بقلم/ محمد حسين العيدروس: -
الاستثمار اعتراف بنهوض يمني شامل
حتى قبل سنوات قليلة -مضت -كان الحديث عن الاستثمار في اليمن يجري على الألسن بخجل، لكن واقع حال اليوم يؤكد أن اليمن ليست وحدها من تتحدث عن الاستثمارات، بل إن معظم أنحاء العالم الصناعي والتجاري يخوض في الموضوع ذاته، ليس من معنى لذلك إلا أن اليمن تحولت إلى قاعدة جذب استثمارية تغري الآخرين على التسابق إلى الفرص المتاحة فيها.
البعض يفهم الانفتاح الاستثماري اليمني على أنه مجرد مؤشر تحول اقتصادي في الإستراتيجية الوطنية للدولة؛ إلا أن المختصين والباحثين، وصناع السياسيات الدولية ينظرون إلى ذلك على أساس كونه تحولاً شاملاً في تكوين مسار الدولة اليمنية.. فهو من جهة يمثل تحولاً سياسياً؛ نظراً لكون الانفتاح على الاستثمار يتطلب تشريعات قانونية، ورؤى سياسية تكفل تهيئة المناخ للمستثمرين للتجاوب والتفاعل مع ما تطرحه الدولة.
فقيادة اليمن السياسية لم تكتف بفتح الأبواب، ودعوة الشركات ورجال المال والأعمال للقدوم إلى اليمن، بل عملت أولاً على تبني الاستثمار كتوجه رئيسي لسياسة الدولة ضمن رهانات المرحلة المستقبلية، وعدلت القانون ووضعت امتيازات، وتولى الأخ الرئيس علي عبدالله صالح بنفسه الترويج، وعقد اللقاءات مع المستثمرين خلال جولاته المكوكية لمختلف الدول التي يزروها، علاوة على إبدائه الاستعداد الذاتي للمستثمرين للالتقاء بهم، وتذليل العقبات التي تواجههم.
وإلى جانب كل ذلك فإن الأخ رئيس الجمهورية يقوم منذ فترة بجولات داخلية إلى مراكز جذب الاستثمار، والتقى بالمسئولين والوجهاء، ورجال الأعمال اليمنيين ضمن اهتمامه لتهيئة المناخ الاستثماري الداخلي.. وبهذا فإن هذه المسألة أصبحت تمثل منهجاً سياسياً لمسارات عمل الدولة للمرحلة الراهنة والقادمة.
كما إن الحالة القائمة على الانفتاح الاستثماري هو في جانب منه يمثل تحولاً في الحالة الأمنية لليمن، التي تشهد منذ سنوات استقراراً كبيراً، وأثبتت المؤسسات الأمنية جدارتها في حماية الأمن والسلام الوطني، بما يقطع دابر كل ما من شأنه أن يقلق المستثمر، أو يجعله متخوفاً في تشغيل أمواله في اليمن.. فلا شك أن الأمن والاستقرار هما عماد أي سياسة استثمارية.
ومن جانب آخر فإن أجواء الحماس الاستثماري الساندة تعبر عن ثقة خارجية باليمن وقيادتها وشعبها، وتترجم نجاحاً عظيماً للسياسة الخارجية اليمنية التي استطاعت أن تربط البلد بشبكة علاقات متنوعة وموازنة، وقائمة على تبادل المصالح والتعامل بالمثل، والحل السلمي لأي إشكاليات قد تعترض العلاقات الثنائية.. وقد أثبتت القيادة السياسية في مواقف وتحديات عديدة أن اليمن بلد مسالم، يقدس ثقافة السلام ويعتبرها جزءاً متأصلاً في عقائده السمحاء يدعو إليها الدين الحق، ويوجب على الجميع انتهاجها.. وهذا الانطباع شجع الخارج على تسليط أنظاره نحو اليمن – خاصة وأن هناك شركات عالمية كبرى تستثمر في اليمن منذ سنوات طويلة، وتولدت لديها القناعة بطبيعة النهج السلمي السائد في الدولة اليمنية.
أما الشيء الآخر المهم، فهو أن التنافس الشديد الذي أبدته الشركات العربية والأجنبية للاستثمار في اليمن ينبغي أن يفهم على أنه مبعث تفاؤل لأبناء الشعب اليمني بكون اليمن بلد عامر بالخيرات بإذن الله تعالى، وأن ضعف الموارد الطبيعية اليمنية كان من أهم العوائق التي وقفت أمام الحكومة للانتفاع الأمثل من هذه الخيرات.. إذ أن رأس المال ركن أساسي في أي نهضة صناعية، وتجارية، وزراعية، وحتى ديمقراطية. فالتجربة الديمقراطية التي تسير على هداها اليمن باتت أيضاً من العوامل الجاذبة للاستثمار، لأن الديمقراطية تعنى تفصيل الخيارات السلمية الآمنة لتداول السلطة، وتفضيل الحوار، والاحتكام وإخضاع الجميع لحكم المصلحة العامة.. وبالتالي فإن المستثمر الأجنبي بقدر ثقته بالعمق الديمقراطي للبلد، بقدر ما يطمئن إلى أن المناخ البيئي الذي يستثمر فيه لا يتضمن احتمالات عنف سياسي من شأنه تعريض مصالحه للخطر.
وعليه فإن رسم أي صورة لواقع الحال الاستثماري لليمن يجب أن تنطلق من المحاور المسابقة ومن فهمنا بأن الحماس الدولي للاستثمار في اليمن هو بمثابة اعتراف دولي بالتنمية الشاملة المتحققة في البلد، وتأكيد على رجاحة النهج السياسي الذي تتبعه اليمن السياسية في إدارة الدولة.