نصر طه مصطفى -
حول تعديل قانون الأحزاب
أخيرا وبعد سبعة عشر عاماً من قيام الجمهورية اليمنية بدا أن هناك أملا حقيقيا بإجراء عملية تصحيح لأخطاء التجربة الديمقراطية القائمة أو لنقل عملية ترشيد لشطحات الحياة السياسية في جانبها الحزبي من خلال قرار مجلس الوزراء قبل حوالى شهرين بإجراء بعض التعديلات على قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية
الذي أصابه الجمود في تصوري وأصبح بلا معنى على ضوء كل التطورات التي حدثت خلال السنوات الماضية مثله مثل قانون الصحافة والمطبوعات الذي يحتاج لكثير من التعديلات المتوافقة مع عملية التطور الحاصلة وليكون القانونا قادرين على حماية المكتسبات السياسية والحفاظ على الحد المعقول من جدية العملية الديمقراطية القائمة فليس هناك ما هو أخطر عليها من حالة التشوّه الموجودة التي سيؤدي استمرارها إلى مسخ التجربة وتحويلها إلى أضحوكة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
اتجاهات تعديل قانون الأحزاب التي أعلنتها الحكومة تدل على مصداقية التقييم وجدية التوجه ، لأنها أكدت على موطن الداء أو أسباب الإشكالات القائمة في الحياة الحزبية حاليا من حيث وجود مسميات حزبية لا وجود لها في الواقع ، بل إنك لا تعرف أنها موجودة إلا في المواسم الانتخابية عندما تبيع حصصها من اللجان للأحزاب الكبيرة ، أو عندما تصدر صحفها في مواسم بعينها لأغراض ربحية فقط ... أما بعضها الآخر فإنها قد تمتلك الإمكانيات المالية التي تمكنها من الاستعانة بصحفيين من خارج صفوفها لإصدار مطبوعاتها لكنها لم تستطع طوال سنوات السبعة عشر عاماً الماضية من الحصول على مقعد واحد في مجلس النواب وإن حدث مرة واحدة فقد خسرته إلى غير رجعة ، بل إنها لم تستطع في معظم الأحيان حصد عدد من الأصوات يساوي ذلك الذي أخذت بموجبه ترخيص الإنشاء وهو الفان وخمسمائة عضو مؤسس من معظم محافظات البلاد- كما هو منصوص عليه في القانون الحالي!
من المؤكد أن الحياة السياسية في أي بلد تتعرض للتشوّه عندما تغيب الفواصل بين الأحزاب الحقيقية الجادة والأحزاب الوهمية ... وقد يكون الداعي أحيانا لتقبل هذا الأمر هو كون التجربة برمتها لاتزال في البداية ، ونتذكر جميعاً أن العام الأول من عمر الجمهورية اليمنية شهد ولادة أكثر من خمسة وأربعين مسمّى لأحزاب سياسية تمثل منها في البرلمان الأول حوالى عشرة أحزاب ثمانية منها باسمها واثنان آخران بمستقلين ، ومع انتهاء الفترة الانتقالية انحصرت الأحزاب الممثلة في البرلمان الثاني وحتى الآن بخمسة أحزاب سياسية فقط تؤكد كل المؤشرات أنها الأحزاب الموجودة بالفعل على أرض الواقع وأن ما عداها ليس أكثر من وهم أو مجموعة أوهام أكدت الأيام والأحداث أنها لم تكن سوى سبب في تأزيم الحياة السياسية!
إذن فإن الاتجاه لتعديل قانون الأحزاب بإعادة النظر في النسب التي تسمح بنشوء الأحزاب والنسب التي تسمح باستمرارها على ضوء النتائج التي تحصدها في الانتخابات هو أمر عادل ومنطقي ... وكنت أتوقع أن ترحب الأحزاب الكبيرة في المعارضة والممثلة في مجلس النواب بهذا التوجه ، لكنها صمتت ثم شككت ثم اتجهت مطالبها إلى الشكل وليس المضمون وهو أمر مؤسف بكل المقاييس كونها كانت الأكثر ضجيجاً وانزعاجاً من هذه الأحزاب ، فليس هناك أسوأ من افتقاد التعاطي الموضوعي مع القضايا الوطنية ... فبدلاً من الترحيب بموقف الحكومة طالبت بإلغاء لجنة شؤون الأحزاب التي لا يزيد دورها عن مراقبة وتنبيه الأحزاب لمقتضيات تطبيق القانون والالتزام به ، وهذا الموقف الغريب مفهوم الدوافع كونها تعلم أن تعديل القانون سيؤدي في الغالب إلى تقليص مكون المشترك إلى ثلاثة أحزاب بدلاً عن خمسة وهو أمر أظنها ترحب به في السر لكنها لابد أن تزايد عليه في العلن كالعادة! *
* نقيب الصحفيين اليمنيين
نقلا عن 26 سبتمبر