..وأن جيل الشباب الحالي لا يملك الخبرة اللازمة لعملية التنمية الشاملة .
فالحرية لها تأثيرها السحري على عقل الإنسان وهي التي تعمل كمحفز لإطلاق مهارات الشباب وقدراته الإبداعية .. ويحب أن تنبع في الأصل من الأسرة عن طريق منح الأهل الحرية لأطفالهم وعدم قمعهم حتى ينشأ جيل واثق من نفسه ومن قدراته ولا يسمح لأحد بقمعه مستقبلا سواء على المستوى المهني أو على المستوى السياسي .. فلا بد من إعطاء الشباب قدرا من الثقة والحرية ، فقد أظهرت التجارب الإنسانية القديمة والحديثة أن كل جيل قادر على إفراز قياداته وكفاءاته .
رابعا: المؤسسات الدينية :-
تلعب المؤسسات الدينية دورا مهما في إطلاق طاقات الشباب أو كبتها وتسييرها حسب أهواء القائمين عليها ومصالحهم الشخصية .. وللأسف الشديد لم تقم العديد من تلك المؤسسات بدورها المنوط بها بخلق جيل مرتبط بدينه وعاداته وتقاليده ومتمتع بمقدرات العصر الحديثة التي تمكنه من شق طريقه وبناء مستقبله.. ففي حين نجد بعض تلك المؤسسات التي تغلق عقول الشباب بالفكر المنغلق وبالتطرف والغلو نجد في الاتجاه الآخر مؤسسات تدعو إلى الانفتاح والتحرر من الأخلاق والأسس الإسلامية السمحة التي توازن بين الدين والدنيا وتدعو إلى العلم والمعرفة والبناء والإتقان.. وفي النهاية يكون الضحية الشباب فينشأ جيل غير مرتبط بواقعه ومعطيات عصره فيتوه بين الصحيح واللامعقول .
خامسا : غياب الإعلام الفعال :-
وهو من أكبر المعضلات التي تتسبب في نكبة الشباب وبعدهم تماما عن مقتضيات العصر ومتطلبات البناء والتنمية للحياة الشاملة ..ففي حين يغيب عن الساحة الإعلام الشبابي المتخصص التلفزيوني والإذاعي والصحفي ، نجد أن الإعلام العام للمؤسسات الحكومية العربية يخل وبشكل كبير بالدور الملقى على عاتقه..فبدل أن يساهم في خلق جيل شبابي مرتبط بهويته الوطنية ، محبا لبلده وأرضه ودينه ، نجده يساهم وبشكل غير مباشر في خلق يتحلل من كل القيود حتى قيود الانتماء إلى الأرض والوطن والدين ..بل أنه وفي كثير من الأحيان يلعب دورا سلبيا في حياة الشباب.
عموما يجب أن تكون للحكومات العربية وعلى رأسها اليمن الرغبة في إيجاد الخطط التي تعمل على استثمار طاقات الشباب بالشكل الأمثل!!
وإنشاء مؤسسات شبابية متخصصة في دعم ورعاية قدرات الشباب واستثمارها في رفد التنمية الشاملة.
ويجب أن تدرك حكومتنا الرشيدة قيمة الشباب اليمني وتعرف مدى الأهمية أو الكيفية التي تساعد في تحويله من عائق إلى قوة محركة..من مصدر تهديد ، إلى رصيد وطني لها..من مشروع ثورة على المبادئ والقيم والأخلاق والوطن إلى مصدر ثروة للوطن..
وأوكد هنا أن الفقر والجهل ، وسؤ التعليم والقهر السياسي ، وضعف الإعلام وغياب المؤسسات الشبابية المتخصصة ، علاوة على التزاوج بين الثروة والسلطة الشائع في الوطن العربي..على رأس العوامل المنتجة لشباب عربي مهمش لا يتحمل المسؤولية ويشكل مصدر تهديد لأوطانهم.
*قسم العلوم السياسية –جامعة صنعاء -
[email protected]