توفيق أبو إرشيد -
مقتدى الصدر .... سقطة الجاهل
لم يكن لحادثٍ ان يؤرخ في سيرة العرب والمسلمين كما هو إعدام الرئيس العراقي صدام حسين وتوقيت وظروف هذا الإعدام . صدمةٌ عظيمة أصابت كبير الأمة وصغيرها مثقفيها وعامتها وربما حكاماً ومحكومين . حادثٌ إنحفر في وعيها حفراً وارتقى الى صدمات كبرى مثل هزيمة (67) وسقوط الأندلس ومقتل الحسين بن علي . ويمكن الجزم ان الحادث قد هز منتقدي الرجل ومحبيه بنفس القوه , وخلق لديهم إحساساً بالرفض والتوّحد قد يتسنى له الاستمرار ويكون من جملة تداعية فتح معركة جديدة أو على الأقل خلق جفاءً وخلافاً جديداً كانت الأمة بغنىً عنه .
ليس من مهمة هذا المقال ان يناقش سيرة الرئيس صدام حسين ولا ان يبحر في الخلافات الفقهية بين السنة والشعية . ذلك ان الرئيس قد أُعدم وبهذا الشكل المرعب كما تراه الأمة , لا لأنه أََعدمَ عدداً من سكان الدجيل الشيعة الذي حاولوا بالتعاون مع ايران اغتياله وهو في حالة حرب معها , او لانه كان حاكماً ظالماً كما يستشعر شيعة العراق ذلك , ولكنة قتل بسبب ما مثله في حياته او في جزءٍ منها لطموحات العراق والأمة في بناء عراق قوي وحديث وقاعدة علمية ممتازة وأمم النفظ وقصف إسرائيل بالصواريخ وساعد العرب والفلسطينين وأراد ان يكسر تابو التجزئة السياسية بدخوله إلى الكويت والأهم صموده حتى الرمق الأخير أمام الغزو الصليبي الجديد ودعمه وربما تنظيمه لمقاومةٍ أذهلت الأصدقاء قبل الأعداء في عراق اليوم .يضاف الى ذلك ان احداً لن يقنع الامه ان توقيت الاعدام لم يحمل رسالة إذلال لها .
ولكن .... هل كان حزب الله وكان السيد حسن نصرالله على وجه التحديد وكان مقتدى الصدر يعرفون الأسباب الحقيقيه لهذا القتل وهذا التوقيت والدوافع التي حملت امريكا الى تسليم الرئيس الى جلادٍ تعرف تماماً حقده وجهله وغباءه ! وهل كانت ايران ومعها حزب الله ومقتدى الصدر واعية لتداعيات موقفها من إعدام رئيس عربي يناهض غزو أمريكا لبلاده وبالشكل الذي ظهر على شاشات الفضائيات ؟ اذ كان الجواب نعم فتلك مصيبةٌ أخرى لن تدفع استحقاقاتها ايران ولا حزب الله والسيد حسن نصرالله ومقتدى
ومقتدى الصدر فحسب بل الأمة جمعاء .
وفي حالة ايران وحزب الله والسيد حسن نصرالله يصعب الإجابة على السؤال السابق بلا التي ربما التي كانت جواباً في حالة مقتدى الصدر , لأن هناك شكوكاً في نضج هذا التيار وزعيمه سياسياً بل أكثر من ذلك ربما كان التيار وزعيمه مطيةً لقوى سياسية أخرى تنفذ سياسات معينة على ظهره .
ورغم التقاطعات التي تبدو بين الامريكان وايران على الساحة العراقيه الا انه لا يمكن تجاهل مؤشرات قويه على مواجهة ما مرشحة للتطور بين امريكا وايران . ليس فقط بسبب الملف النووي لايران وان كان اهمها ولكن السياق العام لحسابات السياسة المحلية والدولية والمصالح والدور الأقليمي تحتم المواجهة . وتبدوا القيادة الإيرانية تدير معركتها بمنتهى الذكاء وهي تستقوي بدعم شعبها و الشعوب العربية والإسلامية وكثيراً من شعوب ودول العالم الثالث . واذا كان الأمر كذلك فأي مصلحةٍ لإيران باتخاذ موقف كهذا من إعدام الرئيس صدام حسين حتى لو كانت لها ( مبرراتها التاريخيه ) التي تتعلق بالحرب مع العراق .
لقد صدم موقف ايران هذا العرب خاصة والمسلمين عامة الذين إنحازوا دون تردد ودون أية اعتباراتٍ طائفية لجانب إيران حتى ضد مواقف حكوماتهم في خضم إرهاصات المواجه القادمه لها مع اللولايات المتحده , وهم يعبرون بتحدٍ عن هذا الموقف بالدعاء والعمل وكانت شوارع العواصم والمدن العربية ستشهد حراكاً كبيراً وربما عنيفاً في حال تعرضت ايران لهجومٍ أمريكي .
وعلى القياده الايرانيه الان ان تستقبل بجديةٍ كبيره سيلاً من الأسـئلة التي تطرحها الشعوب العربيه بحيرةٍ أحيانا وبغضبٍ أحياناً أخرى ....
هل غلبت ايران تصفية حساباتها مع الرئيس العراقي على حساباتها السياسية الراهنة مع امريكا ؟
هل غلبت إيران حساباتها الطائفية على حساباتها الإسلامية ؟
هل تريدنا ان نصدق أنها لا تأخذ جيرانها العرب بحساباتها ولا تقيم لهم وزناً ولا لمواقفهم شعوباً كانوا أم حكاما , رغم ان كثيراً وكثيراً منهم ناصروها في حرب الثماني سنوات ضد العراق ؟
أما كان بمقدورها ان تصمت على الأقل امام هذا الإعدام المفجع فربما ُقبلَ صمتها من قبل الشارع العربي ؟
أكان يجب ان تشترك إيران مع إسرائيل وأمريكا وبريطانيا بموقفٍ واحد في تقييم هذه الجريمة ؟
بيد ان ثمة إحساساً أكبر بالألم لدى العرب في حالة حزب الله . ولا أبالغ إن قلت أن ذلك نتيجة الإحساس بالخسارة المضاعفة , خسارة الرئيس صدام حسين وخسارة السيد حسن نصرالله . ذلك أن السيد حسن نصرالله يعرف تماماً ان العرب لم يقفوا الى جانبه فحسب بل تحدوا حكامهم وهتفوا باسمه من المحيط إلى الخليج كباراً وصغاراً على اختلاف شرائحهم الاجتماعية والثقافية وكانوا على إستعدادٍ كبير أن يسيروا بقيادته دون أدنى اعتبار لأي اختلافٍ طائفي . وبما أن حزب الله – ويا للأسف – قد غلّب الطائفيّ فيه على الوطنّي , فهل قال لنا قادة الحزب ماذا فعل صدام حسين لشيعة لبنان حتى لم يكن لديهم أي إستعداد ( لمجاملة ) الجماهير العربيه في موقفٍ كهذا ؟
لم يقبل الناس إدعاء حزب الله ان صدام حسين كان زعيما مثل بقية الزعماء العرب والطاغيه بينهم كما يحلوا لقناة المنار ان تبشرنا وهي تعلن حادثة مقتله في اول ايام العيد.
نعم ... كان حاكما حازماً ولم يكن حاكما ديمقراطياً , وله أخطاءه , بيد أنه كان حاكما وطنياً ولم يكن حاكما فاسداً , في الوقت الذي لم يكتفي فيه أغلب الحكام العرب أنهم غير ديمقراطيين وإنما كانوا غير وطنيين وفاسدين أيضاً .
أن من حق الجماهير العربيه على السيد حسن نصر الله وحزب الله ان لا يجرح مشاعرهم ولا يسلك سلوكاً يفضي الى القطيعه بينه وبينهم لانها لا تقبل الصمت المريب لسيد المقاومه وترفض سلوك قناة المنار في حضرة نهايةٍ إسطوريه لرجل مؤمنٍ شجاع شهدها العرب والمسلمين جميعا بمزيجٍ من الالم والغضب والفخر وبمزيدٍ من الاحتقار لجلاديه الامريكان وأتباعهم .
ألم يعد حزب الله بحاجه الى الجماهير العربيه ؟
ألم يعد بحاجه الى حلفاء صادقين ؟
هل توقف كفاحه ... ألم يعد مهدداً ؟
إنها أسئلة مره على لسان العرب . كانوا يراهنون على حكمة وذكاء قيادة حزب الله لا ان يفاجئهم بالخذلان في يومٍ عصيب كهذا .
ولكن الاهم من كل العواطف ..... ألا يعرف حزب الله والسيد حسن نصر الله فعلا من الذي هرّب شريط الاعدام ولماذا ؟
لن يمر وقتٌ طويل حتى تتكشف الاستراتيجيه الامريكيه الجديده ... تحالفٌ مشبوه جديد في العراق , التخلص من مقتدى الصدر وتياره وربما المالكي أيضاً وسيسَتهدف حزبُ الله وكل ذلك مرافقاً للمواجهة مع إيران .
وكان لا بد من ظهور موقفٍ وحالة تتبدى بها إيران غير مباليه بالعرب والأمه , مغلبةً موقفاٍ طائفياٍ قومياً ويتبدى به شيعةُ العراق عموماً ومقتدى الصدر وتياره خصوصا وقد إتخذوا موقفاً معاديا للأمه في إعدامهم البشع لرئيسٍ عربيّ ٍ سنيٍّ له رصيده الكبير لدى الجماهير العربيه والشعوب الاسلاميه , ويتبدى فيه موقف حزب الله وقد إنحاز الى الطائفه ولولاية الفقيه الايرانيه إنحيازاٍ أعمى , ما يجعل معركة إيران مع أمريكا بدون حلفاء عرب شعبياً ورسمياً ويتبدد فيه رصيد حزب الله العربي والاسلامي في منعطفٍ خطير . كان أولى بإيران أن تنأى بنفسها عن هذا الاعدام وكان أولى بحزب الله ان ينأى بنفسه عن ذلك بأي شكلٍ من الاشكال .
أنه عمى ألاذكياء بالنسبةِ لحزب الله وإيران وسقطة الجاهل لمقتدى الصدر
كاتب سياسي - الاردن
[email protected]