الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 05:47 م
ابحث ابحث عن:
ثقافة
الثلاثاء, 13-مارس-2007
المؤتمر نت - هدى ابلان صادق الهبــوب -
بُنية الحزن في كتابات هدى أبلان
المتأمل في المجموعة يجد أن الشاعرة تميل إلى بنية المقطوعة القصيرة، وتحمل هذه المقطوعات الرؤية الفكرية المفعمة بالزخم النفسي/ المفعم بالانفعال الآني والإنساني، وقد تميزت هذه المقطوعات القصيرة إنها ذات بعد واحد، فتمكنت من التعبير عن ألم النفس وتأملها في مواجهة الواقع بأبعاده المختلفة،ـ وإستشراف آفاق مستقبل ضبابي مجهول.
وتعلن أن صلات الشاعر بالآخر صلات سطحية متقطعة، أُخرجت منها معتمة النفس جريحة الكبريا / تبتعد أشعار أبلان في المجموعة الأولى عن هموم المجموعة الثانية والثالثة بل هناك تآخي بين الهموم والأوجاع التي سيطرت على الأعمال الكاملة، وكذا المجاورة فيما بين موضوعاتها، الأمر الذي يصعب إلى حدً كبير – إمكانية الحديث عن كل مجموعة على حدة.
قررت أرتب امرأة أخرى
تخرج من جوف الليل
منهكة الأحلام
مكسرة الضوء
تحمل القمر الخافت بين الجنبات.
كسر السائد ومخالفة المألوف، والتمرد عليه هو الذي سيعيد لها ثقتها، واقع مظلم، ضاقت أضافت من الصمت، وأنهك الانتظار ما تصبو إليه، وعوامل الاندفاع أضحت هشة، في امرأة متكسرة، تفاؤل بما سيأتي وإن كان خافتاً، أملا تحلم به، " يمد خيوط الفرح) فرح ظاهري تتحدى به حزن سنين ( سانسف حزن العنين) تمحو أثره لتستقبل لحظة فرح، احتواء لحظة صدق تشعرها بأنها امرأة أخرى.
لكن هيهات الحزن دارها، والألم دواؤها،والوحدة عالمها حين بدت( أزهر الحلم في الأصابع) لحظة مفاجئة سعادة غير متوقعة وأمل بحياة أفضل هي لا تريد أن تستريح ( سأقطع الأصابع) جزم برفض القادم والخارج من عباءتها ( جوف الليل) الذي طالما حاولت تجاوزه، ولأن ( تلك المغموسة بثرثرة الجرح) مجتمع لا يرحم يرمي ويمضي وكأنها كائن لا يعبا به.
قرارٌ باء بالفشل، قرار أرادت به المضي للأمام ولكنه صدم بواقع فكان ترتيباً لوحدتها المميتة، نرى الفرحة ضوءاً باهتاً توزعها الشاعرة، هنا وهناك تلفظ أنفاسها الأخيرة بمقصلة الألم/ الوجع/ وحرقة الانتظار فوضى امرأة لا تعدو فوضويتها عن كونها تحلم، وتقسو على نفسها.
سأفجر هذا القلب
حين أرفع خفقته تلويحاً يومياً
على امتداد مشنقة
واعتاب ذاكرة
لماذا؟ هو يعطيها حب الحياة وهو سر ارتباك الأشياء وتجاذبها نحو بعضها وُجِد من أجل أن يستمر لا ليشيخ، تستكثر ( الفرح/ تخاف العواصف) على الذات، صراع داخلي بين ما هو حق للذات والسائد، لتتوقف متأسفةً ومتحسرة على تحطيم ذاكرة ( ما أصعب تهشيم ذاكرة) أتكون ذاكرة من حولها بما فيها من تحجر وغمط حق المرأة أم هي مراحل تجربتها في الحياة ذات الجوانب المضيئة، في كل ما تقدم ليس لها حرية الاختيار في الحياة إنما العكس
قررت أحيا
استرد شهقتي الأخيرة
بيدين مسكونتين بحرقة الغياب
ومشهد الحنين
هكذا ندرك حقيقة الكائن الأنثوي وانتماءه وإن سوء استمراره وبقائه هو هذا الحنين الذي يطوي الحياة بين أيدينا ونمضي نحو التنامي والاكتمال، فالشاعرة تمارس الألم حتى فينا نحن.. نص يخرج من كومة الآهات ومن جفاف العواطف القاتل الذي ينذر بالانتهاء.

(2)
ثمة خوف يسري في الإيقاع الحزين من ( نظرة مطفأة) هذيان الجرح البارد كانوا، على الدرب أمنية لا تجيء، عاد الزمان إلى حزنه، ذات قلب، نصف التئام، أتناثر على ضفة جرح، أوراق العمر الضال، ثوب قصير الأحزان) فتعذيب الذات نوع من تعذيب الموضوع الذي سبب الألم، ونوع من العزاء النفسي والاحتجاج فهذا التعذيب يستوعب الخوف ويظهر بمظاهر ( قد نمد ظلنا، ما تناثر من قلق، تحبو جراحى حتى حافة اللوعة الحالمة أعرف أن دمي مراق) إلى ( الحلم برفيق يكمل رحلة العمر) ويكاد المرء يسمع نشيج بكاء الشاعرة وهي تقف على أطلال العمر تحت وطأة زمن متجهم لا يرحم.. تلوذ من غدرات الزمان بـ( أمها حيناً و( ليس لي سوى الله).
إنها نفثه ألم ووخزٌ موجع من صدرٍ شاخت فيه الأماني، حطت عليه أثقال من الإحباطات، وفقدان الأمل، وحتى من ابتسامة لن تجيء، وشمٌ لا يفارق العمر المتهالك يغزو الذاكرة ويظل هو ظل في النفس وفي حدود رحلة الشاعرة ( الجفاف، الذبول) ترتب خصوصيتها وتربك رؤيتها للحياة ومن حولها، تحيلها لذاتها مما زاد من تعميق رثاء النفس وتعذيبها.
ينفجر نشيجٌ خافت في آخر اليباس
نزحرفه بقصيدة آيلة للقطف والماء
ترتب بيتاً من القطرات
تودع فيه خفقتها كلما حل الذبول
وتغسل جلدها كلما اغبرت رائحة الوقت
طريق مرصع بمر
نفرش حرقة الآهات
نستند إلى وجع في حفرة القلب
ترشف أغنية حامضة
نمضع خبز صحكة لن تجيء
ننفي المرارات إلى ذاكرة الغد المغلقة
ننثر دمنا منا الحلو في كل الجهات
ذات قلقة الرحلة اقتربت من النهاية ( عراء الذبول) ( ضحكة لن تجيء ذاكرة مغلقة، استسلام وتعجيل بالانتهاء، هكذا وجدت نفسها تبوح بحالها، ولم تخرج إلى مدى إنساني أوسع، ليشمل جوهر الوجود والحياة في إطار هذه الذات ومعاناتها ورؤيتها، لكنها ظلت كما هي شجرة باسقة بعروق جافة، استدارت أوراقها، استدارت الذبول وشاعت فيها الصفر ولم يبق بينها وبين السقوط الانفحه ريح.

(3)
قلب تناسى أهويته، غريب ينغلق على نفسه، وفي لحظة تأمل واهتزاز ومراجعة ( نتف) أحلامه الإيجابية ليرجع إلى كينونته، بتحريض من فرحة نادرة ( اسقطت بذرتها منذ زمن) محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها لكن عنفوان قطرة المحبة لا تحرك ساكنا، ألم/ حالة يأس واللا جدوى من الفرح ( استيقظ الحلم) بالحياة لكن حياة كبركان خامد ليعصف بما تبقى من الحب يتلذذ بما يصنعه ( يخيط بالطعنة سجادة الجرح المعدة للبكاء) هو الآخر مصدر البؤس والقسوة لتكون الشاعرة سجادة مليئة بالآهات الغير قابلة للشفاء ( معدة للبكاء) لكنه بكاء من لا يستطيع البكاء.
ما خياطة الطعنة لسجادة الجرح) إلا بداية لاستقبال الطعنات التي لا تروي صاحبها وتؤذي الأخر الذي استمرأ الألم لعله في يومٍ ما يجد ضالته وإن كثرت الإخفاقات.
كل شيء يمضي نحو الوحشة والخوف ومن الآتي، عدم الثقة أو الانسجام بينها و(الطريق ، الفضاء المفتوح) الرافضة لمن يمر بها المليئة بشقوقٍ دامية جارحة لمن يمر عليها، الذكريات لا تمر إلا باكية، فتلزم الشاعرة جانب الصمت والشكوى وبث الزفرات وكأن الوجع والأمل أصبح إدماناً تمارسه على نفسها ( البيت ، القلب) فيهما الأمن والهدوء والاحتماء لكنها الذات المجرومة الموجوعة تجعل كل شيء يرفض كل شيء كائن، يرفض من بداخله، الكل يقسو عليها يتلذذ بإذائها ولا تجد مكاناً لتنجومن لسعات من حولها، وكأن هناك اتفاق بين لكائن الحي والجماد لإقصائها من الحياة، لتكشف عن واقع مليء بالجراح ومجتمع غير سوي وحياة سوداوية معتمة، تضيق ولا تجد مكاناً لاستيعابها ولو بضوء خافت، لتنكر نفسها من نفسها ( نحن ليس نحن) فهذا المجهول غير المدرك يحث يفزع من حوله دائماً، لتتحول إلى شبح تنكر الحياة تخاف الكلام، تخاف الابتسامه فهي ترى فيها غدراً وخيانة، والسلام فيه ( طعنة دامية) إذا ما الذي صنعته لتفادي المجهول لا شيء سوى الهروب والإنكفاء على الذات. لم تواجه ( نحن لتعود إلى ( هي) وتعيد ترتيب حياتها وتستعيد توازنها بل ظلت تستدعي الأحلام المؤلمة والدموع الدامية وأغرقت نفسها داخل نفسها دون أن تشارك الآخرين آلامهم واكتفت بالتعبير عن نفسها، فهذا الآخر هو المنتظر والمؤلم في آنٍ واحد..

(4)
كل شيء ينطفئ الغيم في حالة عُقم دائم ، بصيص الأمل مفقود، كل شيء يبشر بالانتهاء صدمة الشاعرة بمن حولها تجعل منها كائناً غريباً لا يستحق الاستمتاع بالحياة، وما تجود به السماء من ظل ومطر ونفحة دفء وحب وحياة.. حالة يأس، أكثر صدقاً وكثافة لوصف لحظة الانتماء
السماء التي أمر تحتها تتوتر
الغيمة التي أمر تحتها تجف
النجمة تنطفئ
هكذا كل الأشياء التي أشعلها بمحبتي
لها قلب من رماد
كل شيء هش لا يمكن الاتكاء عليه، كلما اقتربت وبذلت جهداً في العطاء تحترق هي، فهي تعطي كائناً هلامياً غير مكتمل، ناعم الملمس لكنه إذا ما اشتدت الريح أصاب مشعله بعدم الرؤية وإن اعتمد عليه تهاوى .. الآخر بقايا قلوب محرقة ومحترقة، لا يعني الحب لها شيء.
إن انهيار الذات بالمواجع التي تتلقاها ممن حولها جعلها ترى في الوجود الفجيعة، الدم، الانكسار، والفرح في أفواه من يريده فرحاً باكياً ، يتعجل نهايته قبل أوانها.

(5)
في مجموع النصوص لا تلمس الوجه الظاهر أ مامك بيئة الشاعرة: المطر، الغمام، المروج الخضر ( المدرجات) الوديان، شلالات المياه، كل هذه الأشياء لم تضع بصمتها على إبداع الشاعرة وإنما عكست الغبن الواقع عليها، نصوص لها عالمها الخاص ، تحس إنها في حالة توهان (الذات) مع الذوات الأخرى وكأن لا قاسم مشترك بينها سوى الكم الهائل من الحزن، والانكسارات كما هو واضح في الشكل ، فيها من حالة استبطان النفس وما تعيشه من حالة الارتباك وعدم الثقة فيما بينها والآخر.
تصدمك من الوهلة الأولى ( رعشة الخوف البديلة، سقوط الحلم، برد السماء المخيف، غيمة قابلة للنشيج) ذات باكية ولكنه بكاء مؤلم، على من لا يستحق البكاء، الصديق لنا يكون صديقاً للفرح، والمناجاة، إنما هي جرح بعينه جرح غائر يؤذي صاحبه.
نخلص إلى أن الشاعرة لا ترى فيمن حولها سوى مصدر لكل المواجع والآلام، حتى ابتساماتهم ابتسامات مواربة، رغم ذبولها إنسان طمست معالمه الإنسانية، لا لأنه حقق شيئاً يخدم نفسه بل لأنه ينظر باستمرار للخلف بخطى متسارعة عكس الآخر ( فقر الروح، عوز الحب) انتهاء تلاشي الدفء.
ركض الشاعرة مستمر نحو الداخل تنقل عالمها وتعرية كما تراه وإن كان من زاوية واحدة ذاتيه "شخصية" ( زاوية مؤلمة) البوح والهروب نحو الداخل، وكأن الشاعرة تريد أن تكشف لنا الجمال في الشر لتذوب في الاثنين معاً وهذا ما لا ندركه من الوهلة الأولى ربما، أو ربما تتبدل القراءة عند قارئ آخر، ولا يكون ما أراه يراه غيري، كل له طريقته في استقراء ما يقع بين يديه.




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر