الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:04 ص
ابحث ابحث عن:
ثقافة
الثلاثاء, 13-مارس-2007
المؤتمر نت - يوسف الديني يوسف الديني -
الأولويات الخاطئة.. حتماً لن يستحيل الكتابُ بندقيةً!
الأيام القليلة الماضية كانت حافلة بالجديد النوعي في المشهد السعودي، الجريمة النكراء التي طالت أربعة مقيمين فرنسيين والإقبال الجماهيري اللافت لمعرض الكتاب في العاصمة السعودية الرياض، حدثان يبدوان متناقضين ليس بينهما أي رابط، بينما يمكن قراءتهما بشكل مختلف بغية الوصول إلى الحالة السعودية الجديدة..

الجريمة الإرهابية أعلنت إفلاس الفكر المتطرف وسقوط شعاراته، حيث بات يستهدف أمن الوطن بعمليات فوضوية يمكن أن تطال الأبرياء باقتناصهم في عمليات فردية، بعد أن حالت الضربات الاستباقية الأمنية الناجحة من دون أي عمليات ذات طابع نوعي يمكن التبجح به.

في الضفة المقابلة كانت العاصمة الرياض تعيش احتفالية ثقافية محلية نوعية من خلال الحضور الكبير من قبل جماهير عريضة، تمثل شرائح متعددة للمجتمع السعودي لمعرض الكتاب الدولي.. وذلك في سابقة تؤكد على تحولات نوعية في طبيعة، ما يتم تداوله من كتب وإصدارات طبقاً لأرقام المبيعات من تلك الكتب، على الرغم من وجود بعض الانتقادات غير المنطقية والتي مع احترامنا الشديد لأصحابها وما أجلبوا عليه ببياناتهم الاستنكارية تعبر ذهنية «الوصاية»، تلك الذهنية المرفوضة من قبل المدافعين عن أهليتهم العقلية لاختيار ما يرغبون في قراءته واقتنائه والذين كانوا يجلبون هذه الإصدارات من معارض الكتاب في الدول المجاورة أو عبر نقاط البيع الإلكتروني على شبكة الإنترنت.

مما لا شك فيه أن المشهد الثقافي السعودي يعيش مرحلة انتقالية جديدة، لا يمكن من وجهة نظري، أن نشير إلى بداياتها بأصابع التحديد، بقدر أننا نعايش آثارها الواضحة من خلال ردود الأفعال من قبل الخطابات الأصولية المتشددة، والتي ما زالت برأي المتواضع تعيش في مرحلة الأولويات الخاطئة، بعد أن فقدت جزءاً كبيراً من شرعيتها الاجتماعية بسبب تورطها في خطيئة الصمت عن القضايا الكبرى، التي نمر بها وعلى رأسها تلك الجرائم الإرهابية الأحق بالإدانة والإنكار.

هذه الأصوات التي تضيق بالكتاب «المختلف» عما اعتادت عليه، بينما لا تكترث بالبندقية المصوبة إلى صدر الوطن لا تزال تقف على أرضية تجاوزتها التجارب السابقة لها في بلدان أخرى، فالأزهر الذي منع أولاد حارتنا لمحفوظ بات ينتظر طلباً من جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت تتهم الأزهر بالتساهل ليفسح الرواية، تأكيداً على دعمه لحرية الإبداع والتأليف.

في هذا السياق أجدني متطابقاً مع الناقد السعودي المتألق محمد العباس حين شخص هذا الخطاب المأزوم ملاحظتين ذكيتين؛ الأولى: هي عدم وعيه بـ«استحقاقات التغيير» للحظة الراهنة التي يعيشها الواقع الثقافي الجديد؛ وثانيها: محاولاته اليائسة لتبديد بـ«خطاب الظل» كما يصفه العباس، وأزعم أنه لم يعد كذلك على الأقل في تأثيره وفاعليته، بدل أن يسعى للتصالح معه والتعايش بجواره في صيغة مدنية تكفل للطرفين حقهما في الوجود على أساس المواطنة المشتركة.

هناك العديد من المؤشرات ـ من وجهة نظري ـ تؤكد على نجاحات سعودية على أكثر من صعيد وسياق ثقافي.. على سبيل المثال لا الحصر تحتل الرواية السعودية المرتبة الأولى على قائمة المبيعات في المعارض العربية والخليجية، إضافة إلى مخازن بيع الكتب على شبكة الانترنت بفضل كتابات نوعية لرجاء عالم وليلى الجهني وعبده خال وأحمد دحمان.. وآخرين، ومن الظلم إرجاع هذا التفوق الروائي إلى القوة الشرائية أو لملامسة هذه الأعمال لمناطق معرفية ظلت محظورة ومجهولة سابقاً، وربما كان الدليل الأبرز على هذا التفوق النسبي للمنتج الثقافي السعودي الجديد (نسبيته لمحدودية التجربة وقصر عمره) هو التفات النقاد العرب إلى الحركة الشعرية السعودية الحديثة، متمثلة في قصيدة النثر قبل أن يهتم بها نقاد الداخل بوقت طويل، وأنا أشير هنا إلى تيار أواخر الثمانينات (حمد الفقيه، أحمد الملا، أحمد كتوعة)، فضلاً عن رموز التفعيلة الذين سبقوهم وعلى رأسهم محمد الثبيتي أحد أهم الأصوات الشعرية المعاصرة في العالم العربي.. كما يمكن سحب تلك الإشادة بمفردات ثقافية سعودية في السياق النقدي والسينما، وصولاً إلى الكتابة النوعية للرأي السياسي والفكري.

بذور هذا التفوق السعودي بحاجة إلى أن تسقى بمياه الرعاية والتكريم، وليس أقل من جائزة دولة تقديرية تليق بحجم ومكانة المملكة، بالإضافة إلى ضرورة أن تضطلع الأندية الأدبية بدورها عبر برامج تأهيل ورعاية للأجيال الجديدة، والتي يمكن أن تترك بصمات سعودية واضحة يمكن لها أن تمحو في وجدان العالم كله، جرائم إرهابية صدرت من أشخاص لا يمكن أن يمثلوا ثقافة هذا الوطن ولا تطلعاته.




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر