المؤتمرنت -
لهذه الاسباب اغتالت أميركا صدام؟
في أول يوم من عيد الأضحى تم إعدام صدام حسين رئيس النظام العراقي السابق الذي هو بحكم الواقع كان في عهدة الأميركيين أسير حرب، وان عملية تنفيذ الاعدام هي في حقيقتها عملية اغتيال سياسي صاحبتها أجواء وحشية وغير اخلاقية، تمثلت بالتصرفات التي قام بها الجلادون والذين هم من فرق الموت حيال رجل كان يقف على حافة الموت او بينه وبين الموت ثوان قليلة، ومع ذلك تقدم للموت برباطة جأش نادرة أدهشت حتى قاتليه وخصومه الذين غابت عنهم صفات الخصومة الشريفة وغلب عليهم طابع التشفي اللاإنساني.
لا شك في ان هذه العملية قامت بها أميركا بشكل مباشر لأغراض عدة من بينها تأجيج الحرب الأهلية وإدامتها نحو التصعيد، كما ان ملابسات وحيثيات محاكمته في ظل الاحتلال تظل محلا للشك والطعن بشرعية المحكمة أولا وأحكامها تاليا، مع ان صدام حسين قاد نظاما شموليا لا يعرف الرحمة حيال الشعب العراقي لعقود خلت، وهذا النظام الديكتاتوري لم تسلم من شروره دولتان مجاورتان للعراق، وقد تكون نهاية صدام على النحو السالف مثارا للجدل طالما ظل العراق في حقبة الاحتلال الأميركي وملاحقه المحليين.
وحتى لا ندخل في جدل نحن ايضا حول هذا الموضوع، من المفيد التنويه ان صدام حسين بتصفيته جسديا على الشاكلة المذكورة أصبح بعيون مناصريه بطلا وشهيدا في آن، بل إن ذنوبه وخطاياه قد تمحى من ذاكرة العراقيين من جراء هذه الميتة، خصوصا ان حكم إعدامه لم يصدر عن محكمة عراقية شرعية ومن خلال نظام عراقي شرعي مدعم بكل قوائم السيادة والاستقلال والقانون والحرية. هذا أولا، وثانيا ان صدام الآن يمثل حقبة ولّت وانتهت ولا نقــول ماتت، بعدما أطاح العامل الأجنبي او الاحتــلال الأميـركي بنظامه وما أعقب ذلك من احتــلال مدمـر للعراق ما زالت تداعياته المرعبة تترى في صور يومية تفصح ولا نقول تتجلى في مئات الجثث وأشلائها المتناثرة أسوة بشظايا المتفجرات والمفخخات التي راحت تداهم الأبرياء صغارا وكبارا ونساء بدون سابق إنذار، في مرحلة جعلت قسما من الشعب العراقي يترحم على حقبة نظام صدام حسين.
لذلك، فإن إعدام صدام بهذا الوقت وبهذه العجالة لن يعيد الحياة لآلاف الضحايا إن لم نقل الملايين سواء الذين سقطوا صرعى حروبه العبثية أم الذين سقطوا بفعل ممارساته الإجرامية، كما ان هذا الإعدام لن يوقف التدهور والفوضى السائدين في العراق الذي يتخبط في دم أبنائه على نحو لم يعتده الشعب العراقي حتى ابان سطوة وجبروت النظام العراقي السابق. وهو ما يجعلنا نتساءل الآن: هل إعدام صدام في هذا الوقت كان الشغل الشاغل للعراقيين، خصوصا ان صدام ونظامه باتا من الماضي الذي لن يكون له دور في الحاضر والمستقبل؟.
لا مناص من القول، ان ارتكابات الاحتلال بما فيها الأوضاع التي نتجت عنه لا تقل ضررا وإجراما عن ضرر وجرائم نظام صدام حسين، بل ان الممارسات الوحشية واللاأخلاقية التي ارتكبها الاحتلال في سجن (أبو غريب) وأماكن اخرى تتفوق كيفا على ممارسات النظام العراقي السابق، ومن هذا فإن المطلوب والمفترض كانا في الأول، انتشال العراق من براثن الاحتراب والاحتلال معا، والوصول بالعراق الى وضع مستتب بالأمان والاستقرار والسيادة، لا تشوبه اي شائبة من حقبة الاحتلال ومخلفاته، كي تكون هذه الاستقامة المطلوبة منطلقا للعراقيين في اختيار شكل نظامهم السياسي المفعم بكل دواعي الوطنية، والذي ينهض بمسؤولية بناء العراق والنهوض به من جديد، على ان يكون نهوضا متحررا من وطأة الماضي، ومن ثم الالتفات الى محاكمة أقطاب النظام العراقي السابق في أجواء طبيعية ومصالحة حقيقية بين كافة أطياف الشعب العراقي.
ولهذا، تظل الحاجة أولا الى وقف الأعمال الاجرامية الجارية في الوقت الحاضر ومحاكمة الجناة الذين يقفون وراءها، او على الأقل وقف التدهور الأمني الحاصل وحماية الشعب العراقي من مسلسل القتل اليومي، قبل الضحك على ذقوننا من ان هناك دولة مستقلة اسمها العراق وان هناك قضاء مستقلا وشرعيا يقوم بإصدار الأحكام التي تعاقب مرتكبي الجرائم السابقة، وفي نفس الوقت تقف هذه الدولة عاجزة عن إيقاف ما يمكن إيقافه من الجرائم قبل إقامة محاكم لإصدار أحكام بحق هؤلاء الجناة والمجرمين الذين ستكون أحكام الموت بحقهم قليلة.
ان الجريمة تظل واحدة في كل العهود وان ما ارتكب بحق الشعب العراقي من جرائم سواء من الاحتلال او الميليشيات او عصابات الارهاب، يدخل في عداد الجرائم ضد الإنسانية، ومن هذا المنطلق لا نستغرب قيام اميركا قبل عقد من الزمن بعدم الموافقة على قانون المحكمة الجنائية الدولية استباقا منها كي لا تُعرض مسؤوليها السياسيين والعسكريين لاحقا الى خطر المثول أمامها، وان ما ارتكبته اميركا وحلفاؤها الغربيون في العراق وأفغانستان من جرائم لاإنسانية ولاأخلاقية، كان هو التجسيد الحقيقي والاستباقي لذلك الرفض الأميركي.
محيط