المؤتمرنت - الحياة -
القرصنة الرقمية تكبد السينما خسائر فادحة
في عشرينات القرن الماضي، تنبأ المفكر الأميركي صامويل جونسون بدخول عملية إنتاج الأعمال الفكرية والفنية مرحلة «إعادة الإنتاج الميكانيكي» بأثر من التقدم في الثورة الصناعية. وفي تسعينات القرن عينه، تابع المُفكر الفرنسي جان بودريار الخط نفسه، ليتحدث عن أثر التحوّل الرقمي على الإنتاج الفكري والفني. وفي كتابه «التشبيه والشبيه الذي لا أصل له» Simulicara & Simulation، رأى بودريار أن التقنية الرقمية ترفع العلاقة بين «النسخة» و»الأصل» الى مستوى شديد التعقيد، بحيث أنها تنفي عن الأصل قدرته على إدعاء المرجعية فنياً، مع انه يمتلكها فعلياً.
وشدد بودريادر على أن التكنولوجيا الرقمية تعطي «النسخة الشبيه» القدرة على ممارسة دور «المرجعية» فنياً، بحيث أنها تستقل، في عملية صنعها، عن كل أصل. إنه عالم بلا مرجعية، أو بالأحرى عالم كل شبيه فيه هو «مرجعية» بقدر كونه «نسخة». ومع التغيير الممكن في كل استعادة واستنساخ، بمعنى قدرة الشبيه والنسخة على الاختلاف والمُغايرة عن الأصل مع الحفاظ على التشابه أيضاً، فإن النُسخ تدخل الأصل في عالم من فقدان الهوية الأصلية! ومن الواضح ان التقنيات الرقمية تتفاعل مع الفنون والإنتاجات الفكرية بطريقة مُعقّدة تماماً، بحيث لا تُشكّل مسألة الملكية الفكرية سوى جزء يسير من تلك العلاقة. والأرجح أن كثيراً من مقولات جونسون وبودريار، ترددت أصداؤها في العاصمة المصرية أخيراً. فقد حذر خبراء مشاركون في مؤتمر «القرصنة والصناعة المصرية... إلى أين»؟ من تنامي عمليات القرصنة على حقوق الملكية الفكرية في صناعات عدة أهمها السينما والموسيقى وبرمجيات الكومبيوتر.
وأرجعوا ذلك الى التقدم الهائل في التكنولوجيا واتساع نطاق التجارة العالمية والعولمة، فيما طالبوا بإنشاء محكمة خاصة للنظر في قضايا انتهاك حقوق الملكية الفكرية في الداخل والخارج، وتشديد العقوبات والغرامات المفروضة على القراصنة والمتاجرين بالمنتجات المقرصنة.
كما الكومبيوتر السينما
وأكّد المشاركون أن صناعة السينما المصرية تتكبد خسائر مادية ومعنوية فادحة جراء ممارسات القرصنة على صناعة الأفلام والمواد السينمائية والتلفزيونية والموسيقى والأغاني المصرية. ودعوا إلى تفعيل العلاقة بين المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية لمواجهة ظاهرة القرصنة التي تتعرض لها السينما والمنتج الفني المصري في الداخل والخارج.
واستعرض الخبراء المشاركون في المؤتمر القاهري أخيراً الآثار المدمرة لظاهرة القرصنة وانتهاك حقوق الملكية الفكرية في مصر والعالم.
وأشاروا إلى أن القرصنة لا تقتصر على الأفلام والموسيقى فقط، بل تمتد أيضاً إلى البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات والملابس ومواد البناء والأدوية.
ونبّه حلمي ابو العيش رئيس مجلس إدارة مجلس التنافسية المصرية إلى أن الغش وانتهاك حقوق الملكية الفكرية تفشيا بصورة مزعجة عالمياً، كما طاولا عدداً كبيراً من القطاعات، وليس فقط السينما والموسيقى.
وأوضح أن معدلات الغش في صناعة السينما تبلغ نحو 43 في المئة في السوق العالمي، بينما تصل في مجال الموسيقى الى 333 في المئة وبالنسبة الى الفيديو فتبلغ نحو 60 في المئة فيما تقدر بالنسبة الى صناعة الأدوية بـ 6 في المئة.
وأشار أبو العيش إلى أن قطاع تكنولوجيا المعلومات يتكبد خسائر جراء عمليات الغش والقرصنة عالمياً تقدر بأكثر من 51 بليون دولار سنوياً، وفق إحصاءات السنة الفائتة.
وتصل النسبة عينها على صعيد منتجات الصوتيات (مواد موسيقية وغنائية) إلى 33 في المئة من حجم الإنتاج العالمي ونحو5،21 في المئة من القيمة الإجمالية للمنتج العالمي من الصوتيات.
ولفت أبو العيش إلى أن معدلات تجارة القرصنة تتجاوز الزيادة في التجارة العالمية المشروعة. كما بيّن ان القرصنة تجري عبر طرق متنوعة، إذ تشمل الشبكة العنكبوتية والاسطوانات المدمجة وسرقة إشارات الإرسال وقرصنة التلفزيون وغيرها.
وعزا أبو العيش تزايد خسائر الصناعات المختلفة الناجمة عن عمليات القرصنة، إلى التقدم التكنولوجي الهائل، وتوسع نطاق التجارة الدولية والعولمة إضافة إلى الفروق الحادة في مستويات الدخل بين البلدان المختلفة، ما يدفع بعضهم إلى تبني أساليب الغش والقرصنة لتقليص كلفة المنتجات.
كما أشار إلى أن خسائر صناعة السينما الأميركية، بسبب القرصنة، تصل إلى 6.1 بليون دولار سنوياً، بحسب إحصاءات السنة الفائتة. وبيّن أن صناعة السينما العالمية باتت مهددة على نحو خطير مع انتشار ظاهرة القرصنة.
وتوصل المشاركون في المؤتمر القاهري إلى ضرورة العمل على تشجيع تطبيق وتفعيل القوانين داخلياً وخارجياً وعبر المنافذ الحدودية، إضافة الى تعزيز التعاون بين المجتمع المدني والحكومة لحماية الملكية الفكرية. وكذلك طالبوا بإنشاء جهاز أو محكمة متخصصة للنظر في قضايا حقوق الملكية الفكرية في الداخل والخارج والتنسيق بين الجهات الرسمية المختصة، مع تشديد العقوبات المفروضة على القراصنة والمتاجرين في المواد المقرصنة، وتشديد الغرامات المفروضة عليهم، مع العمل على زيادة أعداد المفتشين المدربين على تقصي الحقائق في ما يتعلق بانتهاك حقوق الملكية الفكرية والمصنفات الفنية.