بقلم/ محمد حسين العيدروس -
الشراكة اليمنية من موقع مسئول
إذا كان الوصف الغالب على المرحلة الراهنة هو أنها مرحلة حسابات سياسية وتنموية كبيرة، فإن الوعي بمقتضياتها لا بد أن يكون هو المسئولية الأكبر الملقاة على عاتق الأفراد والقوى الوطنية، ولابد أن يتقدم على أي حسابات ضيقة ذات صبغة شخصية أو حزبية، أو فئوية.
إن طبيعة التحدي الماثل أمامنا اليوم لم يعد محصورا في هموم داخلية تتقوقع عليها اليمن من غير الأخذ بنظر الاعتبار أنها جزء من المنظومة الإقليمية والدولية، بقدر ما يتسع إلى التفكير مليا بالكيفية التي يمكن أن يتناغم بها الجهد الوطني الداخلي مع أفق السياسة الخارجية..
ومن هنا نجد أن اهتمام القيادة السياسية اليمنية بتعزيز شراكتها الدولية - سواء في نطاق الجزيرة العربية والخليج، أو الشرق الأوسط، أو المجتمع الدولي بشكل عام - يمثل بعدا حكيما في ممارسة العمل السياسي المسئول كونه يتعاطى مع واقع حقيقي وليس مجرد نظريات وشعارات.
فالقلق المتزايد الذي تشهده المنطقة العربية جراء اتساع البؤر الساخنة وحلبات التوتر والفتن هو في الأساس محصلة الشتات العربي، وضعف آليات التنسيق والعمل المشترك، وهو أمر لا يدعو إلى الاستسلام إليه بقدر ما يدعو إلى مضاعفة الجهود للتغلب على رهاناته وتحدياته الخطيرة.. ومن هنا كانت رؤية الأخ الرئيس علي عبدالله صالح لبناء الدولة اليمنية وما يجب أن تكون عليه في سياستها الخارجية واضحة كل الوضوح، كونها ترتكز على الشراكة، والتعاون، وبناء التكتلات الاقتصادية والسياسية والثقافية، واعتماد الشفافية والمصداقية أساسا لأي ارتباط خارجي.
ومن هنا فإن زيارة الأخ الرئيس إلى دولة الإمارات العربية المتحدة تحتسب بأنها إحدى حلقات رؤيته لأفق العلاقات اليمنية. الخليجية التي تتقدم على غيرها بحكم الاعتبارات الجيوسياسية والتاريخية التي تنتمي إليها شعوب المنطقة كاملة.
وعلى الرغم من أن البعض لايجيد قراءة مثل تلك الرؤية ويفسرها ضمن أفق المصالح الضيقة بين اليمن والخليج، إلا أنه لو عاد الى الأدبيات السياسية للأخ الرئيس علي عبدالله صالح منذ بداية عهده لوجد أن الرئيس منذ أول خطاب سياسي له عقب توليه قيادة اليمن أكد على أولويات العلاقات مع دول الجزيرة العربية والخليج العربي، حتى أن عداًد من هذه الدول كان لها فضل احتضان المبادرات على طريق إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وكانت حريصة كل الحرص على أن تتوحد اليمن تحت مظلة قيادة سياسية حكيمة لانها كانت - أيضاً- تعي أهمية الشراكة مع اليمن، وأهمية أمنها، واستقرارها ونموها، وتقدمها باعتبار ذلك توثيقاً لاستقرار المنطقة بالكامل، ويخدم مصالح جميع ابنائها.
اليوم ومع المتغيرات الدولية الواسعة في الشرق الأوسط وما يصاحب تلك التطورات من تحديات سياسية وأمنية اصبحت قيادات دول مجلس التعاون الخليجي أكثر حماساً وإصراراً على المضي في مشروع الشراكة الكاملة لجميع الأطراف في المنطقة.. وعلى مضاعفة جهود التعاون والتكامل بينها من أجل الحفاظ على لحمتها ورتابة استقرارها.
ولاشك أننا في اليمن عندما يأتي الذكر على دولة الإمارات العربية يتبادر الى ذاكرة كل منا في الحال ملف المواقف الجليلة للشيخ زايد - رحمه الله- وشعب الإمارات والمشاريع التنموية الكبيرة وفي مقدمتها إعادة بناء سد مارب التي دعمت بها الامارات دولة اليمن وشعبها وترجمت من خلالها نموذجاً عربياً رائعاً للاخاء والتكافل والتكامل.
ولعل زيارة رئيس الجمهورية الحالية للامارات هي وان كانت جزءاً من تقليد بين قيادتي البلدين لتبادل الزيارات إلا أنها أيضاً تأتي في أعقاب مؤتمر المانحين الذي عقد في لندن وما تمخض عنه من اتفاق على توسيع مجالات التعاون ومشاريع التنمية والاستثمار وتوثيق الجسور الممتدة بين البلدين التي لطالما كانت جسوراً للخير والعطاء والتأمين لمستقبل الأجيال فما زالت بلادنا تتطلع الى استقطاب المزيد من الاستثمارات الخليجية ومشابكة المصالح على نحو متين يعود على جميع أطراف العلاقة بالخير.
فاليمن اليوم تتحدث عن نفسها أمام العالم بلغة الواثق من نفسه بعد أن استتب أمنها وترسخ استقرارها، وتعزز بنيانها التنموي والتشريعي والديمقراطي وبالقدر الذي يجعلها في موضع المسئولية التي تؤهلها للانفتاح على خيارات الدول الفاعلة في المنطقة.
ان التحديات التي يشهدها الشرق الأوسط لابد أن تكون حافزاً للجميع للعمل بمسئولية ومصداقية وشفافية وبروح المبادرة المبنية على الوعي السياسي، لوضع الأمور في نصابها، والدفع بمسار العلاقات اليمنية- الخليجية نحو مزيد من التقدم، والتعاون، والتنسيق المشترك ليس في الإطار الاقتصادي وحسب بل وفي الإطار السياسي للمواقف إزاء القضايا الدولية المختلفة.. وهو ما نتمنى أن تتوفق إليه زيارة الأخ رئيس الجمهورية الى دولة الإمارات.