بقلم:محمد مصطفى علوش* -
أي مستقبل ينتظر اسرائيل بعد عقدين؟
اسرائيل التي هي ثمرة الإستعمار الغربي للأمة العربية والإسلامية، والتي اعتبرت خط الدفاع الأول عن الغرب أمام الوحشية البربرية الرجعية العربية وخط الهجوم الأول للحضارة الغربية الأحادية الرؤية على العالم الشرقي ، بدأت تترنح وتتصدع وأجراس التحذير تنتطلق من كل صوب وناحية.
لقد دمرت حرب تموز ، صاحبة الثلاثة وثلاثين يوماً، أساطير طالما رضعنها من ثدي الفكر العربي "المتعقلن" حول "الجيش الذي لا يهزم" و"الدولة الأقوى"، و"الباحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". هذه الأساطير، التي أقعدت عن العمل كل من حاول أن يعيش بكرامة من الأمة العربية، بل وأورثته ذلاً وخوفاً تمثل بالتسويات والتنازلات عن الحقوق والمقدسات ، بدأت تتفتت مداميكها مع ظهور مستجدات لم تكن لتظهر أو لم نكن لنظن أنها ستظهر في يوم ما!.
واذا كانت الحرب الأخيرة عرّت الصورة القائمة عند العرب فهي عرّتها أكثرعند الإسرائيلين، فالإسرائليون وجدوا أنفسهم بعد حرب تموز أمام كذبة كبيرة لا تختلف عن الكذبة التي يعيشها العرب حول بقاء اسرئيل ومناعتها وصعوبة هزيمتها بل استحالتها لدرجة ان الكاتب الإسرائيلي أليكس فيشمان قال في صحيفة "يدعوت احرنوت" في 21/2/2007 أن حزب الله لم يستخدم كل ما لديه من الأسلحة في الحرب الأخيرة وان قدرته على اطلاق الصواريخ اليومية على اسرائيل هي أكبر مما كان يطلقه من الصواريخ البالغ نسبتها 250صاروخ يومياً في الحرب ، وبحسب الكاتب فإنه في حال أرادت إسرائيل اعتراض ألف صاروخ في اليوم من صواريخ حزب الله بواسطة المنظومة التي تعمل شركة "رفائيل" على تطويرها فإن إسرائيل ستعلن إفلاسها بعد أسبوع..
بل سفه"داني روبنشطاين" الكاتب في صحيفة "هآرتس" التعنت الإسرائيلي ازاء اعتراف حماس باسرائيل مشيراً الى ضروة الأمن التي ينبغي أن يشعر بها الإسرائيلي ولو جاء عبر هدنة وليس اعتراف وفي هذا يقول " من الممكن بالطبع الحديث عن الفوارق بين التوجهات السياسية لحركة حماس وبين حركة فتح بمفاهيم الفجوات الإيديولوجية العميقة، حيث أن حركة حماس غير مستعدة للاعتراف بإسرائيل، خلافاً لحركة فتح. ومن الممكن رؤية فوارق قيمية ليس لها أي معنى عملي. فحركة فتح على استعداد لاتفاق سلام، في حين أن حماس توافق على وقف إطلاق النار لمدة طويلة. فهل يجب أن نصنع من ذلك قضية؟ لدينا مع مصر والأردن اتفاقيات سلام ناجحة، ولكنها ليست أكثر من اتفاقات لوقف إطلاق النار من الناحية العملية. ولن يعترض أي إسرائيلي على وقف إطلاق النار وليس السلام ما دام الهدوء المطلق يسود الحدود بين إسرائيل وفلسطين" .
ويصل الرعب برئيس جهاز الأمن العام "الشاباك"، "يوفال ديسكين" ورئيس قسم الاستخبارات في "الشاباك " من امكانية توافق دائم بين حماس وفتح يؤدي الى تقوية الموقف الفلسطيني وتلقيه الدعم الدولي في حين يضعف الموقف الإسرائيلي حيث أن "قادة حماس وفتح لديهما مصلحة مشتركة في العمل سوية، وأن التنظيمات الفلسطينية ستواصل هذه السنة أيضا محاولة التوصل إلى اتفاق مع استمرار التوتر بينهما"، مؤكداً "أن حماس "لا تنوي تغيير أيدلوجيتها أو تغيير مواقفها الداخلية".
أي استراتجية أمركية او اسرئيلية قد تنفع بعد اليوم؟
فهل ما تقوم به الولايات المتحدة، من خلق شرق أوسط جديد يعاد فيه ترتيب المنطقة ببناء دويلات اثنية وطائفية تكون فيه اسرائيل الدول الأقوى والأكبر بحسب الخريطة التي نشرتها مجلة القوات المسلحة الأمريكية، في عددها الشهري الصادر في حزيران 2006 ، والتي كتبها أحد الضباط الكبار في الجيش الأمر يكي، وشعبة الاستخبارات العسكرية، والتي فيها تتقسم المنطقة الى دول هي دولة كردستان الحرّة, والدولة الشيعية العربية, الأردن الكبير, والسعودية إلى خمسة أقسام، و تركيا و باكستان الخاسر الأكبر، لمصلحة اسرائيل ؟
ثم هل ما كشف عنه الكاتب الأمريكي المرموق سيمور هيرش من ان الولايات المتحدة تعد لإستراتجية جدية في الشرق الأوسط قوامها اشعال حرب طائفية مذهبية قطبيها السنة والشيعة في كل من ايران والعراق ولبنان ستطيل من عمر اسرائيل وبالتالي من الوجود الغربي الإستعماري في المنطقة ؟ وخصوصا مع ما يشخصه "مارتن إنديك" مسئول كبير بالخارجية في إدارة الرئيس الأسبق "بيل كلينتون": "يتجه الشرق الأوسط إلى حرب باردة خطيرة بين السنة والشيعة".
ثم هل ستنفع الإستراتجية الإسرائيلية التي وضعها بن غوريون في مطلع الخمسينيات؟ ، والتي وردت في كتاب صادر في العام 2003م عن "مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا"، التابع لجامعة تل أبيب. تحت عنوان: "إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان نقطة البداية ومرحلة الانطلاق" ، والقائمة على ثلاثة ركائز هي:
- بناء قوة عسكرية متفوقة للاحتفاظ بقوة ردع قادرة على حماية أمن إسرائيل.
- توثيق علاقات التعاون والتحالف مع أهم الدول المحيطة بالعالم العربي، تطبيقاً لسياسة "شد الأطراف"، التي استهدفت إقامة ما عرف بحلف المحيط. تركيا ، إيران ،إثيوبيا .
- عقد تحالفات مع الأقليات العرقية والطائفية في الوطن العربي.
استراتجية الولايات المتحدة "الفوضى الخلاقة" المتناغمة مع استراتجية بن غوريون "شد الاطراف ثم بترها" هل تستطيع أن تبقي اسرائيل قائمة لفترة أطول مع بروز عدة تغيرات داخلية وخارجية لم تكن بالحسبان وهي:
• عدد العرب الفلسطينيين في القدس سيصبح مساوياً لليهود في 2035 بحسب "معهد القدس لدراسات إسرائيل" ، حيث تشير المعطيات، بحسب المعهد، إلى أن وتيرة الزيادة السكانية في وسط العرب الفلسطينيين في القدس تصل إلى ضعفي الزيادة السكانية لدى اليهود حيث تصل نسبة الزيادة اليهودية 140% في حين تبلغ نسبة الزيادة العربية 257% .
• تصاعد التهديد الخارجي حول اسرائيل ، حيث يقول رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، الجنرال عاموس يدلين أن " المحيط الاستراتيجي لإسرائيل أقل استقرارا مما كان عليه في السابق".
مشيراً إلى وجود ما اعتبره "مجريات سلبية ومخاطر بقدر أكبر مما كانت عليه في السنوات السابقة في محيط إسرائيل.
• تزايد الحركات الإسلامية نفوذاً وانتشاراً التي تدعو الى تدمير اسرئيل، وفي هذا يقول "يدلين" إن "قوة الجهات البرغماتية في المنطقة تضعف" معتبرا أن " هناك صراعا بين المعسكر المعتدل والراديكالي. وأن الجهاد العالمي يرى في إسرائيل هدفا لتوجيه الضربات".
• ترنح الوجود الأمريكي في العراق وأفغانستان .
• بروز عالم متعدد القوى واكثر توازناَ، مقابل تراجع للأحادية القطبية التي سادت عقب نهاية الحرب الباردة.
فهل ما تقوم به اسرائيل من تصفية يومية وترحيل قسري وتجريف للزروع وتدمير للمتلكات، سيطيل بقاءها؟وهل جدارالفصل العنصري سيحميها وسيحُول دون زوالها سريعا وهو الذي وضعها في قفص أكثر مما حماها من أعدائها ... أسئلة طرحناه وقد لا نستطيع الإجابة عليها الآن، ولكن المستقبل قادم وهو كفيل بالإجابة عليها وان الغد لناظره قريب!
*(كاتب ومحلل سياسي لبناني)