الشرق الاوسط - صالة التحرير المستقبلية.. انفتاح ودمج بين الورقي والإلكتروني لا قتل للابداع.. لا أبواب مغلقة.. ولا جدران فاصلة! هذه «اللاءات الثلاثة» ليست جزءا من خطبة مسؤول عربي متحجر قرر التمرد أخيرا على ثلاثة من أهم المبادئ التي تميز «مدرسة» الإدارة العربية.. إنما هي جزء من تصور وضعته رابطة الصحف العالمية (وان) وشركة «إنوفايشن» للاستشارات الإعلامية، ضمن تقرير التطورات في مجال الصحف للعام الحالي، تصورا لشكل صالات التحرير المستقبلية للصحف حول العالم، والذي صمم ليواكب المتطلبات العصرية لجيل لم تعد الجريدة احد اهم مصادره للأنباء، ولم تعد مهمة الصحافي «الخبر» وحسب.. وإنما ما وراءه وما حوله وما بعده كذلك. التصور الذي جاء مبنيا على دراسة تجارب ووضع الصالات في عدد من اكبر الصحف حول العالم، وأخذا في عين الاعتبار التطورات التقنية التي قلبت كثيرا من المفاهيم خلال السنوات القليلة الماضية، يشدد بالإضافة الى التركيز على أهمية توفير مناخ مناسب للصحافيين على أهمية «دمج» العمل، بحيث يشتغل الصحافي قصته لأكثر من منفذ سواء كان ورقيا او الكترونيا او إذاعيا. ويبدو ان ذلك هو التوجه السائد الذي ستعتمده كبريات المؤسسات الاعلامية، على الرغم من أن عددا كبيرا منها لا يزال يقاومه. وعلى سبيل المثال، فإن جريدة «واشنطن بوست» الأميركية، وهي صاحبة وجود الكتروني قوي على الانترنت، لا تزال ترى ان الصحافة الورقية والالكترونية هما امران منفصلان.
وينقل التقرير عن رئيس مجلس إدارة شركة الواشنطن بوست، دونالد غراهام، قوله «الخروج بالصحيفة يوميا هو أمر يتطلب الكثير، والموقع الالكتروني هو أمر آخر على المستوى نفسه من التحدي». ويضيف «وبما ان عليها التنافس مع منافسين عباقرة يخرجون بأشياء جديدة على الدوم، فعلى الواشنطن بوست ودبليو بي ان أي (الخدمة التفاعلية من الصحيفة ومجلة نيوزويك) التعاون، ولكن يجب عليهما كذلك ايجاد طريقة لعمل وظائف مختلفة». ويشير التقرير إلى أن التعاون بين صالتي التحرير الورقية والرقمية، أخذ في التطور خلال السنوات الماضية، وأن عددا كبيرا من الصحف أسس مكتب تحرير (دسك) متواصل كنوع من محاولة بناء جسر بين النسختين. إلى ذلك تحوي صالة التحرير المستقبلية استديوهات تلفزيونية واذاعية، والسبب في ذلك هو انها يجب ان تكون مهيأة لجيل جديد من صحافي «الوسائط المتعددة». وعلى هذا الجيل ان يكون قادرا على التعامل مع الوسائط المتعددة في الاتجاهين (الإرسال والاستقبال)، لذلك يقترح التقرير مهمة «مراقبة الانترنت» كجزء أساسي من مهمات وحدة «الرادار» (الرصد)، وهي عبارة عن مكتب داخل صالة التحرير العصرية مزود بأجهزة تلفزيون وراديو وكومبيوتر متصل بالانترنت باعتبار أن وكالات الأنباء لم تعد هي المصدر الوحيد للأخبار، وفي ذلك اشارة الى ازدياد أهمية الانترنت بالنسبة للصحافيين. (تناول ملحق إعلام «الشرق الأوسط» مفهوم «الرادار» مطولا في العدد 10232). من جهته، يقول خوان سنيور، مدير شركة «انوفايشن» للاستشارات الاعلامية في المملكة المتحدة، لـ«الشرق الأوسط» إن ما يحاول الترويج له هو «ثقافة» جديدة لدى الصحافيين بحيث لا يرى أن جل عمله متعلق بكتابة المادة. وحول هذه «الثقافة» يقول التقرير إن العرف السائد في كثير من المؤسسات الإعلامية هو وجود جو من المحاربة بين الاقسام المختلفة، والمطلوب هو خلق جو من المشاركة والألفة بين الزملاء لخدمة جميع الوسائط. ويوضح سنيور «فيما لا يتوقع من الصحافي ان يقوم بفعل كل شيء بنفسه إلا أن ما نريده هو ان لا يكون مجرد ما يخطر في باله هو النص فقط... بحيث عندما يعرض قصة على رئيس تحريره فإنه يقول له هذه القصة، وبإمكاننا خدمتها بصورة أو برسم بياني حتى وان كان هو لن يلتقطها او يعدها بنفسه وانما سيطلب ذلك من زميل». ويضيف «وفي نفس الوقت، بالامكان الاستفادة من الاستديو الموجود في بث الخبر او القصة ان كان للجريدة منفذ تلفزيوني او مرئي عبر الانترنت... ومن الممكن ايضا تسجيل اللقاءات التي يجريها الصحافيون ومن ثم وضع ملف الفيديو او الصوت مع القصة على الموقع» (أو طرحها على قرص دي في دي مثلا مع المطبوعة). ويضيف أما بخصوص مجال الاذاعة، فهو متنام في الاهمية خصوصا في مجال الـ«بودكاست» (بحيث يقوم الصحافي بتسجيل قصته ومقتطفات من لقاءاته ومعلومات اضافية وعرضها على الموقع، بحيث يمكن للمتصفحين تحميلها على أجهزة تشغيل الملفات الموسيقية الخاصة بهم). وبالعودة الى نقطة «جو العمل»، يركز التقرير على أهمية خلق جو من «عدم الرسمية» في صالات التحرير، إلا أن سنيور يشدد أن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال جوا اكثر ارتياحا او اقل انتاجية. ويوضح «ما نريد فعله هو تشجيع روح الابتكار في صالات التحرير فالصحافة لا ينبغي أن تكون مثل العسكرية». ويضيف «ما يثير الاستغراب هو أنه فيما الصحافيون هم الذين ينقلون للناس ما يحدث من صيحات وتطورات في شتى المجالات، فإن صالات التحرير تبقى احدى اكثر أماكن العمل محافظة على الاطلاق». وفي الرسم التصوري الذي احتواه التقرير خطوات عدة لخلق الجو الذي يقصده خوان، فبداية هناك توجه لجعل كافة المساحات مفتوحة على بعضها، او بمعنى آخر إزالة الجدران ومفهوم «مكعبات» الموظفين.. ما يقضى بدوره على الـ«غيتوهات» أو ما يمكن ان نسميه بالعربية الجُزر، ويرسخ روح الفريق بشكل أكبر ويعطي فرصة افضل لتحادث الموظفين ومعرفتهم لبعضهم البعض. اضافة الى ذلك، يقترح التقرير السماح للموظفين تعليق الملصقات التي يريدون، وجعل مكاتبهم اكثر خصوصية وحميمية بإضافة ديكور أقرب للتصميم المنزلي من حيث الانارة والسجاد والنباتات. من جهة ثانية، هناك تركيز على وضع القادة ضمن الصالة وليس في مكاتب مستقلة، ويقول خوان سنيور ان في ذلك فائدة كبيرة موضحا «تقليديا لا يرى الصحافي محرره إلا في نهاية عمله (عندما يسلم القصة للمراجعة) والأكثر فائدة ان يكون المحرر والصحافي على تواصل مستمر منذ البداية، وكون القيادي موجودا في الصالة بدون جدران او ابواب يعطي انطباعا بأنه موجود وانه من السهل الوصول اليه»، ومن شأن ذلك أن يزيل كافة الحواجز (بما فيها النفسية) ويعطي نتائج افضل فيما يخص المادة المشغول عليها والتعاطي بشكل عام.
ومثلما هناك «لاءات» ثلاث تستنج من التقرير.. فهناك ثلاث «تاءات» يخلص اليها خوان سنيور ويقول ان بتطبيقها تصل الصحيفة الى هدفها الأسمى وهو ما يصفه بـ«التاء الكبرى» نسبة الى «تحسن المحتوى»، وذلك لأن المحتوى هو أساس أي عمل إعلامي. أما التاءات الثلاث التي يدعو اليها خوان فهي اولا «التواصل» والمقصود بين الموظفين بحيث تزال الحواجز ويتم خلق جو ودي وعلاقات مباشرة بينهم مهما اختلفت مراتبهم. ثانيا «التعاون» والمقصود بين الأقسام المختلفة بدلا من وجود جو «مكهرب» بينها، وثالثا «التجلي» بمعنى الابداع وخلق جو يحفز عليه ومكافئته باستمرار.
* «مسمار جحا»
* الهدف وراء كون وسيلة اعلامية «متعددة الوسائط» هو توفير المحتوى للمستخدم بالشكل الذي يناسبه في أي وقت يشاء وفي المكان الذي يشاء، ومع تطور تقنيات الاتصال، يبدو الأمر ممكنا اكثر فأكثر.
كثيرة هي الصحف التي أطلقت مواقع الكترونية، ومعظمها حول موقعه الى ناقل لمحتوى الطبعة الورقية ذاته.. والقليل منها طور محتواه الرقمي ليستفيد من خصائص الانترنت التفاعلية لأقصى حد. التوجه الحالي لكبريات الصحف هو ترك «مسمار جحا» في مختلف المجالات، وهذا ما قصده رئيس تحرير صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، الان روسبردجر، في حديث سابق مع «الشرق الأوسط»، واصفا وحدة الأفلام التي اطلقتها صحيفته والتي تنتج الافلام الوثائقية القصيرة والتقارير وتعرضها على الشبكة (ولا تدر بأرباح حتى الآن.. لكن بعض انتاجاتها حصد جوائز تكريمية) عندما قال انها (الوحدة) «محاولة لمعرفة ماذا يمكن ان نصنع في مجال الفيديو.. واعتقد انه من الضروري ان تكون لأي شركة في مجال الاعمال يد في مجال الفيديو وحتى الاذاعة». أما بيتر بايل، مدير التحرير لموقع «تايمز أونلاين» والذي دشن في العام الماضي خدمة تلفزيونية عبر الانترنت تعرض مواجز إخبارية وتقارير وكليبات عن مختلف المواضيع المتفاوتة بين السياسة والاقتصاد، فقال في حديث سابق «ندرك أننا لسنا مؤسسة للبث، نحن لا ننافس البي بي سي أو قنوات سكاي»، ولكنه يضيف «إلا أن ما نفعله يمكن وصفه بأنه مجرد وضع اصبع من قدمنا في البركة... فنحن نجرب ما نستطيع فعله في هذا المجال». وكان اللافت فيما قاله بايل إن «من أهم مميزات الإنترنت هي انها تخولك ان تنفذ تجارب عدة دون أن تكون الخسائر فادحة». ومن الصحف البارزة في مجال تعدد الوسائط هي صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية وأيضا صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية. على صعيد التلفزيون، تتوجه القنوات الكبرى (كـ«ان بي سي» و«فوكس» الأميركيتين) الى توفير محتواهما على الانترنت بعد عرضهما مباشرة على الشاشة، وخاصة المسلسلات والبرامج الأكثر شعبية كمسلسل «لوست» (الضائعون) مثلا. فيما تعمد القنوات الإخبارية الى نقل النشرات مباشرة عبر الانترنت خلال بثها عبر التلفزيون. وتسعى محطات التلفزيون كذلك الى توفير محتواها الى مستخدمي الاجهزة الجوالة، كالهواتف الجوالة ومشغلات الموسيقى الرقمية (مثل جهاز «آي بود» الشهير) المزودة بشاشات وأجهزة ألعاب الفيديو المتنقلة (مثل جهاز بلاي ستايشن الجوال «بي اس بي»). أما مشكلة هذه الأجهزة فهي صغر شاشتها، لذلك فاستخدامها يبقى حكرا على الضرورة. إلا ان تقنيات حديثة تسمح بتركيب «بروجيكتور» على الجوال مثلا لبث الصور التي تعرض على الجهاز على الجدران او سطح المكتب، وهو ما قد يستخدم كذلك كحل منطقي وعملي لتصفح النسخ الرقمية من الجرائد الورقية عبر بثها من خلال الهاتف الجوال الى اقرب سطح اليك. وبما أن للتقنية المتطورة باستمرار أربابها، يكون على تركيز الاعلاميين على «تجويد» المحتوى.. مجددا لأن المحتوى هو الأساس، ولأن الخبز يجب ان يترك للخباز.
|