بقلم: محمد حسين العيدروس -
يمن الحاضر والمستقبل
رغم أهمية الماضي في استلهام الخبرة والتجربة إلا أن الانطلاق من الحاضر هو اعتراف بأن الماضي أصبح في عداد مذكرات التاريخ بعد أن تحولت الحياة إلى شكل مغاير لكل ما كانت عليه اليمن وصار التفكير والجهاد كله يصب في اتجاه واحد هو بناء حياة أكثر تطوراً، ورقياً، وازدهاراً.
إن الأفق الذي تعمل فيه القيادة السياسية في الوقت الحاضر هو الأكثر سعة في التخطيط والاستيعاب للبرامج من أي مرحلة مضت، ذلك لأنه لا يبدأ من أرضية مجردة من الأساس الضروري لأي بناء بقدر ما يمثل استكمالاً لمسيرة إنجاز سابقة،فعندما نراهن على الاستثمارات كبوابة للمستقبل ننطلق من ثقة بأن بلادنا أصبحت مهيأة للانفتاح الاستثماري الواسع – سواء من حيث الاستقرار الأمني، أو التشريع القانوني الذي يحمي حقوق المستثمرين، وينظم علاقات مختلف الأطراف أو الكوادر البشرية المؤهلة أكاديمياً، ومهنياً للعمل في هذه المشاريع وإداراتها.
اليمن اليوم غير الأمس، وهذا التغيير والتطور في الحياة اليمنية تؤكده الثقة الدولية الممنوحة لبلادنا، والتي يمكن التعرف على صورة مختلفة لها، بدءاً بمؤتمر المنحين في لندن، ثم حماس القيادات السياسية لدول مجلس تعاون الخليج العربي لتأهيل الاقتصاد اليمني، والتخضير لإدماج اليمن في عضوية المجلس.. كما تتجسد الثقة الدولية بماراثون الشراكات والمؤسسات العربية والأجنبية التي تتوافد على اليمن لبحث الفرص الاستثمارية، ولإبرام الصفقات والاتفاقيات لمشاريع استثمارية مختلفة؛ علاوة على زيارة كبار المسئولين من عدد من البلدان الصديقة إلى اليمن من أجل توسيع الشراكة ومشابكة المصالح.
هذه بمجملها تمثل مؤشرات مؤكدة للثقة بأن المناخ اليمني أصبح مهيئاً لاحتضان خطط، وبرامج استراتيجية كبيرة من شأنها أن تصبح العمود الفقري للاقتصاد الوطني، ولاتجاهات المسارات التنموية التي تطمح لبلوغها بلادنا، وكانت المضمون الرئيسي للبرنامج الانتخابي للأخ الرئيس علي عبدالله صالح والتي بفضلها نال ثقة الأغلبية من الناخبين يوم العشرين من سبتمبر الماضي.
ولعل هذه الحقيقية تقودنا إلى إدراك سبب تواجد الأخ رئيس الجمهورية في العاصمة الاقتصادية عدن لهذه الفترة الطويلة. إذ أن تهافت المستثمرين على هذه المدينة ذات المكانة الاستراتيجية العالمية من أجل إقامة مشاريعهم فيها، أو بالقرب منها قابله حرص عظيم من لدن الأخ رئيس الجمهورية في الإشراف بنفسه على مجريات العمل، والالتقاء بالمستثمرين وطمأنتهم والتوجيه بكل التسهيلات المطلوبة التي من شأنها جذب المزيد من الاستثمارات وتشجيع آخرين على وضع رهانهم في اليمن – سواء في المجال النفطي، أو السياحي، أو الخدمي وغير ذلك - حيث إن هناك استيعاباً واحتياجاً كبيرين لمختلف المشاريع بحكم اعتماد المنطقة الحرة في عدن،وحسابات النشاط التجاري والاقتصادي المستقبلي المأمول أن يشهده ميناء عدن، وشواطؤها، بجانب ما ستشهده جزيرة سقطرى التي في طريقها إلى أن تصبح واحدة من أفضل المنتجعات السياحية على مستوى العالم.
إن حجم الحرص الذي تبديه القيادة السياسية في إدارة برامج الجذب الاستثماري، والترجمة العملية والحقيقية للبرنامج الانتخابي للأخ رئيس الجمهورية، هو أيضاً التأكيد المادي والملموس على أن ما ورد في البرنامج، لم يكن شعارات للمزايدة الحزبية، أو لخداع الناخبين، بقدر ما هو طموح حقيقي حملته القيادة لمستقبل اليمن وشعبها تتوج به مسيرة إنجازاتها التاريخية العظمية التي حققتها على امتداد فترة الحكم.
إن نظرة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح إلى المستقبل هو نظرة بعيدة المدى، وهي قائمة على خُطيً منظمة ومدروسة بدقة، وبحكمة بحيث تصل مبتغاها على مراحل مختلفة، كلٌ منها يؤسس للمرحلة التالية، دون أن تقفز على الواقع أو تتجاهله.. لذلك ظل الأخ الرئيس هو الأجدر بكسب كل الرهانات التي يخوضها؛ خلافاً لقوى سياسية أخرى ظلت حبيسة شكوكها، وعدم ثقتها بنفسها وتقاعست عن أدوارها الوطنية لتشغل نفسها بالأحلام الوردية التي تنتظر أن تأتيها إلى مقراتها.
لقد أصبح ملفتاً للأنظار أن تُثار حفيظة بعض القوى المعارضة، كما يجري الحديث عن التنمية والاستثمارات، فتشن هجومهاً، وتنهمك بنفخ البالونات المخيفة للمستثمرين بقصد إبعاد أنظارهم عن اليمن، كما لو أن خير الاستثمارات سيعود على شخص أو جهة بعينها وليس على الوطن كله، وأبناء شعبنا بمختلف فئاتهم بما سيوفر لهم من فرص عمل، وتحسين بمستوى المعيشة، وحراك على مختلف المهن، والخدمات والأنشطة..!
هذا السلوك الغريب -ورغم الجهود التي يبذلونها لأجله -كان دائماً يذهب أدراج الرياح، لأن العالم كله مؤمن بصدق حديث المصطفى – صلى الله عليه وسلم ( الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية)، ومؤمنون بأن اليمن ستبقى هي الأكثر أمناً وسلاماً على مر العصور بفضل ما بشر به نبي الأمة – صلى الله عليه وسلم – يوم نصح أبناء أمته قائلاً: ( إذا اشتدت الفتن فعليكم باليمن) وهذه نبوءة ألهمه بها الله، ويؤكدها زماننا الحاضر، إذ نرى أن بلادنا بيتاً مضيافاً لأبناء الأمة من الدول المنكوبة التي أصابها بلاء الاحتلال والفتن، أو غير ذلك.
ونحمد الله أن خصنا بهذه النعمة، ووسع بأرزاقنا، وتراحمنا، وهدانا لقيادة حكيمة مخلصة لا تألُ جهداً إلا وبذلته لشعبها، وللإنسانية جمعاء.