بقلم جاك نافير* -
ثمانية أساطير إعلامية عن العراق قبل وبعد إعدام صدام
في العام 2003 أسندت إدارة بوش لمكتب العلاقات العامة "هيل أند ناولتنز راندن غروب" مهمة إشاعة ادّعاءات عدّة حول العراق وتكرارها دون توقف على منابر الصحافة الدولية. وبالنظر إلى العدد الهائل لقنوات البث التي عمد إليها المكتب ذلك, فلقد لبست المزاعم زي الحقائق ووجدت لها مكانا في نفوس العامة. إذ شاعت وذاعت على أعمدة الجرائد, مشكّلة العناوين الرئيسية لنشرات الأخبار التلفزية والإذاعية دون أن يتحمل ولو صحافي واحد عناء التدقيق في صحتها أو عدمه. وبعد ثلاث سنوات من غزو العراق وما خلفه من تداعيات, تستحضر وإياكم شبكة فولتير أهم المزاعم السالفة الذكر والتي تفسر ما آلت إليه الأوضاع حاليا في بلاد الرافدين.
"أقدم مسؤولون عراقيون عام 1991 على قتل وذبح مواطنين شيعة ثاروا ضد النظام القائم حينها. مابين 30000 و60000 شيعي لقوا حتفهم إثر ذلك حسب تقديرات الحكومة الأمريكية"
لقد قاد معارضوا النظام العراقي هجوما لاذعاً ضد هذا الأخير عام 1991 بعد القصف الذي تعرضت له البلاد على يد قوات التحالف الدولية. غير أنه, وكما يشهد بذلك محللون كثيرون منهم جواد بشارة, أحد المقربين من الحزب الشيوعي العراقي والعضو في المؤتمر العراقي الذي يضم معارضي صدام حسين المقيمين في باريس: "في العام 1991, إستطاع الهيجان الشعبي تحرير أربع عشرة مدينة كبيرة ونصف مدينة بغداد, غير أن الأمريكيين لم يكونوا يرغبون في حكم بديل في يد الشيعة, تحت ذريعة أن ذلك سيسهل على الشيعة التحالف مع إيران. ولقد فكّوا الحصار عن الحرس الجمهوري وسمحوا له باستعمال أسلحة الدمار الشامل وصواريخ أرض أرض والملاحة الجوية, أي كل ما كان ممنوعا بمقتضى اتفاقات وقف إطلاق النار, لردع العصيان السالف الذكر." والحال أن الواقع أكثر تعقيداً من الدعاية. إذ أن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة هذه تمت السيطرة عليها, منذ الثورة الخمينية, بالرغبة في إضعاف الحركات الشيعية عامة وإيران بشكل خاص. لذلك قامت الولايات المتحدة بتمويل وعسكرة نظام صدام حسين حتى يتسنى له الهجوم على إيران. ثم, بعد حرب الخليج, تابعت استغلالها لنظام صدام هذه المرة لردع الحركات الشيعية العراقية.
الهدف: الجعل من صدام حسين ستاليناً جديداً عبر تحميله المسؤولية الكاملة للقمع الشامل.
"صدام حسين عرّض أكثر من 5000 كرديّ للغاز السّامّ في مدينة حلبجة عام 1998"
إن المعلومات الوحيدة التي نحن واثقون منها هي حدوث معركة بين إيران والعراق في منطقة حلبجة, وأن الطرفين استعملا غازات محرمة دوليا وأن مدنيين أكراد, تواجدوا في عين المكان حينها, لقوا حتفهم جراء الغازات السالفة الذكر. إن مذبحة حلبجة في مارس 1988 لم تثر أي احتجاجات تذكر من قبل المجتمع الدولي حينها. والراجح ان المدنيين قضوا نحبهم جراء خطأ في استعمال الغازات تلك. عامين بعد ذلك, وبعد أن وضعت الحرب بين إيران والعراق أوزارها وتوقف الغربيون عن دعمهم صدام حسين, تم تحميل مسؤولية مذبحة حلبجة للعراقيين.
والحال أن تقريرا مصنّفا ورد عن "آرمي وور كوليدج" عام 1990 أظهر أن التهمة تلك لا أساس لها من الصحة. كما أن جريدة "واشنطن بوست" في عددها المؤرخ 4 ماي 1990 إختصرت المذبحة تلك كما يلي: " إن الإشهاد الإيراني بتاريخ 20 مارس 1990, والذي بموجبه تكون أغلبية ضحايا مذبحة حلبجة قد تعرضوا للتسمم جراء مادة كيماوية "سيانيد", هو إشهاد تم اعتباره عنصرا مهماً...نعرف جيداً أن العراق لايستعمل غاز "سيانيد". إنه لدينا معرفة جيدة بالمكونات الكيماوية التي ينتجها ويستعملها العراقيون, وندري أيضاً ما لايفعله كل واحد على حدة." في العام 2003, أشار ستيفان بيلوتيير, وهو محلّل سياسي للعراق داخل "السي آي إي" إبان الحرب العراقية الإيرانية قبل أن يلتحق بـالـ"أرمي وور كوليدج" كأستاذ وكمشارك في كتابة التقرير, أشار على أعمدة "واشنطن بوست" إلى أن مذبحة حلبجة هي بمثابة جريمة حرب ربما اقنرفها الجيش الإيراني, وليست بجريمة ضد الإنسانية وقّع عليها الجيش العراقي. وأن الامر لايتعلق في أي حال من الأحوال باغتيال متعمّد للمدنيين .
الهدف: مماثلة صدام حسين بـأدولف هتلر عبر تحميله مسؤولية جرائم ضد الإنسانية.
"بغداد تدّعي أن الحظر سبّب في مقتل مئات الآلاف من الأطفال ومن العجزة في حين أنهم ضحايا نظام صدام حسين"
إن المقالات الصحافية التي تتناول العقوبات المفروضة على العراق غالباً ما تبتدأ بعبارة "صدام يدّعي أن...". والواقع أنه توجد, في هذا الصدد, تقارير دقيقة صادرة عن هيئات دولية معترف بها. ولقد دأبت منظمة الصحة العالمية منذ مارس 1996 على إصدار تقرير مثير عن تدهور الوضع الصحي في العراق. كما رأت المنظمة في العقوبات السبب الرئيس في ارتفاع نسبة الوفيات بـمعدل 600 في المائة منذ 1990.
كذلك حملت المنظمة ذاتها الحظر مسؤولية تفاقم وعودة أمراض الأطفال التي كانت في طريق الإندثار. زيادة على ذلك, أصدرت منظمة اليونيسيف تقريراً في غشت من 1999 يوضح بأن العقوبات التي طالت بلاد دجلة والفرات ساهمت في موت 500000 طفل.
الهدف: حجب مسؤولية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الإبقاء على الحظر وإخفاء حقيقة أن الإبقاء ذلك هو في حد ذاته جريمة ضد الإنسانية.
مع ذلك, فلقد تم الإعتراف في مناسبة وحيدة فقط بالمسؤولية الأمريكية في هذا الشأن. كما نذكّر بما ورد على لسان مادلين ألبرايت في 12 ماي 1996, كوزيرة للخارجية حينها, حين تم استجوابها من طرف الصحافية ليزلي ستال حول تبعات العقوبات السالفة الذكر, إذ توجهت إليها بالسؤال التالي: "لقد بلغنا بأن نصف مليون طفل لقوا حتفهم. وهو رقم يفوق عدد الأطفال الذين قتلوا في هيروشيما. هل كان ذلك يستحق كل هذا؟", فأجابتها السيدة ألبرايت قائلة: "إنني أظن بأنه خيار جد عسير, غير أننا مقتنعين بأن الخيار ذلك يستحق تلك التضحيات".
"سوء نية صدام حسين: يدّعي بأن مفتّشي منظمة الأمم المتحدة كانوا زمرة من الجواسيس".
إنه الأمر ذاته الذي كانت قد أكدت عليه جريدة "نيويورك تايمز" في صفحتها الأولى لعدد 7 يناير 1999: " لقد أعلن مسؤولون أمريكيون اليوم بأن جواسيس أمريكيين إشتغلوا خفيةً داخل فرق مفتشي الأمم المتحدة". كما أن جريدة "بوستن غلوب" كانت قد أشارت في عددها بتاريخ 6 يناير 1999 بأن عملاء سرّيين أمريكيين "قادوا عملية تجسّس طموحة هدفها اختراق جهاز المخابرات العراقية وترقّب حركات الزعيم العراقي صدام حسين, حسب مصادر أمريكية وأمميّة".
أما جريدة "واشنطن بوست" في عددها بتاريخ 2 مارس 1999 فلقد جاء في صفحتها الأولى بأن الولايات المتحدة "دسّت عملاء وآليات تجسس داخل فرق التفتيش الاممية في العراق على مدى ثلاث سنوات. الهدف من المناورة تلك كان ترصّد الجيش العراقي بدون علم الأمم المتحدة". ولقد تم التشكيك في الخبر ذلك, غير أنه حين طالبت الصحافة بتكذيب رسمي, "رفض المتحدثون الرسميون باسم ’السي آي إي’ والبنتاغون والبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية, رفضوا الإدلاء بأي تكذيب صريح". (واشنطن بوست عدد 2 مارس 1999).
في سبتمبر 1991 قبلاً, وجّهت منظمة الأمم المتحدة "توبيخاً علانياً" لـدافيد كاي, أحد المفتشين الأمريكيين في اللجنة الخاصة بتجريد العراق من السلاح, والمتهم بتزويد واشنطن, وبشكل مباشر, بمعلومات لم تكن قد إطلعت عليها هيئة الأمم المتحدة من قبل.
الهدف: إقناع المجتمع الدولي بأن العراق لم يقبل قطّ هيئات التفتيش على أرضه.
"طرد مفتشي منظمة الأمم المتحدة من العراق عام 1998"
بعد أن تم إعلامه بوشوك بداية القصف, سارع ريتشارد باتلر, قائد فرق التفتيش حينها, إلى سحب موظفيه (عملية "ثعلب الصحراء" التي انطلقت في 16 دجنبر عبر قيادة 600 قصف وإطلاق 415 صاروخ).
مشيرة للرجوع ذلك, نشرت جريدة "واشنطن بوست" في عدد 18 دجنبر 1998 ما مفاده أن : " باتلر كان قد أمر مفتشيه بإخلاء بغداد, إذ كان يتوقّع هجوماً عسكرياً ليلة الثلاثاء". مؤكدة بأن الأمر يتعلق برحيل اختياري وليس بأي طرد يذكر, نقلت جريدة "يو إس آي توداي" بتاريخ 17 دجنبر 1998 أن: "السفير الروسي, سيرجي لافروف, لام باتلر على سحبه مفتشيه من العراق صبيحة الأربعاء بدون طلب رخصة من مجلس الأمن".
الهدف: الإدعاء بأن صدام حسين أعاق طوعاً عمل المفتشين على مدى سنوات عدّة حتى يتمكن من تشكيل ترسانته بعيداً عن الأنظار.
"أوائل 2003, العراق يمتلك صواريخ بعيدة المدى"
في أعقاب لقاء له مع خوسيه ماريا أزنار في 22 فبراير 2003, إستحضر جورج بوش الصواريخ العراقية آل صمود 2 كنموذج للصواريخ بعيدة المدى. والحال أن الصواريخ المجرّمة جاء ذكرها في الـ12000 صفحة التي أودعتها العراق لدى منظمة الأمم المتحدة في 7 من دجنبر 2002. كما أشارت كورين هيرود, مفتشة فرنسية في الهيئة السالفة الذكر’ أشارت في حوار مع جريدة "لوموند" إلى أنه سبق لبغداد في أكتوبر 2002 أن أتطرقت إلى أن بعض التجارب فاقت حدّ الـ 150 كيلومتراً.
وحين قدم مجموعة من المتخصصين تقريرهم حول صواريخ آل صمود في 12 فبراير, بطلب من هانس بليكس, سارع السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة جون نيغربونتي للتعليق على الحدث واصفاً المعلومة بـ"وضع اليد على صواريخ خارقة لقرارات منظمة الأمم المتحدة",واصفا ما حدث بالإكتشاف الغير مسبوق. كما أن المسرحية تلك, والتي اتخدت شكل سبق صحافي, كانت مادة دسمة بالنسبة لوسائل الإعلام الدولية التي تناقلتها بسرعة البرق.
كذلك وصف راديو وتلفيزيون بلجيكا الفرنكفوني وراديو فرنسا الدولي, وصفا في 12 فبراير بـ"الحصري" ما لم يكن أكثر من تأكيد رسمي لما كان العراق قد أعلن عنه أشهراً عديدة قبل ذلك.
أما "أسوشيايتد بريس" من جانبها, فلقدت بدت واثقة من معلوماتها حين نشرت بأن هانس بليكس أعلن في يناير بأن 40 تجربة أجريت على صواريخ الصمود 2. وأن ثلاث عشرة طلقة لابد قد تكون تجاوزت الـ 150 كيلومترا المسموح بها حسب القرار 687, وأن طلقة واحدة بلغت ما مداه 182 كيلومتراً.
إن تجاوز الـ 150 كيلومترا يعزى, حسب طارق عزيز, إلى كون التجارب تلك تمّت بواسطة ناقلات نووية غير معبّأة (إذ أن الشاحنات تلك نسنطيع أن تنقل على متنها ما يمكن أن تصل سعته إلى 300 كيلوغراماً), وأنها غير معدّة بأجهزة الإرشاد.
يذكر أيضاً أن السفير العراقي لدى الأمم المتحدة كان قد أعلن في 12 فبراير من السنة ذاتها أن حكومته كانت ترغب في مجيئ هيئة تدقّق في الحمولة الحقيقية للصواريخ تلك.
الهدف: إعطاء الإنطباع بأن العراق يمثل حالياً تهديداً حقيقياً لجيرانه.
"العراق غير مرخّص له بالتحليق فوق ’مناطق الحظر الجوي’ التي تغطّّّّي 3/2 من ترابه"
إن مناطق الحظر الجوي التي تشمل مناطق كبرى من العراق كانت فرضتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا 18 شهراً بعد حرب الخليج. مباشرة بعدها, راجعت فرنسا موقفها مستنكرة الخطوة تلك. قبل أن تقرّر الولايات المتحدة, وبشكل أحادي الجانب, توسيع مناطق الحظر السالفة الذكر في 3 شتنبر 1996.
إن العراق, من منظور القانون الدولي وبمقتضى البند 51 من ميثاق الأمم المتحدة, له الحق في الدفاع عن شمولية ترابه الوطني بما فيه المناطق التي وضعتها الولايات المتحدة في خانة "الحظر الجوي".
الهدف: إضفاء طابع الشرعية على الغارات الجوية الأمريكية البريطانية ضد المواقع الدفاعية العراقية داخل ما أسمتها مناطق الحظر الجوي.
"الحرب من شأنها نزع سلاح العراق بشكل فعّال"
لقد نجحت الحلقات الأولى من مسلسل التفتيش, ما بين 1991 و1998, من إسقاط كمية من الأسلحة أكبر بكثير من ما أسفرت عليه الستة أسابيع من القصف. كما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها "مقتنعة بأن إجراءات التدمير وإبطال التأثير التي اتخدت إلى يومنا هذا لن تسمح بالبث والمطلق للعراق أن ينتج أسلحة نووية أو مواد مستعملة في صناعة الأسلحة النووية".
وحسب أحد مفتشي اللجنة الخاصة للأمم المتحدة سابقاً (آنسكوم), الأمريكي سكوت رايتر, فإن "العراق تم تجريده فعلياً من أسلحته, وأن 90 إلى 95 في المائة من ما يملكه من أسلحة دمار شامل قد أبطل مفعولها حقّاً". (حوار مع جريدة " الغارديان" البريطانية).
الهدف: تبرير الهجوم على العراق.
*صحافي في جريدة شبكة فولتير