الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:55 م
ابحث ابحث عن:
ثقافة
الخميس, 28-ديسمبر-2006
المؤتمرنت -
شاعر المليون مثالا..حين يتسكع الشعراء على منصات الوهم
الشعر كائن لا يقبل الوصاية بطبيعته، وربما يكون (التمرد) من أهم خصاله، وقديمًا قيل: «حين يكتب الشاعر لا يرى في الوجود بعد الله سوى نفسه»، أما حين يعلب الشعر، وتفتح له حوانيت، وأسواق، تنصب فيها عروش وأقتاب من (الوهم) فلا شك أننا نمارس معه أقسى أنواع الانتهاك بحق براءته وطهارته وفطرته السوية.

وليس عيبًا أن يكون للشعر(جائزة) تحفز فرسانه للتنافس الذي يخدم الشعر، ويكون في صالح الشعراء، ولكن (كل العيب) أن تتسبب تلك الجائزة بطريقة ما في انتهاك حرمة ذلك المخلوق (الشفيف) حين يسيل لعابه وهو يتوسل ويستجدي ضمائر من شاءت الظروف على غفلة من (الوعي) أن يكون في حوزتهم وحدهم جواز المرور بصاحبه نحو (اللقب الحلم).

هكذا مع احترامي الشديد لكل من يقف خلف برنامج «شاعر المليون» - الذي تبثه قناة أبو ظبي هذه الأيام، ويتابع من قبل شريحة واسعة من الجماهير - أجدني أقرأ الحال الذي وصل إليه شاعر اليوم مع قصيدته حين دفعها للخروج عنوةً عن سياقها المألوف، وجعلها تتسكع الأضواء، بحثاً عن حضورها (المستجدي) في الغرف المغلقة في سبيل ذلك (اللقب) الذي لو منحها (المليون) فليس بالضرورة أن يمنحها مفتاح الخلود والصيرورة وحتى الأهلية، وقد عفرت جبينها بدم الوصاية والأحكام المعلبة.

الشعر أيها السادة أكبر من تلك الرخص والأحكام المتسرعة التي تدور في مجملها بين “قصيدة عادية” و “معانٍ مكررة” و “إلقاء متسرع” والشعر أيها الواقفون دون أبوابه أطهر من فض عذريته بقراءات (سردينية) ونقودات عابرة وهمسات جانبية.

ولم يكن الشعر متهمًا في تاريخه حتى تنصب له محاكم تفتيش وإشارات عبور، وحراس حمى يقف وراءها من يقف ربما بدافع الربحية والإثارة والترويج الشخصي، ليس للشعر فيها أية علاقة.

وربما أحسنت هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث من حيث الهدف في دعم الشعر والشعراء في كل مكان من خلال تبنيها جائزة بهذا الحجم، ولكنها في ظني أخفقت أيما أخفاق حين استنسخت له من الآخرين برامج مستهلكة، لا تتسق مع حرية الشعر وعنفوانه وخصوصيته التي لا تقبل بحال التعامل معه في مثل تلك الطريقة المستهترة وغير المسؤولة، التي يمارسها بعض أعضاء لجنة التحكيم.

والواضح أنه ليس ثمة معايير فنية واضحة يمكن أن ترتهن لها لجنة التحكيم في حال اختلافها حول قصيدة أحد الشعراء المشاركين في المسابقة في مراحلها الأولى، ويمكن (للمزاج) مثلاً والنزعات والعلاقات الشخصية أن تحسم بكل بساطة مصير قصيدة على حساب أخرى مهما كان دفقها وحضورها الشعري وأحقيتها الفنية بالتصويت.

تمنيت وأنا أتابع بعض حلقات برنامج (شاعر المليون) من الدكتور غسان الحسن على وجه الخصوص أن يقدم وهو الناقد الموسوعي لمحة عامة عن مكامن الحسن والإبداع في بعض القصائد المشاركة لكي يتلمس على أقل تقدير المتابعون للبرنامج بعض مواطن الإبداع والقوة التي يمكنها أن تنهض بالنص الشعري المشارك إلى مراحل متقدمة يتم التصويت عليها، كي تتحقق بذلك الصنيع الفائدة المرجوة من مثل تلك البرامج.

ولكنني لاحظت وبكل أسف أننا أمام لجنة تحكيم حصرت طموحها في أن تحقق أكبر قدر من الإثارة والتلاعب بأعصاب المشاركين على طريقة برنامج «استديو الفن» و “ستار أكاديمي” وغيرها من برامج لن تكون في صالح الشعر على الإطلاق.

أما للمشاركين في البرنامج أيًا كان هدفهم الذي نحترمه بقدر ما نختلف معه أقول: إن من عادة الشعر الحقيقي أن تأتي إلى صاحبه الجوائز والألقاب صاغرة تطلب وده مهما حالت دون وصوله الحجب. وربما تكون فرصة جيدة لبعض الشعراء يحقق من خلالها حضوره الشعري لدى المشاهدين، ولكنه قد يدفع ثمن تلك المحاولة كثيرا حين تتحول المشاركة إلى حجر (عثرة) وإحباط وخيبة أمل خصوصا وأن المشارك في المسابقة غير مأمون في ذلك الفضاء المفتوح من تلقي بعض الأحكام التي قد تأتي على بذور الشاعرية في تجربته فتمحقها عن بكرة أبيها.

ولعل في تاريخنا الشعري ما يؤكد حضور وخلود الكثير من التجارب الشعرية بمعزل تام عن تلك المنصات والفلاشات وعدادات التصويت التي وضعت للقصيدة معايير جديدة ترتهن في معظمها لأمور وأهواء شخصية وقبلية لن تبعد بتجربة الشاعر بعيداً وأن منحتها المليون.

والغريب أنه في تصريح مدير عام هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث محمد خلف المزروعي تأكيدات على أن هدف مشروع (شاعر المليون) الرئيس هو دعم المواهب الشابة الإمارتية خصوصا والخليجية بشكل عام. وبدوري أسأله هنا أين ذلك الدعم الذي تحدثتم عنه لمواهب الإمارات وقد خلت لجنة التحكيم من شعراء الإمارات وأدبائها على كثرتهم باستثناء الشاعر سلطان العميمي مقابل أربعة من خارجها، وهل خلت ساحة الإمارات من كوادرها كي تترك دفة الإخراج لمخرج بريطاني مهما كانت براعته.

وكيف يمكن لتلك المواهب التي تحدثتم عنها أن تشق طريقها بسلام في ظل تلك الأحكام المتسرعة والساخرة التي يطلقها العميمي على وجه الخصوص أمام تلك المواهب التي تريدون دعمها، ولعل في بعض الحلقات التي أعادت بثها قناة الساحة مرارا وتكرارا ما يؤكد خطورة هذه القضية لمن يحاول التقليل من سلبيتها على تجربة المشاركين.

وأخيرا أقول: اتركوا الشعر أيها السادة، يكفيه نزفاً على جبينه، اتركوه وشأنه يحلق كطائر الفينيق، متى وكيف وأين يشاء، أتركوه كما عرفناه لا يموت ولا يشيخ ولا يهرم ولا يعرف الحدود. وإن كان من دعم وتشجيع تريدون أن تقدموه له فأقترح : اتركوه وشأنه.
نقلا عن جريدة المدينة




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر