الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:25 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
السبت, 23-ديسمبر-2006
المؤتمر نت - . مصطفى احمد نعمان* -
عن المؤتمر والبرلمان والدور التاريخي للرئيس
من خواطر الأستاذ

بعد إقرار أول دستور دائم في الجمهورية العربية اليمنية، قرر مجلس الشورى برئاسة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر اختيار ثلاث شخصيات لعضوية المجلس الجمهوري، الذي كان يمثل حينها رئاسة الدولة، وهم القاضي عبدالرحمن الارياني والفريق حسن العمري والشيخ محمد علي عثمان. وكان المجلس الجمهوري قبلها مشكلاً من خمس شخصيات هم الأستاذ أحمد محمد نعمان والأستاذ أحمد الشامي بالإضافة الى الثلاثة الذين تم انتخابهم بعد إقرار الدستور.


عرض القاضي عبدالرحمن الارياني الأمر على زميله السابق في المجلس الجمهوري، الأستاذ النعمان، وأبلغه التوافق على توليه منصب رئاسة الوزراء. رفض النعمان الأمر في البداية، ورأى فيه إبعادا له من رئاسة الدولة. ثم استسلم للأمر تحت ضغط القوى السياسية الفاعلة حينها، ووعدها بالتعاون معه في عمله.


أقل من ثلاثة أشهر مرت، قدم بعدها الأستاذ النعمان استقالته، وعرض الأمر على المواطنين من خلال خطاب شهير مذاع، شرح فيه الأوضاع المالية والإدارية للدولة، والحاجة لاتخاذ إجراءات حاسمة لمنع تعريض البلاد لإشهار إفلاسها أمام العالم. حينها تحركت القوى التي كانت تدير الأمور صراحة ومواربة، ودعت الى تحريك المظاهرات ضد النعمان، الذي استبق الأمر وقدم استقالته المسببة الى رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبدالرحمن الارياني. بعد أيام من تقديم الاستقالة الشهيرة، والأولى في تاريخ الجمهورية، كتب الأستاذ النعمان رسالة شخصية الى القاضي الارياني، رجاه فيها إعادتها بعد الإطلاع عليها.

خلال رحلة السكون في الهند، أعدت قراءة الرسالة - الوثيقة وعمرها 35 عاماً، ورأيت أن أقتبس بعضا من سطورها وما أراه مناسبا في هذه المرحلة. وفي ثنايا أسطر الرسالة - الوثيقة، شرح النعمان مبررات قبوله للموقع، وتخليه عنه. وأظهر في الرسالة زهده في الحكم، لمجرد تولي الموقع الرفيع دون القدرة على الفعل، وعدم تمكنه من تطبيق سياسات حكومته. وكان دوما يرى أن الموقع لا يصنع للمرء تاريخا، بقدر ما يصنع المرء أهمية للكرسي الذي يجلس عليه.
ولنبقى مع النعمان من خلال «خواطره»:

في البداية، كتب النعمان مبررا قبوله تشكيل الحكومة، ويقول: (توهمت أن هناك رغبة جادة بنسبة 5% للبداية بالإصلاح وتصحيح الأخطاء التي خلفها العهد البائد وخلفتها ظروف الحرب. ولذلك ركزت همي على إصلاح الجهاز المالي والإداري وجعلتهما الأساس لسياستي ووضعتهما على رأس المشاكل في البيان الذي تقدمت به لمجلس الشورى).


بعد ذلك تناول النعمان في رسالته التي أسماها (خواطر) بعضا من أسباب استقالته، ولعل أهمها، تشبثه بالمؤسسة الدستورية «مجلس الشورى»، وتعلق آماله بأعضائه، وبث كرامة نائمة في نفوسهم، ليكونوا عوناً على الأخذ بيد الحكومة نحو مستقبل أفضل. يقول النعمان: (أخذت أحد كتب الزبيري المطبوعة التي تحدث فيها عن الكرامة النائمة في نفس الإنسان اليمني وضرورة إيقاظها. وحملت كتاب الزبيري بسذاجة الأطفال أقرأه على ممثلي الشعب. ولكن كانت الكلمات تسقط على الأرض بدون أن تصل أسماع أولئك الممثلين للشعب وعيونه الساهرة).


واصل النعمان تبرير استقالته (استجمعت نفسي وتجاربي وذكرياتي ووجدت أن الكلمة ما زالت مطلوبة، رغم سقوط شرفها ومعناها وقيمتها، بعد أن استباحها الطغاة والدجالون والكتاب المنافقون. وقبل أن أنسحب رأيت من الصدق مع نفسي، ومع الله، ومع الناس، أن أقوم بآخر تجربة في النصيحة).


واصل النعمان «الخواطر» بقوله (وحين وجدت الذين ينتظر منهم الترحيب والتأييد لهذه التوجهات قد سخطوا وغضبوا واستنكروها، وفسروها كما يريدون.. حين وجدت ذلك اقتنعت أنه لا سبيل لي أبدا أن أقوم بأي خطوة إيجابية أو تصحيح خطأ، وأن التخلي هو الطريق الأقوم).


نرى النعمان بعيدا عن الرغبة في التشبث بموقع رفيع، ومعلقا آماله على ممثلي الشعب، وطارحا رؤيته في إصلاح أوضاع الدولة المالية والإدارية. وأهم ما قرأته في الرسالة - الوثيقة، أنه كان يتمنى أن يقوم مجلس الشورى حينها، بدوره الوطني في التعاون مع الحكومة بعيداً عن التمترس وراء الرغبات الشخصية.


لكن يأساً دب في نفس النعمان بعد لقائه بأعضاء مجلس الشورى، فأشار الى إحباطه من الدعوة بضرورة التعاون مع الحكومة، ويقول: «وأنا -علم الله- لم أغفل من ذهني قول الله (لم تعظون قوماً الله مهلكهم أومعذبهم عذاباً شديداً. قالوا معذرة الى ربهم ولعلهم يحذرون)».


لقد ظهر مجلس النواب في الجلسة التي أقر بها الميزانية العامة بصورة لا تليق بأعضائه، ضاربين بلوائح المجلس عرض الحائط، ومتجاوزين للأعراف التي يمارسها أعضاء المجالس المنتخبة. ولم يكن الأمر يحتاج الى مثل ذلك المنظر، الذي يسيء الى المجلس والى الحكومة في نفس الوقت. فإذا كان المؤتمر الشعبي بما يتمتع من أغلبية داخل المجلس، لا يستطيع إرساء قواعد اللعبة الديمقراطية التي نتباهى بها أمام العالم القريب والبعيد، فعلى من تقع المسئولية؟. إن الأغلبية تستطيع أن تفرض أصولا للعمل النيابي، يكون المجلس فيها قدوة لمجالس كثيرة قادمة، ويكون أساس ذلك الاحتكام الى اللائحة التي أقرها الأعضاء بأنفسهم.


لقد نقل المجلس والحكومة مجتمعين، المسئولية الى مقام رئيس الجمهورية، وجعلوه هو واجهة الصراع الذي يجب أن يكون هو ميزانه و الحَكَمُ فيه. لكن الأداء الضعيف للمؤتمر الشعبي، دفع بالرئيس لاستخدام رصيده الوطني الذي لا ينازعه فيه أحد، والتصدي لما هو واجب على المؤتمر. ولا يجوز أن يكون الصراخ الإعلامي، وردود الفعل المتسرعة، والنفي للآخر، والتسفيه لكل رأي مخالف، والاستقواء بالرئيس، واستنزاف تاريخه العظيم، هو كل فعل المؤتمر.


لا شك أن الدور الذي قام به المؤتمر الشعبي منذ تأسيسه، قد ساهم في بلورة الكثير من الرؤى. ولا ينكر أحد الأدوار التي قام بها مؤسسو المؤتمر. ولا يغفل أحد عن تضحيات الكثيرين من منتسبيه. لكن ذلك لا يمنحه الحق في التخفي خلف قيادة الرئيس، وإظهاره مسئولا عن تصرفات بعض أعضائه، والكثير من الملتحقين به.


الرئيس محل تقدير كافة اليمانيين، معارضين وموالين. والكل يرى فيه الحكم بين كافة فئاته. لكن هذا الدور التاريخي العظيم لن يحقق -لوحده- طموحات المواطنين إلا عندما تمارس المؤسسات الأخرى مسئولياتها دون تردد، وبضمير وطني، يبتعد عن الولاء الحزبي، ويجعل اليمن هما أعظم.

* - نقلا عن اسبوعية الوسط




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر