المؤتمرنت -
مسلمو فرنسا الأكثر اندماجاً في المجتمع
يجد المسلمون في فرنسا سهولة في الاندماج في المجتمع الفرنسي عنه في البلاد الأوربية الأخرى. فما هي الحرية التي يتمتع بها المسلمون في فرنسا فيما يتعلق بمسألة الاندماج والهوية؟ وكيف يرون الأديان الأخرى؟ وكيف يمارس المسلمون معتقداتهم وشعائرهم في أوروبا؟ كل هذه الأسئلة طرحها المركز الأمريكي للأبحاث المتخصصة في شؤون الأديان (بيو سنتر) وأجاب عنها في تقرير نشر مؤخراً.
في البداية يقول التقرير إن اندماج مسلمي فرنسا، والذين ارتفع عددهم إلى أكثر من خمسة ملايين مسلم - يُعدّ استثناء في أوروبا أجمعها، ففي بريطانيا نجد أن نسبة 81% من المسلمين يعتقدون أنه من الطبيعي حدوث نزاع حينما تمارس الشعائر الدينية الإسلامية في مجتمع غربي.
ويلفت التقرير إلى أن الصورة في فرنسا تختلف تماماً؛ إذ لا يرى 72% من المسلمين في فرنسا أي تناقض ما بين الإسلام والغرب.
وإذا كانت نسبة 46% تضع الإسلام في المقام الأول قبل كل شيء فإن نسبة 42% تفكر بالقيم الفرنسية قبل كل شيء. كما أن مسلمي فرنسا هم الأكثر انفتاحاً على الديانات الأخرى، مقارنة بالمسلمين في انجلترا وألمانيا وهولندا والبلاد الأوروبية الأخرى.
أما فيما يتعلق بالتعليم، فيشير التقرير إلى أن حركة التعليم في فرنسا تشهد تباطؤاً يعرقل حركة اندماج المجتمعات المسلمة في فرنسا بشكل واضح، خاصة مع وصول مهاجرين جدد ممن يحتاجون إلى الكثير من الوقت حتى يندمجوا في المجتمع.
ويقول وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي- المرشح الأقوى للانتخابات الرئاسية المقبلة- إن أكثر من نصف المؤسسات الإسلامية في فرنسا البالغ عددها (2000) مؤسسة تمارس تعاليم الإسلام كما يُمارس في البلاد الإسلامية والعربية تماماً، وغالباً ما يتردد عليها مغاربة وجزائريون و أتراك.
من جهته، يشير مدير شؤون الأديان في وزارة الداخلية (برنارد جودار) إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ثورة في تدين المسلمين بشكل جماعي في فرنسا.
أما فيما يخص الخلفيات السياسية، فقد لفت التقرير النظر إلى أن ضعف اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية غالباً ما يتم إرجاعه إلى مواقف الحكومات منهم، أو لتبنيها سياسة الحرب على الإرهاب، والتي غالباً ما تضع المسلمين في قائمة المستهدفين، ومن أبرز هذه المجتمعات: الجالية الإسلامية في بريطانيا والتي تعاني من الاضطهاد بسبب سياسة رئيس الوزراء توني بلير المساندة للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب.
أما في فرنسا، فإن التقرير يعتبر أن الوضع مختلف خاصة في ظل سياسة الرئيس الفرنسي الحالي جاك شيراك المناهضة للسياسات الأمريكية في العراق، فضلاً عن تعاطفه مع المسلمين عامة والعرب بصفة خاصة.
ويختتم التقرير بالإشارة إلى أن الفترة الأخيرة شهدت إقبال الشباب الفرنسي المسلم على المساجد وممارسة الدعوة الإسلامية، خاصة مع انتشار العولمة والانحدار الثقافي والاجتماعي.
جدير بالذكر، أن عدد المسلمين في فرنسا يبلغ نحو ستة ملايين نسمة، يشكلون 10% من السكان، ينحدرون من (53) دولة، ويتحدثون (21) لغة مختلفة إلى جانب الفرنسية، ويحتل الجزائريون أغلبية كبيرة من مسلمي فرنسا.
وتشير الإحصاءات إلى أنه من جملة ستة ملايين مسلم في فرنسا هناك حوالي مليونين من المولودين بفرنسا، أغلبهم ممن يسمون بالمصطلح الجزائري "الحركيين" أي أبناء المتعاونين مع فرنسا من الجزائريين خلال الاحتلال الفرنسي للجزائر. أما البقية وهم ستة ملايين فهم مهاجرون جاؤوا من بلدان إسلامية وعربية متعددة.
وبشكل عام يمثل الجزائريون أغلبية الجالية المسلمة بفرنسا بتعداد يقدر بـ(800) ألف نسمة، يليهم المغاربة (600) ألف، ثم التونسيون (500) ألف، والأتراك (200) ألف، ثم يأتي ترتيب الأفارقة جنوب الصحراء واللبنانيين المسلمين.
ولا يمثل الفرنسيون المسلمون وحدة قومية ولا لغوية، وهو ما يفسر وجود حوالي (2000) جمعية إسلامية مختلفة الجذور الثقافية والمذهبية والأصول الجغرافية؛ فهذا التعدد برز بشكل لافت أثناء تأسيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية؛ حيث حاول وزير الداخلية تمثيل (1500) مسجد إضافة إلى ست جمعيات كبرى، هي:
- اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا الذي ينظم سنوياً مؤتمره المعروف بالبورجي، وتأسس عام 1982، ويتميز بقوة بنائه التنظيمي؛ إذ يبسط سيطرته على (300) جمعية، أبرزها الشبان المسلمين، وذراع طلابية في الجامعة تسمى "الطلبة المسلمون".
- مسجد باريس، ويُعدّ تاريخياً من أقدم المؤسسات الإسلامية الممثلة للمسلمين في فرنسا؛ إذ تأسس عام 1926، وارتبط منذ بدايته بالجالية الجزائرية بفرنسا، و يأتي تمويله من الجزائر، ويشرف عميد المسجد حالياً "دليل أبو بكر" على حوالي سبعين مسجداً آخر.
- الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا: تتكون أساساً من المهاجرين المغاربة، وتتلقى دعماً مالياً من ملك المغرب، وتدير بعض المساجد في ضواحي باريس وشرق فرنسا.
- جماعة الدعوة والتبليغ: بدأ نشاط هذه الجماعة في أوساط المهاجرين الأوائل عام 1968، ولعبت دوراً مهما في الاتصال بالجيل الأول من المهاجرين، ويتركز نشاطها حالياً في الدائرة الحادية عشرة من باريس وخاصة في منطقة "بالفيل".
- لجنة تنسيق للمسلمين الأتراك في فرنسا: تعتبر تابعة لإدارة المساجد بوزارة الشؤون الدينية التركية، وتدير (150) مسجداً، وأيديولوجياً تعتبر من طائفة (الميلي قروش)التركية الصوفية.
- الاتحاد الفرنسي للجمعيات الإسلامية في إفريقية وجزر القمر وجزر الأنتي: تمثل جالية مهمة عددياً، ولكنها غير منظمة باستثناء بعض الجمعيات التابعة لها فإنها لا تسيطر على مساجد مهمة.
وإضافة إلى هذه الجمعيات الستة الكبرى هناك خمسة مساجد ممثلة في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وتتمتع بثقل واضح، وهي: مسجد "نانت-لا-جولي"، والمركز الثقافي الإسلامي في إيفري، ومسجد ليون الكبير، ومسجد جنوب فرنسا الكبير (الإصلاح)، ومسجد سان دونيه دو.لا ريونيون الكبير.
وتشير التوقعات إلى أن المسلمين في فرنسا سيتضاعفون ثلاث مرات حتى عام (2020) ليزيد عددهم عن (20) مليون نسمة بسبب نسبة الخصوبة والمواليد العالية بينهم، واستمرار تدفق المهاجرين المسلمين إلى فرنسا، ودخول أعداد غير قليلة من الفرنسيين في الإسلام (يزيد عدد المسلمين من أصل فرنسي عن 100 ألف).
*الاسلام اليوم