الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 01:03 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
السبت, 16-ديسمبر-2006
المؤتمر نت - بلير وبوش بقلم السير سيريل تاونسيند -
السير سيريل تاونسيند (انهيار جسر لندن... وفشل التحالف الأنجلو- أميركي)
في كل من السياسات الداخلية والقضايا الدولية، ثمة حقائق بديهية يتعذر الجهر بها علناً. وفي اعتقادي أن هذا أمر لا مناص منه، على رغم ما قد يثيره لدى البعض من مشاعر إحباط، وما يرى فيه آخرون، ضرباً من الهراء والعبث. من ذلك مثلاً أن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، كان في زيارة إلى واشنطن في 7 من شهر ديسمبر الحالي. وبينما كان يقف بجوار صديقه وحليفه الرئيس بوش، إذا بالأخير يعلن في حضوره، أنه لا يزال في مقدور أميركا إحراز النصر في العراق. وهنا تذكرت ما اعتدت سماعه مع مجموعة قليلة من المراقبين والعالمين ببواطن الأمور في واشنطن، ممن لم يسلموا بعد بما ينسب من فشل للسياسات الأميركية المطبقة في العراق. وحين يعنُّ لي في مواقف كهذه أن طاقم بوش في البيت الأبيض يتعمد إخفاء الحقيقة عنه، وضرب سياج بينه وبين الواقع، فإن ذلك مما يثير عندي مشاعر الخوف والذعر. فهل يمكن أن تبلغ خطورة المشهد العالمي، أكثر مما بلغته الآن؟! أما بالنسبة للرئيس بوش، فإن الحديث العلني عن الفشل الآن، إنما يشبه الدمار الذي يجلبه الانتحار السياسي على الذات .


لكن في أواخر شهر نوفمبر المنصرم، كانت طفحت إلى السطح، حقيقة صارت بديهية منذ عدة سنوات، وقد صرح بها مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية. وربما لا يكون الدكتور "كندال مايرز"، المختص في السياسات البريطانية، شخصية معروفة بالنسبة لكم، بقدر معرفتي له. كما أشك أن يتواتر ذكر اسمه في الصحف ووسائل الإعلام الأميركية قريباً. على أنه صرح بما لم يكن ليسمح بالتصريح به، من قبل دوائر المسؤولين الأميركيين. وما أن قال هذا المسؤول ما يجب قوله، حتى أصبح الحديث عن ضرورة الشفافية، نغمة عامة في الدوائر والأوساط السياسية، وسرعان ما سرت هذه الشفافية على طبيعة التحالف الأنجلو-أميركي .


فقد شغل الحديث الذي ألقى به عبر منتدى أكاديمي، عقد في العاصمة واشنطن، في 28 نوفمبر الماضي، صفحة بكاملها نشرت في إحدى كبريات الصحف البريطانية الصادرة في 30 من الشهر نفسه. ذلك أنه أفاض في انتقاده لأداء إدارة بوش في حربها على العراق. وعلى حد ما جاء في حديثه: "إنه لوقت عصيب، لابد لنا من مواجهته. فنحن لم نخفق في تحقيق الأهداف التي رمينا إليها في العراق فحسب، بل أحدثنا قدراً عالياً من التوتر في علاقتنا ببريطانيا كذلك . وإحقاقاً للحق، فقد كانت صفقة الشراكة بيننا وبينها، صفقة مُعدة سلفاً، وغير مناسبة، لكونها شراكة ذات اتجاه واحد، أبرمها الطرفان بعيون مفتوحة على الحقيقة منذ البداية. فلم يكن هناك من التزام بالتبادل والأخذ والعطاء بين طرفيها، مثلما هو الحال في كافة صفقات الشراكة والعلاقات المتبادلة. ومبلغ ما أخشاه الآن، أن تنسحب عنا بريطانيا دون أن تخطو أي خطوة تقربها من أوروبا. وبذلك المعنى يكون جسر لندن الواصل بين ساحلي المحيط الأطلسي، قد انهار تماماً". ومما قاله الدكتور "مايرز"، إن حرب العراق قد ألحقت خراباً مستديماً بسمعة توني بلير وحياته السياسية. وفيما لو كان قرأ كتاباً واحداً فحسب، من تلك الكتب التي تناولت آخر غزو بريطاني للعراق في عام 1920، لكان قد تردد كثيراً في مجاراته لحليفه بوش .


وكما توقع الدكتور "مايرز" لنفسه، فقد كان طبيعياً أن تنخفض أسهمه في دوائر وزارة الخارجية الأميركية التي ينتمي إليها، عقب حديثه في ذلك المنتدى الأكاديمي. وقد جاءه الرد مباشرة على لسان "تيري ديفيدسون"، الناطق الرسمي باسم الوزارة، بقوله في المنتدى نفسه: "لاشك أن علاقتنا ببريطانيا تتسم بلون خاص من ألوان الخصوصية، ولا تزال في ذاكرتنا الانطباعات التي خلفتها زيارة رئيس وزرائها الأخيرة لنا. ذلك أن الولايات المتحدة وبريطانيا، تعملان جنباً إلى جنب، بالتعاون مع بقية الحلفاء الدوليين، في كافة القضايا التي يمكن أن تخطر ببالكم. وهذه الآراء التي عبر عنها الدكتور مايرز، لا تعكس بأي حال، آراء الحكومة الأميركية ولا رؤيتها لخصوصية علاقتنا مع بريطانيا . ويجب التوضيح أن مايرز إنما كان يتحدث بصفته أكاديمياً، وليس كممثل لوزارة خارجية بلاده ".


وعن نفسي، أعرب عن إعجابي الشخصي بهذا الجزء الأخير من تعليق الناطق الرسمي. ذلك أنه يتعين علينا أن نميز في المستقبل، بين الأدمغة الأكاديمية المستأجرة والمدفوعة الثمن، من حر مال وزارة الخارجية الأميركية، وغيرهم من الأكاديميين المارقين "الطلقاء "!


وكان لا مناص من أن تأتي ردة فعل الأوساط والدوائر السياسية البريطانية، ملتبسة ومتضاربة هي الأخرى، إزاء ما ورد في حديث "مايرز" عن التحالف الأنجلو- أميركي. من ذلك مثلاً أن "السير منزيس كامبل"، زعيم "الديمقراطيين الليبراليين"، وهو أحد أبرز منتقدي الحرب على العراق، قال: "مما لا ريب فيه أن هذه التعليقات تعكس حالة من سخط النخبة الأميركية المفكرة، من انقياد بلير الأعمى لحليفه بوش. وقد أضحى من الواجب الآن، إعادة النظر في خصوصية تلك العلاقة، واستعادة التوازن المفقود إليها وتجديدها". وعلى صعيد آخر، قال "مايكل بورتيلو"، وزير الدفاع السابق من حزب "المحافظين"، إن سياسات بلير قد انحرفت كثيراً عن المسار البريطاني، إلا أن ذلك لا يقلل من سلامة ووجاهة اعتقاد بلير الدائم، بأن تبقى بريطانيا جسراً يربط ما بين طرفي المحيط الأطلسي .

ومهما يكن، فسيرسخ في أذهان وذاكرة الكثيرين، أن ما قاله "مايرز"، إنما يسجل للتاريخ انتقادات خبراء وزارة الخارجية الأميركية للسياسات التي انتهجها البيت الأبيض إزاء الشرق الأوسط، في ظل الإدارة الحالية. وفي المقابل، فإنه ليصعب جداً على وزارة الخارجية البريطانية، إخفاء عدم رضاها عن مجمل سياسات بلير ومستشاريه السياسيين، إزاء مناطق في العالم، اتضح أنهم يجهلون عنها الكثير والكثير .


ومن ناحيتي فلا يخالجني أدنى شعور بالشك، في دنو انفراط عقد هذه الشراكة الأطلسية الواهية بين واشنطن ولندن . ولنأخذ في هذا بعبرة وسابقة التحالف نفسه في أزمة قناة السويس. فقد انحدرت العلاقة إلى ذات الفتور والضعف، حين غرقت لندن في خطأ الاعتداء على السويس حتى أذنيها وقتئذ. ومما لا ريب فيه كذلك، أن تحالفاً بكل هذا الضعف والهشاشة، لن يصب في مصلحة أي من طرفيه على جانبي المحيط .

الأتحاد الإمارتية




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر