بقلم: ناصر السهلي -
إنها مقصلة لكل العراق!
سيكولوجية القتل والسحل والانتقام والتشفي التي تتكرر يوميا في العراق تبدو في الحالة العامة التي أُغرق فيها عراق بسبب الحالة التي لم يعد يكفي وصفها بالمرضية السايكوباتية المافوية و التي يجري فيها يوميا الكشف عن يقين بأنه ثمة حالة أخرى أُدخل فيها العراق عبر مجرمين محترفين دربتهم الميليشيات الطائفية بأيد المرتزقة الامريكان في كل من المجر وإيران... فالجثث المساة "مجهولة" يُعثر عليها يوميا وقد عُذبت بطرق إجرامية لا تمت لا للدين ولا للانسانية بصلة...
وأخيرا وبعد أن استكملت دورة الاجرام اليومي التي تمارسها عصابة المنطقة الخضراء المحتمية بالامريكي وهي ترتدي ربطات العنق وتخرج علينا بأفضل الثياب المستوردة وأحسن التسريحات ويفوح منها رائحة العطور الباريسية لتغطي على الوجه الاخر البشع لهذه المافيا التي تغوص في بحر من الدماء بينما بقية الشعب العراقي يعاني الأمرين بعد أن تمت الخيانة في جر المستعمر الى الوطن العراقي بحجة "الحرية والديمقراطية والرفاهية"... فمن البصرة والنجف وكربلاء إلى حديثة المطوقة على الطريقة الصهيونية لم نكتشف في هذا "العراق الجديد" إلا سموما طائفية مذهبية تعمل جاهدة لفرط عقد الوطن العراقي وبألسنة هؤلاء الذين جعل منهم بريمر وبوش يتقنون لعبة الظهور كساسة بينما رائحة نتنة من العصبوية والتطرف والانقياد الاعمى لجمهور فقد صوابه في الهستيريا الجماعية التي تمارسها مافيا المال والاعمال والانتفاخ الرأسمالي على حساب شعارات الكذب والتمويه والتقية السياسية التي صار حتى الامريكي يبرع في تنفيذها وإخراجها على طريقة هوليودية...
إذن نحن أمام "العراب" بفصوله الثلاث... يستثير رغم كل الاجرام شفقة المشاهد وتعاطفه... والشخوص التي نراها اليوم تلعب أدوار الكومبارس ليست أكثر من أدوات بيد ذلك العراب الذي أراد بخطة مافياوية اليوم جز رقاب مدن ومناطق عراقية كاملة بطرق تسمى "خطط إستراتيجية جديدة" بعد أن إكتشف بلير وبوش بأن هذا الكومبارس ليس يجيد سوى السرقة والشراهة في الوغول بالدم العراقي الذي ذهب ضحيته مئات الالاف من الشهداء ومثلهم من الجرحى والملايين من الايتام والارامل والمهجرين... باختصار... نحن أمام فيلم أمريكي طويل يبصق فيه الكومبارس على وجهه مائة وعشرون مرة في اليوم الواحد باكتشاف أنه كومبارس يحتقر قيمة المواطنة والانسانية بعد أن هدم كل الدولة التي كانت قائمة وقطع تام مع التاريخ والتراث المدون... وباختصار أكثر جاء تم الاتيان بهذا الكم من الكومبارس الرديء ليدمر كل شيء ليصنع لوحة أخرى من لوحات البكائيات المذهبية... رغم أن هذا الكم يدعي تارة بأنه علماني وتارة بأنه قومي وفي أكثر الاحيان كفر بالانتماء للعروبة في محاولة لأستلاب هستيري نفسي جمعي جرى تعميقه بالكثير من التطعيمات الدينية التي أرادت أسر وإعتقال العقل العراقي المتدين بالفطرة والليبرالي وحتى العلماني في غرف ظلامية من تزوير وتشويه للتاريخ... من المؤسف أن مافيا المنطقة الخضراء إستطاعت إستمالة بعض الحثالات التي ادت دورا فظيعا لافعال كانت نتائجها أفظع... بعض فظائع ما جرته عقلية المافيا الى العراق سنجدها في المشهد التالي:
لنأخذ مثلا بسيطا مما تعرضه وسائل إعلام "الحرية الامريكية" في فضائياتها من بغداد ومدن عربية مكفور بها، تخريج دفعة من الجيش العراقي الجديد... يحضره الامريكي الجالس باحتقار وقيادات هذا الجيش المتكرش و التي تضع رتبا ونياشين ونظارات شمسية على آخر الصرعات (هنا لا أتحدث عن صور فضيحة حفلة المجون والعربدة في توديع فوج المارينز لأنهم أجبن من أن يعرضوها على مجتمع عراقي يلفظهم) ... ثم فجأة تصوب الكاميرا نحو المجندون من الجيش والحرس "الوطني" الجديد... ملثمون وغير ملثمين .. يمرون أمام المنصة التي يرفع فيها المارينز بسطاله بوجه هؤلاء بينما يجلس "القادة الشجعان" مثل الارانب بجانب "المستشار الامريكي"... يصرخ رجال الميليشيات "الذين يسمونهم كذبا جيشا" ... حيدر... حيدر... حيدر... يا علي .. يا علي...!
وبعد الانتهاء من الهمروجة، الدالة على الكثير، ينطلق رجال الميليشيات المرتدون لثياب "الحرس الوطني" في أهازيج مذهبية وطائفية مرددين أسماء قيادات المافيا والقتلة الذين ابتلى بهم هذا الوطن العراقي...
إذن، لا عجب أنه تم إغتيال وقتل الرئيس الشرعي للعراق الشهيد الراحل صدام حسين على خلفية اللوحة التي كانت ومازالت من أبشع اللوحات التي أنهت العام 2006... فذهبت كل الاعراف والقوانين التي تم تطويعها خدمة لقتلة أمريكيين وأزلامهم من الاتجاهات المختلفة... بل حتى أن الانظمة العربية لم تستطع أن تفتح فمها، فهي كما تكمم أفواه شعبها هناك من يكمم أفواهها تخويفا وتهويشا... وإذ بالقطيع الساكن في المنظقة الخضراء يخرج علينا بسفه سياسي يهدد من حزن أو ندد من الشعب العربي على إعدام رئيس عربي تعفيه كل المواثيق والاتفاقات من أية توابع قانونية ، بل وهددت الدول التي أقام فيها الشعب العربي والمسلم مجالس عزاء... وإتهمت هؤلاء بأنهم صدامييون ، وإنبرى العملاء أكثر في إتهامهم (حتى بعد رحيل الرئيس صدام) بأنهم مرتزقة البعث وصدام... فهل الهنود وشعب شرق آسيا بعثيون وصدامييون...
هؤلاء من الغباء بحيث تملكت عقولهم كذبة واحدة... بأنهم مألهون ومعصومون باستخدام تشويهات دينية مهووسة للهروب من مسؤولية الضمير والتاريخ لكل ما اقترفته ايديهم من تخريب للعراق وشق صفوف
شعبه ... متناسين المكانة الطبيعية للخونة في التاريخ الانساني...
أما اليوم الخامس عشر من يناير 2007 فقد أكد لنا هؤلاء العملاء بأنهم أكثر حقدا من التتار وأكثر بعدا عن الانسانية... فكذبة التأسيس لدولة القانون بانت أهدافها منذ اليوم الاول للغزو الامريكي، إذ أن هؤلاء الذين كانوا يقتلون أسرى العراق في إيران ويرسلون سيارات الموت لتنفجر وتقتل المدنيين ايام حكم الرئيس الراحل، وهؤلاء الذين يتباكون على الانفال يتناسون ما فعلته أيديهم بالشعب الكردي وقتلهم لعشرات الالاف في حروب عبثية منفعية لحزبين يقسمان الشمال العراقي لنفوذ كل من حزبيهما... هؤلاء الذين يقتلون بأبشع طرق الاغتيال من يعارضهم أو لا يتفق مع نهجهم السياسي من الاكراد... وتكميم أفواه الصحفيين والرقابة الصارمة على كل حركة سياسية تخالف هؤلاء...
هرب الهاشمي الى تركيا... والطالباني الى سوريا... تاركين الغوغائية السياسية، رغم كل المناشدات الدولية المتعددة بالتوقف عن إعدام السيد برزان والبندر لكن دون فائدة... والانكى من ذلك أنه لا يفهم العقل المنغلق على الحقد إلا السماح لمناطق معينة للخروج "تعبيرا عن الفرح" وإطلاق النار والاسوار على مناطق أخرى معينة ومعروفة للقارئ إن أرادت التعبير عن غضبها ... وهي تؤسس لمزيد من "دولة الميليشيات والحقد والتشفي"... والاخطر سيطرة عقلية الاقصاء التي يتبعها هؤلاء إستيرادا من الكيان الصهيوني الاحلالي ...
وبالرغم من خروج الدباغ بدل كريم شهبور ليقص علينا تفاصيل الانتقام بما فيها "إنفصال رأس السيد برزان عن جسده" أثناء ما سمي "الاعدام شنقا حتى الموت"، إلا أن عملية إخراج التمثيلية كانت رديئة أيضا بالرغم من تغيير شخوصها...
ظني اننا لم نشاهد ما جرى هذه المرة... ولكننا تصورنا من سوابق القتل اليومي لعموم العراقيين والتمثيل بجثثهم... بأن ما جرى لم يكن شنقا بقدر ما كان مقصلة طائفية إستمرت فصولها من الشارع الى غرف فرق الاعدام المظلمة...
على كل ، الفضيحة لا يمكن التعمية ولا التغطية عليها مهما استخدمت المافيا من مساحيق إضفاء القدسية على الجرائم التي يمارسونها يوميا في ما يسمى "دولة القانون" التي تعج بميليشيات الخطف والذبح على الهوية... ولا الارتكان على تأريخ جرى تزويره بامتياز... والايام ستكشف للقابعين في المنطقة الخضراء بأن ما ترتكب أيديهم من هدر واستباحة لحرمة الوطن والدم العراقيين لن يفيدهم حين تقع الواقعة كل الشعوذات ولا التعويذات ولا صكوك الغفران التي تتم وللاسف باسم الصلاة على محمد وآل محمد مرفقا بعويل يهتف لحياة زعماء العصابات!
هذا هو منطق التاريخ مع العملاء والخونة ولا مفر منه... ويا ليت يخبرنا الشجعان مالذي يجري لشعب البصرة والنجف وكربلاء... ليتهم يخبروننا عن الفردوس الذي بنوه هناك ليكون أمثولة نستطيع تصديقها!
ملاحظة على الهامش:
يسألونك عن العرب ومساعداتهم... والعجيب أن "دولة الحرية" والمراجع التقية والمتدينة جدا ! لاهم لها إلا إستباحة دم كل عربي مقيم في العراق حتى منذ ستون عاما...
ترى ماذا فعلوا بالمنظمات الخيرية العربية؟
ما هو موقف "حكومة الديمقراطية" من القتل اليومي المسكوت عنه للسوري والفلسطيني والسوداني والمصري وكل عربي آخر تحت يافطة ما سمعناه من الشيرازي بأن قتل هؤلاء "النواصب" فيه تقربا من الله!
هل هذه هي دولة التغيير ... أم دولة إشفاء الغليل والانتقام الاعمى وقطع كلي مع إنتماء العراق مع محيطه العربي؟!
السكوت المفضوح لعمليات القتل اليومي بما فيها قتل هؤلاء العرب بل والقيام بعمليات إعدام ميداني لهم على الطريقة الصهيونية سيسجل كوصمة عار تلاحق كل هؤلاء بدءا من جلال الصغير إلى أكبر عمامة صامتة صمت الشيطان عن الحق!
* كاتب عربي يقيم في الدانمارك.