عبد الباري طاهر -
عندما يتحول الضحية إلي جلاد
الحد الفاصل بين الحق والباطل بين الضحية والجلاد، الظالم والمظلوم هو الذي سطر معني قصة قابيل وهابيل في العهد القديم والقرآن . وجاءت الفلسفات الوضعية لتؤكد علي تصارع الخير والشر، الحق والباطل .والتاريخ الإنساني ليس في جانب أساسي منه إلا صراعا بينهما .وأتعس لحظات هذا التصارع التباس الحق بالباطل، أوتحول الجلاد إلي ضحية والضحية إلي جلاد .فعندما يتحول الضحية إلي جلاد فانه يكون جلادا بليدا مكرورا ومضاعفا . ويجسد في دمويته الفاجعة والمفجوعة أخس صفات الضحية والجلاد معا !وقف خالد القسري علي منبر المسجد في يوم عيد الأضحي بعد أن ربط الجعد بن درهم كالمعزة في أسفل درجات المنبر أيها المسلمون عودوا إلي منازلكم لتقديم أضحيتكم، أما أنا فأضحيتي في هذا اليوم المبارك هو الجعد بن درهم تقبل الله منا ومنكم .كان خالد القسري يعيد إنتاج أو يحيي عهود التوحش البربري الذي رفضته الديانات السماوية ابتداء من العهدين وصولا إلي القرآن في قصة إبراهيم وفديناه بذبح عظيم الآية .ولكن الخطيئة الكبري أن القسري وباسم الله . وفي دار الخلافة الإسلامية . وعلي مسافة زمنية قريبة من عهد الخلافة الراشدة .
وفي يوم عيد المسلمين افتدي الله الإنسان بذبح عظيم ووسط المسجد يقدم عالم دين أضحية باسم المقدس نفسه . ولم تمض إلا بضعة أعوام حتي لقي الجلاد القسري جزاءه علي يد الدولة التي كان احد أهم جلاوزتها .ما حصل في عيد الأضحي من إعدام صدام حسين يكرر كل المعاني الكريهة والبشعة لتحول الضحية إلي جلاد . ولعل قضية إعدام صدام أبشع وأنشع واعقد بطبيعة العصر نفسه .فصدام حسين أسير حرب لان من أخرجه من حفرته هم محتلو وطنه حسب القانون الدولي .
وبموجب اتفاقيات جنيف فهو أسير حرب لكن الجلاد الكوني أمريكا سلمه للضحايا الجلادين الصغار من الأخوة الأعداء ليظهر للناس وكأنه ارحم بالعراقيين من أنفسهم . وليكون الخصم والحكم في كارثة هو صانعها .كانت المحاكمة مسلسل هواة فاشلين وفاقدي الموهبة والرؤية . واستطاعوا بغباء فذ وأعمي التحول إلي جلادين بامتياز . وتحويل الجلاد إلي قديس وشهيد . فالتقاضي الهزلي لا يقل بشاعة عن عسكرة صدام للقضاء أو قتله مباشرة للعشرات والمئات حتي من رفاقه وأهل بيته . بمحاكمات صورية وبدون محاكمة .لقد غابت الدولة والعدل وروح القانون وحلت الروح الحزبية الضيقة والطوائفية والثأر والانتقام محل الحق والعدل من حق الأكراد أن ينظروا إلي هذه المحاكمة وكأنها طمس لكارثة حلبجة . ومن حق الكويتيين أن يزعلوا لأنه تم التستر علي غزو الكويت . أما القادة الإيرانيون فلولا العمي الشوفيني والاستعلاء الديني لكان من حقهم المطالبة بالمحاكمة العادلة لصدام علي الحرب الظالمة ضدهم .كان الإعدام الجائر بمثابة تغييب للعدالة . ومحاولة إهالة التراب علي جرائم تتناسخ وتتناسل كالفطر في ليلة ظلماء وكان شنق صدام سيكون طاقية إخفاء لجرائم أزرت بجرائم صدام .حرمان صدام من المحاكمة العادلة وقتله بتلكم الطريقة البشعة والوحشية له أبعاد ودلالات اخطر من القتل نفسه، أليست الفتنة اشد من القتل ؟ إن الإعدام المتوحش، وإهانة الزمان والاعتداء علي مشاعر فرحة الناس في يوم عيدهم عمل بربري بامتياز . وهوقتل لا يعد إلا بالقتل . فقد خرج الإعدام من دائرة القصاص العادل الذي يستحقه صدام حسين إلي دائرة الثأر . وتحولت المحاكمة حصرا علي قضية الدجيل التي تعني حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي والشعارات الطائفية أمام المشهد الراعب كعمل حزبي طائفي خسيس . فهي تحرم الجلاد من القصاص العادل، وتحرم العراقيين من العدالة . وتغرس القرف واليأس في صفوف الناس الذين يرون الآن قاتلهم صدام شهيدا وقديسا ويرون ضحاياه جلاوزة وطغاة مفجوعين .أليس دالا أن يظهر صدام حاسر الرأس كاشف الوجه بينما يختفي جلاوزته أمام أقنعة سوداء فأي الفريقين أحق بالأمن ؟!إن هؤلاء الطغاة الصغار يشهدون زورا للأمريكان بالبراءة من دم شعبهم . أليس فاجعا أن يطالب الأمريكيون والبريطانيون من حكومتيهما الخروج من العراق . ويطالبهما زعماء الطوائف بالبقاء .يحرص الطرفان المتقاتلان باسم السنة والشيعة الانحراف بالصراع عن بعده القومي والإسلامي والإنساني إلي كهوف الطائفية، ومستنقعات الدم والعشيرة لقطع الطريق علي تعافي العراق وتصالحه واستعادة سيادته . واغتيال صدام بتلك الطريقة الهمجية إنما يعني فيما يعني السير في طريق اغتيال العراق وتمزيق نسيجه القومي . وما قتل العشرات يوميا إلا تأكيد علي توجه زعماء الطوائف .في قراءة للناقد الكبير صبحي حديدي القدس العربي الجمعة 5 يناير 2007 نقلا عن البير كام والفيلسوف والأديب الوجودي حول المقصلة إن عقوبة الإعدام تقوض حس التضامن الإنساني الوحيد غير القابل للنقاش، أي التضامن ضد الموت، ولا يمكن ان تشرعن تلك العقوبة إلا حقيقة مطلقة أو مبدأ أعلي واقعان ما فوق الإنسان .وأضاف في نص ثمين لعل الإنسانية تحتاج إلي استعادته كلما فرضت عقوبة إعدام .تنفيذ حكم الإعدام ليس مجرد موت، انه يختلف عن القضاء علي الحياة كاختلاف معسكر الاعتقال عن السجن جلي إن البريء ليس أحوج إلي العدالة من المجرم . كما إن المظلوم مؤزر بالحق أما الظالم فهو من يحتاج الإنصاف ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا الآية .يدرك الأمريكيون والبريطانيون إن التركيبة الاجتماعية : القبلية والطوائفية قد استعادت قوتها بعد تدمير الطبقة الوسطي . وفشل التيارات اليسارية والقومية في التنمية والتحويل المجتمعي في كثير من البلاد العربية .
لذا فان قتل صدام يغذي التعصب الطائفي . ويدفع إلي مزيد من سفك الدماء والقتل وصولا إلي التمزيق والتفتيت .لقد أصبح التمزيق والتفتيب خط الدفاع الثاني للأمريكان والبريطانيين المستعمرين . ولزعماء الطوائف وفرق الموت والقاعدة بعد الفشل الذريع في ترويض المقاومة الوطنية .
الراية