بقلم / د. عمر عبدالعزيز -
الصومال ومرابع بني عبس
بالترافق مع التصعيد الاثيوبي ضد المحاكم الاسلامية في الصومال باشرت المحاكم ذات التصعيد وتمكنت خلال الأيام القليلة الماضية من بسط يدها على سلسلة القرى والمدن الصغيرة المحيطة بمدينة “بيدوة” معقل حكومة شرعية نيروبي الانتقالية برئاسة عبدالله يوسف، وبالترافق أيضا مع التصعيد المتبادل بين المحاكم واثيوبيا باشرت اليمن وساطة ثمينة مداها ثقة الأطراف الصومالية المختلفة بالحكومة اليمنية وقناعتهم بان اليمن أقرب دول الجوار الجغرافي والتاريخي إنصافا لمختلف الفرقاء، وتباعداً عن الالتباس بخصوماتهم الداخلية، لهذا كانت زيارة رئيس المحاكم الاسلامية الشيخ شريف أحمد شريف الى عدن، ولقاؤه الرئيس علي عبدالله صالح الذي يباشر مهام الرئاسة هذه الأيام من العاصمة الشتوية للجمهورية اليمنية.
الوساطة اليمنية في الشأن الصومالي ليست جديدة، فالمعروف أن صنعاء استدعت فرقاء الساحة الصومالية لعشرات المرات، وباركت جهود الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي قبل نتائج مؤتمر “عرتا” في جيبوتي وبمشاركة يمنية رئاسية، كما فاجأ الرئيس صالح ختام مؤتمر نيروبي للمصالحة الصومالية بوصوله الى قاعة المؤتمر قبل الآخرين في إشارة دالة إلى أن اليمن تسعد بأي مصالحة صومالية، مُعتبرة ان الصوماليين أقرب الأشقاء وأكثرهم استحقاقا للعناية والرعاية. وهكذا كان، فقد قدمت اليمن مساعدات مباشرة وغير مباشرة، والأهم من ذلك أنها احتضنت آلاف الصوماليين الهاربين من جحيم الحرب الأهلية، تماماً كما احتضن الصوماليون مئات آلاف اليمنيين في أزمنة الإمامة والفقر والمتاهات، وتوجت اليمن استيعابها للأشقاء بتشريعات نظامية تستوعب الهاربين من جحيم الحرب وتسهيل وجودهم الانساني في اليمن، الأمر الذي جاء ثمرة ناجزة لجهود وزارة حقوق الانسان اليمنية بالتعاون مع المنظمات الدولية.
يتمنّى الجميع ان تسفر الوساطة اليمنية الجديدة عن تقريب وجهات نظر الفرقاء، وأن يكون الاعتراف بالأمر الواقع مسلكاً حكيماً لمن خسروا العقول والقلوب قبل الساحة والميدان، سواء كانوا أمراء حرب مأفونين، أو سياسيين تقليديين انبثقوا من شرعية نيروبي، فهؤلاء اتيحت لهم فرصة تاريخية غير مسبوقة إثر خروج المؤتمر بشرعية دستورية وبرلمان منتخب ودعم إقليمي ودولي، غير أنهم لم يكونوا في مستوى الرسالة، ولم يمتلكوا ارادة الفعل، ولم يذهبوا الى العاصمة مقديشو، مُراهنين على وزرائهم من امراء الحرب، ومُلتبسين بعلاقات مُريبة معهم الحرب ومن يعاضدهم من القتلة الاعتياديين وقراصنة البحار وناهبي الأموال ومنتهكي الأعراض، مما خلق فراغاً وجدانياً وسياسياً لدى المواطنين الصوماليين.
يعرف الجميع الآن ان المحاكم الاسلامية تسيطر عملياً على مناطق السخونة والاقتتال الأهلي، وانها تحوز على قاعدة شعبية فتيّة ومسلحة، وان بوسعها توسيع دائرة المعارك إلى ابعد حد، الأمر الذي سيقض مضجع اثيويبا ان هي استمرت في عدم قراءتها الواقعية للمشهد.. ولهذا السبب بالذات يُعول العقلاء على الوساطة اليمنية المتجددة، ولعل حكمة اليماني في ادارة الصراعات البينية بروية مشهودة وخبرته في فن التنازل من أجل الأهداف الكبرى ستقنع الأشقاء الصوماليين بالتخلّي عن مرابع بني عبس وداحس والغبراء، وينفتح الباب من جديد للتصالح يتعايش فيه الفرقاء على قاعدة الدولة الاتحادية اللامركزية، فهل سينجح الرئيس صالح فيما أخفق فيه الآخرون؟
* نقلاً عن صحيفة الخليج